حصل المرشح الرئاسي عن حركة مجتمع السلم المعارضة “حمس”، عبد العالي حساني شريف، على أول دعم من التيار الإسلامي الذي ينتمي له، بعد أن قررت حركة النهضة الجزائرية دعمه في الانتخابات الرئاسية المقررة في 7 سبتمبر/أيلول المقبل، وهو ما قد يفتح الباب لالتحاق أحزاب أخرى لزيادة حظوظ وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم بالجزائر في انتخابات لا تبدو سهلة مع زيادة المؤشرات التي تؤكد توجه الرئيس عبد المجيد تبون للترشح لولاية جديدة.
وعانى التيار الإسلامي في الجزائر على الدوام في مختلف الانتخابات من مشكلة تشرذمه وعدم اتفاق الأحزاب المكونة له على الدخول ككتلة واحدة قادرة على دفع أنصاره للتصويت له وعدم تشتيتهم الذي يصب في صالح الخصوم، الأمر الذي يجعل الدعم الذي حصل عليه حساني مؤشرًا إيجابيًا في معركته الرئاسية.
انتماء واحد
قال الأمين العام لحركة النهضة، محمد ذويبي، إن دعم عبد العالي حساني مرده انتماء حزبه وحركة مجتمع السلم إلى “مدرسة الوسطية والاعتدال“. ومعلوم أن الحزبين محسوبان على تيار الإخوان المسلمين في الجزائر الذي ينشط في الساحة السياسية منذ إقرار التعددية السياسية في تسعينيات القرن الماضي، ولم يتعرض يومًا للتهميش والتضييق الذي يواجهه هذا التيار في دول عربية أخرى مثل مصر وتونس.
ولفت ذويبي إلى أن دعم المرشح الإسلامي في الرئاسيات المقبلة جاء بالإجماع داخل حركة النهضة، بعد مشاورات عقدها الحزب مع عدة أحزاب سياسية، والتي أثمرت عن اتخاذ قرار واحد هو دعم حركة مجتمع السلم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وعلى مدار الانتخابات الرئاسية الستة التي شهدتها الجزائر في عهد التعددية الحزبية، لم يدخل أي مرشح حزبي من التيار الإسلامي سباق الرئاسيات مدعومًا بباقي التشكيلات السياسية المنتمية للفكر نفسه، ما يجعل هذه الخطوة الأولى من نوعها، والتي قد تؤسس إلى تجربة جديدة بشأن التعاون بين التيار الإسلامي في الجزائر والمحافظة على وجوده، وحمايته من التراجع أو الأفول مثلما حدث في تجارب سياسية إسلامية مشابهة.
واعتبر ذويبي أن ما شجع حركته على اتخاذ هذه الخطوة التجربة البرلمانية التي خاضتها الأحزاب الإسلامية في الانتخابات التشريعية عام 2012 عنما ترشحت ضمن تكتل الجزائر الخضراء الذي ضم، بالإضافة إلى النهضة وحركة مجتمع السلم، حركة الإصلاح الوطني.
وفي رسالة غير مباشرة موجهة للأحزاب الإسلامية الأخرى، وصفت حركة مجتمع السلم خطوة حركة النهضة بدعم عبد العالي حساني شريف مرشحًا للرئاسيات المقبلة بـ”الموقف السياسي المسؤول والمبني على مسار تشاور وتعاون تاريخي بين الحركتين، يسعى لاتخاذ مواقف مشتركة لصالح الأمة والوطن وخدمة القضايا العادلة، لا سيما ما تعلق بالتحول الديمقراطي وتكريس الحريات، وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي”.
وتقدم حركة مجتمع السلم نفسها على الدوام على أنها القوة المعارضة الأكبر في البلاد، والقادرة على المنافسة في مختلف الاستحقاقات لتكون بديلًا لـ”التيار الوطني” الذي حكم الجزائر منذ الاستقلال حتى الآن.
بلا عباءة
رغم أن أول دعم حصل عليه حساني شريف جاء من حزب يقاسمه التوجهات نفسها وينتمي للمدرسة الفكرية ذاتها، فإن مرشح حركة مجتمع السلم (حمس) لا يريد أن يتم تسويقه على أنه مرشح الإسلاميين فقط، لذلك يبحث عن دعم مختلف الأحزاب السياسية، ومنها المحسوبة على ما يسمى في الجزائر بـ”التيار الوطني”.
وفي هذا السياق، أعلنت “حمس” أن عبد العالي حساني شريف بحث مع ممثل رئيس حزب طلائع الحريات محمد بن علية ووفد قيادي مرافق له مختلف الملفات السياسية والاقتصادية، والتشاور حول الاستحقاق الرئاسي القادم. وقالت الحركة: “اللقاء كان فرصة لتبادل وجهات النظر حول كيفية تعزيز المسار الديمقراطي والبناء المؤسساتي، والعمل السياسي والحزبي المشترك”.
