مؤكد وأنت تقرأ ذلك المقال الآن تستعين بجهاز لابتوب وتجلس بغرفة مضاءة وربما تستعين بجهاز تكييف أيضًا وبجوارك هاتفك الخلوي وبعض الأجهزة الأخرى، هل فكرت في صاحب الفضل في وصول الكهرباء لكل تلك الإلكترونيات وجعلها تعمل بشكل متواصل وكُفء يساعدك على قراءة المقال ويساعدني أيضًا على كتابته؟
كلمة السر في هذا الإنجاز هي “التيار المتردد” الذي أحدثها رجلٌ لم تتناسب شهرته مع حجم إنجازه، العالم “نيكولا تسلا”.
ولد تسلا في العام 1856 لأبويين صربيين في منطقة كانت تابعة للإمبراطورية النمساوية آنذاك، في سن السادسة عشر اخترع الملف الكهربائي، وأتقن في سن الثامنة عشر نحو ست لغات حية، ودرس في جامعة براغ التشيكية وتوجه لدراسة الفيزياء والرياضيات إلا أنه غير رأيه ودرس الكهرباء .
1881 بدأت حياته المهنية بشركة الهاتف في بودابيست كمهندس للكهرباء، وفي العام 1882 التحق بالعمل في شركة أديسون كونتينينتال في باريس ومنها سافر للولايات المتحدة ليعمل في شركة أديسون نفسها ومعه شخصيًا.
امتدح ريتشارد باشلر، تسلا لأديسون قائلاً: “أعرف اثنين من الرجال العباقرة، أنت واحد منهم والآخر هو هذا الشاب”؛ مما دعم موقف تسلا لدى أديسون .
بعد عمله وحديثه المتتالي عن التيار المتردد، وقع بين تسلا وأديسون خلاف بخصوص هذا الأمر، لم يقتنع أديسون بفعالية هذا التيار واعتقد أنه غير كُفء لاستهلاك العوام لدرجة جعلته يجرب التيار على الحيوانات ويكهربهم أمام الناس من أجل إثبات نظريته.
عام 1898 ، احترق مختبر تسلا عن آخره بشكل غامض، ودمر الحريق آلاف الساعات التي قضاها تسلا في مختبره، وتسبب في إعادة الرجل سنوات للوراء، بالإضافة لمليون دولار هي جملة خسائر الحريق
لكن الخلاف حسمته التجربة التي أضاء فيها تسلا المعرض العالمي بشيكاغو وإثباته أن التيار المتردد بالكفاءة التي تمكنه من العمل أفضل من التيار المستمر –الذي يدافع عنه أديسون –.
تم تبني تيار تسلا المتناوب عام 1888 من جورج ويستنهاوس الذي اشترى براءة هذا الاختراع، ليكون بعدها في العام 1897 اسم تسلا والتيار المتردد ملء السمع والبصر في العالم أجمع.
كان تسلا في مختبره أشبه بالساحر، يجلس في منتصف المختبر، بينما تحيط به عاصفة هائلة من الشحنات الكهربية، استطاع وبعبقرية جعل التيار الكهربي ينتقل لاسلكيًا من مكان لآخر دون احتياج لوصلات كهربية، وأمكنه ذلك من إضاءة مصباح على بعد كبير من مصدر التيار .
تسلا في مختبره
عام 1898 احترق مختبر تسلا عن آخره بشكل غامض، دمر الحريق آلاف الساعات التي قضاها تسلا في مختبره، وتسبب أيضًا في إعادة الرجل سنوات للوراء، بالإضافة لمليون دولار هي جملة خسائر الحريق.
لكنه استعاد نفسه مرة أخرى وفكر في واحدة من أعظم نطرياته الفيزيائية التي تتعلق بجعل الكهرباء متاحة لكل سكان الأرض، في أي وقت وبلا أي تكاليف .
كانت النظرية تعتمد وبشكل رئيسي على سحب الطاقة من الغلاف الجوي بطريقة معينة وإعادة إرسالها لتغلف الكرة الأرضية ومن ثم يمكن بسهولة نقل الموجات الكهربية من خلالها.
هذا الوثائقي يشرح العملية تفصيلاً
تلك التجربة أوقفها تسلا بنفسه لأنه أيقن أن العالم سيستخدم تلك التقنية من في أغراض عسكرية قد تهدد حياة البشر، وتوقف المشروع في حينها عند هذا الحد.
لكن سؤالاً ملحًا يطرح نفسه حين نتحدث عن تسلا، هل كانت العلاقة حقًا بينه وبين أديسون يشوبها الصراع؟
“عندما أتيت لأمريكا قابلت أديسون، وقد أثر في بطريقة استثنائية، فقد رأيت كيف قام هذا الرجل الاستثنائي – الذي لم يحصل على أي تدريب – بفعل كل شيء بنفسه، وقد شعرت بالأسى أنني أهدرت حياتي، فكما ترون درست دستة من اللغات بالإضافة لتعمقي في الأدب، وقرأت أي شيء يقع في يدي”.
تلك الكلمات قالها تسلا بنفسه عن توماس أديسون وفي حضوره، كان ذلك بمناسبة تكريم تسلا في معهد مهندسي الكهرباء وحصوله على ميدالية أديسون، تم ذلك بعد نحو 30 عامًا من إفصاحه عن المحرك المستحث الذي يعمل بالتيار المتردد بنظام متعدد الأقطاب، تلك الميدالية حصل عليها تسلا بعد قرار لجنة المعهد التي كان أغلبها أصدقاء مقربين لأديسون نفسه.
