يثور الآن على الساحة المصرية الحديث عن الانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها في مارس/آذار 2018، ولعل أبرز ما يتم تداوله الآن بحسب المراقب للمشهد الحاليّ هو الكلام عن ترشح ثم استبعاد رئيس الأركان الأسبق سامي عنان ومن قبله الفريق شفيق وانسحاب المرشح المدني خالد علي وإخلاء الساحة أمام الرئيس الأوحد في سباق الانتخابات المزعوم، وكذلك الكلام عما ستفعله جماعة الإخوان المسلمين والقوى الوطنية الأخرى المناهضة للانقلاب لاستثمار هذا الحدث والاستفادة منه!
الحالة الانتخابية في مصر
تم فرض عدة سيناريوهات في السابق اعتمد بعضها على تحليلات غير دقيقة وافترضت بأن ما يحدث ما هو إلا “اتفاق” بين السيسي وعنان على نحو يمثل فيها الأخير حلقة من مسلسل العسكر، وأنه في الحقيقة وجه آخر لنفس العملة التي تم الكشف عن حقيقتها للجميع خلال السنوات الأخيرة الماضية، وأصبح ليس لها قيمة أو قبول لدى الشعب المصري.
وافترض أيضًا أن ترشح عنان كان بمثابة كونه (كومبارس) لإعطاء شرعية للسيسي في الاستحقاق الانتخابي المزعوم لاستكمال الأخير تنفيذ خريطة الغرب و”إسرئيل” في المنطقة.
جاء سيناريو آخر أقرب للواقع ليفترض بأن ما عزم به عنان على ترشيح نفسه في مواجهة السيسي جاء ليمثل الجناح الآخر للمؤسسة العسكرية، وأن هذا الجناح غير راضٍ عما وصلت إليه المؤسسة العسكرية ومصر بهذه الصورة وخاصة أمام الظهير الشعبي الداخلي لها.
وفسر هذا السيناريو أن ما أقدم عليه عنان يعتبر “خطوة جريئة” في مواجهة السيسي لاعتماده على دعم المعارضين له من رجالات نظام مبارك “الدولة العميقة” وبعض رجالات الجيش وأنصار الفريق أحمد شفيق أوغيرهم ممن باعهم السيسي وضحى بهم، لكن تبقى حقيقة واحدة دامغة تمثلت في أن الجميع مشتركون في عدائهم لتيار الإسلام السياسي وعلى رأسهم عودة الإخوان المسلمين مرة أخرى لحكم مصر، ومشتركون أيضًا في محاربة كل ما يتصل بثورات الربيع العربي، وكذلك الأمر بتمييع القضية الفلسطينية.
لعل أبرز الأسباب الداعية لإحداث انقلاب محتمل في مصر تلك الاستفزازات المتكررة وغير المسبوقة لعقيدة الجيش المصري من السيسي على مدار الأربع سنوات الماضية
الانقسام حقيقة مؤكدة
ما قام به السيسي من خطوات استباقية تصعيدية لعرقلة ترشح الفريقين عنان وشفيق وإزاحتهما من المشهد الانتخابي مستخدمًا معهما سياسة الاستبعاد الجبري، مثّل للجميع وضوحًا للرؤية داخل أروقة المؤسسة العسكرية المصرية، وأحالنا جميعًا إلى حقيقة واحدة حتمية مؤكدة وهي “الانقسام” داخل تلك المؤسسة.
أسباب الانقلاب المحتمل
المراقب للمشهد الحاليّ في مصر يرى أن بعض رجالات الجيش على الرغم من فسادهم وممارساتهم ضد الشعب، ممتعضون من الممارسات التي تجري بحق التفريط في أرض مصر بسهولة منقطعة النظير من التنازل عن جزر كاملة (تيران وصنافير) ودون وجه حق للمملكة السعودية، والتنازل عن غيرها من الثروات لدول أخرى.
وما يحدث من استنزاف لرجال الجيش في شبه جزيرة سيناء الشبه يومي هناك ومحاولة اغتيال وزير الدفاع صدقي صبحي ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار في سيناء سبتمبر 2017؛ الأمر الذي أثار الكثير من الشكوك عن الحادثة داخل منظومة الانقلاب في مصر، وما يجري الحديث عنه الآن من التنازل عن سيناء لتكون وطنًا بديلاً للفلسطينيين، إلخ.
