ترجمة وتحرير: نون بوست
تماما كما كان المعارضون في الجانب الآخر من الستار الحديدي يعلمون أن رونالد ريغان هو حليف حقيقي لهم، يشعر الشعب الإيراني اليوم بأن الرئيس ترامب يقف إلى جانبه.
بعد حوالي 40 سنة من الاضطهاد والفساد والدكتاتورية، خرج عشرات الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع احتجاجا ضد نظام الملالي الفاسد. وتماما كما حدث مع الموجة السابقة، وهي الحركة الخضراء التي اعتبرت ربيعا فارسيا خلال سنة 2009، فإن حالة الغليان بسبب الركود الاقتصادي، ارتفاع نسبة البطالة وتفشي الفساد، أدت إلى اندلاع هذه الاحتجاجات ضد عصابة من رجال الدين الذين يتولون مقاليد السلطة في طهران.
على عكس سنة 2009، عندما تجاهل الرئيس الأمريكي حينها صرخات الشعب الإيراني، يدعم دونالد ترامب وفريقه بقوة حق هذا الشعب في التعبير عن الرأي وحرية التجمع السلمي وحق الإيرانيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم عبر الانتخاب الشعبي، وليس من خلال انتخابات تحاك داخل مجلس الملالي.
عموما، يحاول هؤلاء الملالي تصوير الدعم الخارجي، الذي يتلقاه المحتجون، على أنه أمر يقوض شرعية هذه التحركات. في المقابل، يمكن الرد على هذه الادعاءات مردودة على أصحابها، نظرا لأن ما نشهده في الحقيقة هو انفجار عفوي، نابع من حالة التململ التي يعيشها الشعب أمام النظام الفاسد.
صوت شبكة الأخبار الفارسية، وراديو فردا، الأمريكيين، يمثلان وسائل أساسية لضمان إبلاغ الشعب الإيراني بالدعم الأمريكي له
عندما كنت مكلفا بكتابة خطابات الرئيس رونالد ريغان حول المعارضين داخل الاتحاد السوفييتي، كنا نعلم المخاطرات التي يتحملها أولئك الذين وقفوا في وجه الطغيان في الجانب الآخر من الستار الحديدي. في المقابل، كانوا في حاجة لأن يفهموا أنهم ليسوا بمفردهم في هذه المعركة، وأن العالم الخارجي كان مقدّرا لبطولتهم وشجاعتهم في مواجهة مصير السجن وحتى الموت.
عندما اندلعت المظاهرات الأخيرة، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة، جاء فيها إن: “الحكومة الإيرانية مطالبة باحترام حقوق شعبها، ومن ضمنها حق التعبير عن الرأي، والعالم الآن بصدد المشاهدة”. وقد كانت إدارة ترامب صريحة في لفت انتباه العالم إلى الجرائم التي يرتكبها النظام الملالي، إذ نددت خلال الشهر الماضي، الممثلة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بتسليح إيران للمتمردين الحوثيين في اليمن. ومن جهته، أعلن وزير الخارجية ريكس تيلرسون مؤخرا أن “إدارة ترامب تدعم تطلعات المتظاهرين، ومن بينها الدعوات لتغيير الحكومة”.
في وقت سابق من الشهر الجاري، سلط وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين عقوبات جديدة على كيانات إيرانية هامة، متورطة في برنامج تطوير الصواريخ البالستية. كما أطلق مدير الشؤون الإيرانية، والعراقية، والسورية واللبنانية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، عدة تصريحات إيجابية أمام وسائل الإعلام، مرحبة بالتطورات الأخيرة، على عكس المواقف الضعيفة والمهادنة التي صدرت عن إدارة أوباما.
وعلى الرغم من المخاوف والصعوبات بشأن الموظفين والبرمجة، إلا أن صوت شبكة الأخبار الفارسية، وراديو فردا، الأمريكيين، يمثلان وسائل أساسية لضمان إبلاغ الشعب الإيراني بالدعم الأمريكي له، في أعلى المستويات الرسمية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تلعب بعض التكنولوجيات المهمة، على غرار تطبيق “فاير شات” الخاص بالهواتف الذكية، والذي يمكنك من التواصل بسرية، دورا هاما خاصة منذ إقدام النظام على غلق بعض التكنولوجيات الأخرى الآمنة في الإنترنت على غرار تطبيق “تلغرام”. وفي الحقيقة، يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بكل ما في وسعها من أجل توفير تغطية شبكة الإنترنت للشعب الإيراني.
