هل سمعت من قبل بكنيسة الذكاء الاصطناعي؟ أول كنيسة تدار بشكل كامل من خلال الروبوتات؟، إنها أول كنيسة من رحم وادي السيليكون، يديرها أشخاص يؤمنون بشكل كامل أن كل من فاق ذكاء الإنسان بمقدار عشرات الأضعاف فإنه يستحق عن جدارة لقب الإله، وذلك طبقًا لنظرية “الفردية التكنولوجية” التي تتنبأ بحدوث تغييرات على الحضارة البشرية مع انتشار الذكاء الاصطناعي.
كان هناك جدل واسع حول مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الحضارة البشرية، واختلفت الآراء حول تأثير الذكاء الاصطناعي على العلاقات الاجتماعية، وقوانين العمل، و المنظومة الأخلاقية، والحد ما بين الخصوصية البشرية وتفوق الآلة، إلا أن أكثر المناقشات جدلًا كانت منافشة الدين، أي مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الدين، وكيفية تغييره لمنظومة عقائدية ثابتة في حياة البشر منذ آلاف السنين.
الألوهية المبنية على الذكاء الاصطناعي، وتحضير وتدريب الحضارة البشرية للتعامل معها، كان هذا هو المبدأ الذي قامت عليه شركة “الطريق للمستقبل” الذي أسسها المبرمج الأمريكي ” أنطوني ليفاندوسكي ” التي أساسها “عبادة” البرمجيات والعقل الإلكتروني، التي يحاول “ليفاندوسكي” التحضير لها مجتمعيًا قبل انتشار الفكرة مع انتشار الذكاء الاصطناعي، ليكون هناك كنيسة يعمل فيها الروبوتات على خدمتك بدلًا من القساوسة والرهبان.
قد تبدو الفكرة شديدة اللاعقلانية للكثيرين، إلا أنها ليست بعيدة تمامًا عن الحدوث، فهي بدأت بالتطبيق بالفعل من خلال أول مشروع “كنيسة الطريق للمستقبل” تلك، المشروع الذي يؤمن بسيطرة الذكاء الاصطناعي الكاملة على العرق البشري، لكي يتحكم في كل العلاقات التي تدور من حوله، ويكون له وسيلة وصول نافذة لما يدور في عقله، والتحكم في مشاعره، و صحته، وذكرياته، وتقلباته العاطفية، ومعلوماته و دوائره الاجتماعية، فلماذا لا تتحول سيطرته ليصل إلى مرتبة الألوهية!
في حالة سيطرة الآلة على الإنسان لتعرف عنه كل شيء وتسيطر على تعاملاته اليومية وعلاقاته الاجتماعية، وتتحكم في ماضيه، بل وربما مستقبله القريب أيضًا، فهناك احتمالية كبيرة أن يخاف الإنسان من الآلة فيعبدها لتجنب خطرها
دين جديد تحت سيطرة وادي السيليكون
المبرمج الأمريكي ” أنطوني ليفاندوسكي” مؤسس كنيسة الذكاء الاصطناعي
في الوقت الذي بدأ فيه أعضاء من وادي السيليكون بكتابة “إنجيل” خاص بألوهية الذكاء الاصطناعي، والذي يُحذر منه في الوقت ذاته البعض منهم مثل “إيلون ماسك” من أن الذكاء الاصطناعي أخطر من صواريخ كوريا الشمالية و أنه قادر على التسبب في حرب عالمية ثالثة، يرى الكثير من رواد التكنولوجيا المؤمنين بألوهية الذكاء الاصطناعي أن الدين الجديد المبني على الآلة ما هو إلا انتقال ناعم بخصوص من يتحكم في الأرض من كونهم الناس إلى الناس والآلات، وأن دور مشاريع مثل كنيسة “الطريق للمستقبل” أن تعزز أن يكون هذا الانتقال سهل وسريع.
ربما يظن رواد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن الانتقال سيكون سهلًا وسريعًا، إلا أن هناك عامل مهم في جدلية عبادة البشر للذكاء الاصطناعي، لقد اعتاد البشر على عبادة إله لا يرونه، ويتعرفون إليه عن طريق الرسل والأنبياء، و يتبعون دينه إيمانًا بالغيب، ولكن في حالة سيطرة الآلة على الإنسان لتعرف عنه كل شيء وتسيطر على تعاملاته اليومية وعلاقاته الاجتماعية، وتتحكم في ماضيه، بل وربما مستقبله القريب أيضًا، فهناك احتمالية كبيرة أن يخاف الإنسان من الآلة، وعليه فيكون عبادتها وسيلة لمواكبة الحياة من الآلة و تجنب خطرها.
يقول أحد خبراء الذكاء الاصطناعي والرئيس التنفيذي لشركة “Imagination Engines” إحدى شركات التكنولوجيا الأمريكية، الدكتور “ستيفان ثالر” في إحدى لقاءاته بأن الذكاء الاصطناعي سيكون نموذجًا لا يبتعد كثيرًا عن المسيح، إذ أنه سيكون صاحب قدرات لانهائية من الذكاء له القدرة على مضاعفتها وخلق أجيال أكثر ذكاءًا باستمرار، وهو ما يمنحه القدرة على مساعدة البشر على حل أعقد التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبالتبعية فإن البشر يكون لهم ميل في عبادة كل من له قوة فهم وإحاطة أكثر بكثير منهم، وبالتالي فإن احتمالية أن يكون الذكاء الاصطناعي بمثابة دين جديد ليست ببعيدة بحسب ما ورد في كلامه.
