حَسَمَ الجنرال، ياسر العطا، عضو مجلس السيادة السوداني ومساعد القائد العام للقوات المسلحة، الجدل المتصاعد منذ سنوات بشأن مساعي روسيا لإيجاد موطئ قدم على سواحل السودان.
وكشف العطا خلال مقابلة تلفزيونية عن موافقة حكومة السودان على طلب روسيا إقامة “نقطة للتزود” على ساحل البحر الأحمر، مقابل إمداد الجيش بأسلحة وذخيرة، موضحًا أن رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الجنرال عبد الفتاح البرهان، سيوقع مع روسيا اتفاقات اقتصادية في الزراعة والتعدين قريبًا.
وجاءت تصريحات الجنرال العطا التي أدلى بها مؤخرًا، وسط احتدام معارك الجيش السوداني مع قوات الدعم السريع التي تحظى بإمداد عسكري متقدم ومستمر من دولة الإمارات العربية المتحدة عبر جسر جوي لم يتوقف رغم الضغوط الدولية على أبو ظبي، بينما تعاني القوات المسلحة من نقصٍ واضحٍ في الأسلحة والذخائر خاصةً بعد استيلاء الدعم السريع العام الماضي على مجمع اليرموك، الذي يعد أكبر مجمع للصناعات العسكرية في البلاد.
بيد أنه بات في حكم المؤكد اتخاذ الجيش السوداني خطواتٍ عمليةٍ لتغيير خريطة تحالفاته الخارجية والتوجه شرقًا نحو روسيا وحليفتها إيران، بهدف الحصول على السلاح والذخائر في ظل إحجام الولايات المتحدة وحلفائها عن دعم الجيش النظامي أو تبني استراتيجية واضحة، فقط دعواتهم المتكررة للوصول إلى تسوية سلمية للصراع عبر التفاوض في منبر جدة، وهو ما لم يجد ترحيبًا يذكر خاصةً من طرف الجيش، حيث تمسّك الجنرال ياسر العطا بتنفيذ الدعم السريع لتعهداتها السابقة مثل الخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية قبل العودة إلى طاولة التفاوض.
اتفاقية لـ25 عامًا
قناة الشرق السعودية نقلت عن مصادرها ما قالت إنها تفاصيل مسودة اتفاق سوداني-روسي يمنح روسيا مركز دعم فني ولوجستي عسكري في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، مشيرة إلى أن مدة هذه الاتفاقية 25 عامًا، وتنتهي برغبة أحد الطرفين في إنهاء الاتفاق.
وتشير مسودة الاتفاق “بحسب الشرق“، إلى منح روسيا عتادًا حربيًا للجيش السوداني وفق برتوكول منفصل، وألا يتعدى التواجد الروسي 300 فرد يشغلون وظائف ثابتة.
مصادر رسمية لـ”الشرق”: مسودة اتفاق سوداني روسي يمنح روسيا مركز دعم فنياً ولوجستياً عسكرياً على البحر الأحمر#الشرق_السودان pic.twitter.com/DTcBO4zROl
— الشرق للأخبار – السودان (@AsharqNewsSUD) June 4, 2024
ونقلت مصادر القناة أن مسودة الاتفاق الروسي السوداني تنص كذلك على ألا يتعدى عدد السفن الموجودة بنقطة الدعم الفني 4 قطع بحرية في الوقت نفسه، وأوضحت أن الاتفاقية السودانية الروسية “غير موجهة ضد أي دولة، وتعمل على تحقيق السلام وتسري فور التوقيع عليها”.
كان نائب وزير الخارجية الروسي ومبعوث الرئيس بوتين للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، قد زار السودان في أواخر أبريل/نيسان الماضي وأعلن خلال الزيارة دعم بلاده لسيادة السودان والشرعية القائمة، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونه ومخططات تمزيقه.
كما عقد بوغدانوف ومرافقوه من وزارتي الدفاع والمعادن – خلال زيارتهم الرسمية التي استمرت يومين – لقاءات منفصلة مع كلٍ من رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وعضو المجلس نائب القائد العام للجيش شمس الدين كباشي، ووزير الخارجية حسين عوض، ووزير المعادن محمد بشير أبو نمو.
