“ممكن تعطيني خمس جنيهات ( أقل من دولار) لحاجتي الشديدة لهذا المبلغ”.. قبل أكثر من ستين عاما سأل بائع للخضروات مقاول البناء الحاج عبد العال محمد، أن يساعده بهذا المبلغ لحاجته الشديدة إليه، غير أن الحاج عبد العال، والذي كان يسير معه حينها نجله الصغير صبري، قال له: ” والله أنت جئت في وقتك.. أنا كنت بفكر (أفكر) أعطيك خمسة جنيهات تجعلهم رصيد لي عندك ، وسأمر عليك كل يوم تعطيني تشكيله من الخضروات”.
وقال الحاج عبد العال لابنه صبريه: ” أنا مع مساعدة الشخص على العمل، لكني ضد أن تعطي لشخص قادر على العمل أموالا دون مقابل، فهذا يدفعه للكسل”.
وظل هذا الدرس عالقا في ذهن الابن صبري، ليتصرف بنفس الكيفية التي تصرف بها والده عندما طلبت منه إحدى بائعات الخضروات في المنطقة التي يقيم بها مساعدة مادية، ليتطور نشاط تلك السيدة بسبب هذه المساعدة البسيطة، ويقرر الرجل حينها بعد التغير الذي لمسه في حياة تلك السيدة توسيع نشاطه في الإقراض متناهي الصغر.
ويحكي صبري “68 عاما ” لمراسل الأناضول قصة هذه السيدة قائلا: “جاءتني تلك السيدة قبل عشرة أعوام، وطلبت مني مبلغ عشرة جنيهات (أقل من دولار ونصف) كمساعدة، فقلت لها نفس الكلام الذي قاله والدي لبائع الخضروات قبل 50 عاما.. قلت لها أنا أعرف أنك تبيعين خضروات، سأعطيك مبلغ عشرة جنيهات تشتري بها خضروات، وسأمر عليكي كل فترة أحصل على ما أحتاجه من الخضروات خصما من العشرة جنيهات”.
ويبتسم الحاج صبري وهو يضيف: “الحمد لله، انقذت تلك السيدة من أن تتحول إلى متسولة، وبدلا من أن أعطيها عشرة جنيهات تنفقها في الحال، اشترطت عليها أن تشتري بهذا المبلغ خضروات وتمارس النشاط الذي تحترفه”.
لم تكن هذه السيدة هي الحالة الوحيدة التي نجح الحاج صبري في تغيير وجه حياتها إلى الأفضل، منقذا إياها من احتراف التسول، بل أن حالة الشاب “سامي الدبركي” من بين الحالات التي يعتز بها الرجل، وهي الحالة الوحيدة التي يذكر اسم صاحبها، لأنه هو من طلب منه ذلك، تقديرا منه للدور الذي لعبه معه الحاج صبري.
يقول الحاج صبري المقيم في منطقة المرج شرقي القاهرة: ” طلب مني أصدقائي الذين يقيمون في منطقة قريبة من المرج مساعدة شخص يقيم في منطقتهم، فأخبرتهم أني ضد المساعدات الشهرية والتي تخلق عاطلين ومتسولين، حددوا لي موعدا معه لأزوره في منزله، لأرى ما يمكنني أن أقدمه لمساعدته”.
وكانت الزيارة التي قام بها صبري هامة للغاية، فخلالها وقعت عينه على إناء لتجهيز الفول ملقى في أحد أركان المكان، فسأل: “ولماذا لا تبيع هذا الإناء وتحصل على قيمته من النقود؟ .. فرد الرجل: “وما هي قيمة النقود التي سأتحصل عليها إن بعته ؟”.
عاد الحاج صبري ليسأله: “وما هو سر تواجد هذا الإناء في منزلك؟”
قال الرجل: “كنت أجهز فيه الفول وأبيعه أمام المنزل”.
كانت إجابة هذا الرجل هي مفتاح الحل الذي وجده الحاج صبري له، حيث قال له: “وما الذي يمنعك من العودة لممارسة هذا العمل؟”.
أجاب الرجل: “ليس معي ثمن الفول ولا ثمن الوقود لتجهيزه”.
كان من الممكن أن يعطي الحاج صبري الرجل ثمن الفول وثمن الوقود، لكنه اشتراهما له بنفسه وكانت قيمتهما حينها عشرة جنيهات، ثم قال له من مكسب البيع، اشتري الفول مرة أخرى، وستسير الأمور معك إلى الأفضل، وقبل أن يغادر المكان أخبره أن مبلغ العشرة جنيهات هو دين عليه، سيسدده على مراحل كلما تتحسن أحواله.
وحول تمسكه باسترجاع العشرة جنيهات قال الحاج صبري: ” لابد أن أشعره أنه لا يتسول، وأن ما حصل عليه قرض واجب السداد، حتى يتعود على العمل”.. ثم يضيف: “بعد سنتين ذهبت في زيارة للمنطقة التي يقيم فيها سامي وقد نسيت قصته، وعندما عرف الرجل أني أزور المنطقة أتاني معاتبا، لماذا لم تسأل عني خلال تلك الفترة الطويلة”.
ويضيف: ” كدت أطير من الفرحة بعد أن عرفت أن حال سامي تحسن جدا وأن تجارة الفول تطورت معه إلى بيع أشياء أخرى بجوارها مثل الفلافل والبطاطس، وتطور الأمر إلى مطعم صغير.. ماذا لو أعطيت الرجل مساعدة 50 جنيها ( 7 دولارات تقريبا )؟ .. كان سينفقها ثم يظل الحال كما هو، ولكن ما فعلته هو أني وضعت قدمه بمبلغ بسيط للغاية على الطريق الذي قاده إلى النجاح”.
وتجربة الحاج صبري بهذه الكيفية أقرب ما تكون إلى تجربة محمد يونس، مؤسس بنك “جرامين” للإقراض متناهي الصغر في بنغلاديش، والتي حصل بسببها على جائزة نوبل للسلام عام 2006 ، لما حققته هذه التجربة من سلام مجتمعي.
المصدر: الأناضول