كل هذه الأسباب وغيرها كفيلة بوجود معارضين داخل منظومة الانقلاب العسكري غير راضين عن تلك الممارسات التي تمس عقيدة الجيش أو التفريط في أرض مصر.
ولعل أبرز الأسباب الداعية لإحداث انقلاب محتمل في مصر تلك الاستفزازات المتكررة وغير المسبوقة لعقيدة الجيش المصري من السيسي على مدار الأربع سنوات الماضية التي أصبح الوضع معها لا يمكن أبدًا السكوت عنه وتبريره وتمريره بأي حال من الأحوال دون مجابهة.
الذين يخشون من حدوث مثل هذا المشهد في مصر هم الغرب والكيان الصهيوني
وفي ظل وضوح الرؤية للمشهد الحاليّ واستبعاد من ينتسبون للمؤسسة العسكرية من سباق الرئاسة بهذه الطريقة مشينة، الأمر الذي بات معه التيقن بوجود تصارع أجنحة حقيقي داخل الجيش كشفت عنه الانتخابات الجارية.
بيد أن إقالة السيسي لبعض رجالات الجيش من المؤسسات الحساسة في الدولة، قد تكون ضمن هذه التحركات التي تجري منذ فترة وبصورة يخشى معها الغرب عدم السيطرة عليها في المستقبل أو عدم احتوائها.
يسوقنا هذا الانقسام داخل المؤسسة العسكرية إلى مشهد آخر أكثر دراماتيكية ينتج عنه تحركات داخلية تسير على خطى السيسي لإحداث “انقلاب” عسكري داخلي وهذا ما يخشاه.
فالذين يخشون من حدوث مثل هذا المشهد في مصر هم الغرب والكيان الصهيوني، لأنه وبكل بساطة إذا ما حدث المتخوف منه وكان خارجًا عن إرادتهم، فستكون فاتورته مكلفة للجميع ويهدد معه أمن “إسرائيل”، أما في حالة إذا كان هذا الانقلاب من خلالهم كسابقه، فالأمور في هذه الحالة ستكون لها وضع آخر.
وقد اعتقد البعض ضمن هذه السيناريوهات أن وجود عنان في هذه المرحلة جاء بمطلب غربي لأهداف معينة خلال المرحلة القادمة منها:
– تحسين صورة العسكر أمام الشعب وإعادة مصداقيته بعد أن جعلتها ممارسات السيسي في أقبح صورة لها.
– محاولة تهدئة الأوضاع والصراعات على المستوى الإقليمي في المنطقة والحيلولة دون وقوع انفجار وخاصة داخل المؤسسة العسكرية الذي قد يحمل معه تهديدات لا يحمد عقباها، بحسب أن فاتورة هذا الانفجار داخل تلك المؤسسة ستلحق الضرر الأكبر بأمن “إسرائيل”.
– وحتى لا يحدث تصادم سيتم عمل تفاهمات تضمن الخروج الآمن للسيسي ونظامة دون محاسبة عن أي انتهاكات سابقة والإبقاء بقدر الإمكان على بعض الاتفاقيات التي أبرمها سابقًا.
عقدة السيسي الذي يرى في نفسه الرئيس الأوحد جعلته يزيح أي مترشح سواء كان مدنيًا أو عسكريًا من أمامه
وعلى ذلك فإنه يتضح مما سبق أن السيسي يدرك أن عدم وجوده على الكرسي يعني اغتياله المحقق، لذا فهو يعد طوق نجاة بالنسبة له وسيمارس أبشع صور الإقصاء في سبيل الكرسي.
النتيجة محسومة للرئيس الأوحد
لقد عمد السيسي أن يكون “الرئيس الأوحد” وبدأ في تنفيذ ذلك بإزاحة كل من يقف في طريقة للوصول للكرسي حتى ممن ينتمون لنفس المؤسسة التي جاء منها على دبابة وبمباركتها ليحدث انقلاب يوليو/تموز 2013 على أول تجربة ديمقراطية في مصر.
عقدة السيسي الذي يرى في نفسه “الرئيس الأوحد” جعلته يزيح أي مترشح سواء كان مدنيًا أو عسكريًا من أمامه، اللهم إلا المرشح (الكومبارس) الذي سيضفي عليه شيئًا من الشرعية الكاذبة.