وللمزيد من التفاصيل عن الموضوع، تحدّث “نون بوست” مع ناصف صلاح الدين الصحفي المختص في الشؤون العسكرية والأمنية، فقال إنه كانت هناك موافقة سودانية مسبقة بالفعل على منح روسيا “نقطة تزود” في قاعدة فلامنجو البحرية ببورتسودان، وابتدأت إجراءات تطبيق الاتفاق في العام 2021، لكن الجنرال البرهان أوقف التنفيذ بفعل الضغوط الأمريكية.
شراكات روسية جديدة مع إفريقيا
يشير صلاح الدين الذي يدير منصة “مونتي كاروو” المتخصصة في التسريبات العسكرية إلى أنّ خطوات الغزل السياسي الروسي للخرطوم ابتدرها الرئيس بوتين خلال العقد الأخير، إبّان بحثه عن شراكات جديدة في مجاهل إفريقيا ومحاولاته ضخ دماء جديدة في شرايين اقتصاديات بلاده.
وأضاف “بعد خروج فاغنر – ذراعه الاستثمارية والاستخبارية – عن سيطرته من الطبيعي أن يعود لمغازلة حكومة البرهان لأجل استعادة نفوذه في الدولة التي لها علاقات طويلة بروسيا”.
الباحث أحمد دهشان، وهو خبير متخصص في الشؤون الأوراسية قال لـ”نون بوست”: “لا بد من فهم أسباب طلب روسيا نقطة انطلاق لها في البحر الأحمر، روسيا دولة يابسة والاتحاد السوفيتي سابقًا كان حريصًا على أن يكون ندًّا عسكريًا للولايات المتحدة بما في ذلك الجانب النووي والهيدروجيني وخرافة حرب النجوم، لكنّه رغم ذلك لم يسعَ لمجاراة الولايات المتحدة في جانب القوة البحرية، كانت لديه حاملة طائرات واحدة تعمل بالديزل ومتخلفة للغاية”.
أرجع دهشان ذلك إلى الموقع الجغرافي، موضحًا أنّ الولايات المتحدة بعيدة عن العالم القديم “إفريقيا وأوروبا وآسيا” يفصلها عنه المحيطان الأطلسي والهادي، لذلك لا تملك القدرة على إرسال طائرات حربية من دون أن يكون لديها قواعد عسكرية ثابتة في هذه البلدان، وكذلك هي بحاجة إلى حاملات طائرات.
ويضيف قائلًا “بالنسبة لروسيا – الوريث الحالي للاتحاد السوفيتي – ليست بحاجة إلى حاملات طائرات لأنها تقع في قلب العالم القديم، روسيا دولة يابسة أوروآسيوية (جزء منها في أوروبا وجزء في آسيا) مساحتها أكثر 17 مليون كيلومتر مربع ولديها قدرة سهلة للوصول بطائراتها الحربية إلى معظم النقاط التي تريدها في إطار ما يؤمن مصالحها”.
واستطرد قائلًا: “روسيا ومنذ العهد الإمبراطوري تسعى إلى أن يكون لديها وجود في البحار الدافئة ومن بينها البحر الأحمر”، وفيما يتعلق بالسودان أوضح محدثنا أن روسيا في الواقع ليست بحاجة إلى قاعدة عسكرية في البحر الأحمر بقدر ما هي بحاجة إلى نقطة إمداد وتموين، بمعنى أن الأسطول الروسي سيطر على شبه جزيرة القرم بالكامل وقاعدتها العسكرية البحرية في سيفاستوبول (Sevastopol) مقر أسطول البحر الأسود الروسي، كما أن روسيا لديها أيضًا قاعدة عسكرية ثابتة في طرطوس على الساحل السوري، وكلتا القاعدتين تعملان مع بعضهما البعض، وفقًا لدهشان.
