“البحث عن مرشح يخسر أمام السيسي”، هكذا عنونت صحيفة “القبس” الكويتية، تقريرها الصادر أول أمس، الـ25 من يناير/كانون الثاني، تعليقًا على آخر المستجدات الطارئة على مشهد الانتخابات الرئاسية المصرية المقرر إجراؤها في مارس/آذار المقبل.
تطور جديد تشهده الساحة السياسية المصرية في محاولة لحفظ ماء الوجه وإخراج المشهد الانتخابي بصورة مقبولة دوليًا بعدما فُرغت الساحة تمامًا من المنافسين وبقي الرئيس عبد الفتاح السيسي يغرد منفردًا في السباق، في مشهد يعيد الأجواء إلى ما دون استفتاءات الرئيس الأسبق حسني مبارك.
نقلة نوعية تشهدها خريطة الانتخابات المصرية، فبعد قطع الطريق على المرشحين المحتملين، أسفرت عن انسحاب ثلاثة واعتقال اثنين أحدهما رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، وجد النظام في مصر نفسه في موقف حرج أمام المصريين من جانب والعالم من جانب آخر، ومن ثم بدأت رحلة البحث عن منافس صوري لخوض الانتخابات من أجل إكمال أضلاع المشهد.
محاولات تجميل الصورة يجريها نظام السيسي وأذرعه الأمنية والإعلامية بعد الموقف الحرج الذي وضعهم فيه الحقوقي خالد علي إثر انسحابه قبل يومين، من أجل توفير المرشح البديل، وسط أنباء عن نية حزب الوفد (المعارض) القيام بدور “المحلل” لإضفاء الشرعية الشكلية على الانتخابات في ظل حملة من الانتقادات الممزوجة بالسخرية داخليًا وخارجيًا.
تفريغ الساحة
بعيدًا عن غير الجادين في مسألة الترشح، فهناك خمسة مرشحين قرروا خوض السباق الانتخابي القادم غير أن جميعهم تم إقصاؤه من المشهد، إما بالتهديد والتضييق الأمني وإما بالاعتقالات.
خالد علي.. في الـ11 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، أعلن الحقوقي المصري إصراره خوض المعركة الانتخابية مؤكدًا استمراريته رغم اعتراضه على شروط الهيئة الوطنية للانتخابات.
غير أنه وفي الـ24 من نفس الشهر قرر الانسحاب رسميًا في أعقاب ما تعرض له الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق، فضلاً عن عدم ملاءمة المناخ العام لإجراء انتخابات نزيهة في ظل تحيز السلطات ومؤسسات الدولة للسيسي، بحسب ما جاء في كلمته بالمؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه قرار الانسحاب.
سامي عنان.. في 20 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، أعلن الفريق نيته الترشح للرئاسة، مطالبًا مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بالوقوف على الحياد بين جميع من أعلنوا نيتهم الترشح للرئاسة، إلا أن كلمته التي لم تتجاوز 5.15 دقيقة أثارت حفيظة القوات المسلحة التي لم تمهله سوى ثلاثة أيام فقط لتصدر بيانها الذي اتهمت من خلاله رئيس أركانها الأسبق بالتزوير وارتكاب مخالفات تستوجب المحاكمة.
المعارضة وإن كانت مشتتة وليست على قلب رجل واحد غير أنها نجحت في الاصطفاف – غير المتفق عليه – في إحراج النظام وذلك بعد تنحيها تمامًا عما وصفته بـ”المسرحية الانتخابية”
وفي الـ23 من الشهر الحاليّ تم اعتقال عنان واقتياده من سيارته إلى النيابة العسكرية ومنها إلى جهة معلومة لأفراد أسرته أو حتى محاميته الموكلة بالدفاع عنه، حتى الآن، وهو ما أثار حالة من الجدل داخل الشارع المصري وخارجه.
الترهيب لم يتوقف عند الاعتقال وفقط، بل تجاوز ذلك إلى محاولة قتل المقربين منه وعلى رأسهم المستشار هشام جنينة الذي أعلنه عنان نائبًا له في خطاب ترشحه، حيث تعرض للاعتداء من قبل ثلاثة بلطجية صباح اليوم أثناء ذهابه للمحكمة لحضور جلسة الطعن علي قرار إعفاؤه من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبحسب محاميه، علي طه، فأن جنينة تُرك ينزف قرابة الساعة داخل قسم أول التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، دون إسعافه، هذا فضلا عن منع زوجته وبناته من زيارته والاطمئنان عليه، وبعد محاولات مضنية تم السماح لزوجته بالدخول، فيما قال لها قبل تعرضه للإغماء بأن ما تعرض له كان محاولة لاختطافه وحين استنجد بالمارة من حوله تم الاعتداء عليه وكاد أن يتعرض للقتل بحسب ما كتب المحامي على صفحته الشخصية على “فيس بوك”.
