“تقنيات الذكاء الاصطناعي رائعة، نحن نراها بالفعل في “إسرائيل” وحول العالم، طبٌ دقيق يواكب التركيبة الجينية لكل شخص، روبوتات تعتني بكبار السن”، بهذه الكلمات عدَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو النعم الكثيرة للذكاء الاصطناعي خلال لقاء جمعه برجل الأعمال والملياردير الأمريكي إيلون ماسك في سان فرانسيسكو في سبتمبر/أيلول 2023.
نتنياهو تحدث أيضًا عن لعنات الذكاء الاصطناعي قائلًا إنها “يمكن أن تكون عديدة، يمكن أن تكون تشويشًا للديمقراطية والتلاعب بالعقول والحروب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي”، لكن يبدو أن حديثه لا يشمل “إسرائيل”، فبعد مرور أقل من شهر على تصريحاته هذه، شنَّ جيش الاحتلال عدوانًا دمويًا على غزة اُستخدم فيه الذكاء الاصطناعي ماكينةً للقتل الجماعي.
من الاختبار إلى الاحتلال
منذ سنوات تخصص “إسرائيل” ميزانية قياسية لتطوير قدراتها العسكرية، وتطمح اليوم في أن تصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي عندما يتعلق الأمر بالحرب، ولهذا الغرض تعمل باستمرار على اختبار تكنولوجيات عسكرية مدعومة بالذكاء الاصطناعي في ميادين الحرب والقتال: عقل خارق يحدد موقع المقاتلين تحت الأرض وفوقها، وغواصات ذاتية القيادة، وغارات جوية تحدد الأهداف بدقة بالغة وغيرها من التقنيات.
بالموازاة، تجند وحدات التكنولوجيا العسكرية الرائدة في جيش الاحتلال خريجي المدارس الثانوية الموهوبين لتدريبهم وتلقينهم الخبرات ما يتيح التحاقهم بالشركات الناشئة المختصة بالذكاء الاصطناعي، أو تأسيس شركاتهم الخاصة غالبًا في مجال الأمن السيبراني، وبالتالي لا يمكننا فصل إنجازات “إسرائيل” في مجال الذكاء الاصطناعي عن احتلالها للفلسطينيين.
أدت الأنظمة الآلية إلى زيادة كبيرة في وتيرة تحديد الهوية، وبات بالإمكان توليد 100 هدف جديد كل يوم خلال الحرب الراهنة
هذه المساعي الحثيثة لتشكيل رؤية جديدة للحرب وطرق إدارتها تسير جنبًا إلى جنب مع الاهتمام بمجالات من قبيل الأمن السيبراني وتكنولوجيا المراقبة والتجسس التي لا يقتصر استخدامها على الفلسطينيين فحسب، بل تُسخَّر أيضًا لخدمة أنظمة قمعية حول العالم تستهدف المعارضين، وهذا كله لا يمكن فصله بأي شكل عن غاية “إسرائيل” الأولى: إدامة الاحتلال.
بالعودة إلى عام 2019، حين أُنشئت وحدة جديدة في جيش الاحتلال الغرض منها استخدام الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف التي يريد قصفها في غزة بوتيرة متسارعة، ووُصفت هذه التقنية بـ”المصنع الذي يعمل على مدار الساعة لتوليد الأهداف المحتملة”، أي معالجة أعداد هائلة من البيانات بشكل أفضل وأسرع من أي إنسان، وترجمتها إلى أهداف هجوم، وهذا بالضبط ما حدث خلال العدوان على غزة عام 2021.
تلك الحرب التي استمرت 11 يومًا، وأسفرت عن استشهاد 261 فلسطينيًا وإصابة 2200 آخرين، أسماها الاحتلال “أول حرب ذكاء اصطناعي في العالم”، ودشن خلالها العمل بأنظمة يعمل بعضها على تحليل كم هائل من البيانات الاستخباراتية، والبعض الآخر مهمته تحسين خطط هجوم الطائرات والطائرات المسيرة تبعًا للأهداف المختارة، فيما تقوم أخرى بحساب كمية الذخيرة اللازمة لتنفيذ الهجمات.
ومع تكثيف “إسرائيل” عملياتها العسكرية جنوب قطاع غزة، تزايد الجدل بشأن استخدامها أنظمة الذكاء الاصطناعي بغية زيادة عدد أهدافها، وبدلًا من 50 هدفًا في السنة سابقًا، أدت الأنظمة الآلية إلى زيادة كبيرة في وتيرة تحديد الهوية، وبات بالإمكان توليد 100 هدف جديد كل يوم خلال الحرب الراهنة، ما رفع عدد الضحايا 15 ضعفًا عن عام 2014.
