ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيظفر بالرئاسة في آذار /مارس المقبل، بعد أن منع منافسين آخرين من بينهم رئيس وزراء سابق وضباط عسكريون رفيعي المستوى من الترشح وضغط عليهم من أجل الانسحاب. وفي هذا الصدد، أجرت الباحثة في مؤسسة “تشاتام هاوس” البريطانية، جاين كينينمونت حوارا مع جايسون ناسيلي حول ما تكشفه تكتيكات السيسي عن صراعات السلطة داخل مصر وما يعنيه ذلك للمنطقة.
– أعرب الجنرال السابق سامي عنان عن عزمه على الترشح ضد السيسي قبل أن يتم اعتقاله. إذا ماذا تخبرنا التحديات المتأتية من داخل الجيش عن قبضة السيسي المحكمة على السلطة؟
تعد عملية تضييق الخناق على المرشحين الرئاسيين المتنافسين أمر يمكن التنبؤ به بوضوح. في المقابل، تثير عملية اعتقال سامي عنان الدهشة لأنه من غير المعتاد أن يواجه رئيس نظام مصري عسكري بحت، منافسا له خلفية عسكرية. وعادة ما يكون المنافسين الوحيدين للرؤساء الحاليين من الجبهات اليسارية والليبرالية، على غرار أيمن نور وحمدين صباحي، الذين كان سهلا على الجيش أن يقوض ترشحهما. لكن فضّل السيسي عرقلة طريق هذين المتنافسين.
بداية من أحمد شفيق، الرئيس السابق للقوات الجوية، الذي خسر بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية لسنة 2012 وصولا إلى محمد مرسي، الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أعرب أحمد شفيق عن نيته في الترشح للانتخابات من منفاه في دولة الإمارات العربية المتحدة. وعلى خلفية ذلك، تم اعتقاله وترحيله من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة. وعند عودته إلى مصر، قالت أسرته إنه اختطف، ومن ثم أعلن أنه قرر عدم ترشحه للرئاسة.
خلال فترة ولاية السيسي، اضطلع الجيش بدور أكبر بكثير خلال عمليات القمع السياسي الداخلي مقارنة بعهد مبارك
في المقابل، قاد المنافس الثاني سامي عنان الجيش لمدة ثماني سنوات، حتى تمت إزاحته من قبل حكومة الإخوان المسلمين. لذلك، من المتوقع أنه يملك مميزات تمكنه من جذب نفس شريحة الناس الذين يدعمون السيسي. كما يعد عنان من الأشخاص الذين من الصعب تشويه سمعتهم واعتباره إما متطرفا يهدد الاستقرار، أو ساذجا لا يمكن الوثوق به في إدارة شؤون البلاد. وبطبيعة الحال، يملك السيسي، بصفته رئيسا للبلاد، العديد من الوسائل التي تخوله تقويض سمعة عنان. وقبل اعتقاله، بثت وسائل الإعلام مؤامرات تفيد أن عنان كان يتآمر مع الإخوان. وفي يوم اعتقاله، أفاد الجيش أنه خرق القواعد بعدم إبلاغه بترشحه للسباق الرئاسي. كما ادعى أنه قام بتزوير وثائق تُبين أنه غادر الجيش.
في هذا السياق، لا يمكن قياس مدى شعبية سامي عنان بوضوح بسبب السياق المشحون بالدعاية في البلاد، بل إنه من الأصعب حتى تقييم مستوى الدعم الذي يمكن أن يحظى به داخل الجيش، حيث توجد شائعات عن عدم رضاه عن إدارته لحملة مكافحة التمرد في سيناء. ولكن لازال يشوب تلك الشائعات الكثير من الغموض، فضلا عن أنها غير واضحة للأوساط الخارجية.
خلال فترة ولاية السيسي، اضطلع الجيش بدور أكبر بكثير خلال عمليات القمع السياسي الداخلي مقارنة بعهد مبارك، الذي شاركت فيه أجهزة الشرطة والاستخبارات. علاوة على ذلك، كان يُعتقد أن الجيش يحظى باحترام أكثر بكثير من الشرطة نظرا لأنه يُنظر إليه على أنه المسؤول عن الدفاع عن حدود مصر وسيادتها، فضلا عن أنه لا يميل إلى التدخل في الصراعات الداخلية التي تدور داخل أروقة السلطة.
– من الواضح أنه سيتم تزوير الانتخابات لصالح السيسي، إذا ما هي أكبر المخاطر التي من المحتمل أن يتعرض لها السيسي خلال هذه العملية؟
اليوم، يرغب كل نظام استبدادي تقريبا في أن تكون هناك مشاركة انتخابية شكلية وفي أن يحصل على تصويت الشعب. وفي السابق، فاز الرئيس السابق حسني مبارك في أربعة انتخابات، لم يكن فيها أي مرشح آخر. وفي الواقع، لم تكن هناك انتخابات فعلية بل اقتصر الأمر على إجراء استفتاء يقتضي الإجابة بنعم أو لا حول رئاسته، إذ كان حينها يفوز بالأغلبية الساحقة.
يبدو أن الجيش لا يزال يريد الحفاظ على بعض مظاهر الشرعية الديمقراطية، على الرغم من العراقيل الواضحة للجميع التي وضعها في طريق كل من يحاول تحدي سلطة الرئيس.