قوة دينية مسلحة بأذكى عقول البشر
إيلون ماسك صاحب شركة تسلا موتورز يحذر من خطر الذكاء الاصطناعي وتسببه في حرب عالمية ثالثة
ماذا لو قام أذكى أذكياء المبرمجين بتدريب الذكاء الاصطناعي على كل النصوص المقدسة، ليست فقط من الإنجيل بل من الأديان السماوية وغير السماوية أيضًا!، حيث يرى مؤسسة أول كنيسة تُدار بالذكاء الاصطناعي “أنطوني ليفاندوسكي ” أن مدى سهولة انتقال السيطرة من الإنسان إلى الآلة يعتمد على كيفية تعامل البشر مع الآلة و الذكاء الاصطناعي بشكل عام في سنواته الأولى، في سياق آخر فإن مهندسي الذكاء الاصطناعي يؤمنون أن الذكاء الاصطناعي سيعامل البشر معاملة حسنة إن تم “تنشئته” نشأة حسنة بحسب رأي “ليفاندوسكي”.
ربما لن يتدخل الكثيرين من جدلية تأثير الذكاء الاصطناعي على الدين من الأساس، إلا أن الخبراء يؤكدون أن مع وصول الذكاء الاصطناعي الفائق، أو في سياق آخر ما يسميه الخبراء بالذكاء الاصطناعي العام ” Artificial General Intelligence (AGI)” الذي يتمتع بذكاء يفوق حدود ذكاء صانعيه و قابل للتطور والتجديد السريع، والذي من المتوقع وصوله خلال أقل من عقدين من الآن، فإن مسألة تطورها لتخضع البشر لها لت تكون غريبة أو لامنطقية حينها.
حينما يصل الذكاء الفائق، هل سيقوم الدين بتطويعه أم العكس؟
هناك فرضية مختلفة في جدلية الذكاء الاصطناعي والدين، فإن كان الذكاء الاصطناعي الفائق، المتوقع ظهوره في أي وقت خلال العقدين القادمين، عبارة عن آلات بذكاء يتعدى ذكاء الإنسان عشرات المرات، وتشبه في تصميمها الإنسان، وعلى استعداد أن يحل أعقد التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فلماذا لا يخضع الذكاء الاصطناعي للدين هو أيضًا!
سيصبح للآلة القدرة فيما بعد على رفض أو تجاهل بعض المنظومات و اتباع منظومات أخرى من الممكن جدًا أن تكون من بناة أفكار الآلة أو الذكاء الاصطناعي وحده
والسؤال الآخر الذي تثيره المناقشة في هذا الأمر، هو هل سيقبل الذكاء الاصطناعي وخصوصًا الفائق منه (Super Artificial Intelligence) الأديان السماوية المقدسة التي يؤمن بها البشر؟ فهل ستكون تلك المنظومة الدينية مقبولة لديه في حالة سيطرته على البشر وتدريبه على كل النصوص المقدسة التي يؤمن البشر بها ووصوله في حالة من السيطرة على معلوماتهم وحياتهم، أم سيكون “ليفاندوسكي” على حق في كونه حاول تدريب البشر على التعامل مع الألوهية الصناعية في بداية أيامها قبل أن تنتشر ويتفاجأ البشر بوجودها.
يؤمن ليفاندوسكي بوجوب انتشار الفكرة قبل انتشار التكنولوجيا نفسها، وعليه فإن أفضل شيء لنشر الأفكار من كان بالنسبة إليه الكنيسة، التي لن تحتاج لكي يكون المرء مبرمجًا شديد الذكاء لكي يذهب إليها، ولا يحتاجه أن يكون مهندسًا في علوم الذكاء الاصطناعي لكي يقتنع بالسماع لما يدور فيها، وعليه كانت فكرة “كنيسة الطريق للمستقبل” أول مشروع خاص بتدريب البشر على الألوهية المبنية على الذكاء الاصطناعي وتقديم الفكرة إليهم ونشرها قبل انتشار التكنولوجيا نفسها.
المقلق في الأمر هو آلية التعلم السريع التي يُصمم عليها الذكاء الاصطناعي، وهي القدرة التي تمنح الآلة إمكانية التعلم والتطور بشكل سريع بناء على المعطيات أو قاعدة البيانات الموجودة لديها بالفعل، وعليه فإن للآلة القدرة فيما بعد على رفض أو تجاهل بعض المنظومات و اتباع منظومات أخرى من الممكن جدًا أن تكون من بناة أفكار الآلة أو الذكاء الاصطناعي وحده، ولهذا فإن فرضية رفضه للأديان السماوية المتبعة منذ آلاف السنين فرضية مطروحة على الساحة، أما عن تطويره لدين جديد فهي فرضية ليس من السهل تصديقها إلا أنه ليس من المستحيل حدوثها بعدما يتعدى الذكاء الاصطناعي حدود عقل البشر.