ترجمة وتحرير: نون بوست
ذهبتُ إلى الضفة الغربية، في نيسان/أبريل الماضي، حتى أتمكن من الدخول إلى المحاكم والسجون التي يُحتجز فيها الفلسطينيون، وأحضرتُ معيَ دليلًا على قبولي كشاهد أمام المحكمة العليا في الولايات المتحدة، ورسالة تزكية من محامٍ إسرائيلي، ورسالة من مجموعة حقوقية معنية بتطبيق القوانين على الفلسطينيين.
لقد سبق لي زيارة السجون الإسرائيلية، وسجون جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري، وسجون تشيكوسلوفاكيا قبل الثورة المخملية، وسجون الهند في عهد إنديرا غاندي أثناء حالة الطوارئ، وكنت دائمًا قادرًا على الوصول إلى المحاكم وأحيانًا إلى السجون، ولكن في هذه الرحلة إلى إسرائيل؛ لم أتمكن من الوصول إلى أي منهما.
لقد أُنشئ نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة خلال حرب 1967 مع الأردن ومصر وسوريا، ويُعد هذا هو الاستخدام الأطول لقانون الاحتلال، وهي الطريقة التي تسيطر بها إسرائيل على “المدنيين الأجانب” المقيمين في المناطق الخاضعة لسلطتها؛ حيث تلغي المحاكم العسكرية تمامًا حق السكان الخاضعين للاحتلال في تقرير المصير، فلم يضع الفلسطينيون القواعد التي تحكم المحاكم التي تقرر مصيرهم، ولا يملكون آلية لإصلاحها؛ حيث تتجاهل هذه المحاكم الحقوق القانونية والإنسانية الأساسية للفلسطينيين الذين ينتهي بهم المطاف فيها، وفي هذا الاحتلال القانوني الذي يُعد هو الأطول في التاريخ الحديث، وفي المنطقة التي تسجل أعلى معدل سجن للفرد في العالم؛ تعمل المحاكم العسكرية كواحدة من أكثر أسلحة إسرائيل فعالية وسرية.
خلال زيارة لإسرائيل قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023؛ ذهبت إلى محكمة عسكرية في الخليل، وعندما توجهت بسيارتي إلى محكمة الخليل، مررتُ عبر بوابة وغرفة حراسة، ويحاط المبنى – القائم على قمة تل – بحوالي 20 جنديًا، كل منهم مسلح ببندقية آلية، ولا توجد أي محاولة لخلق مظهر للعدالة في هذه المحاكم، وكان غضب القضاة والمحامين يتصاعد وهم يحاولون الإسراع في النظر في القضايا، وكانت الأحكام التي سمعناها كانت قاسية، فالشبان الفلسطينيون الذين يواجهون عقوبات تصل إلى 10 سنوات بتهمة رشق المركبات المدرعة بالحجارة يُحرمون عادة من الإفراج عنهم قبل المحاكمة، بينما قد لا يتم توجيه أي تهم إلى المستوطنين اليهود المتهمين بإحداث إصابات خطيرة للفلسطينيين، وحتى عندما توجه إليهم التهم، فإنه عادة ما يتم إطلاق سراحهم بكفالة.
جميع القضاة تقريبًا من العسكريين، وبعضهم لا يملك أي فهم يُذكر عن القانون، ويختار المدعون العسكريون الأشخاص الذين ستُوجه إليهم الاتهامات بارتكاب الجرائم بشكل تعسفي، بينما يقرر القضاة ماهية التهم، ويرى المحامون الذين يدافعون عن الفلسطينيين المشتبه بهم أن هذه المحاكم هي امتداد للاحتلال وليست مؤسسة تهتم بالعدالة بأي شكل، فهم غالبًا ما يُمنعون من الوصول إلى موكليهم، بغض النظر عن مدى بساطة الجريمة، لذلك، فإن العديد من المحامين القلائل الذين يحاولون الدفاع عن الفلسطينيين المعتقلين يقاطعون المحاكم العسكرية بدلاً من تقديم طلبات عديمة الفائدة.