مضيفًا “روسيا قادرة على إرسال أسطولها البحري إلى كل شواطئ البحر الأبيض المتوسط بشكل آمن للتزود بالوقود والمواد التموينية اللازمة وإجراء عمليات الصيانة، لذلك أصبح لها سيطرة جيدة جدًا، فهي تسيطر تقريبًا على كامل البحر الأسود وبحر آزوف الذي أصبح بحيرة روسية”.
وأشار إلى أن روسيا وحتى تستطيع الوصول إلى المحيط الهندي تحتاج إلى “قاعدة إسناد” في البحر الأحمر، فعلى سبيل المثال إذا حركت قطعًا من أسطولها في سيفاستوبول يمكنها التزود بالوقود والتموين في قاعدتها بطرطوس، وبعد ذلك تعبر قناة السويس، وصولًا إلى المحيط الهندي عبر البحر الأحمر حيث لديها فراغ في هذه المنطقة، والسودان موقع مثالي للغاية ليكون نقطة إمداد وتموين بحكم إطلالة ساحله على القرن الإفريقي في منتصف البحر الأحمر، وموقعه المطل على مصر والسعودية وقربه من باب المندب والمحيط الهندي.
محطة تحت إدارة روسية وليس قاعدة
شدد الخبير في شؤون أوراسيا على أنّ ما تريده موسكو من السودان بالتحديد ليس قاعدة عسكرية بالمفهوم الكلاسيكي، بل تريد محطة تكون تحت إدارة روسية لأجل الأهداف الآتية:
- إنشاء ورش لعمليات صيانة السفن الحربية.
- رصيف بحري يمكن السفن الروسية من التوقف والتزود بالوقود والمواد التموينية اللازمة.
- إنشاء محطة استراحة لأطقم السفن الحربية.
وجدد التأكيد على أنّ روسيا ليست بحاجة إلى قاعدة عسكرية ثابتة على ساحل البحر الأحمر، بل تحتاج إلى نقطة انطلاق للتزود بالوقود والقيام بأعمال الصيانة والتموين.
لكن الخبير الألماني باتريك هاينش يرى أنّ “الطريق لا يزال طويلًا أمام بناء قاعدة عسكرية روسية، خاصة في بلد متقلب سياسيًا مثل السودان”، موضحًا أن البشير وبوتين قد اتفقا بالفعل على مثل هذا الأساس البحري في عام 2017، دون إحراز أي تقدم في هذا الصدد، ومنذ سقوط البشير كان الإجماع على أن البرلمان المنتخب يجب أن يمرر أو لا يمرر مثل هذا الاتفاق، ولأسباب انتهازية، تتجاهل القيادة العسكرية الآن ذلك”، بحسب وصفه.
وأشار باتريك في حديثه لـ”نون بوست” إلى أنّ السفير السوداني لدى روسيا أدلى بتصريحاتٍ غامضةٍ للغاية لوكالة أنباء نوفوستي حين قال: (السودان ملتزم بالوفاء بهذا التعهد، والمشكلة الوحيدة هي استكمال بعض القضايا الإجرائية. ونحن لن نتخلى عن التزامنا ببناء القاعدة).
السفير السوداني لدى روسيا لـ”سبوتنيك”: الخرطوم لن تتخلى عن التزاماتها ببناء قاعدة روسية في البحر الأحمر 🇷🇺
أكد السفير السوداني لدى روسيا محمد سراج أن السودان لن يتخلى عن التزاماته ببناء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، وسيتم تنفيذ المشروع.
وأوضح سراج، في تصريحات لوكالة:…
— Arab-Military (@ashrafnsier) June 1, 2024
الغرب قد يرد بعقوبات على السودان
أضاف الخبير الألماني المختص في شؤون القرن الإفريقي “من المحتمل جدًا أن يسافر مسؤول سوداني رفيع المستوى إلى روسيا ويوقع مذكرة تفاهم هناك. ومع ذلك، فمن غير المؤكد تمامًا ما إذا كان سيتم بناء القاعدة. بالنسبة للسودان، قد يكون ذلك وسيلة للضغط كأداة في السياسة الخارجية (الدول الغربية) أنه إذا لم تدعمونا، فسنجد شركاء آخرين”.