فيما أرجعت الداخلية وفق روايتها الحادث إلى اصطدام سيارة جنينة مع سيارة أخرى، بمنطقة التجمع الخامس، وتطور الأمر بين الطرفين لاشتباكات، ما أسفر عن إصابة بعضهم.
جنينة بعد الاعتداء عليه
أحمد شفيق.. في 29 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء المصري الأسبق والمرشح الرئاسي في انتخابات عام 2012، رغبته في الترشح للرئاسة، في فيديو مسجل من الإمارات العربية المتحدة، منتقدًا ما وصفه بـ”الانهيار والتردي” الذي تشهده الأوضاع في مصر.
وبعد أربعة أيام تقريبًا من هذا الخطاب تم ترحيله من الإمارات على طائرة خاصة إلى مصر في 2 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليتواصل الجدل بشأن جدية ترشحه خاصة بعد مداخلة تليفزيونية قال فيها إنه يدرس الأمر مرة أخرى، فيما قيل إنه تعرض لضغوط وابتزازات من القاهرة وأبوظبي على حد سواء.
وفي 7 من يناير/كانون الثاني، أعلن شفيق تراجعه عن الترشح للرئاسة، قائلاً: “بالمتابعة للواقع رأيت أنني لن أكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة”، ولعل هذا ما دفع بعنان إلى إعلان ترشحه بعد ذلك.
أحمد قنصوة.. عقيد بالجيش لم يكن اسمه مطروحًا على الساحة السياسية قبل ذلك، غير أن فيديو أعلن من خلاله ترشحه للانتخابات الرئاسية في 29 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مرتديًا الزي العسكري، سلط الأضواء عليه ليصبح حديث الساعة حينها.
لكن سرعان ما تم إسكات الرجل بالقوة، ففي 19 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حكم عليه بالسجن 6 سنوات بعد اتهامه بمخالفة القوانين العسكرية، ليسدل الستار على هذا الاسم.
محمد أنور السادات.. رئيس حزب الإصلاح والتنمية، كان قد لوح في أكثر من مرة إلى احتمالية خوضه للانتخابات القادمة، إلا أنه وفي 15 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، قرر رسميًا ومن خلال مؤتمر صحفي عدم الترشح لانتخابات الرئاسة، قائلاً إنه قيم وحملته الموقف بالكامل، وجاء القرار بعدم خوض الانتخابات نزولاً على رأي أعضاء الحملة.
أزمة البحث عن كومبارس
بعد إقصاء المرشحين المحتملين لخوض الانتخابات، وجد النظام في مصر نفسه في موقف حرج دوليًا، خاصة بعد تفريغ الساحة تمامًا أمام السيسي من أجل ولاية ثانية، ويضع العديد من التساؤلات عن نزاهة إجراءات الانتخابات وملاءمة المناخ الذي تجرى فيه بما يفند الادعاءات التي يتشدق بها أبواق النظام ليل نهار.
المعارضة الداخلية وإن كانت مشتتة وليست على قلب رجل واحد غير أنها نجحت في الاصطفاف غير المتفق عليه في إحراج النظام وذلك بعد تنحيها تمامًا عما وصفته بـ”المسرحية الانتخابية” وتركها للساحة خالية تمامًا أمام السيسي من أجل ترسيخ أركانه أربع سنوات قادمة.
ومن ثم كان لا بد من الخروج من هذا المأزق وفي أقصى سرعة، لذا كان البحث عن مرشح آخر يتقمص دور المنافسة أمام السيسي في الانتخابات في محاولة لإخراج المشهد بصورة تحفظ ماء الوجه خاصة بعد حملات الانتقادات الساخرة، الداخلية والخارجية، التي تعاملت مع الانتخابات المصرية وكأنها “مسرحية”.
استئجار “دوبلير” لمحاولة إقناع الجمهور أنهم يشاركون في مشهد ديمقراطي ربما سيؤدي إلى مزيد من السخرية في الأداء أو الإخراج أو كليهما معًا
إرهاصات هذه المحاولات بدأت في أعقاب انسحاب خالد علي، حيث خرج عدد من الإعلاميين الموالين للسيسي للمطالبة بمرشح آخر لخوض السباق، ملمحين إلى حزب الوفد للدفع بمرشح من عنده تارة وإلى رئيس التيار الشعبي حمدين صباحي، تارة أخرى، وسط دعاوى تطالب بمد فترة الترشح المقرر نهايتها في الـ29 من الشهر الحاليّ كما جاء على لسان الإعلامي عماد الدين أديب، حتى يتسنى إيجاد “الكومبارس” المناسب.