منذ سنة 2006، قررت مصر السماح بوجود مرشحين منافسين من أجل خوض غمار السباق الرئاسي. ولكن من غير الواضح، ما إذا كان هذا القرار يهدف لتخفيف الضغوط الدولية أو لإرضاء الرأي العام المحلي. وفي كلتا الحالتين، لم يكن المرشحون البديلون الذين شاركوا في انتخابات 2006 يحظون بفرصة للفوز.
بحلول سنة 2011، ساهم النسق البطيء لإصلاحات مبارك السياسية في إثارة غضب المعارضة ما أدى إلى الإطاحة به عن طريق انتفاضة شعبية دعمها بقية الجيش. ويبدو أن القيادة العسكرية، التي ضمت سامي عنان في ذلك الوقت، اعتبرت أن التضحية بمبارك، الطاعن في السن، والذي يستعد لترشيح ابنه غير العسكري للاستيلاء على السلطة، من شأنه أن يعزز النظام العسكري.
من جهتها، اضطرت القيادة العسكرية إلى إعادة إحياء النظام العسكري من أجل عصر كانت فيه تعبئة جماهيرية تطالب بمشاركة سياسية شعبية أكبر واحترام مشاغل الناس العاديين، فضلا عن المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
منذ ذلك الحين، كانت سمعة مصر فيما يتعلق بالمسائل الديمقراطية متدهورة، حيث أدى انتخاب رئيس جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي وسلوك حزبه اللاحق في منصبه إلى انقسامات اجتماعية هائلة. لذلك، أيد جزء كبير من المجتمع المصري الانقلاب الذي قاده الجيش سنة 2013 ضد حكومة مرسي. فضلا عن ذلك، يصر الجيش والكثير من الفئات التي دعمت أعماله على أن الإطاحة بحكم مرسي لم يكن انقلابا. ويبدو أن الجيش لا يزال يريد الحفاظ على بعض مظاهر الشرعية الديمقراطية، على الرغم من العراقيل الواضحة للجميع التي وضعها في طريق كل من يحاول تحدي سلطة الرئيس.
– كيف ستؤثر التكتيكات الاستبدادية “التقليدية” التي يتبعها السيسي في أماكن على غرار السعودية، التي تحاول تحديث صورتها، ولكن دون أن تصبح ديمقراطية؟
في الحقيقة، أدت حدة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط في الوقت الراهن، إلى تبديد آمال الشعب في تحسين طبيعة الحكم حيث تراجعت طموحاتهم مقارنة بالربيع العربي. ومن المؤكد، أن نسبة كبيرة من السعوديين، ربما أقلية لا تتجاوز نسبتها 20 بالمائة، قد تعاطفت مع جماعة الإخوان المسلمين ولم تكن تشعر بالقلق إزاء الانقلاب الذي قاده السيسي خلال سنة 2013. في المقابل، سيُفاجئ عدد قليل من الناس، في الوقت الحالي، بدليل آخر يؤكد أن الحكومة المصرية تحكم بطريقة استبدادية. بدلا من ذلك، ستتزايد الأسئلة حول ما إذا كان الجيش المصري سيستطيع المحافظة على وحدته.
سيواجه السيسي صعوبة في إيجاد توازن بين اهتمامه بالعمل مع الرئيس الأمريكي الذي كان يدعم حكمه، لكنه لا يراعي المسائل الحساسة للفلسطينيين، وتعاطف الرأي العام المصري والعربي مع القضية الفلسطينية
– وفي حال جرت الانتخابات كما خطط لها السيسي، فما هي التحركات القادمة التي سيقوم بها محليا وإقليميا؟
من المفترض أن تكون فترة حكم السيسي القادمة هي الأخيرة، بسبب انتهاء فترة الحكم المسموح بها للرئاسة في النظام المصري. لذلك، سيتجه الاهتمام نحو مسألة ما إذا كان سيسعى إلى تغيير فترة الحكم المسموح بها للرئاسة، أو سيرشح مكانه خلفا بارزا. وفي الوقت الراهن، ليست هناك مؤشرات واضحة حول هوية من سيخلفه. لذلك، من المحتمل أن ينشب صراع داخلي على السلطة بين المرشحين المتنافسين في الجيش.
وعلى الصعيد الإقليمي، من المرجح أن يركز السيسي على القضايا الأقرب إلى أمن مصر على غرار الوضع في ليبيا المجاورة وفي غزة، حيث اضطلعت مصر بدور الوسيط المهم بين حركتي فتح وحماس. وفي الوقت الذي يدفع فيه الرئيس ترامب إلى إبرام اتفاق سلام عربي إسرائيلي صريح، سيكون السيسي أحد اللاعبين الإقليميين الرئيسيين المعنيين بهذه المسألة.
على غرار نظرائه في الخليج، سيواجه السيسي صعوبة في إيجاد توازن بين اهتمامه بالعمل مع الرئيس الأمريكي الذي كان يدعم حكمه، لكنه لا يراعي المسائل الحساسة للفلسطينيين، وتعاطف الرأي العام المصري والعربي مع القضية الفلسطينية. وتجدر الإشارة إلى أن أهمية هذه القضية المهملة ستتنامى على مستوى جدول أعمال الشرق الأوسط خلال سنة 2018.
المصدر: تشاتام هاوس