“يمكن لسمكة صغيرة أن تهزم حوتًا في محيط لو كانت في مجموعة”، ستجد هذا الشعار خاصًا بأحد أكبر وأهم المجتمعات المتكونة من مئات الآلاف من الأعضاء الذين اجتمعوا على هدف واحد، ألا وهو التحكم في العملات المشفرة، ليكونوا المحرك الخفي لاقتصاد الإنترنت.
إذا أردت أن تكون عضوًا في مجتمع “الإغراق التجاري”، يجب عليك معرفة أنك ستقوم ببيع وشراء العملات الافتراضية من خلال مجموعة، تشتري معهم كمية معينة من العملات الرقمية في نفس اللحظة التي يشتري فيها بقية الأعضاء، حينها ستكون أنت وهم السبب الرئيسي في ارتفاع سعر العملة الافتراضية فجأة، لتحققوا نسبة عالية جدًا من الأرباح، ذلك قبل أن تقرروا إغراق السوق معًا.
مجتمعات الإغراق التجاري أو مجتمعات “الرفع والرمي” المعروفة بالإنجليزية بـ”pump and dump societies” هي مجتمعات تجتمع على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، قناة على منصة تليجرام، على سبيل المثال، تتكون المجموعة من عشرات بل مئات الآلاف من الأعضاء المشتركين لغرض واحد، وهو إغراق السوق الإلكتروني تجاريًا، من خلال رفع سعر العملة الافتراضية بشكل فجائي، وإطلاق إشارة بذلك من خلال التواصل مع بقية أعضاء المجموعات كل بضعة أيام.
من داخل “Big Pump” أكبر المؤسسات التي تتلاعب بالعملات الافتراضية
شعار الموقع الرئيسي لواحد من أهم مجتمعات الإغراق “يمكن لسمكة صغيرة أن تهزم حوتًا في محيط لو كانت في مجموعة”
إن كنت من بين من خسروا أموالهم جراء انخفاض سعر البيتكوين بنسبة 80%، بعدما ارتفع سعرها إلى ما يقرب 20 ألف دولار قبل بضعة شهور وانخفاض السعر فجأة صولًا إلى ما يقارب 11 ألف دولار في الأيام الحاليّة، فسيكون أحد الأسباب الرئيسية هو مجتمع “Big Pump“، المجتمع الذي يُعرف نفسه بأنه السبب الرئيسي في “الإغراقات التجارية” القوية، للسيطرة على السوق بأكمله، ويدعو المحظوظين للانضمام إلى المجموعة.
“لا تحارب الحيتان وحدك، نحن هنا ندعو كل محظوظ للانضمام إلينا، نحن قادرون على صناعة تغيير كبير في السوق، وبدأنا في دعوة أعضاء جدد”
حينما تقوم بزيارة الموقع الرسمي لمجتمع “Big Pump” ستجد دعوة للانضمام للمجتمع المتاجر في كل العملات البديلة “Altcoin“، العملات الافتراضية البديلة لعملة البيتكوين، مجتمع “Big Pump” له قواعده الخاصة الواجب على كل عضو الالتزام بها، وهي ببساطة الالتزام بالتحرك وسط المجموعة بتحركات تتسم بالشفافية أمام أعضاء المجموعة كلهم، من خلال التصويت على المتاجرة في عملة بعينها في نفس الوقت.
الإغراق التجاري هو أحد المؤامرات في عالم الاقتصاد، هدفه الإضرار باقتصاد دولة أو باتجاه اقتصادي ما مثل العملات الافتراضية أو العملات المشفرة، والمصطلح نفسه يُطْلَق على حالة مفارقة أو تمييز في سعر منتج ما، ما بين الدولة المصدرة والمستوردة، ويتم ذلك التمييز عندما يتم بيع منتج ما في أسواق البلد المستورد بأسعار أقل كثيرًا من سعر بيع نفس المنتج في أسواق البلد المُصَدِّر، وفي هذه الحالة يتم معرفة وجود حيلة الإغراق تلك بكل بساطة عندما تتم مقارنة الأسعار في أسواق البلدين.
يتبع مجتمع الإغراق خطوات مختلفة في طريقته الخاصة للإغراق التجاري للعملات المشفرة، أهمها إغراق “البيتكوين” بالمتاجرة في العملات البديلة، حينها يرتفع سعر الأخيرة وتنهار البيتكوين تدريجيًا، تبدأ تلك الخطوات بعملية التصويت في مجتمع “Big Pump”، حيث يصوت الأغلبية على العملة التي يرغبون في التخلص منها، لتكون هدفهم القادم، حينها يختار المجتمع واحدة من العملات التي تحتل المراتب الأولى في قائمة التصويت بشكل عشوائي، وذلك لكي لا تقوم مجموعة داخل المجموعة بشراء العملة الأولى بشكل أبكر من أعضاء المجموعة ككل لتحقيق مكاسب أكبر.