وعن فوائد الاتفاق بالنسبة للجيش السوداني، قال هاينش: “بالإضافة إلى الرسائل الخارجية يمكن أن يفيد الاتفاق بتزويد السودان بدعم عسكري قصير الأجل في شكل شحنات أسلحة وذخائر. وبطبيعة الحال، فإنه أيضًا توازن صعب بالنسبة لمن هم في السلطة في بورتسودان. إنهم يحاولون التقرب من روسيا، لكن يجب ألا يُنَفروا الدول الغربية، وإلا فقد يردون (الغرب) في شكل عقوبات أكثر صرامة، مثل تلك التي فُرضت في عهد البشير”.
واستطرد “وجدت روسيا وإيران، المعزولتان منذ فترة طويلة عن الغرب، حلفاء مهمين في إفريقيا. هناك دلائل واضحة على أن الغرب يتفاعل مع هذا. ويُظهر دبلوماسيون غربيون ومبعوثون خاصون حضورًا أكبر في المنطقة”.
الأسلحة الصينية لعبت دورًا في خسارة الجيش
من جانبه، أوضح الصحفي ناصف صلاح الدين المختص في الشؤون العسكرية والأمنية لـ”نون بوست” أنّ الجيش السوداني يعاني من نقص في الأسلحة والذخائر، وأدرك مؤخرًا أنّ اتجاهه في السنوات الأخيرة نحو التسليح الصيني (الأرخص ثمنًا والأقل فاعلية وكفاءة من السلاح الروسي الذي كان أساس التسليح للجيش السوداني) عاد بنتائج أقرب للكارثية، فالسلاح الصيني كان يتعطل كثيرًا وتسبب بجانب عوامل أخرى في خسارة الجيش لمواقع كثيرة خلال حربه الحاليّة مع الدعم السريع.
ويعتقد صلاح الدين أنّ الجنرال البرهان قد قرر المضي قدمًا في تمتين التحالف مع روسيا على الأقل لصد الضغوط الأوروبية والدولية، مشيرًا إلى أنه لا يستبعد أن يكون تم توقيع الاتفاق خلال زيارة نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف الأخيرة لبورتسودان.
يلفت في ختام حديثه لـ”نون بوست” إلى أنّ السودان ظل شريكًا وفيًا لروسيا في مواجهة محاولات عزلها، وهو واحد من بين 17 دولة إفريقية امتنعت عن التصويت على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو روسيا إلى الوقف الفوري لعملياتها العسكرية في أوكرانيا، مثلما ظل يتلقّى بالمقابل دعمًا سياسيًا كبيرًا من الكرملين في كل معاركه الأممية بنيويورك، وآخرها معركة إخراج بعثة الأمم المتحدة “يونيتامس” وطرد رئيس البعثة، فالتحالف الجديد ينسج غزله على ذات المنوال، بحسب محدثنا.
ويُذكّر الباحث المصري أحمد دهشان بأنّ الرئيس المخلوع عمر البشير كان قد وعد روسيا قبل سقوطه بأن يُملّكها مفتاح قارة إفريقيا وعَقَدَ معها بالفعل اتفاقيات مثل الشراكة المتعلقة بشركة مروي قولد ووعد بنقطة الإمداد، لكنّ أحداث الثورة عطلت المشروع وكانت القوى المدنية التي تقاسمت السلطة مع العسكريين عام 2019 أقرب للغرب ولا تريد علاقة مع روسيا، والجيش أيضًا كان يتحسب لهذه الخطوة ويتردد في تنفيذها، وفقًا لدهشان.
وأشار لـ”نون بوست” إلى أنّ حميدتي كان قد طرح نفسه حليفًا للروس وبدا أنه كان الأقرب إليهم وهذا ما يفسر الحياد الروسي في بداية الصراع، لكن فيما بعد تبين للروس أنّ موقف حميدتي ليس موثوقًا بما يكفي وأن وعوده ليست جدّية خاصة أنه كان محسوبًا على مجموعة فاغنر في معادلة الصراع الروسي الداخلي بين وزارة الدفاع ومجموعة فاغنر، وفي النهاية رجحت كفة وزارة الدفاع الروسية بعد قتل رئيس المجموعة بيرغوجين فانحاز الموقف الروسي إلى الجيش السوداني، وتلاقت رغبات الدفاع الروسية مع رغبات حكومة السودان التي تسعى للحصول على أسلحة وذخائر بعدما فقدت الأمل في ضغط الغرب على الدول الداعمة لحميدتي.