ووفقًا لتحقيق لمجلة “972+” ومنصة “لوكال كول (Local Call)”، أورد شهادات مسؤولين عسكريين إسرائيليين حاليين وسابقين، فإن “الأمر أشبه بمصنع، الكلمة المفتاح فيه هي السرعة، والأولوية ليست لنوع الأهداف بل لعددها”، وهذا يعني أنه عند استشهاد طفل في الثالثة من عمره بمنزل في غزة، فذلك لأن جيش الاحتلال قرر أن حياته غير مهمة في مقابل توفير الوقت والجهد الذي يتطلبه تحديد الأهداف بدقة أكبر.
لا ضرر إذًا – وفق الرؤية الإسرائيلية – من قتل مئات الأطفال مقابل اغتيال مقاتل من حركة حماس أو الجهاد، ولا مشكلة في تسوية كل شيء بالأرض، فكل شخص وكل شيء في القطاع هو هدف لغارات الاحتلال ما دامت آلة الذكاء الاصطناعي توصي بذلك.
وعادة ما تُستخدم هذه التقنيات الذكية من أجل حصر الأهداف، وبالتالي تجنب الأضرار الجانبية كما يدعى جيش الاحتلال، لكن برنامج ذكاء اصطناعي يدعى “الإنجيل” أو “غوسبيل” (The Gospel)، على العكس تمامًا، يعتمد على الكم وليس نوعية الأهداف، لذا حدد عشرات آلاف الفلسطينيين المدنيين كمشتبه بهم ليتم استهدافهم بالاغتيال بالقصف دون مراجعة بشرية تُذكر.
النظام يعتمد أيضًا على معلومات وصور ومقاطع من الطائرات المسيرة والمعلومات القادمة عن طريق اعتراض المكالمات الهاتفية، ويستخدم بيانات أبراج المراقبة لرصد تحركات الأفراد المستهدفين، وبناءً عليها يقترح أهدافًا يجب مهاجمتها، وعدد الأشخاص المحتمل قتلهم خلال قصف الهدف.
ويساعد نظام “غوسبيل” جيش الاحتلال في المراقبة الحدودية والرصد والاستطلاع والتتبع، ويرتبط بوحدة استخبارات عسكرية سرية، وتتم تغذيته بالبيانات لينشئ قوائم بالأماكن المزدحمة المراد قصفها، ما يسمح للاحتلال بالقتل بمعدل غير مسبوق، ومع قدراته الهائلة في تحديد المواقع التي تظهر ازدحامًا بشريًا، يفسر هذا استشهاد أعداد كبيرة من الفلسطينيين قد تصل إلى المئات في هجوم واحد.
النظام لا يأخذ القرار بإطلاق النار بنفسه، بل إنه يقدِّر التأثير الذي يمكن أن يحدثه قرار أو آخر، ويعطي فكرة عن عدد المدنيين الذين سيفقدون أرواحهم في حال القصف، ويترك القرار النهائي لقائد الوحدة الذي يتحكم في قرار التدمير بعد أن تصله قائمة بالأهداف في وحدة إدارة الأهداف التي قال عنها القائد السابق لجيش الاحتلال أفيف كوخافي إنها فرقة مدعومة بقدرات الذكاء الاصطناعي، وتضم مئات الضباط والجنود.
وجاء إنشاء هذا القسم إثر معضلة واجهها جيش الاحتلال، ففي كل مرة يشتعل فيها الصراع سرعان ما تختفي لائحة الأهداف العسكرية لسلاح الجو الإسرائيلي، لذلك يزعم الاحتلال أن نظام “غوسبيل” ساعد في تحديد مواقع أكثر لأعضاء حماس الأدنى رتبة.
ومن جهة أخرى، يمكن للذكاء الاصطناعي اعتماد نموذج التوصيات القائمة على جمع المعلومات من خلال الاستفادة من الغارات السابقة باستخدام نموذج آخر للذكاء الاصطناعي يسمى “فاير فاكتوري” أو “مصنع النيران”، والذي يزيد بشكل كبير من عدد أهداف الضربات في الأراضي الفلسطينية.
