نصت مختلف دساتير دول العالم على الحماية القانونية لأعضاء السلطة التشريعية “البرلمان” من أي تهديد قد يتعرضون له سواء من طرف أفراد الشعب أو من طرف باقي السلطات عند ممارسة المهام الموكولة إليهم دستوريًا، وهو ما يسمى بـ”الحصانة البرلمانية”.
مفهوم الحصانة البرلمانية
يعود مصطلح “الحصانة” إلى القانون الروماني، إذ كانت الحصانة مرتبطة بالإعفاء الضريبي، ليتم بعد ذلك ربط المصطلح بما هو دستوري، بحيث أصبح يقصد به دستوريًا الحماية القانونية لأعضاء البرلمان من أي تعسف أو تهديد قد يتعرضون له، وتم النص أول مرة على الحصانة البرلمانية عام 1688 بإنجلترا وذلك في قانون الحقوق.
وترتبط الحصانة بكل ما يقوم به العضو البرلماني عند قيامه بمهمة تدخل من اختصاصه، ما دام يقوم بعمله كعضو في السلطة التشريعية، فالحصانة امتياز يتمتع به هؤلاء، بحيث يرى البعض أن الأمر منافٍ لمبدأ المساواة أمام القانون، وتختلف الحصانة من مشرع إلى آخر؛ ففي بعض التشريعات الحصانة البرلمانية قد تصل إلى أقارب البرلماني وكل ما يتمتع به من أملاك.
لكن كل التشريعات تتفق على أن الحصانة يجب أن تكون مرتبطة بالمهام الموكولة إليه دستوريًا بصفته عضوًا داخل البرلمان، فالحصانة البرلمانية لا ترتبط بالشخص البرلماني، وإنما جاءت من أجل احترام وظيفته باعتباره ممثلاً للأمة وتوفير المناخ الملائم للقيام بمهامه على أحسن وجه.
أنواع الحصانة
تنقسم الحصانة البرلمانية إلى قسمين:
1- الحصانة الموضوعية
هي التي نص عليها الفصل 64 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 “لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه ولا إلقاء القبض عليه ولا اعتقاله ولا محاكمته بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك”، أما الدستور المصري لـ2014 فقد أشار إلى هذا النوع من الحصانة في الفصل 112.
2- الحصانة الإجرائية
أما النوع الثاني من الحصانة فهي الحصانة الإجرائية التي تعني عدم جواز اتخاذ أي إجراءات جنائية ضد أي من أعضاء البرلمان في غير حالة التلبس بالجريمة إلا بعد إذن المجلس التابع له حفاظًا على المصلحة العامة، وبالرجوع إلى الدستور المصري لسنة 2014 فنجده قد نص على هذا النوع من الحصانة في فصل 113.
الإطار القانوني للحصانة البرلمانية بالمغرب
نص المشرع المغربي على الحصانة البرلمانية في الفصل 64 من دستور المملكة لسنة 2011، وكذلك في مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب في فصله 122، والفصول (159،160،161) من النظام الداخلي لمجلس المستشارين.
والملاحظ هنا أن القانون الداخلي لمجلس المستشارين أعطى تفاصيل واضحة في الفصول المذكورة أعلاه حول الحصانة البرلمانية عكس ما قام به مجلس النواب الذي قام بعملية النسخ للفصل 64 من دستور2011 لا غير.
فإذا كان الرأي المعبر عنه من طرف العضو البرلماني يجادل في النظام الملكي أو في الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك، سواء تم ذلك داخل البرلمان أو خارجه، فإن تحريك المساطر القضائية هنا يخضع للقواعد العامة المتعلقة بتحريك الدعوى العمومية.
فعند قراءتنا لكل من النظام الداخلي لمجلسي النواب وكذا المستشارين، نجد بأنه تم النص على ما يسمى بمدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية التي تقيد الحصانة أو الحماية التي يتمتع بها العضو البرلماني، بحيث يجب على هذا الأخير أن يلتزم بمجموعة من الشروط من أهمها التعبير عن الرأي بلباقة واحترام، وبجميع وسائل التعبير دون تجاوز لحدود القانون واللياقة، وأداء المهام البرلمانية بفعالية وأمانة.
لكن لا يمكن أن ننكر بأن هناك بعض السلوكات التي يقوم بها أعضاء البرلمان تتنافى مع مدونة السلوكيات والأخلاقيات من بينها على سبيل الذكر قراءة الصحف والتكلم عبر الهاتف وهذا يعتبر منافيًا لما جاء في المادة 240 من النظام الداخلي لمجلس النواب.