أعلنت الإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن تأجيل الانتخابات البلدية، التي كانت بصدد تنظيمها بعد أيام في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، إلى شهر أغسطس/ آب المقبل، في استجابة كما يبدو للضغوط التي جوبهت بها الخطوة.
وأضافت في بيان لها، الخميس، أن قرار التأجيل جاء “استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، وحرصًا على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي”، موضحة أن “التأجيل جاء بناءً على مطالب وردت من أحزاب سياسية عبر كتب رسمية”.
قرار الإدارة جاء بعد تزايد المواقف الرافضة من أطراف محلية وإقليمية وحتى دولية للخطوة، ما يفتح باب التساؤلات واسعًا حول الأهداف التي تخطط الإدارة لجنيها من هذه الانتخابات.
وتسيطر “قسد” على أجزاء واسعة من محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، وبعض الجيوب في أرياف حلب، وتتلقى الدعم من الولايات المتحدة.
وليست المرة الأولى التي تجري فيها الإدارة انتخابات في مناطق سيطرتها، حيث أُجريت انتخابات مماثلة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وسط مقاطعة واسعة من بعض مكونات المناطق وتحديدًا من أبناء العشائر العربية.
انتخابات بلدية يقابلها رفض
وكانت الإدارة الذاتية قد حددت موعد انتخابات رؤساء البلديات في 11 يونيو/ حزيران الحالي قبل أن تعلن عن تأجيلها، موضحة أن عدد المرشحين بلغ 5 آلاف و536 مرشحًا، وذكرت المفوضية العليا للانتخابات في الإدارة الذاتية أن عدد مراكز الاقتراع في شمال وشرق سوريا بلغ 1792 مركزًا إلى جانب 2113 صندوقًا.
والمناطق التي ستجري فيها الانتخابات هي “الشهباء وعفرين ومنبج بريف محافظة حلب، ومقاطعتا الفرات والطبقة التابعتان لمحافظة الرقة، إضافة إلى مدن وبلدات ريف دير الزور الشرقي ومناطق الجزيرة السورية بمحافظة الحسكة”.
ما إن أعلنت الإدارة عن موعد الانتخابات، حتى بدأت ردود الفعل الرافضة تظهر من أطراف محلية سورية، فضلًا عن تركيا، وحتى من الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لـ”قسد”.
وحذّر الائتلاف الوطني السوري المعارض من “خطورة” الانتخابات، مشيرًا في بيان إلى “الخطر الذي تشكّله الانتخابات على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا”.
اعتبر البيان أن “الانتخابات تعقّد الحل السياسي، وتزعزع الأمن واستقرار المنطقة، وتهدد السلم الأهلي”، مختتمًا: “الانتخابات مرفوضة ولا شرعية لها، وتتعارض مع القرارات الدولية ذات الصلة بالحل السياسي في سوريا”.
وفي تفسيره لموقف الائتلاف، يقول نائب رئيس الائتلاف عبد المجيد بركات لـ”نون بوست” إن رفض الانتخابات يعني إسقاط شرعيتها من السوريين، وموقفنا ينطلق من الحالة الشعبية في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” الرافضة.
وأشار إلى التزام الائتلاف بمبادئ الثورة وتمثيل السوريين، وقال: “أساسًا “قسد” هي غير شرعية، ومن غير المنطقي أن تقوم هذه الجهة بتنظيم انتخابات، وهي مصنَّفة لدى العديد من الدول ضمن لوائح “الإرهاب”، هذا المبدأ الأساسي الذي اعتمدناه”.
بركات اعتبر أن الانتخابات تتعارض مع قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينصّ على وحدة الأراضي السورية، والذي يعطي للشعب السوري أحقية اختيار نظام الحكم وشكل الدولة، لافتًا إلى أنه من غير المفهوم هنا أن تدعم بعض الدول القرار الأممي وتدعم في الوقت ذاته “قسد”، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
محليًا، أعلن المجلس الوطني الكردي في سوريا عن رفضه الانتخابات، وأكدت الأمانة العامة أنها “تتم في بيئة غير محايدة ومحسومة النتائج بشكل يكرّس سلطة وهيمنة PYD التي تستند إلى عقد اجتماعي مؤدلج”.
عضو الائتلاف السوري عن المجلس الوطني الكردي، شلال كدو، يصف الانتخابات بـ”غير الشرعية”، مؤكدًا أن “معظم القوى الشعبية والسياسية أعلنت عن رفضها للانتخابات”.
وفي حديثه لـ”نون بوست”، قال كدو: “حزب الاتحاد الديمقراطي يسعى إلى شرعنة حكمه، ونحن نعتقد أن هذا التصرف قد يجرّ الويلات على المنطقة، خاصة أن الدول الإقليمية اعترضت على هذه الانتخابات”.
