تتواصل في العاصمة الألمانية برلين، لليوم الرابع على التوالي، المفاوضات الشاقة لتشكيل الحكومة بين “الاتحاد المسيحي” بزعامة المستشارة الحاليّة أنجيلا ميركل، الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقوده مارتن شولتز، ورئيس الحزب “المسيحي الاجتماعي البافاري” هورست زيهوفر، وسط خلافات كبرى خاصة في ملف الهجرة، فهل تنجح ميركل في تجاوز العقبات التي تقف أمامها وتشكيل الحكومة المنتظرة بعد تأخير دام أكثر من أربعة أشهر؟
تواصل المشاورات
هذه المشاورات الرسمية التي بدأت الجمعة الماضية، تأتي بعد تصويت غالبية بسيطة من مندوبي الحزب الاشتراكي الديمقراطي خلال مؤتمر حزبي اتحادي في مدينة بون الألمانية لصالح الدخول في مفاوضات لتشكيل ائتلاف حكومي كبير مع التحالف المسيحي الذي يضمّ كلاً من حزب ميركل المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري.
ويطالب زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز، في هذه المفاوضات، تحالف ميركل مجددًا بالاستجابة للمطالب الثلاث الأساسية للحزب الاشتراكي الرامية إلى إدخال تعديلات على ورقة المحادثات الاستكشافية بين الأحزاب الثلاث، وتتعلق هذه التعديلات بملف لمّ شمل العائلات بالنسبة للاجئين أصحاب صفة الحماية المحدودة والتأمين الصحي “الذي يتألف من درجتين”، وجعل الوظائف لمدة مؤقتة دون سبب موضوعي.
أعربت المستشارة ميركل عن الأمل في إنهاء هذه المحادثات في منتصف شباط/فبراير قبل احتفالات الكرنفال التي تعد حدثًا شعبيًا كبيرًا في ألمانيا
ويدعو الحزب الاشتراكي إلى نظام تأمين صحي شامل يمكن أن يضم كل المواطنين في ألمانيا دون استثناء، ولا تخضع إسهاماته لمقدار دخل كل مواطن، وتجتمع في هذه الأثناء 18 مجموعة عمل تضم ممثلين عن كل حزب للبحث عن حلول للنقاط الخلافية المنفردة، والسبب في توزيع المهام وتوسيع مجموعات العمل مرده أن المفاوضات باتت الآن أكثر تفصيلاً وتتطلب مناقشات موضوعية والتركيز على ملفات لم تناقش بشكل مكثف.
من المقرر أن تختتم مجموعات العمل مفاوضاتها يوم الجمعة المقبل وأن تصادق مجالس قيادات الأحزاب على النتائج التي توصلت إليها مجموعات العمل خلال اليومين اللاحقين (3 و4 من فبراير/شباط المقبل)، وفي حال لم تكف هذه الفترة الزمنية القصيرة لاتخاذ القرار فإنه من المخطط مدها ليومين آخرين.
هذه المفاوضات سبقتها مشاورات تمهيدية مجدية منذ بداية كانون الثاني/يناير، بين المحافظين والاشتراكيين الديموقراطيين لإعداد “خريطة طريق” للإصلاحات التي ينوون مباشرتها معًا، ويفترض أن تتيح هذه المفاوضات للأحزاب الثلاث، تحديد التفاصيل الدقيقة لمشاريعها، وأعربت المستشارة ميركل عن الأمل في إنهاء هذه المحادثات في منتصف فبراير/شباط قبل احتفالات الكرنفال التي تعد حدثًا شعبيًا كبيرًا في ألمانيا.
قضية الهجرة
بعد أيام من انطلاق هذه المشاورات، فشلت الأطراف المفاوضة في إحراز تقدّم في المفاوضات بشأن قضية الهجرة التي تعتبر إحدى أهم القضايا الخلافية بين الطرفين في مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي، مما يوحي بصعوبة هذه المفاوضات.
وسبق أن أعلن الزعيم الاشتراكي مارتن شولتز، أن مفاوضات الائتلاف مع تحالف المستشارة أنجيلا ميركل لتشكيل نسخة جديدة من الائتلاف الكبير ستكون شاقة، وقال شولتز: “يجب على حزبي التحالف المسيحي أن يتأهبا لحقيقة أن مفاوضات تشكيل الائتلاف ستكون على نفس القدر من مشقة المفاوضات الاستكشافية”.