وقبل أيام، التقى حساني شريف أيضًا مع رئيس حزب اتحاد القوى الاجتماعية والديمقراطية عبد الرحمان صالح، وبحث معه ملف الانتخابات الرئاسية القادمة.
ولم تعلن الحركة إن كان حساني شريف قد طلب دعم الحزبين له في الانتخابات المقبلة أم لا، إلا أنه من المرجح أن الموضوع طرح للتباحث خلال هذين اللقاءين.
وكشف رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات بحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، أن “حمس” تعمل على إنجاح مرشحها بإنجاح الخطة الانتخابية المرسومة، لذلك باشرت التشاور مع مجموعة من الأحزاب والشخصيات في الجزائر، وطلبت منهم الدعم والسند والنصرة لعبد العالي حساني شريف للوصول إلى قصر المرادية في الانتخابات القادمة.
وبيّن صادوق أن “حمس” تقدم مرشحها كبديل سياسي موجود بالساحة السياسية الجزائرية ينتمي إلى المعارضة التي ترى في الانتخابات المقبلة أنها استحقاق وطني أكثر منها امتحان حزبي، معتبرًا دخول الحركة لهذه الانتخابات “نوعًا من التضحية لأجل الديمقراطية والصوت الآخر”.
ويظهر من خلال هذه المشاورات أن الحركة ترغب في أن تسوق مرشحها على أنه جامع لكل الجزائريين مهما اختلفت مشاربهم وانتماءاتهم السياسية، وبالخصوص بعد الضربات المخيبة التي تلقتها تجارب الأحزاب الإسلامية في المنطقة المغاربية والعربية، رغم اختلاف التجربة الجزائرية عن هذه النماذج.
وبالإضافة إلى هذا، فإن الحركة تجد صعوبة أيضًا في الحصول على دعم باقي الأحزاب الإسلامية الأخرى، فقد أعلنت حركة البناء أنها ستدعم الرئيس عبد المجيد تبون حال ترشحه للرئاسيات المقبلة، ويرجح أن تسير حركة الإصلاح الوطني في هذا المنحى، بالنظر إلى أنها دعمت تبون في رئاسيات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي كوفئت بتعيين رئيسها فيلالي غويني سفيرًا للجزائر في سلطنة عمان قبل أن يحول إلى مدغشقر.
ولم تعلن جبهة العدالة والتنمية التي أسسها زعيمها التاريخي عبد الله جاب الله إلى اليوم موقفها من الانتخابات الرئاسية المقبلة، سواء بتقديم مرشح عنها أم دعم أحد المترشحين أو مقاطعة هذا الاستحقاق كما فعلت في مواعيد سابقة.
وتراهن الحركة في الرئاسيات المقبلة على جذب أصوات أنصارها المتغلغلين في بعض التنظيمات الجمعوية، كالكشافة الإسلامية الجزائرية والاتحاد العام الطلابي الحر وجمعية الإرشاد والإصلاح، وهي تنظيمات وإن كان رؤساؤها يتجهون لدعم الرئيس تبون عند تأكد ترشحه يبقى مناضلوها يميلون في الغالب لدعم مرشح “حمس”، بالنظر إلى التكوين النضالي داخلها الذي يميل إلى التيار الإسلامي المحسوب على الإخوان المسلمين.
ليست محسومة؟
تبرر بعض الجمعيات والأحزاب التي لن تدعم مرشح “حمس” رغم انتمائها للبيت الفكري ذاته بقولها إن الانتخابات المقبلة محسومة مسبقًا، لأن كل المؤشرات تصب في اتجاه فوز الرئيس الحالي للبلاد عبد المجيد تبون بولاية ثانية، فكل الإرهاصات السياسية الحالية تشير إلى أنه يتوجه للترشح لاستحقاق 7 سبتمبر/أيلول المقبل.
إلا أن الأمين العام الوطني للإعلام في “حمس”، عبد المنعم بن حمدة، يخالف هذا الرأي، ويرى أن الظروف الحالية تسمح بإمكانية وصول مرشح للتيار الإسلامي في الجزائر إلى سدة الحكم، بالنظر إلى أن عبد العالي حساني شريف يترشح باسم “حركة تحظى بتقدير واحترام كبيرين وسمعة طيبة بين جميع الفواعل السياسية الرسمية وغيرها، ومن أحزاب ومنظمات وهيئات وشخصيات وطنية ومتابعة واهتمام من دول الغرب والشرق، لحضورها الدائم وطرحها القوي وخطابها المتمايز وبدائلها البرامجية ورؤيتها السياسية والاقتصادية والقطاعية ولمختلف الملفات”.