فوائد عديدة للسودان
يضيف دهشان أنّ الدول الغربية لا تملك أي استراتيجية وليس لديها تصور تجاه المنطقة بالكامل، مشيرًا إلى فشل فرنسا وطردها من منطقة الساحل، بينما لا تمتلك الولايات المتحدة أي استراتيجية تجاه إفريقيا، فقط تحاول التعامل مع الأحداث والصراعات أكثر منها كطرف قادر على إيجاد حلول، في المقابل الطرف الروسي يملك مرونة وقدرة على التعامل مع الأطراف المختلفة وبشكل عملي.
وبشأن إيجابيات الاتفاق بالنسبة للسودان، قال الخبير في شؤون أوراسيا إن هناك العديد من الإيجابيات التي يمكن أن يجنيها السودان من الاتفاق مع روسيا بشأن نقطة التزود البحرية والتي لخصها في النقاط الآتية:
- إيقاف أي دعم روسي لقوات الدعم السريع، موضحًا أن مجرد تحييد روسيا والشركات العسكريات المرتبطة بوزارة الدفاع الروسية ومنعها من التعامل مع حميدتي يمثل ضربة قوية للدعم السريع وإضعافًا لموقفها.
- دفع الدول الغربية إلى إعادة النظر في مطالب الجيش السوداني، وهذا لا يعني أن تهرع تلك الدول إلى السودان فورًا بسبب عدم وجود استراتيجية للغرب تجاه السودان نسبة لوجود أولويات أخرى، لكنّ وجود المحطة الروسية قد يدفع الغرب إلى الاهتمام بمطالب السودان.
- منح الجيش السوداني أسلحة وذخائر روسية بجانب المزيد من الطائرات دون طيار إيرانية الصنع.
وبشأن السلبيات المتوقعة قال محدثنا إنّ الجيش السوداني ربما يتعرض لضغوط خارجية من المجتمع الدولي مثل زيادة حدة الانتقادات الموجهة إليه ووضعه على قدم المساواة مع الدعم السريع، لكنه استدرك أن الغرب ضعيف ولا يمتلك استراتيجية واضحة ولا أدوات تمكنه من الضغط بشكل فعال ومؤثر.
كما توقع دهشان المزيد من الانتقادات للجيش من القوى المدنية (قوى الحرية والتغيير)، ويعتقد أن تلك الانتقادات لن تزيد على إصدار بيانات منددة أو الخروج في مؤتمرات خارج البلاد يتفاعل معها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي لا أكثر ولا أقل، بحسب الباحث المصري.
تفهم مصري سعودي متوقع
إجابة عن سؤال من “نون بوست” بشأن تأثيرات الاتفاق السوداني والروسي على المنطقة ودوار الجوار تحديدًا، قال دهشان إنّ أهم طرف خارجي بالنسبة للسودان في هذه المعادلة مصر التي تتمتع بعلاقات ممتازة مع روسيا، مشيرًا إلى أنه يتوقع أن تكون القاهرة شجعت البرهان على التوجه نحو موسكو بسبب الوضع الاقتصادي الصعب لمصر وعدم قدرتها على تقديم دعم يجاري الدعم الذي يقدمه حلفاء الدعم السريع للمليشيا.
وأضاف أنه يعتقد أن الجانب المصري على الأقل أبدى عدم ممانعة لتوجه السودان نحو إيران، لافتًا إلى أنه ورغم عدم وجود علاقة دبلوماسية بين القاهرة وطهران فإنّ هناك تنسيقًا استخباراتيًا بين البلدين بدا واضحًا خلال أحداث غزة الحالية.
