عملية الوصول للسلطة في العراق لا تشبه مثيلاتها في الدول الأخرى، ذلك لأن المتنافسين السياسيين في العراق يُدخلون في عملهم السياسي كل الأساليب الشرعية وغير الشرعية للوصول للسلطة وتهميش الخصوم السياسيين أو قصائهم.
والتحضيرات الجارية الآن للانتخابات القادمة في شهر مايو/أيار من هذه السنَّة، لا تختلف كثيرًا عن مثيلاتها في السنوات السابقة منذ 2003 وحتى الآن، لكنهم يقومون هذه المرة بإعادة استخدام الأدوات التي طالما استعملوها في السابق لإبعاد الخصوم وإفراغ الساحة السياسية لصالحهم، وهي أساليب أثبتت نجاحها في تحقيق أغراضهم منها.
في الأسبوع الماضي صدرت أحكام قضائية بحق سياسيين من العرب السنَّة، وتم إلقاء القبض على آخرين بتهم كيدية، وتم تصفية البعض من المرشحين على أحزاب وكتل سنيَّة، كما تتعالى الدعوات من السياسيين المحسوبين على المنظومة السياسية الشيعية لتفعيل كل مذكرات القبض بحق الآخرين الذين لا تطالهم أيديهم.
فالحكومة التي يقودها العبادي وتوحي للآخرين أنها جاءت على نقيض ما كان موجودًا في عهد نوري المالكي من فساد في كل الأصعدة وأولها القضاء، وكذلك الأحزاب السياسية المتنفذة من خلال ميليشياتها، بدأت تستخدم نفس الأساليب التي تم استخدامها في عهد المالكي لتسقيط السياسيين الخصوم، فكل شيء يهون أمام إغراء المنصب وكرسي الحكم، أو لنكون أكثر دقة، كل شيء ممكن الحدوث إذا ما قرر الراعي الإيراني أن ذلك يصب بمصلحة نفوذه بالعراق.
قال وزير الداخلية المستقيل محمد الغبان المنتمي لتنظيم بدر: “مذكرات الاعتقال البالغ عددها 1015 مذكرة لم يتم تنفيذها لأسباب مختلفة، حيث تتداخل المصالح السياسية في هذا الأمر، بل نحن أيضًا قد لا ننفذ بعض المذكرات للأسباب ذاتها”
قبل أسبوعين تم اغتيال أحد المرشحين السنَّة في ديالى، لحِقها إصدار قرار حكم بحق سياسي آخر هو محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي بالسجن لثلاث سنوات، ولا نعلم من سيطاله مسلسل إصدار الأحكام القضائية بحق السياسيين المرشحين للانتخابات القادمة بهدف إزاحتهم من التنافس فيها.
وهذه هي الطريقة المثلى التي سبق أن مارستها الأحزاب المتنفذة في السلطة مع جميع خصومها السياسيين السنَّة مثل نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي ووزير المالية السابق رافع العيساوي ووزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي والسياسي مازن الشعلان وغيرهم الكثير من الشخصيات السياسية السنيَّة.
الشيء الجديد الذي يستعمله العبادي هذه المرة، هو تفعيل العلاقة مع الإنتربول من جديد، بعد أن فشل سلفه نوري المالكي بالاستفادة منهم في إحضار خصومه من الخارج لكي ينفذ بهم أحكامًا قضائية مسيسة، ذلك لأن الشرطة الدولية (الإنتربول) كانت تنظر لتلك القضايا المثارة على سياسيين عراقيين كقضايا مسيسة، وبالتالي لم تشأ تفعيل مذكرات القبض عليهم لهذا السبب.
لكن ضوء أخضر قد أُعطي للحكومة الحاليّة لتكون باكورة تعاونها الجديد مع الإنتربول، تنفيذ قيد الضبط بشخص كان يعتبر ضمن المنظومة السياسية الشيعية، وهو أمر تعمدته الحكومة العراقية، تبتغي منه الرد على من يقول إن مذكرات إلقاء القبض الدولية لأسباب سياسية وطائفية، بدليل أننا بدأنا بشخص محسوب علينا.
الأمر الذي يمهد بتفعيل مذكرات إلقاء القبض على جميع السياسيين الذين في الخارج بدءًا من الهاشمي وليس انتهاءً بأكثر من 1015 شخصًا صدرت بحقهم مذكرات ضبط وإحضار ورفعت للإنتربول، وكثير منهم يحاول المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة مثل خميس الخنجر.