كما استخدم جيش الاحتلال نظام ذكاء اصطناعي في غزة يُطلق عليه “لافندر” لتحديد جميع العمليات المشتبه بها في الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية، بما في ذلك العمليات ذات الرتب المنخفضة، كأهداف محتملة للتفجيرات، وبناءً على ذلك، حدد النظام 37 ألف هدف أو شخص فلسطيني كمسلحين مشتبه بهم ممن يسميهم “صغار المقاتلين” في غزة، كما سمح النظام بقتل أعداد كبيرة من المدنيين خصوصًا في الأسابيع الأولى للحرب.
واعتمد جيش الاحتلال هذا النظام الذي طوره قسم استخبارات النخبة في جيش الاحتلال، رغم نسبة الأضرار الجانبية التي تصل إلى قتل 20 مدنيًا مقابل الإطاحة بهدف واحد، كما أن الهجمات التي تُنفَّذ عبر “لافندر” تُستخدم بها ذخائر تُعرف باسم “القنابل الغبية”، ما يؤدي إلى تدمير منازل بأكملها وقتل جميع الموجودين فيها.
ومن المؤكد أن “إسرائيل” تجاوزت هدف الـ37 ألفًا، خصوصًا أن حصيلة الشهداء بلغت حتى اليوم أكثر من 36 ألف شهيد و83 ألف مصاب، بالإضافة إلى أكثر من 10 آلاف شخص دفنهم قصف الاحتلال الأعمى تحت ركام منازلهم، ولم يتمكن ذويهم من رؤية جثامينهم ولا وداعهم ولا دفنهم بالشكل اللائق بعد أن قررت خطط الاحتلال وطائراته الموجهة بالذكاء الاصطناعي دفنهم بآلاف الأطنان من القذائف.
كما دخل الذكاء الاصطناعي الحرب في غزة لأول مرة من خلال إنتاج صور مفبركة وتزييف فيديوهات تُصدّر للعالم على أنها جرائم ارتكبتها فصائل المقاومة في غزة، وهذا ما كشفت عنه برامج متخصصة وأجهزة وخبراء يعملون في مجال الذكاء الاصطناعي وناشطون، أكد جميعهم أن “إسرائيل” تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ضد المقاومة بغزة، في حرب نفسية هدفها تشويه الحقائق أمام العالم.
وأرادت “إسرائيل” من خلال فبركة الصور تشويه صورة المقاومة الفلسطينية واتهامها بحرق وقتل الأطفال المدنيين، وكذلك رفع معنويات المجتمع الإسرائيلي وترويج الأكاذيب لتبرير استهداف المنازل والأبنية الشاهقة التي تسكنها أعداد كبيرة من المدنيين، ويُعرِّفها جيش الاحتلال على أنها “أهداف قوة”، باعتبار أن الغرض منها تقويض حماس أمام الغزيين ودفعهم للضغط عليها، وفقًا لادعاء جيش الاحتلال.
مصنع الاغتيالات الجماعية
عند تقاطع طريق سريع في تل أبيب، يقع واحد من عشرات المجمعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، يضم المجمع فوق الأرض مديرية الاستخبارات العسكرية ومنشأة تدريب سلاح إشارة وإدارة الاستطلاع العسكري وكلية الدفاع التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
أمَّا تحته، فتقع “الوحدة 8200“، ويُشار إليها أحيانًا باسم وحدة “SIGINT”، وتعد أكبر وحدة عسكرية منفردة في جيش الاحتلال، وتتلقى دفقًا متتاليًا من المعلومات على مدار الساعة، ويشمل صورًا واتصالات هاتفية يتم اعتراضها وتسجيلات صوتية ومنشورات عبر وسائل التواصل ومقاطع مصورة، وتملك هذه الوحدة باختصار نسخة رقمية من حياة أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في قطاع غزة.
وتشكل الطائرات المسيرة مصدر المعلومات الأساسي للوحدة “8200”، وتحصل عبرها على صور ونمط تحرك جغرافي للأشخاص، وبمراقبة شبكة الاتصالات تجمع البصمات الصوتية، وتدعي بناء معرفة عن الولاءات السياسية والآراء لمن تراقبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تخضع جميع المعلومات التي يتم جمعها من الوحدة، للتحليل وتجهيز قاعدة بيانات لتغذية أنظمة الاستهداف التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وأحدثها نظام “هابسورا” الإسرائيلي، ويعني باللغة العبرية “البشارة”، وطورته الوحدة “8200” في جيش الاحتلال، وهو أحدث التقنيات التي دخلت حيز الاستخدام الكامل في الحرب الإسرائيلية على غزة.
