العراق.. كيف تختار مرشحك في الانتخابات القادمة؟

حسمت المحكمة الاتحادية العليا في العراق الجدل عن مصير الانتخابات وتأجيلها لصالح المضي قدمًا بالموعد المحدد الذي تقرر أن يكون الثاني عشر من مايو/أيار القادم، حيث سيتنافس في هذه الانتخابات ما يقارب 206 أحزاب سياسية هدفهم الفوز بمقاعد مجلس النواب البالغ عددها 328 مقعدًا.
ومن خلال نظرة سريعة لواقع الكتل والأحزاب السياسية في العراق بشكل عام سنشاهد عملية إفراز نفس الوجوه والمدخلات وتكرار عام لنفس الشعارات والمطالبات التي تكررت على مدار 15 عامًا في عراق ما بعد 2003، حيث ما زال الناخب العراقي يختار مرشحه في الانتخابات المتكررة وفق نقاط محدد وتخندق لم يفارقه، فهو يختار وفق أحد التقسيمات الفرعية، الطائفية، العرقية، العشائرية، الدينية، المناطقية، فيما يغفل عن أهم ما تتميز به عملية الاختيار للمرشح وهو “البرنامج الانتخابي”!
للأسف هذه حقيقة الديمقراطيات الجديدة في العالم الثالث التي ما زالت لم تتشرب جوهر وفكرة الديمقراطيات العريقة التي تصوت على أساس وعود المرشح في حال الفوز وما خطته لتحقيق ما وعد به، وكيفية محاسبته في حال أخفق في ذلك.
هذا الأمر يقودنا لحقيقة جهل الناخب والمنتخب في عالمنا الثالث بالآليات الحقيقية للتعاطي مع الممارسات الديمقراطية، لذلك سنحاول في هذا المقال تسليط بقعة ضوء موجهة للناخب العراقي؛ حيث سنجيب عن سؤال كيف أختار المرشح الصحيح؟ الهدف منها رفع مستوى الإدراك في الممارسة الواعية للديمقراطية.
كيف أختار المرشح الصحيح في الانتخابات العراقية القادمة؟
1- لا تضع صوتك لمرشح في قائمة صغيرة
لاختيار المرشح الانتخابي عليك فهم قانون الانتخابات العراقي حتى لا يذهب صوتك للشخص الذي لم تنتخبه أصلاً!، ستسألني كيف يذهب صوتي للشخص الذي لم أنتخبه؟ أقول لك هذا الأمر نتيجة قانون الانتخابات العراقي المعدل؛ حيث يعتمد قانون الانتخابات على نظام سانت ليكو المعدل بنسبة 1.7، النسبة التي ستجعل المرشح الذي يحصل على 500 صوت أوفر حظًا من صاحب 5000 صوت فقط لأن الأول ضمن كتلة كبيرة والثاني ضمن كلته صغيرة.
ولتبسيط الفكرة وطريقة قسمة الأصوات وفرز المرشحين وفق نظام سانت ليكو المعدل عليك مشاهد الفيديو.
شرح لطريقة حساب سانت ليكو المعدل بنسبة 1.7
هذا الأمر يجعلنا نصل للخطوة الأولى في طريقة اختيار المرشح “لا تختر مرشحًا ضمن قائمة صغيرة لأن أصواته ستذهب للقوائم الكبيرة”، وهذا للأسف ما سيعزز قوة وسطوة رئيس الكتلة الكبيرة لأن المرشح سيفوز بأصوات قليلة ويعتمد في فوزه على الكتلة الانتخابية الكبيرة، وهذا من أبرز المشاكل في العملية الانتخابية في العراق (القانون الذي يصب في مصلحة الكتل الكبيرة).