الإخوان بين الانتخابات والثوابت
جماعة الإخوان المسلمين تدرك أن ما يحدث من وراء هذه الانتخابات المزعومة ما هو إلا تمرير متعمد لفرض أمر واقع بقصد شرعنة أنظمة عسكرية فاسدة، فالجماعة كغيرها بل هي أشد، تراقب ما يحدث في مصر عن كسب، وتعلم أن السيسي لا يعول على الداخل ويخشى من حدوث انقلاب مماثل، ويتعامل مع الخارج بتقديم التنازلات على حساب الشعب المصري، آملاً في دعمه لمواجهة مناوئيه في الداخل.
شريحة واسعة داخل الجماعة ترفض هذا الطرح رفضًا باتًا وتعلل بأنها لا تقبل بمطية العسكر مرة أخرى
فالسيسي يمثل رمزًا لدى “إسرائيل” وله شعبية هناك كبطل قومي عند البعض وهو الذي صنع لهم ما لم يصنعه غيره، فليس من السهل أن تضحي به أو تفرط فيه بسهولة، بل ستدعمه بكل الوسائل في سبيل إبقائه لاستكمال تنفيذ ما يسمى بـ”صفقة القرن” الذي اعتلى الكرسي خصيصًا لأجلها.
من جانبه أقدم مسؤول العلاقات الدولية السابق لدى جماعة الإخوان المسلمين الأستاذ يوسف ندا، على أن يبعث برسالة إلى الفريق سامي عنان مصحوبة بموافقة مشروطة من الجماعة على دعم الأخير في الرئاسة القادمة إذا هو وافق على ستة شروط، عبر خلالها بأنها خاصة وغير رسمية وغير ملزمة للجماعة.
وأقول وحتى إن كانت الرسالة غير رسمية إلا أنها تعبر عن شريحة داخل الصف موافقه لهذا الطرح أملاً منها في حلحلة وانفراج الأزمة المتفاقمة في مصر منذ أكثر من أربع سنوات ونيف.
كما يوجد على الجانب الآخر شريحة واسعة داخل الجماعة ترفض هذا الطرح رفضًا باتًا وتعلل بأنها لا تقبل بمطية العسكر مرة أخرى وتبرهن على أنهم من أوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه، وغير جادين في الحل، وأن من يحق له الرجوع في ذلك هو الرئيس محمد مرسي وحده دون غيره.
تناول المراقبون للمشهد الحاليّ الرسالة بالكثير من التحليلات وما جاء فيها، كما تناولوا رد الجماعة الرسمي على لسان الأستاذ إبراهيم منير نائب المرشد الذي أكد أن رسالة ندا شخصية وليس لها علاقة بالإخوان والجماعة لم تتخذ موقفًا حتى الآن مما يسمى بالانتخابات الرئاسية في مصر، وردًا على سؤال ذكر منير أن الأقرب للحوار والتعاون هو المرشح المدني، في إشارة إلى المرشح خالد علي.
يضاف إلى أوراق القوة لكسر الانقلاب وجود ورقة جديدة تتمثل في وجود حالة غير عادية داخل المؤسسة العسكرية يعتريها السرية
وبغض النظر عن تحليل ردود الأستاذ منير على رسالة ندا، إلا أن استبعاد عنان المرشح العسكري وانسحاب علي المرشح المدني عقد الأمور لحلحلة الأزمة وفي نفس الوقت أصبح السيسي وحيدًا عاريًا، لكنه لن يعدم وجود كومبارس والعمل جارٍ على ذلك.
فما تمتلكه الجماعة الآن هو الرجوع إلى النقطة المركزية بالتعويل على المقاومة السلمية والحراك الشعبي بإحياء ثورة يناير من جديد والعودة إلى الاصطفاف الوطني بعيدًا عن الإيدلوجيات لكسر هذا الانقلاب.
فالجماعة تحاول من حين لآخر إحداث حالة نجاح مع الشركاء في التعاون معًا بما لا يتعارض مع ثوابتها، ومن فترة لأخرى تبادر إلى عمل لقاءات موسعة مع الطيف الوطني وطرح مبادرات لتقريب وجهات النظر لأجل التركيز على الثوابت لكسر الانقلاب العسكري والمحافظة على مكتسبات ثورة يناير ومحاسبة كل من تورط في الدماء، إلخ.
إلا أنه يضاف إلى أوراق القوة لكسر الانقلاب وجود ورقة جديدة تتمثل في وجود حالة غير عادية داخل المؤسسة العسكرية يعتريها السرية، لكن الخوف يكمن في أن تزيح هذه الحركة عسكريًا وتأتي بآخر دون النظر إلى تصحيح المسار الحاليّ والعودة إلى المسار الديمقراطي الشرعي.