لليوم العاشر على التوالي تواصل عناصر “الجيش السوري الحر” مدعومة بالقوات التركية هجومها ضد معاقل ومواقع ميليشيا PYD وPKK، الحزبين التابعين لقوات سوريا الديموقراطية، التي أطلق عليها عملية “غصن الزيتون” ، وسط تضارب في الأنباء عن المكاسب المحققة على الأرض بين الطرفين.
تأتي هذه العملية وسط تباعد المسافات بين أنقرة وواشنطن في ظل اتهام الأخيرة بدعم وتمويل ما تعتبره الأولى جماعات وكيانات إرهابية ما يهدد أمنها القومي، وهو ما قد ينعكس بشكل أو بآخر على مستقبل المعركة في “عفرين” في ظل الحديث عن امتدادها لتشمل مناطق أخرى على رأسها “منبج” الواقعة على مسافة 100 كيلومتر شرق منطقة عفرين الموجود بها قوات أمريكية، مما يجعل من المواجهة مع القوات التركية أمرًا محتملاً.
أنباء متضاربة
تضاربت الأنباء الواردة من أرض المعركة في عفرين بشأن المكاسب المحققة والخسائر التي مني بها كل طرف، حيث تشير المصادر الميدانية إلى شن “الجيش السوري الحر”، فجر اليوم الإثنين، هجمات على مواقع لـ”وحدات حماية الشعب الكردي” في محور قطمة شمال شرق عفرين، تزامنًا مع قصف من الطيران التركي على طريق الإمداد الواصلة بين قطمة وقاعدة كفرجنة العسكرية.
ووفق المصادر ذاتها فإن الهدف من هذه الهجمات الوصول إلى كفرجنة، وذلك بهدف قطع الطريق الواصل بين عفرين ونواحي شنكال وبلبل، الواقعة شمال عفرين، وتبعد كفرجنة قرابة 9 كيلومترات عن مدينة عفرين.
وفي الجهة المقابلة، شنت القوات الكردية هجمات معاكسة على محور تل قسطل في أطراف بلدة فشل جندو، بالتزامن مع محاولة تسلل إلى جبل برصايا الإستراتيجي، حيث استمر القتال لعدة ساعات مع “الجيش الحر” والطيران التركي على الجبل الذي زعمت قيادة “قوات سورية الديمقراطية” التي تقودها مليشيات “وحدات حماية الشعب”، في بيان لها، السيطرة عليه.
وفي سياق متصل، وفي بيان لها قالت “هيئة الدفاع والحماية الذاتية في مقاطعة عفرين” التابعة للوحدات الكردية، إن القوات التركية السورية لم تسيطر على قرية واحدة في ناحية عفرين، فيما زعم المكتب الإعلامي لـ”وحدات حماية الشعب” استعادة السيطرة على تلة كفري كر، في ناحية راجو، شمال غرب عفرين، بعد معارك مع الجيش التركي.
منذ بدء عملية “غصن الزيتون” في الـ20 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، تأرجح خطاب الإدارة الأمريكية ما بين الرفض والتحذير تارة والتراجع والمغازلة تارة أخرى، وهو ما أضفى حالة الغموض التي أفقدت أنقرة الثقة في الموقف الأمريكي حتى اللحظة
استمرار الدعم الأمريكي للأكراد كان الدافع الأول لشن العمليات العسكرية في عفرين
تأرجح الموقف الأمريكي
جاء التحرك التركي في عفرين استشعارًا للخطر المحدق من قوات PYD وPKK، الحزبين التابعين لقوات سوريا الديموقراطية، المدعومة أمريكيًا، عسكريًا ولوجستيًا، والساعية للسيطرة على الشمال السوري ابتداءً من منطقة عفرين في الشمال الغربي لسوريا حتى منطقة القامشلي في الشمال الشرقي.
تأجيل أنقرة لعمليتها العسكرية طيلة الأشهر الماضية كان محاولة للوصول إلى تطمينات حقيقية من جانب واشنطن يستتبعها تحركات وخطوات جادة لوقف تمويل الميليشيات التركية، لكن إصرار الجانب الأمريكي على مواصلة دعمه لتلك القوات دفع أنقرة إلى التحرك العسكري الميداني وهو ما ألقى بظلاله على رد الفعل الأمريكي.
منذ بدء عملية “غصن الزيتون” في الـ20 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، تأرجح خطاب الإدارة الأمريكية ما بين الرفض والتحذير تارة والتراجع والمغازلة تارة أخرى، وهو ما أضفى حالة الغموض التي أفقدت أنقرة الثقة في الموقف الأمريكي حتى اللحظة.
وبالعودة إلى الوراء قليلاً وبالتحديد في نوفمبر/تشرين الماضي، حيث وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مكالمة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بوقف الدعم العسكري للأكراد، غير أن الموقف انقلب تمامًا إثر إعلان وزير الخارجية ريكس تيلرسون، إعداد قوة لحماية الحدود، تبعه تصعيد جديد بلغ حد تحذير ترامب من التدخل العسكري التركي، لينتهي قبل يومين إلى تطمينات مستشار الأمن القومي هربرت مكماستر، لأنقرة بعدم تسليح الأكراد.