وبعد تردد الأنباء عن عدم نية صباحي في تكرار سيناريو 2014 ورفضه القيام بدور “المحلل” لإضفاء الشرعية الصورية على الانتخابات، وجهت الأنظار إلى حزب الوفد – الذي لم يحتاج إلى وقت للتفكير أو المراجعة وهو الذي قرر قبل عدة أيام دعم السيسي في الانتخابات -، إذ أعلن فورًا تسمية 3 مرشحين للمشاركة فعليًا، غير أنه أرجأ إعلان الاسم المتفق عليه بصورة رسمية إلى المؤتمر الصحفي المقرر إجراؤه اليوم بمقر الحزب في منطقة الدقي بالجيزة، وإن كانت التوقعات كافة تصب في صالح رئيسه السيد البدوي.
مطلوب مرشح حسن المظهر .. استعمال خفيف .. دواخل فابريكا #الحزب_المسخرة#الوفد#الحفلة_على_حزب_الوفد pic.twitter.com/8bFRKxFsvD
— احمد حلمى (@ahmdhlmi) January 25, 2018
البدوي.. 29 عامًا بالسجن في 19 قضية
حالة من الجدل المغلف بالسخرية انتابت الشارع المصري في أعقاب إعلان اسم السيد البدوي للقيام بدور “الدوبلير” في الانتخابات القادمة، ففي الوقت الذي تشدق فيه السيسي بمحاربة الفساد والتعهد بعدم السماح للفاسدين – على حد قوله – بالاقتراب من كرسي الرئاسية، إذ بنظامه يمارس كل صور الضغط من أجل قبول البدوي الترشح للانتخابات.
صحيفة الحالة الجنائية للبدوي، رئيس حزب “الوفد” ورئيس مجلس إدارة قناة “الحياة” وشركة “سيجا” المنطقة الحرة للإعلان، تكشف النقاب عن اتهامه في 19 قضية متنوعة ما بين خيانة الأمانة والتبديد وإصدار شيكات دون رصيد، أدين فيها بأحكام بلغت 29 عامًا و9 أشهر سجنًا، ومع ذلك تغض السلطات الحاليّة الطرف عن كل هذه الأحكام في مقابل إخراج المشهد بصورة مقبولة بعد المأزق الحاليّ، وهو ما كان مثار جدل وسخرية لدى رجل الشارع.
طيب هو لية #الوفد فعلا مينزلش مرشح 😅 pic.twitter.com/FFQV0vBL3E
— نُور (@norhanasharf) January 25, 2018
“الوفد”.. منقسم
لم يحظ قرار دفع الوفد بمرشح في الانتخابات بموافقة الجميع، إذ تسبب في إحداث حالة من الانقسام وتجديد الصراع مجددًا بين جبهة محمود أباظة رئيس الحزب السابق، وجبهة البدوي رئيس الحزب الحاليّ، خاصة أن الأولى تصف المشهد بـ”المسرحية”، وترى في هذا القرار تشويهًا لسمعة الحزب وتاريخه.
محمد عبد العليم داوود نائب رئيس حزب الوفد، يرى أن ترشح البدوي، للانتخابات المقبلة، “جريمة في حق الحزب”، مشيرًا إلى أن ما يحدث يعد استيلاءً على إرادة الحزب ومحاولة للقضاء على تاريخ الوفد، مشددًا على أن هذه الخطوة تستهدف دفع الوفد لتقديمه قربانًا فيما وصفه بـ”المسرحية الانتخابية الهزلية”.
يا كل وفدي محترم حزبك ييتعرض لضغوط قهرية باختطاف ارادته وسحق لائحته . اعلنها لكم رفضي لجريمة اقحام الوفد في مسرحية
— محمد عبد العليم داود (@md_abdelaleem) January 26, 2018
نائب رئيس حزب الوفد وأحد أعضاء جبهة أباظة، لفت إلى أن الهيئة العليا لحزبه “اجتمعت في وقت سابق وأعلنت تأييدها للرئيس عبد الفتاح السيسى، رغم معارضة البعض، لكن القرار النهائي خرج بالتأييد وعدم الدفع بأي مرشح آخر”، محذرًا من أن الأوضاع الحاليّة أشد خطورة على الوفد مقارنة بترشح الدكتور نعمان جمعة رئيس الوفد الأسبق لانتخابات رئاسة الجمهورية في 2005، رغم رفضه، مضيفًا: “جمعة رفض الترشح وكنت واحدًا ممن أيدوه في قرار عدم الترشح لكن قرار الهيئة العليا للوفد أجبره على الترشح”.
وسواء كان البدوي من سيشرف بالقيام بدور المحلل في الانتخابات القادمة أم سيتم الزج بغيره حال مد فترة الترشح كما طالب البعض، فإن استئجار “دوبلير” لمحاولة إقناع الجمهور أنهم يشاركون في مشهد ديمقراطي ربما سيؤدي إلى مزيد من السخرية في الأداء أو الإخراج أو كليهما معًا داخل صالة العرض أو خارجها.