إدارة ريغان كانت حينها قد واجهت بدورها تحديات كبيرة في الملف الإيراني على غرار الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية في بيروت في سنة 1983، والذي تقف وراءه طهران
كما يعلم الشعب الإيراني جيدا بفضيحة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي منح مليارات الدولارات للملالي كجزء من الاتفاق النووي الممضى خلال سنة 2015. وفي الوقت الراهن، من المفترض أن يكون البرنامج النووي الإيراني مسخرا بالكامل لأغراض سلمية. لكن تم توجيه تلك الأموال التي دفعت نحو تمويل العنف في الشرق الأوسط والعمليات الإرهابية، عوضا عن تحسين مستوى عيش الشعب الإيراني.
تماما كما كان المعارضون في الجانب الآخر من الستار الحديدي، يعلمون أن رونالد ريغان كان حليفا حقيقيا لهم، ومؤمنا صادقا بحقوق الإنسان، يشعر الشعب الإيراني اليوم أن الرئيس ترامب يقف إلى جانبه، على عكس الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان حليفا للملالي.
علاوة على ذلك، يدرك الشعب الإيراني جيدا أن الرئيس ترامب وطد علاقات بلاده مع الهند، متغاضيا بذلك عن العلاقات الأمريكية الباكستانية. وربما يكمن السر وراء هذا التغير، في أن الناس يشعرون الآن بوجود قائد حقيقي، واضح وموثوق، يشغل البيت الأبيض ويعيد إحياء المقاربة الصلبة التي أطلقها رونالد ريغان إبان الحرب الباردة.
وتجدر الإشارة إلى أن إدارة ريغان كانت حينها قد واجهت بدورها تحديات كبيرة في الملف الإيراني على غرار الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية في بيروت في نيسان/أبريل سنة 1983، والذي تقف وراءه طهران، إلى جانب عملية اختطاف وقتل ويليام باكلي، المسؤول السياسي في السفارة الأمريكية في بيروت في آذار/مارس سنة 1984، والهجوم الذي استهدف ثكنات “المارينز” في لبنان في تشرين الأول/أكتوبر سنة 1983، ما أدى لمقتل 241 أمريكيا، إلى جانب اختطاف طائرة “تي دبليو أي” رقم 847 وما تلاها من قتل جندي البحرية روبرت ستيتن، علاوة على اختطاف وتعذيب وقتل العقيد ويليام هيغنز خلال سنة 1988، وفضيحة “إيران كونترا” الشهيرة.
ينجح النظام الإيراني بشكل فعال في خنق هذه الانتفاضة، ولكنه لن يكون في النهاية قادرا على خنق رغبة الشعب الإيراني في مجتمع أكثر حرية وعدالة
في الواقع، كل هذه الحلقات المأساوية والمقلقة دفعت بالإدارات الأمريكية للتعامل مع إيران بشكل متردد. ولكن يبدو أن هذا النهج بصدد التغير الآن، فنحن نحتاج إلى استعادة مقاربة ريغان في مواجهة إيران، خاصة فيما يتعلق بدعم الأكراد، والآذاريين، والبلوش، والعرب، والفرس المعارضين للنظام، من أجل خلق معادلة تقوم على مبدأ حرية تقرير المصير، وتأسيس بنية سياسية فيدرالية لامركزية.
على العموم، يبقى مستقبل إيران بين يدي الشعب الإيراني نفسه. لكن نموذج الفيدرالية الديمقراطية في شمال سوريا، والمجالس الديمقراطية التشاركية السورية، التي لا تقوم على المحاصصة العرقية أو الدينية، ربما تكون فكرة تستحق النظر. وبينما نقترب من الموعد النهائي الذي سيقرر فيه الرئيس ترامب ما إذا كان سيعيد فرض عقوبات على النفط الإيراني، وهو ما سيعني بالضرورة خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ربما يكون للاحتجاجات في إيران تأثير عميق على السياسة الأمريكية.
فعندما فضّل الرئيس ترامب عدم المصادقة على الاتفاق النووي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مارس العديد من أصدقائنا وحلفائنا ضغوطا لإبقائنا داخل هذا المسار. ولكن يبدو الآن أن الأوضاع قد انعكست، إذ أننا نحن من نطلب منهم مساندة الشعب الإيراني، ومنع الملالي من التمادي في استخدام العنف ضد مواطنيهم.
فضلا عن ذلك، ينجح النظام الإيراني بشكل فعال في خنق هذه الانتفاضة، ولكنه لن يكون في النهاية قادرا على خنق رغبة الشعب الإيراني في مجتمع أكثر حرية وعدالة. وفي هذه المرحلة، تقف الولايات المتحدة إلى جانب المتظاهرين الإيرانيين الشجعان حيث أوضح الرئيس دونالد ترامب بما لا يدع مجالا للشك بنفسه هذا الأمر.
المصدر: ناشونال إنترست