حديث كدو عن “ويلات” قد تجلبها الانتخابات للمنطقة، يشير بالضرورة إلى تهديد تركيا بشنّ هجوم في حال أصرّت الإدارة الذاتية على إجراء الانتخابات.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي، إن بلاده لن تتردد في شنّ هجوم جديد شمال سوريا في حال إجراء الانتخابات، مضيفًا: “نتابع عن كثب التحركات العدائية من منظمة إرهابية ضد وحدة أراضي بلادنا، فضلًا عن سوريا، بذريعة الانتخابات”، وتابع: “فعلنا ما كان مطلوبًا في السابق في وجه أمر واقع، ولن نتردد في التحرك مجددًا إن واجهنا الوضع نفسه”.
لكن الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، أنطون مارداسوف، قلّل من أهمية التهديدات التركية، قائلًا: “هذه ليست المرة الأولى التي تُجري فيها الإدارة الذاتية الكردية انتخابات، فقد جرت الانتخابات السابقة عام 2017، لا ينبغي استنتاج أن هذا سيدفع تركيا إلى القيام بعملية عسكرية، مع أن مثل هذه الانتخابات بالنسبة إلى أنقرة حدث مزعج، وقد وجّهت بالفعل سلسلة من الضربات إلى مواقع قوات سوريا الديمقراطية. لكن الأكراد، وفق منطقهم، ملزمون بإجراء الانتخابات حتى لا يُتهموا بالافتقار إلى الشرعية”.
أمريكا لا تشجّع
على النسق ذاته، قالت السفارة الأمريكية في سوريا إن “أي انتخابات تجري في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، وفق ما دعا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وتابعت في بيان نشرته على صفحتها في “فيسبوك”، أن واشنطن حثّت الإدارة على عدم المضيّ في الانتخابات، مرجعة ذلك إلى أن “الظروف الملائمة لمثل هذه الانتخابات غير متوفرة في شمال وشرق سوريا في الوقت الحاضر”.
السياسي الكردي علي تمي تحدث لـ”نون بوست” عن احتمال تأجيل الانتخابات قبل إعلان “الإدارة” عن ذلك رسميًا، مرجعًا تقديره إلى الموقف الأمريكي غير الداعم، وكذلك إلى التهديدات التركية.
أهداف تتطلع الإدارة إلى تحقيقها
تأجيل الانتخابات لا يعني التخلي عنها، حيث حددت الإدارة شهر أغسطس/ آب المقبل موعدًا لها، وأمام ذلك تُثار تساؤلات حول تفسيرات حالة الإصرار من قبل الإدارة على تنظيم الانتخابات، وتوجّه “نون بوست” إلى أكثر من مسؤول في الإدارة لكنه لم يتلقَّ أي ردّ حتى إعداد التقرير.
مدير مركز رامان، الباحث المتخصص في الشأن الكردي بدر ملا رشيد، تحدث عن جملة أهداف من وراء الانتخابات، أولها رغبة الإدارة في خروج شخصيات يمكن أن يُقال إنها تحظى بالشرعية المحلية، ما يخدم هدف اكتساب الشرعية لجهة السكان المحليين والقوى الدولية الداعمة (أمريكا وفرنسا وغيرهما)، وحتى لجهة العلاقة مع النظام السوري.
وتابع الباحث المتخصص بالشأن الكردي أن هناك حسابات متعلقة بحكم الإدارة للمناطق التي تقطنها غالبية عربية، مثل ريف دير الزور والرقة ومنبج، موضحًا أن “”قسد” ما زالت تعتمد في هذه المناطق العربية على الشخصيات العسكرية فقط، وهناك رغبة لدى الإدارة في إيجاد شخصيات “عربية” منتخَبة من السكان، وذلك بعد أن شاهدنا حالات التذمر الشعبي من حكم “قسد”، مثل دير الزور، نتيجة الاعتماد على شخصيات غير متفق عليها شعبيًا”.
وبحسب ملا رشيد، تتذرّع “قسد” بعدم وجود بوادر للحل السياسي السوري، موضحًا لـ”نون بوست” أن “”قسد” تريد القول إنه لا يمكن انتظار الحل السياسي الشامل، ولا يمكن الوصول إليه دون إجراء انتخابات، وعدم تنظيمها يعني استجداد إشكالات تتعلق بالتمثيل الشعبي والحكم”.
ولا يمكن استبعاد احتمال أن قرار التأجيل جاء نتيجة نصيحة أمريكية، حيث تريد واشنطن تجنُّب أي خطوات استفزازية لتركيا في سوريا، في الوقت الذي ينصبّ فيه اهتمام صانع القرار في البيت الأبيض على الحرب في غزة والانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.