2- انتخب أفراد داخل قوائم ولا تنتخب قوائم فقط
يحق للناخب العراقي انتخاب قائمة بشكل عام أو مرشح محدد داخل قائمة، ولأن تسلسل المرشحين ضمن القوائم يعاد ترتيبه بعد فرز الأصوات حسب الأكثر عددًا فإن مرشحك حتى لو كان رقم 1 في القائمة الانتخابية فإن عدم حصوله على أعلى الأصوات سيجعل تسلسله حسب عدد أصواته وذلك ما نص عليه قانون الانتخابات العراقي في المادة مادة (14) ثالثًا: “توزع المقاعد داخل القائمة بإعادة ترتيب تسلسل المرشحين استنادًا على عدد الأصوات التي حصل عليها كلا منهم، ويكون الفائز الأول من يحصل على أعلى الأصوات وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين”.
هذه الفقرة بالقانون تنبهنا أن عدم اختيارك لمرشحك والاكتفاء باختيار الكتلة قد يجعل صوتك يذهب لمرشحين آخرين داخل الكتلة أنت لا ترغب بالتصويت لهم، وأيضًا من المهم إذا كان هناك رمز يحصد أصوات كثيرة ومضمون الفوز أن تضع صوتك لشخص آخر من الكتلة تعتقد أن فوزه بجانب الرمز سيعزز من نجاح الكتلة لأن بعض الرموز تحصد أصواتًا كبيرة ولكن هذه الأصوات قد لا تصب في صالح حزبه وإنما في صالح حزب آخر داخل نفس الكتلة الانتخابية!
لا يهم كم صوتًا انتخبك ولكن كم مقعدًا لديك من حزبك داخل مجلس النواب وعلى هذا الأساس تتم عملية التكتلات الجديدة داخل قبة البرلمان
فمثلاً إذا كانت الكتلة “س” المشاركة بالانتخابات عن مدينة بغداد المتكونة من 3 أحزاب ولكل حزب 10 مرشحين، فقد نجد فوزها بـ10 مقاعد وهذه المقاعد نتيجة تصويت الناخب للمرشح الرمز ليس بالضرورة أن تكون 10 مقاعد غالبيتها من حزب الرمز وقد يكون حزب الرمز لم يفز إلا بمقعد واحد وهو مقعد الرمز نتيجة أن الناخبين للحزب صوتوا فقط للشخصية الرمزية بينما الحزبين الآخرين لديهم 9 مقاعد.
وهذا ما يجعل أصوات الرمز تذهب للشركاء من الأحزاب الثانية داخل الكتلة، ولا تذهب لحزبه فيكون موقفه ضعيفًا داخل البرلمان لأن داخل القبة لا يهم كم صوتًا انتخبك ولكن كم مقعدًا لديك من حزبك داخل مجلس النواب وعلى هذا الأساس تتم عملية التكتلات الجديدة داخل قبة البرلمان.
3- المجرب لا يجرب
4 سنوات كفيلة بظهور حقيقة أداء أي شاغل لمنصب عام بشقه التشريعي ووفق هذا الأمر فإن عددًا كبيرًا من المرشحين اليوم من الشاغلين لمناصب حكومية تنفيذية أو أعضاء في مجالس محلية أو البرلمان كان لديهم أداء عملي أمام الناخب، وتكرار انتخاب شخصية فشلت فشلاً واضحًا في الأداء العملي لها خلال السنوات الأربعة الماضية بذريعة أنها من نفس الطائفة أو الدين أو العشيرة أو القومية والمناطقية إلى آخره من المبررات للقفز على حقيقة فشل هذه الشخصية في أداء مهمتها تجاهك كناخب، سيجعلك سببًا حقيقيًا في فشل عملية الإصلاح والتغير المنشودة من الانتخابات في العراق.
مجلس النواب العراقي في دورته الانتخابية الثالثة
قياس أداء الشاغل للمنصب الحكومي ليست صعبة في زمن التكنولوجيا التي توثق الكثير من المواقف والأحداث، ويمكنك العودة ببحث سريع عن اسم المرشح الذي تود تقديم صوتك له لتشاهد نبذة عن أدائه خلال الفترة الماضية، وأيضًا من السهل معرفة ذلك من خلال انعكاس الأداء عليك، فالناخب العراقي يصوت وفق دوائر انتخابية محددة بالمحافظات؛ الأمر الذي يسهل عليك معرفة أداء مرشحك في الفترة الماضية.
