شهد يوم الأحد 28 من يناير من الشهر الحاليّ تصعيدًا جويًا روسيًا مكثفًا على مناطق قوات المعارضة في كل من إدلب وريفها وريف حلب الجنوبي، على خلفية إعلان هيئة التفاوض السورية مقاطعة مؤتمر “سوتشي”.
فيما أفادت مصادر محلية بريف إدلب أن الطائرات الحربية والمروحية تناوبت على قصف مدينة سراقب، مستخدمة الصواريخ والبراميل المتفجرة، مما أسفر عن مقتل 7 مدنيين كحصيلة أولية، وجرح نحو 20، نقلوا إلى أقرب نقطة طبية، إضافة إلى وقوع أضرار مادية في المنازل السكنية، وبلغ عدد الغارات التي استهدفت المدينة 16 غارة شنتها طائرات حربية روسية وأخرى تابعة لقوات النظام، فيما ألقت المروحيات برميلين متفجرين وثلاثة ألغام بحرية متفجرة على أحياء المدينة.
وإلى ذلك ارتقى 5 مدنيين في غارة جوية على معرة النعمان بريف إدلب، في حين تعرضت مدينة كفر نبل لغارة جوية؛ مما أسفر عن مقتل مدني، كما طالت غارات مماثلة بلدتي كفر عميم ومرديخ، وبحسب ناشطين في المنطقة فإن الطائرات نفذت على ريف إدلب ما لا يقل عن 100 غارة وبرميل، استهدفت بلدات وقرى أبو الظهور وقرى فروان وتل السلطان وتل طوكان ومحيط الزرزور ومشيرفة شمالي، والخوين وأم الخلاخيل ومناطق أخرى في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي وريف حلب الجنوبي.
فيما كثفت قوات النظام غاراتها الجوية وعمليات القصف على مدن وبلدات الغوطة بالتزامن مع الحملة العسكرية الشرسة على جبهة حرستا بريف دمشق، في حين أفادت مصادر خاصة في الغوطة أن مدينة دوما تعرضت لقصف مدفعي عنيف من قوات النظام راح ضحيته 5 مدنيين وعشرات الجرحى.
علّق محمد علوش عبر حسابه “تويتر” على التصعيد العنيف ضد المناطق المحررة بقوله: “روسيا بدأت بتنفيذ تهديدها لكل من رفض سوتشي”
كما طالت عمليات القصف مدن مسرابا وعربين وحرستا؛ مما أدى لوقوع إصابات في صفوف المدنيين، وفي حمص تجدد القصف المدفعي، من قوات النظام على مناطق في مدينتي الرستن وتلبيسة، بالتزامن مع قصف استهدف مناطق في بلدة الغنطو وقرية الفرحانية.
ومن جانبه علق مسؤول المكتب السياسي في “جيش الإسلام” محمد علوش عبر حسابه “تويتر” على التصعيد العنيف ضد المناطق المحررة بقوله: “روسيا بدأت بتنفيذ تهديدها لكل من رفض سوتشي”، وأضاف “عشرات الغارات بالطيران على الغوطة الشرقية وإدلب وحماة وارتكاب المجازر بحق المدنيين، مجزرة في دوما، ومحاولات الاقتحام على جبهاتنا بالغوطة منذ أمس”.
فيما أعلنت القناة المركزية لقاعدة حميميم الروسية، تهديدها بالتصعيد العسكري عقب إعلان هيئة التفاوض السورية مقاطعتها لـ”مؤتمر “سوتشي”، وقالت القناة: “إعلان المعارضة السورية امتناعها عن حضور مؤتمر سوتشي سيكون له تبعات عديدة على الأرض”.
يبدو أن القوات الروسية ستصعد حملاتها الجوية على المناطق المحررة لإخضاع قوات المعارضة وهيئة التفاوض لحضور مؤتمر “سوتشي”، وهذا ما أكدته القناة المركزية لقاعدة حميميم الروسية التي أصدرت تهديدًا فور رفض هيئة التفاوض السورية حضور المؤتمر، وعلى ذلك سنشهد في الأيام القريبة تصعيدًا عسكريًا على المناطق المحررة إن لم تبادر تركيا بإخضاع الهيئة التفاوضية وفصائل المعارضة لحضور المؤتمر.