إذًا لم يكن الأمر بالفجاجة المتخيلة، نعم أديسون لم يقتنع كثيرًا بأفكار تسلا ولا نظرياته وقال عنه: “هو شاعر العلم، أفكاره رائعة، ولكنها غير عملية بتاتًا”، لكن شيئًا ما تغير، والتقدير الذي ناله تسلا عن إنجازاته وأفكاره ربما غيرت وجهة نظر أديسون عنه .
إسهامات تسلا الكهربية لم تكتف فقط بإضاءة المدن، وإنما كان لها استخدامًا عالميًا وهو تحويل الطاقة الكهربية لطاقة ميكانيكية
تسلا بعد إصراره على نشر فكرة التيار المتردد وعرضها على شركة ويستنجهاوس إليكتريك، ربح الجولة ضد جنرال إليكتريك ومالكها السيد أديسون، وانتشر التيار المتردد بسرعة.
برنارد أ بهرند وجه كلمته لتسلا قائلاً:” إذا حاولنا تجاهل نتائج السيد تسلا ورفضناها في عالم الصناعية، فستتوقف عجلة الصناعة عن الدوران، وستتوقف السيارات والقطارات والمصانع، وستبقى المدن غارقة في الظلام”.
كان ذلك أيضا اعترافًا بإسهامات تسلا الكهربية التي لم تكتف فقط بإضاءة المدن، وإنما كان لها استخدامًا عالميًا وهو تحويل الطاقة الكهربية لطاقة ميكانيكية .
لذا فهناك آراء تقول بأن تسلا حظي بتكريم لائق في الفترة التي تألق فيها بنظرياته واكتشافاته، فهل كان هناك خلاف بينهما؟ ربما، لكن من الواضح أيضًا أنها لم تكن الحرب العنيفة التي يأتي فيها أديسون رجلاً شريرًا وتسلا هو الضعيف المهزوم.
من أين إذًا جاءت تلك الأفكار؟
بعد وفاة تسلا نُشر كتاب تضمن سيرته الذاتية “عبقرية فذة :قصة حياة نيكولا تسلا” والحادث الأشهر في الكتاب هو مكافأة قيمتها 50 ألف دولار عرضها أديسون للعاملين في شركته إذا استطاعوا رفع كفاءة بعض الآليات، اجتهد تسلا لمدة عام وأخرج وسيلة تحقق الأمر لكن أديسون أنكر عليه الجائزة واتهمه أنه لا يفهم مزاح الأمريكيين .
تسلا وأديسون
تلك القصة ذكرت في الكتاب لكن البعض كذبها، كالمؤرخ جيل جونز صاحب كتاب إمبراطورية الضوء الذي نفى القصة وكان مبرره في ذلك أن المبلغ كان كبيرًا لدرجة أنه يوازي تقريبًا رأس مال شركة أديسون بالكامل، لذا فالأمر كان مبالغًا فيه من وجهة نظر الكاتب .
تلك القصة هي التي ربما بُني عليها الاعتقاد السائد بأن الأمور كانت عنيفة بينهما، لكن مسألة تكريم تسلا بوسام أديسون تجعل الأمر متناقضًا وغريبًا.
ربما يكون السبب أيضًا في الحياة التي عاشها تسلا والطريقة التي انتهت بها حياته، فعلى الرغم من كون أديسون رجل أعمال اشتهر وامتلك ثروة كبيرة، فإن تسلا مات فقيرًا وحيدًا وشيع في جنازة لم تعبر عن تذكر أحد له أو لإنجازاته.
اخترع تسلا نظامًا لبث الاشعة المعروفة بـX-RAYS سبق بها عمل العالم فيلهلم رينكن
السبب الرئيسي وراء نسيان تسلا أنه لم يكن كعلماء عصره محبًا للصخب أو ميالاً له، بل على العكس تمامًا، ظل في مختبره أوقاتًا ربما أكثر من التي قضاها في بيته، فشغفه الشديد بالعلم جعله لا يفكر في أي اجتماعيات أو الأضواء أو الماديات.
هل سرقت أي من اختراعات تسلا؟
نعم، الكثير، في الكثير من الأحيان لم يهتم بملاحقة المحتالين من هذا النوع، فضاعت الكثير من أفكاره ونسبت لغيره أبرزها كان موجات الراديو التي نسبها ماركوني لنفسه بينما كانت في الأصل مجموعة من نظريات تسلا وتطبيقاته .
واختراعاته التي شملت الرادار واللمبات النيون والراديو والمصابيح المشعة تم نسبها لأشخاص آخرين، واخترع تسلا نظامًا لبث الأشعة المعروفة بـX-RAYS سبق بها عمل العالم فيلهلم رينكن .
لم يتزوج تسلا أبدًا، فقد كان لديه رأي في الزواج وهو أنه سيضيع وقته ويرهق عقله بعيدًا عن مختبره وأبحاثه .
دائمًا ما تكون الحكايات المتعلقة بالمشاهير عرضة للزيادة أو النقصان تبعًا لنوع الناقل للحدث نفسه، وربما يخرج أحدهم بأسطورة لم تحدث أبدًا ويلصقها بأحدهم من أجل الانتصار لأفكار أو أشخاص بعينهم .
العلاقة التي ربطت أديسون وتسلا ببعضهما ما زالت أمرًا يخضع للكثير من البحث، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أنهما عالمان فذان قدما للعالم الكثير؛ أحدهما عرفت الشهرة طريقه، والآخر مات منسيًا .