4- طالع السيرة الذاتية للمرشح
بعد أن تجنبنا اختيار الوجوه القديمة التي فشلت في الأداء، سنكون أمام امتحان من نوع جديد وهو كيف تختار شخصًا لا يمتلك تجربة في مجلس النواب وهو مرشح جديد، ولعل السيرة الذاتية للمرشح تكون المفتاح الأول لحل هذه المشكلة فهي تعطيك نبذة جيدة عن أداء الشخص في مهماته السابقة ومدى حقيقة إمكاناته العلمية والعملية في أداء الوظيفة المرشح لها.
لا يكفي أن يكون مرشحك حاملاً لشهادات علمية جيدة، فالمنصب العام يحتاج لخبرة جيدة ولأن قانون الانتخابات العراقي حدد عمر 30 عامًا كحد أدنى للمرشح فإن هذا التحديد يرفع من إمكانية وجود خبرة عملية لا تقل عن 3 سنوات لأي مرشح يتقدم لعضوية مجلس النواب وهذه السنوات كفيلة بأن تعطي انطباعًا عامًا عن سيرته وقدرته الحقيقية.
يتوجب أن يكون الناخب واعيًا لحدود المنصب وإمكاناته وأن تكون الوعود المطلقة من المرشح تتناسب مع صلاحيات ذلك المنصب
ومن واقع السيرة الذاتية سيظهر لك مكان عمله السابق ودراسته والعائلة التي ينتمي لها، هذا الأمر يمكنك من خلاله معرفة نزاهة المرشح واستقامته إلى آخره، وهذه أمور تجعلك تتوقع كيف سيكون شكل الأداء المستقبلي لمرشحك.
5- اقرأ برنامج المرشح الانتخابي
لكل مرشح وعود انتخابية يقدمها لناخبيه ليقوموا بالتصويت له تحقيق هذه الوعود، وهذا باختصار الشق الأول من البرنامج الانتخابي، لكن الشق الأهم كيف سيقوم بتحقيق هذه الوعود وحقيقة إمكانية تحقيق ما ألزم المرشح نفسه به أمام الجمهور!
يتوجب أن يكون الناخب واعيًا لحدود المنصب وإمكاناته وأن تكون الوعود المطلقة من المرشح تتناسب مع صلاحيات ذلك المنصب، فبعض المرشحين يوحون للناخب أنهم في حال فوزهم سيمتلكون عصا موسى تصنع المعجزات، بينما الحقيقة مختلفة، وهذا يقع على عاتق الناخب الذي عليه تمييز البرنامج الانتخابي الحقيقي من الشعارات الرنانة التي لا تتبعها خطة عمل حقيقية.
6- تابع مرشحك في أثناء حملته الانتخابية
خلال فترة الانتخابات غالبًا ما يحاول المرشح الظهور الإعلامي والاحتكاك مع الناخبين وهي فرصة جيدة لقياس أداء المرشح من ناحية متابعته في الحوارات واللقاءات التليفزيونية أو الجلسات العامة والزيارات الدورية وهذا الأمر يمكن أن يخلق لك انطباعًا عامًا عن قدرة المرشح على الأداء داخل قبة البرلمان التي تحتاج الكثير من الكاريزما والأداء القوي في الحوارات والنقاشات وطرق عرض الآراء ومناقشة القوانين والمقترحات.
مجموع الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات العراقية في جميع المحافظات 24 مليونًا و33 ألفًا
فإذا لم يفلح مرشحك في الأداء في جولاته الانتخابية وحوارته التليفزيونية وقدرته أن يكون قريبًا من ناخبيه وإدارة فريق عمله الصغير في مهمة الترشح للانتخابات، فهو بكل تأكيد لن يكون المرشح الأفضل الذي يمثلك تحت قبة البرلمان.
هذه أبرز النقاط التي يمكنها أن تحدد لك الاختيار بين العشرات من المرشحين المتنافسين على صوتك، ولأن صوتك أمانة ومهم فإن عملية البحث الجيدة والاطلاع على المرشحين واختيار الأصلح منهم مهمة صعب لكنها ليست مستحيلة في ضوء النقاط الستة التي قمت بتحديدها لك أعلاه.