وفي بعض الأحيان؛ لا يعرف هؤلاء المحامون حتى مكان احتجاز موكليهم بسبب عدم كفاءة ولا مبالاة إدارة السجن والمحكمة، كما يشكو المحامون من عدم قدرتهم على إعداد قضاياهم لأنهم لا يستطيعون العثور على شهود، ولأنهم لا يملكون الأموال اللازمة للدفاع، وحتى إذا تمكنوا من العثور على موكليهم، فإن السجون لا تحتوي على مرافق كافية للتحدث معهم بسرية.
قوانين الاحتلال ليست حالة نادرة من الناحية التاريخية، ومع ذلك فإن هذه القوانين سارية منذ عقود، وهو أمر غير معتاد على الإطلاق، والقوانين التي يفرضها محتل أكثر ديمقراطية تكون مصممة للحفاظ على النظام، ولتكون مثالًا على ما ينبغي أن يكون عليه القانون، ولتخفيف حدة الاحتلال، لكن قوانين إسرائيل تفعل العكس؛ حيث إن هدفها الأساسي يتلخص في دعم السجانين، مما يؤدي حتمًا إلى أعمال العنف والانتقام وتكسير العظام التي شهدناها، وإلى المزيد من الاستياء من جانب الفلسطينيين، وإلى الفوضى التي تنتجها – بالطبع – الممارسة غير القانونية للسلطة. إن اتفاقية جنيف تشترط أن تكون المحاكم في الأراضي المحتلة غير سياسية، وعليها تحديد حقوق المتهمين والتزامات الحكومة، لكن نظام المحاكم الإسرائيلي يتجاهل هذه المتطلبات تمامًا.
من غير الممكن أن يوجد احتلال طويل الأمد يُنظر فيه إلى المحاكم باعتبارها مجرد أداة عسكرية أخرى، لذا يجب إصلاحها، وهذا الإصلاح لا يمكن أن يأتي في الوقت الحالي إلا من داخل الجيش والحكومة الإسرائيليين، وأولى أهم الخطوات في ذلك هي التخلص من قانون الاحتلال، وتطبيق نفس الإجراءات الجنائية ونفس الحماية التي يتمتع بها مواطنو إسرائيل من اليهود والعرب على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ويجب إجراء المحاكمات أمام محاكم مستقلة تضم قضاة مدنيين، ويجب إنهاء الاعتقال الإداري، ويجب أن يتوقف التعذيب والترهيب، ولا ينبغي إجراء أي استجواب دون وجود محامٍ، ويجب أن يكون للمتهمين حق الوصول الفوري لمحامٍ وتزويدهم بالتسهيلات الكافية للتشاور معهم بخصوصية، وينبغي للمحكمة أن تتوقف عن إجبار المتهمين على الإقرار بالذنب من خلال فرض عقوبات مشددة للغاية على أولئك الذين يرغبون في المثول أمام المحكمة لأنهم يدعون البراءة، ويتعين على الحكومة الإسرائيلية تقديم تقارير إلى الصليب الأحمر بشأن السجناء المحتجزين تحت سلطة المحاكم العسكرية، ولا بد من منح الصليب الأحمر حق الوصول الفوري إلى مراكز الاستجواب والسجون.
من المؤسف كما هو الحال في كثير من الأمور الأخرى في إسرائيل، أن التغيير لن يحدث على الفور أو بشكل جذري؛ حيث إن نظام المحاكم العسكرية في إسرائيل لا يخلق سوى الضحايا والمعارضين، مما يقوض غرضه الظاهري: الحفاظ على أمن البلاد، لكن نظام المحاكم والسجون الخبيث هذا لا يخدم أي غرض، وإذا استمر في العمل كما هو الحال في الوقت الحاضر، فإن إسرائيل لن تضفي سوى المزيد من المصداقية على اتهامات الفلسطينيين بعدم شرعية تصرفاتها وتزايد تشويه سمعتها في جميع أنحاء العالم.
المصدر: ذا نيشن