تتعمد الحكومة الإسرائيلية إبقاء تفاصيل “هابسورا” طي الكتمان لكن بات معروفًا أنه يعتمد على الذكاء الاصطناعي كغيره من الأنظمة، ويعمل بتقنية التعلم الآلي لمعالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة عالية، ويساهم في تقديم معلومات وبيانات هائلة يزعم أنها تمثل تهديدًا حقيقيًا لدولة الاحتلال ومستقبلها، ثم تترجم هذه المعلومات إلى أهداف محددة، ويُسمح بعدها للجيش بتنفيذ الغارات على المباني المشتبه بها.
وكحال جميع الأنظمة الآلية، ينفذ هذا النظام الأوامر بناءً على البيانات التي يتم تغذيته بها، لكن القرار النهائي لتنفيذ الضربات يُتخذ دائمًا من ضابط مسؤول وفق تسلسل القيادة الهرمي.
ولدى “هابسورا” أذرع قاتلة لتنفيذ الاغتيالات الجماعية وتدمير معظم الوحدات السكنية في غزة، حيث يغذي النظام وحدات الجيش من مشاة ومدفعية وسلاحي الجو والبحرية بالأهداف، وتتحكم الوحدة “8200” بأسطول من الطائرات المسيّرة، وهذه واحدة من الضربات التي نفذتها مسيّرات من أسطول يحوم فوق غزة منذ ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، واستهدفت مدنيين غير مسلحين لا يشكلون خطرًا على أي أحد، والتقطت صورهم قبل الاستهداف وبعده على شريط أخفق في قتل الدليل على جريمته.
وفي حين يدافع جيش الاحتلال عن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في هجماته، وتدعي بعض التقارير الإسرائيلية أن فرقة تحديد الأهداف تعمل بجهد لتفادي وقوع أضرار ضد المدنيين غير المشاركين في الأعمال العسكرية حسب قولها، يحتدم الجدل في ضوء توسيع جيش الاحتلال هجومه ليشمل كامل الأراضي الفلسطينية.
ويشكك الخبراء بفعالية نظام الذكاء الاصطناعي الذي يدور الحديث عنه لتحديد الأهداف ومنع إلحاق الضرر بالمدنيين، مستشهدين بالخسائر الفادحة في الأرواح وتسوية مناطق سكنية واسعة النطاق بالأرض، وهو ما يتعارض مع صحة الادعاءات الإسرائيلية بدقة ومحدودية استخدام القوة.
وبالنظر إلى حجم الدمار الهائل ومعدله السريع في غزة، يمكن نزع صفة الدقة والمحدودية في استخدام القوة واستبعاد استهداف المدنيين عن نظام “هابسورا”، فمعظم تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة اليوم تعتمد على الإحصائيات الاحتمالية لتحليل كميات هائلة من البيانات التي تحصل عليها من لقطات الأقمار الصناعية ومعلومات وسائل التواصل الاجتماعي.
واستنادًا إلى المعلومات التي يتم تحليلها يمكن للخوارزمية أو الذكاء الاصطناعي بعد ذلك تقديم المشورة بشأن الأهداف المحتملة، وأيضًا إجراء تقدير بشأن عدد الضحايا المدنيين، ما يثير الكثير من الأسئلة بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي على القيام بذلك واستطاعة المستخدمين البشر اتخاذ قرارات مبنية على أسس متينة.
وتكمن إحدى المخاوف المتعلقة باستخدام أنظمة الأسلحة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في كيفية تأثيرها على الكرامة الإنسانية والسماح للآلات باستخدام القرارات بشأن الحياة أو الموت، فضلًا عن صعوبة تحديد مسؤولية آثار الهجوم بعد وقوعه.
كل شيء متعمد
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى اليوم، وصلت حمى الذكاء الاصطناعي إلى ميادين الحرب والقتال، وشهدت هذه الحرب استخدامًا غير مسبوق للذكاء الاصطناعي في ساحات القتال، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أشار جيش الاحتلال إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لضرب أكثر من 12 ألف هدف في أول 27 يومًا من الحرب.