واعتبر بن حمدة أن خطاب حسم الانتخابات الرئاسية مسبقًا ليس بالجديد في الجزائر ففي “كل استحقاق رئاسي يظهر مصطلح الأرنب وهو مدلول سياسي على الحسم وعدم القدرة على المنافسة، ابتكرته السلطة لتعقيد الخصم وإضعاف المنافس وبرمجة اللاوعي الشعبي”.
وانتقد بن حمدة هذا الخطاب الذي يجعل “مرشح السلطة أسدًا ولو كان في الحقيقة أرنبًا، وأي منافس للسلطة هو أرنب ولو كان أسدًا، فيستسلم الناس للسلطة ومرشحها تحت نظرية هي أشبه للقطيع، ودون قدرة منهم وقد كسر الشيخ المؤسس الراحل محفوظ نحناح “قاعدة الأرنبة” وجعل من رئاسيات 1995 فرصة للتنافس الجاد على قصر المرادية”.
ويقول قياديون في الحركة إن مؤسسها محفوظ نحناح هو من فاز في الانتخابات الرئاسية سنة 1995، لكن تم تزوير الانتخابات وجعلوه ثانيًا ليفوز الرئيس السابق اليمين زروال بها، بحجة أن فعلتهم كانت من أجل “المصلحة الوطنية”.
ويرى بن حمدة أن “القول إن الانتخابات محسومة ولا جدوى من المشاركة فيها تفكير عدمي سطحي غير صحي، ينم عن عدم دراية وخبرة بالفعل السياسي التراكمي، والانتخابات في كل دول العالم وعند كل الأحزاب تحمل عدة فرص ورهانات”.
لكن أوساط من داخل الحركة ترى أن نجاحها في الرئاسيات المقبلة لا يعود إلى حسم الرئاسيات مسبقًا من عدمه، رغم وجود أفضلية للرئيس تبون، إنما المشكلة تكمن في الخلافات الموجودة داخل أكبر حزب إسلامي في البلاد، فيرى جناح أن عبد العالي حساني شريف لا يملك الكاريزما اللازمة التي تجعله منافسًا رئاسيًا شرسًا، رغم وقوف حركة بقوة “حمس” وانتشارها وانتمائها السياسي ورائه.
وعبر عن هذا الخلاف الرئيس السابق للحركة، عبد الرزاق مقري، الذي كان يأمل ومناصروه أن يكون المرشح الإسلامي في هذه الانتخابات، إلا أن القوانين التي تحكم الحزب منعت ذلك.
وقال مقري في منشور على حسابه في فيسبوك: “أؤكد ما قلته منذ البداية بأن لدي الرغبة في قيادة البلد وأنني قادر على ذلك بما يحقق تنميته ونهوضه بين الأمم، غير أنني لا أتحكم في الفرصة التي تملكها مؤسسات الحركة وتتحكم فيها السلطات”، مضيفًا “وقد علمت مبكرًا بأن الحسم داخل الحركة سيكون حسمًا تنظيميًا لا تتاح فيه الفرصة للمنافسة السياسية بين الرجال والأفكار، فلم أترشح ولم أطلب من أحد ولم أتصل بأحد ولم أجتمع بأي كان لدعم ترشحي، رغم الاتصالات الحثيثة من العديد من الأطراف، ومن المواطنين حيثما ذهبت، ولو علمت بأن المنافسة مفتوحة داخل الحركة لقبلت الترشح”.
وتابع مقري “لا زالت تهمني قيادة البلد ولا زلت أعتقد أن لدي الرؤية والقدرة على جعل الجزائر بلدًا صاعدًا مزدهرًا، والمنافسة الديمقراطية على رئاسة الجمهورية حقيقية وممكنة، وأنني سأستمر في الكفاح من أجل توفير هذه الفرصة لصالح الجزائر والجزائريين”.
ورغم أن مقري ملزم مثل جميع المناضلين بالامتثال لقرار مجلس الشورى، فإن تصريحاته قد تكون نتائجها سلبية على مرشح الحركة، بالنظر للشعبية التي يملكها، وبالخصوص وسط الشباب وفي بعض الولايات، الأمر الذي يجعل أكبر تحد للمرشح الإسلامي للرئاسيات هو حل خلافات البيت الداخلي للقدرة على مواجهة المنافسين.
من غير المستبعد أن لا تفرز الانتخابات المقبلة وصول مرشح محسوب على التيار الإسلامي لسدة الحكم، إلا أنها تظل مفصلية في مستقبل هذا التيار بالجزائر في المواعيد السياسية المقبلة، لأن قدرته على تحقيق المرتبة الثانية مثلًا تجعله قادرًا على المفاوضة للتواجد في الحكومة المقبلة، وتفتح المجال له في رئاسيات 2029 بأن يصل إلى الغاية الكبرى حال استطاع حل خلافاته الداخلية، والتجدد وفق التغيرات التي عرفتها البلاد في الفترة الأخيرة وستشهدها في السنوات المقبلة.