العبادي والمنظومة الشيعية السياسية وعلى الرغم من اختلافاتها الظاهرية وهي تتنافس على اقتسام الكعكة المتمثلة بالسلطة بالعراق، فإن جميعهم متفقون بالقضايا التي يعتبروها إستراتيجية
وفي ذلك قال صراحة وزير الداخلية المستقيل محمد الغبان المنتمي لتنظيم بدر: “مذكرات الاعتقال البالغ عددها 1015 مذكرة لم يتم تنفيذها لأسباب مختلفة، حيث تتداخل المصالح السياسية في هذا الأمر بل نحن أيضًا قد لا ننفذ بعض المذكرات للأسباب ذاتها”، ولفت الوزير المستقيل قائلاً: “لدينا علاقة مع الشرطة العربية (الإنتربول) العربي وهم يتعاونون معنا في هذا المجال”، ويقصد بهذا أن النية مبيتة لجلب كل السياسيين المقيمين ببعض الدول العربية.
كما صرح النائب عن ائتلاف دولة القانون جاسم محمد جعفر: “الحكومة تسعى جاهدة للقبض على جميع المطلوبين الهاربين في الخارج من خلال التنسيق مع الشرطة الدولية (الإنتربول)، والعراق يحتاج إلى التنسيق أيضًا مع الدول التي تأوي المطلوبين لتسهيل عملية الاعتقال.”
ويأتي في هذا السياق اللقاء الذي تم بين العبادي ورئيس الشرطة الدولية (الإنتربول) جورجن ستوك على هامش اجتماعات دافوس، حيث ذكر المكتب الإعلامي للعبادي في بيان له “جرى خلال اللقاء بحث التعاون مع العراق لملاحقة الجريمة المنظمة والإرهاب والمتورطين بقضايا الفساد”.
ومن ناحيته أكد جورجن ستوك، على “تعاون الإنتربول مع العراق في هذا المجال”، مشيرًا إلى أنه سيقوم بزيارة للعراق قريبًا للتعاون بشكل أكبر بين الإنتربول والعراق”.
ومن هذا يتضح لنا مدى الجدية التي يتعامل بها العبادي مع هذا الملف، وأنه عازم على تفعيل كل القضايا المرفوعة للإنتربول، ومن غير المستبعد أن يقوم ما يسمى القضاء العراقي بإصدار مذكرات اعتقالات أخرى جديدة بحق الخصوم السياسيين للمنظومة السياسية الشيعية، من الذين لم تصدر بحقهم مذكرات اعتقال لحد الآن.
التقى رئيس مجلس الوزراء د. العبادي في دافوس رئيس الانتربول السيد جورجن ستوك. وجرى خلال اللقاء بحث التعاون مع العراق لملاحقة الجريمة المنظمة والارهاب والمتورطين بقضايا الفساد، حيث اكد السيد جورجن ستوك تعاون الانتربول مع العراق في هذا المجال pic.twitter.com/hP3EtTfamf
— Haider Al-Abadi حيدر العبادي (@HaiderAlAbadi) January 25, 2018
وعلى هذا الأساس فإن العبادي والمنظومة الشيعية السياسية وعلى الرغم من اختلافاتها الظاهرية وهي تتنافس على اقتسام الكعكة المتمثلة بالسلطة بالعراق، فإن جميعهم متفقون بالقضايا التي يعتبروها إستراتيجية والمتمثلة بالاستئثار بالحكم وتهميش جميع من لا يمت لهم ولمرجعيتهم في طهران بصلة، والمقصود العرب السنَّة وأيضًا المكون الكُردي على اعتبارهم الخصوم الجدد.
فمن غير المستبعد أن يتم إصدار مذكرات اعتقال جديدة بحق مسعود البارزاني وغيره من القيادات الكُردية التي قامت بمحاولة للاستقلال بكُردستان، وتتهمهم بالخيانة العظمى وتمزيق البلد.
كما تعتبر مذكرات الاعتقال، وسيلة ناجحة لترويض السياسيين سواء كانوا سنَّة أو كُرد، وجعلهم تحت المنظومة السياسية الشيعية، ويبدو أن الحكومة الطائفية في بغداد تحقق نجاحات منقطعة النظير، هذا ما رأيناه في استمالة كثير من القيادات الكُردية والقيادات العربية السنيَّة لها.
ويمكن معرفة خطورة هذا المنهج الذي تقوم به المنظومة السياسية الشيعية في العراق، هو قيامها بإلصاق التهم ليس بالسياسيين العراقيين فقط بل حتى الأشخاص من غير العراقيين، وأوضح دليل على ذلك إصدار مذكرة اتهام بحق الداعية المصري الشهير يوسف القرضاوي بتهمة التحريض على اغتيال رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؛ الأمر الذي يجعلنا نتعرف أكثر وأكثر كيف أن هذا الشر المستطير من هذه المنظومة السياسية بدأ يصل لظاه ليطال حتى غير العراقيين، ولهذا الأمر تداعيات خطيرة إذا لم يتم لجم هذه المنظومة الفاسدة والمُفسدة في العراق.