وفيما يتعلق بالسعودية، قال الباحث دهشان إنّ المملكة تعد أهم دولة في المنظومة خلال الوقت الحالي وقد يكون الدعم الإيراني للسودان مزعجًا لها نسبيًا، لكنّ الأمر يتوقف على قدرة ومهارة قادة الجيش السوداني على شرح دوافعهم لهذا القرار لأجل إقناع السعودية بتفهم الأمر وتوضيح حدود العلاقة مع إيران وكيف أنّها علاقات عسكرية محدودة لن تؤثر على انحياز السودان للمصالح السعودية.
مزيد من الدلائل على تحول السودان باتجاه روسيا
يبدو بالفعل أن الحكومة السودانية قد حسمت أمرها بالتوجه شرقًا نحو روسيا، فبعد تصريحات الجنرال ياسر العطا، وصل نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، الإثنين الماضي، إلى موسكو في زيارة رسمية تستغرق عدة أيام للمشاركة في منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، على أن يعقب ذلك عقد لقاء منفصل مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
توجهت اليوم الى مدينة سان بطرسبيرغ الروسية بمعية وفد حكومة السودان الذي يتضمن السيد وزير الخارجية السفير حسين عوض علي و السيد وزير المالية الدكتور جبريل ابراهيم و السيد و زير المعادن محمد بشير عبدالله، وذلك للمشاركة في الدورة السابعة والعشرون
١/٣ pic.twitter.com/YxIoyjk9y5
— Malik Agar Eyre | مالك عقار اير (@MalikAgarEyre) June 3, 2024
غداة سفر نائب البرهان استقلّ نائب القائد العام للجيش السوداني، الجنرال شمس الدين كباشي، طائرة أخرى رفقة وزير الدفاع، ياسين إبراهيم، واتجها غربًا إلى الساحل الإفريقي للاجتماع مع الحكام العسكريين لكلٍ من النيجر ومالي وهما أحدث حليفين لروسيا في المنطقة.
“لا أعتقد أن القوات المسلحة السودانية لديها أي مودة لروسيا، وأظن أنهم كانوا يفضلون الحصول على مساعدة من المزيد من الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة.. لو تدخلت مصر أو السعودية أو قطر أو تركيا أو أي طرف آخر لمساعدة القوات المسلحة السودانية لما تحدثنا عن موسكو الآن”، هكذا علّق على الموضوع الدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هدسون الذي يشغل حاليًا منصب زميل بارز في برنامج إفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن العاصمة.
وتعكس تصريحات الجنرال ياسر العطا وتوجه الجيش السوداني نحو روسيا إحباط الحكومة السودانية المتزايد إزاء تجاهل الغرب لمطالبها، رغم تودد قادة الجيش للغرب وتبنيهم منذ الإطاحة بالبشير سياسة مختلفة عن عهد الرئيس المخلوع بما في ذلك التطبيع مع “إسرائيل” والانضمام إلى اتفاقات أبراهام.
الجيش السوداني يفتقر إلى السلاح والذخائر كما أنه بحاجة إلى حليف سياسي دولي قوي لمواجهة الدعم السريع الذي يتمتع بدعم إماراتيّ مفتوح وبدعم سياسي من كينيا وإثيوبيا، حيث عجز عن الوفاء بتعهداته بحسم المعركة مع الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ودارفور وفي ولاية الجزيرة، كما أنّ قادة الجيش يشعرون أن ليس لديهم ما يخسرونه الآن في ظل تصاعد الغضب الشعبي من تباطؤ الحسم العسكري للمليشيا.
صحيح أن الحكومة السودانية ممثلة في قيادة القوات المسلحة لا تزال تتعرض لضغوط غربية لحثّها على التفاهم مع الدعم السريع باعتبارهما طرفي صراع كما في محادثة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن التي أعقبت حديث ياسر العطا، لكنّ قادة الجيش يشعرون أنّ خيارات الغرب لمعاقبتهم حال اتجهوا للتحالف مع روسيا قد تكون محدودة وضعيفة وغير مؤثرة كما ذكر لـ”نون بوست” الباحث أحمد دهشان.