نشرت مجلة فورين آفيرز الأمريكية والتابعة لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي مقالا يشرح خلفيات القرار السعودي الأخير بإعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية بالمساواة مع تنـظيم القاعدة ومع حزب الله.
تقول المجلة أنه على الرغم من عدم “إعجاب” العائلة المالكة السعودية بنشاط الإخوان المسلمين إلا أن المملكة -ولعقود طويلة- تحملت، أو عملت مع الإخوان المسلمين في السعودية، وهو ما يجعل القرار الأخير تحولا مفاجئا وتعبيرا واضحا عن التضامن مع حلفائها المهددين في المنطقة، تحديدا السلطات العسكرية في مصر، كما أنه تحذير شديد اللهجة لمعارضي العائلة داخل السعودية.
تقول المجلة أن إرهاصات القرار جاءت مع الربيع العربي الذي أطاح بحليف السعودية الأبدي، حسني مبارك، وخشية السعودية -ورفيقتها الإمارات- من محاولات الإخوان تصدير الثورة المصرية إلى المنطقة بأسرها، رغم أن تلك المخاوف لا أساس لها بحسب الصحيفة.
وتؤكد المجلة أن تيار الإخوان المسلمين وأعضاءهم كانوا في طليعة حركة الصحوة، وهو لفظ استخدمه أستاذ العلوم السياسية الفرنسي ستيفان لاكروا في كتابه “إسلام الصحوة”، فبعد أن ساعد الإخوان في بناء الدولة السعودية واحتلوا المناصب الهامة في كلا المؤسستين الدينية والتعليمية، بدأوا في وقت مبكر من التسعينات في المطالبة بإصلاحات سياسية ردا على فساد الحكومة السعودية والقواعد الأمريكية -الجديدة حينها- التي بدأت في التمركز في المملكة.
تلك الأريحية المتوترة انتهت تماما عندما قام عدد من الإسلاميين البارزين بإضافة أسماءهم على عريضة للمطالبة بإصلاحات سياسية في المملكة عام 2011، منتقدين غياب الحريات السياسية بعقد مقارنات مع السعودية مصر، بل إن حتى ناصر العمر، وهو سروري متشدد (السرورية هي خليط بين القطبية الإخوانية والسلفية المحافظة) شارك بالتوقيع على عريضة للتغيير الديمقراطي.
السعودية كانت لها أسبابها للخوف، فتحت حكم مبارك، كانت مصر حليفا يمكن الاعتماد عليه كليا. على العكس مما حدث مع قدوم مرسي للسلطة، وسعيه لوضع مصر على الحياد بين السعودية وإيران. الإمارات قلقت أيضا من التواجد الإخواني على صغر حجمه، خاصة بعد 11 سبتمبر، وما أنهى الصمت الإماراتي كانت عريضة أيضا تدعو لإجراء انتخابات والبدء بإصلاحات سياسية في البلاد، الأمر الذي أدى لاعتقال عدد من الإخوان الإماراتيين والمصريين ومحاكمتهم بتهم الانتماء إلى خلايا إرهابية مرتبطة بالقاهرة.
السعودية حاولت عزل مصر اقتصاديا إبان حكم الإخوان، ما عجل الغضب الشعبي ومن ثم الانقلاب العسكري. قبل شهرين فقط من عزل مرسي قال وزير المالية أن الرياض لم تدفع سوى مليار دولار من 3.5 مليار دولار وعدت بهم بعد سقوط مبارك. أما بعدما أطاح الجيش المصري بمرسي، وعدت السعودية والكويت والإمارات مصر بحزم مساعدات تصل إلى 12 مليار دولار. وعندما ذبح النظام الجديد متظاهري الإخوان في رابعة العدوية والنهضة، تكلم الملك السعودي كثير الصمت ودعم العسكر في مصر بشكل علني غير معهود.
أثارت تلك التحركات السعودية قلقا في الرياض، الإخوان المسلمون في السعودية والذين قد يتجاوز عددهم 25 ألفا اتخذوا بعض الاحتياطات عقب القرارات الأخيرة من بينها وقف بعض تجمعاتهم في محاولة لعدم تأجيج الغضب الحكومي، ما فعلته المملكة حتى الآن من الممكن اعتباه تسديد السهم ناحية الإخوان، لكن حتى تبدأ الاعتقالات، لا يمكننا القول إن السعودية ترغب في إغراق سفينة الإخوان.
لكن هذا لا يعني أن الغضب ضد الحكومة السعودية ليس في أعلى مستوى له على الإطلاق. الغضب شديد، لكن الإخوان لن يتحركوا ضد النظام في أي وقت قريب، كما أن هناك أيضا بعض الفوائد من حالة الانتظار والترقب تلك. وهو ما ينقله مقربون عن الشيخ سلمان العودة الذي يستشير بعضهم ويطلب منهم الانتظار في انتظار ما سينتج عن صراع فصائل النظام السعودي.
الأخطر في المشهد أن الأصغر سنا، والأصغر كذلك في السلم القيادي داخل الإخوان بدأوا في الاقتناع بعدم جدوى التغيير السياسي السلمي، وهذا الإحباط قد يؤدي إلى اللامبالاة، لكنه قد يؤدي أيضا إلى العنف، وإذا حدث ذلك فإن ما فعلته السعودية لن يكون سوى “نبوءة ذاتية التحقق”.