يمثّل ملف الهجرة أحد أبرز الملفات العالقة بين الأطراف المفاوضة
تقرير إعلامي لمؤسسة دويتشه فيله الألمانية، ذكر أن الأحزاب المفاوضة فشلت خلال جلسة المفاوضات الـ15 في إحراز أي تقدم على وجه الخصوص في قضية استقدام عائلات اللاجئين الحاصلين على وضع حماية مؤقت في ألمانيا، وأضاف هذا التقرير أن مجموعة العمل المختصة بقضية الهجرة تم تكليفها بإعداد نماذج لحل القضية الخلافية على مدار اليوم.
ويسعى الحزب الاشتراكي الديمقراطي خلال هذه المفاوضات إلى وضع قواعد موسعة للحالات الخاصة التي تستوجب استقدام أسر اللاجئين الحاصلين على وضع حماية مؤقت (حق لجوء غير كامل)، فيما يصرّ تحالف ميركل على وقف سياسة لمّ الشمل بشكل نهائي، خوفًا من حدوث بعض التغيرات في المجتمع الألماني.
سبق أن رفض زعيم الحزب مارتن شولتز، عقب إعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية الدخول في ائتلاف حاكم مع التحالف المسيحي
وينظم “قانون الإقامة” إجراءات لمّ الشمل في ألمانيا، وقد أُجري تعديل على القانون في يناير/كانون الثاني 2015، وسهّل التعديل المذكور لم شمل العائلات الحاصلة على “الحماية المؤقتة”، غير أنه في فبراير/شباط 2016 أقر البرلمان الألماني “حزمة اللجوء الثانية” التي كان الهدف منها تنظيم تدفق اللاجئين، وكان لمّ شمل عائلات الحاصلين على “الحماية المؤقتة” أحد بنود الحزمة، وبموجبه تم إيقاف العمل بلم الشمل لمدة سنتين، دخل القانون حيز التنفيذ في مارس/آذار 2016 وسينتهي العمل به في مارس/آذار 2018.
ضغط على الحزب الاشتراكي
يدخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي هذه المفاوضات تحت ضغط كبير ممارس عليه من العديد من الأطراف داخل الحزب وخارجه، وذلك لإنجاح هذه المفاوضات حتى لا يستمرّ الفراغ السياسي في البلاد أكثر ويتسبب في نتائج سلبية.
وسبق أن رفض زعيم الحزب مارتن شولتز، عقب إعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية الدخول في ائتلاف حاكم مع التحالف المسيحي، إلا أنه تراجع عن ذلك عقب فشل مفاوضات تشكيل ائتلاف حاكم بين التحالف المسيحي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر.
وقبل حصوله على تأييد حزبه لخوض هذه المفاوضات، قال شولتز مخاطبًا المندوبين الاشتراكيين الديمقراطيين: “الجمهورية تتطلع إليكم، وأعرف أيضًا أن كثيرين في كل أنحاء أوروبا يتطلعون أيضًا إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، وبعد إعلان نتيجة القبول أعرب شولز عن “ارتياحه”.
غير أن معارضي الدخول في هذه المفاوضات يخشون من أن يفقد الحزب توجهه حال دخوله في ائتلاف حاكم جديد مع التحالف المسيحي، وذلك بعد الخسارة الفادحة التي مني بها الاشتراكيون الديمقراطيون في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر/أيلول الماضي.
مارتن شولتز زعيم حزب الاشتراكي الديمقراطي
يفترض على شولتز في حال الحصول على نتائج إيجابية خلال هذه المفاوضات أن يعود إلى أعضاء الحزب الـ440 ألف لأخذ موافقتهم على المشاركة في الحكومة المنتظرة، ويرى الجناح اليساري داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أن الحزب قدم تنازلات كثيرة لميركل خلال مرحلة الائتلاف السابقة في ميادين الصحة وسياسة الهجرة والمالية العامة.
وأضعفت انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي حلّ ثانيًا بنسبة 20.5% بتراجع 5.2% عن الانتخابات السابقة التي أجريت سنة 2013، فيما تصدّر حزب المستشارة أنجيلا ميركل وحليفه “الاتحاد المسيحي الاجتماعي” نتائج الانتخابات بنسبة تقدر بـ33% بتراجع قدره 8.5% عن الانتخابات الأخيرة التي جرت في الانتخابات السابقة.