الساحة السياسية بين رافض ومعارض للمؤتمر
ضجيج جال الشارع السوري المعارض حيال مؤتمر “سوتشي” المزمع الذي سيعقد خلال 29 و30 من الشهر الحاليّ في مدينة سوتشي الروسية، الذي دعت إليه كل من تركيا وإيران وروسيا، دعوات عدة وجهت لهيئة التفاوض السورية المعارضة لحضور المؤتمر الذي كشفت وسائل إعلامية مساء السبت، مسودة البيان الختامي لمؤتمر “الحوار الوطني السوري” الذي سيعقد يومي الإثنين والثلاثاء في منتجع “سوتشي” جنوبي روسيا، حيث تضمنت مسودة البيان بحسب ” قناة الجزيرة” 12 بندًا، مثّلوا المبادئ نفسها التي قدمها المبعوث الأممي ستفان دي ميستورا إلى الجولة الثامنة من المفاوضات السورية بجنيف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ونص الاتفاق على تشكيل لجنة دستورية بمشاركة وفد نظام الأسد ووفد آخر يمثل طيفًا واسعًا من المعارضة من أجل التحضير لتعديل الدستور برعاية الأمم المتحدة، ووفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254”، ومن المبادئ الأخرى التي وردت فيه الالتزام الكامل بسيادة واستقلال سوريا، وأن الشعب السوري وحده من يقرر مستقبل البلاد، ويختار نظامه السياسي بالوسائل الديمقراطية ودون أي ضغوط، والالتزام الكامل بسيادة سوريا ووحدتها أرضًا وشعبًا، وأن تلتزم الدولة السورية بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية العادلة.
وعزز حماية حقوق الإنسان والحريات في أوقات الأزمات وعدم التمييز في الحقوق والرفض القاطع لكل أشكال الإرهاب والتطرف والطائفية والالتزام بمكافحتها، فضلاً عن ضمان سلامة النازحين واللاجئين والمهجرين وحقهم في العودة إلى ديارهم.
من جانبها ردت هيئة التفاوض السورية عبر حسابها الرسمي “تويتر” مقاطعتها لمؤتمر “سوتشي”، وذلك بعد رفض القوى الثورية وفصائل المعارضة المسلحة في الداخل السوري المحرر للمؤتمر الذي ترعاه روسيا بدور أساسي.
دعت روسيا أيضًا بعض الشخصيات العسكرية في المعارضة، التي أجرت “مصالحة” مع النظام، وكان لها دور في تسليم مناطق برزة والمعضمية للأسد ومنهم “أبو بحر وسمير الشحرور وخالد خضر”
ومع مقاطعة المعارضة السورية لمؤتمر سوتشي، طرحت التساؤلات عمن سيحضر المؤتمر، فيما كشف محللون سياسيون “أن تركيا بصفتها إحدى الدول الراعية للمؤتمر، ستمارس تأثيرها على الفصائل أو بعض الشخصيات كي تشارك فيه بصفاتهم الشخصية ودون صفة رسمية، فوفد أستانة من أنصار المشاركة في مؤتمر سوتشي، وهناك بعض الشخصيات من أعضاء الائتلاف كالمجلس التركماني، سيشاركون بصفاتهم كأفراد مستقلين وليس بصفتهم أعضاء في الائتلاف”.
كما أعلن عشرة من أعضاء “الهيئة العليا للمفاوضات” موافقتهم على المشاركة المؤتمر، وهم “بسمة قضماني وطارق الكردي ويوسف سليمان وعروبة المصري ومهند دليقان وسامي الجابي وجمال سليمان وفراس الخالدي وقاسم الخطيب وخالد المحاميد”، في حين رفض 26 آخرين حضور المؤتمر، وكذلك دعت روسيا أيضًا بعض الشخصيات العسكرية في المعارضة، التي أجرت “مصالحة” مع النظام، وكان لها دور في تسليم مناطق برزة والمعضمية للأسد ومنهم “أبو بحر وسمير الشحرور وخالد خضر”.
ومن جانبه المعارض السوري والمحلل السياسي طارق النجار قال: “الوضع في سوريا الآن وصل لطريق مسدود، ورغم كل ما حدث وما سيحدث من مفاوضات سياسية، فهي ليست إلا لكسب مزيد من الوقت وهو ما تريده روسيا وإيران للوصول لحل عسكري على الأرض لتثبيت نظام بشار الأسد كرئيس للدولة”.
وتبين أن روسيا تتغاضى عن الحل السياسي الذي أقرته الولايات المتحدة في كل المفاوضات التي حدثت تحت رعاية دولية من مفاوضات فيينا وأستانة، وكل من روسيا وإيران وتركيا يدعمان مفاوضات “سوتشى” فقط ويقفون ضد أي مفاوضات تتم تحت رعاية دولية.
والحل العسكري الذي تدعمه روسيا وإيران وتركيا لن ينال من استماتة المعارضة السورية في الدفاع عن أرضها، ورغم الغطاء الجوي من موسكو وطهران الذي تقدمه لقوات أنقرة من أجل السيطرة على “عفرين” في إطار عملية “غصن الزيتون” ولن تنجح عملية الحل السياسي أمام صمود قوات المعارضة في المناطق السورية واستمرارها في المحافظة على مناطق سيطرتها.