الإغراق التجاري هو أحدى المؤامرات في عالم الاقتصاد، هدفه الإضرار باقتصاد دولة أو باتجاه اقتصادي ما مثل العملات الافتراضية أو العملات المشفرة
يطور المجتمع بعدها إشارات تنبههم للتوقيت الواجب على المجموعة شراء العملة فيه بشكل جماعي، حينها يتم إخطار كل أعضاء المجتمع أن يقوموا بالمتاجرة في عملة بديلة للبيتكوين في وقت معين تم الاتفاق عليه من أعضاء المجتمع كله من خلال التواصل على المنصات التي تجمعهم وبالأخص منصة تليجرام الخاصة بمجتمع “Big Pump” حيث يتم إعلان العمليات التي يقومون بها بشكل عام.
بعدما تتم المجموعة بشراء عملات بديلة للبيتكوين، سيرتفع سعرها بشكل جنوني، حينها يقوم المستثمرون من خارج مجتمعات الإغراق بالاستثمار السريع في العملات البديلة، ليحقق أعضاء مجتمع “الإغراق التجاري” أرباحًا خيالية في وقت قصير، ويسميها أعضاء المجتمع بـ”الثروة السهلة”.
الثروة السهلة على مواقع التواصل الاجتماعي
أخبار كاذبة ينشرها أعضاء المجتمع لترويج التلاعب بالأسعار
يتم الترويج لهذه المجموعات على منصات التواصل الاجتماعي التي تكون غالبًا عالية التشفير مثل تطبيق تليجرام أو ديسكورد، حيث تبدو عملية “الإغراق التجاري” لاقتصاد الإنترنت من العملات المشفرة، شديدة التنظيم، يقوم قادة مجتمع الإغراق فيها بتنظيم عملية الإغراق بشكل شديد الدقة، يحتوي على توقيت المتاجرة بالعملات في عدة مناطق مختلفة في العالم، وما الهدف الذي تهدف إليه تلك الخطوة بعدما يضع سقفًا لسعر الربح، ليتبع بذلك بعض النصائح لكل أعضاء المجتمع الذين سيتبعونه في تنفيذ تلك الخطوات.
يُتوقع من كل عضو في مجتمع الإغراق التجاري (dump society) أن يروج لمبادئ وأفكار المجتمع على مواقع التواصل الاجتماعي مثل حملات على فيسبوك وتويتر وإنستغرام، ليصل الأمر بهم إلى الترويج لمجتمعات الإغراق التجاري من خلال حسابات وهمية لأيقونات مشهورة، وبالأخص تلك المشهورة في عالم التجارة بالبيتكوين والعملات المشفرة بشكل عام، حيث نشر موقع “Buzzfeed” تقريرًا يكشف الحسابات الوهمية التي يستخدمها أعضاء مجتمع الإغراق التجاري على مواقع التواصل الاجتماعي للتلاعب بأسعار العملات الافتراضية وتوجيه الاستثمار نحو العملة التي وقع عليها الاختيار للمضاربة عليها للتخلص منها بعد رفع سعرها فجأة.
يتم الترويج لهذه المجموعات على منصات التواصل الاجتماعي التي تكون غالبًا عالية التشفير مثل تطبيق تليجرام أو ديسكورد
صورة من إحدى محادثات تليجرام لأحد مجتمعات الإغراق
في تاريخ 13 من هذا الشهر، كانت ضربة مجتمع الإغراق خاصة بعملة GVT، واحدة من العملات البديلة للبيتكوين، بحسب ما ورد في المواقع المراقبة لحركة العملات الافتراضية التي تابعت حركة العملة قبل إشارة مجتمع الإغراق، فكان يتم تدولها على سعر 29.22 دولار أمريكي، ليرتفع سعر التداول بعد إعطاء الإشارة إلى 35.05 دولار خلال 16 دقيقة فقط، لتصل إلى أعلى سعر لها بعد مرور عشر دقائق أخرى إلى 45.41 دولارًا.
يعتمد مجتمع الإغراق على أن أعضائه سيجنون الأرباح بغض النظر عن المخاطرة التي يُخاطرها كل من يتاجر في العملات الافتراضية، ولهذا فإن هدفهم دعوة المزيد للانضمام إلى مجموعاتهم مع ضمان عدم خسارة الأموال في حالة تحرك المجموعة كلها بنفس الميكانيكية ونفس التوقيت بحسب تعليمات قادة المجتمع.
على الرغم من أن مجتمعات الإغراق استطاعت ضم مئات الآلاف من الأعضاء ضمن مجتمعاتها للتلاعب بأسعار العملات الافتراضية، فإن جهل كثير من المستثمرين حديثي التجربة بالاستثمار في تلك العملات ساعدهم على بناء شبكات واسعة للوصول إلى مئات الآلاف من الأعضاء، لتكون لدى قادة هؤلاء المجتمعات الفرصة في تقرير التوجهات الإلكترونية التي يسير عليها الاقتصاد على الإنترنت بشكل جذري وسريع من خلال أعضائهم الذين يصفونهم بـ”جيوش الإغراق التجاري”.