العمليات العسكرية في “عفرين” ربما لم تثر قلق واشنطن بصورة كافية نظرًا لعدم وجود قوات أمريكية بها، غير أن مأزقًا حقيقيًا قد تجد الإدارة الأمريكية نفسها فيه مع تهديد أنقرة بتجاوز عملياتها إلى “منبج” حيث يتمركز ما يقرب من 2000 جندي أمريكي، وهو ما أثار انقسامًا داخل البيت الأبيض في عملية التفاضل بين “الحليف التركي المهم” و”الشريك الكردي الموثوق”.
المطالب التركية تجاوزت حد التطمينات إلى مطالبة أمريكا بسحب قواتها “فورًا” الموجودة في مدينة “منبج” خاصة بعد التصريحات التي تشير إلى تجاوز العمليات حاجز “عفرين”
مأزق الأكراد
تواجه القوات الكردية مأزقًا حقيقيًا على أرض المعركة في ظل تصاعد هجمات “الجيش السوري الحر” المدعومة بالطيران التركي، في الوقت الذي تشعر فيه بتقليص عملية الدعم المقدم لها، الذي يمثل لها الغالبية العظمى من قوتها الحقيقية في الميدان، خاصة من الولايات المتحدة التي تنظر إلى هذه الميليشيات باعتبارها أكثر قوةً بريةً يمكن الاعتماد عليها ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فيما تنظر إليها أنقرة على أنها إرهابية.
الخوف من تقليص قوة “وحدات حماية الشعب الكردي” إثر التصريحات الأمريكية المتفاوتة ما بين الحين والآخر بعدم إمدادها بالسلاح مرة أخرى، في مقابل تصعيد الهجمات المشنة من الجيش الحر والطيران التركي، دفع الأكراد إلى مغازلة كل الأطراف المقاتلة في سوريا في محاولة لاستعادة بعض مصادر التمويل والدعم.
ففي 25 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، دعت السلطات الكردية في منطقة عفرين حكومة الأسد، إلى إرسال قوات لمساعدتها في صد الهجوم التركي، علمًا بأنها سعت من قبل لنيل الحكم الذاتي من نفس الحكومة التي تطلب منها اليوم مساعدة، وذلك بحسب البيان المنشور بموقع إدارة عفرين على الانترنت.
أما روسيا، فمن المستبعد – على الأقل في الوقت الراهن – تلبية أي مطالب لتمويل الأكراد، خاصة أنها باركت العملية التركية، ولو فقط من أجل مكايدة الولايات المتحدة، إضافة إلى ذلك إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي عدم حضوره لمباحثات “سوتشي” المقرر عقدها اليوم وغدًا.
أردوغان لا يثق في أمريكا رغم تطمينات وزير خارجيتها
أنقرة ترفع سقف مطالبها
يبدو أن الوعود الأمريكية بعدم تسليح الأكراد لم تقنع أنقرة بالشكل الكافي، خاصة أنها تأتي وسط تخبط في الخطاب الأمريكي وانقسام داخل البيت الأبيض، وهو ما دفع الجانب التركي إلى رفع سقف مطالبه ليطالب واشنطن بخطوات ملموسة وأكثر جدية ووضوحًا لإنهاء دعم “وحدات حماية الشعب”.
المطالب التركية تجاوزت حد التطمينات إلى مطالبة أمريكا بسحب قواتها “فورًا” الموجودة في مدينة “منبج” خاصة بعد التصريحات التي تشير إلى تجاوز العمليات حاجز “عفرين” إلى مناطق أخرى بعضها يوجد به قوات أمريكية، حسبما جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو.
أوغلو في تصريحات له بعد ساعات من توعد أردوغان بإرسال القوات التركية إلى منبج، قال إن على القوات الأمريكية “الانسحاب فورًا من منبج” التي تسيطر عليها القوات التركية المدعومة بالدعم والتمويل والتعسكر الأمريكي، وهو ما يعد اختبارًا حقيقيًا لاختبار نوايا واشنطن الحقيقية تجاه أنقرة.
يذكر أن الرئاسة التركية، في بيان لها أول أمس السبت، قالت إن مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر، والمتحدث باسم الرئيس التركي إبراهيم كالين، تحادثا مساء الجمعة بعد يومين على الاتصال الهاتفي بين الرئيسين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان.
الاتصال أسفر – وفق بيان الرئاسة التركية – عن “تأكيد أنه لن تسلم بعد اليوم أسلحة” إلى الأكراد، حيث أعلنت أنقرة أن كالين “أكد ضرورة أخذ مخاوف تركيا الأمنية المشروعة في الاعتبار”، ورغم ذلك واصل أردوغان تهديده للأكراد قائلاً: “أيًا كان اسم التنظيم الإرهابي الذي تواجهه تركيا، سواء كان داعش أو حزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب الكردية، فإن قواتنا ستسحقهم جميعا بإذن الله”.