وتصب الطائرات الإسرائيلية نيرانها بكثافة من السماء على أرض قطاع غزة، ففي أواخر أبريل/نيسان الماضي، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن “إسرائيل” ألقت نحو 75 ألف طن من القذائف والقنابل في الشوارع والمنازل وتحت الأنقاض، منها 10% (7500 طن) لم تنفجر، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وهكذا كان سلاح الجو الإسرائيلي ولا يزال يسحق كل حياة على الأرض تمهيدًا لتقدم القوات البرية في أعماق رفح، لكن كل ذلك لم يكن ليتحقق دون قدرات استخباراتية فائقة تملأ السماء.
في الضفة الغربية المحتلة، حيث الفضاء الذي يسهل فيه الذكاء الاصطناعي للاحتلال التحكم في أكثر من 3 ملايين شخص، يجري باستمرار اختبار أنظمة رصد وتتبع ومراقبة
الأكثر من ذلك أن تل أبيب اعتبرت كل ما في غزة بكل ما تحويه عدوًا، حتى الحجر بات يؤرق مضاجع جنود نتنياهو، ما دفعها للطلب من العديد من الشركات الأمريكية الحصول على تكنولوجيا تستخدم الذكاء الاصطناعي مثل طائرات “سويتش بليد 600 كاميكازي”، وطائرات الاستطلاع “سكيدي” قصيرة المدى.
وبعيدًا عن الطائرات المحملة بأطنان المتفجرات، ثمة عيون إسرائيلية في السماء توجه تلك القنابل كما توجه القوات على الأرض، نذكر منها أسراب المسيرات ذاتية التشغيل التي استخدمتها منذ حربها على غزة عام 2021، في التجسس على المقاومة، وأخرى لنقل الجنود والعتاد، وثالثة تلاحق وتراقب وتستشعر، وصغيرة تقتل في صمت من أعالي السماء مبتعدة قدر الإمكان عن المواجهة المباشرة على الأرض.
ويستخدم جيش الاحتلال 8 أنواع من الطائرات غير المأهولة بالأفراد في حربه على غزة، تختلف في مميزاتها ومهامها لكنها تجتمع في قدراتها التكنولوجية الهائلة على الرصد والتتبع، وبعضها مزود بأنظمة لإطلاق الرصاص أو الصواريخ الصغيرة.
تعد طائرة “النسر الذهبي” (Golden Eagle) خفيفة الوزن وفعالة من حيث التكلفة، مثالًا رئيسيًا على الأسلحة الإسرائيلية المعززة بالذكاء الاصطناعي المستخدم لرصد الأهداف الثابتة والمتحركة وتتبعها بسلاسة في الوقت الفعلي، ما يضمن إصابة الهدف بدقة على الأرض أو في الهواء، بغض النظر عن ظروف الإضاءة.
ومنذ بدء العدوان على غزة، كثَّف جيش الاحتلال اعتماده على استخدام مسيرة “كواد كابتر” التي تحولت إلى آلة قتل فتاكة فوق القطاع، وهي مسيّرة صغيرة الحكم تُسيّر إلكترونيًا عن بُعد، وتنفذ عمليات بالغة الدقة، وتتمتع بخصائص ومميزات تكتيكية مختلفة، فهي ذات مهام متعددة في الجانب الاستخباراتي كالرصد والمتابعة وتعقب الأهداف الثابتة والمتحركة، ومزودة بكاميرات ذات جودة عالية، كما يمكنها أداء مهام عسكرية إضافية كإطلاق النار وحمل القنابل، فضلًا عن احتوائها على أدوات تنصت دقيقة.
وحلقت هذه المسيرات فوق مستشفى الشفاء بالتزامن مع تقدم جيش الاحتلال بريًا نحوه في غزة، وسط تأكيدات من شهود عيان أنها مرسلة للاغتيال أو على الأقل جمع المعلومات عن المقاومة، وسبق استخدامها في اغتيال القيادي والمسؤول العسكري الثاني بسرايا القدس الشهيد بهاء أبو العطا عام 2019.
كما وثَّق ناشطون وصحفيون استخدام الاحتلال هذه الطائرات على طول شارع صلاح الدين وفي تجمعات سكنية ومن على شرفات المنازل وفي محيط مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط غزة، كما تطلق أصواتًا لأطفال ونساء يبكون من أجل استدراج فلسطينيين لاستهدافهم في مخيم النصيرات وسط القطاع المحاصر.
شهيدان عقب إطلاق طائرات الكواد كابتر النار عليهما في شارع صلاح الدين بحي الزيتون جنوب مدينة غزة
— Abu Ayyash (@aliAyyash86) May 14, 2024
النوع الآخر من الطائرات غير المأهولة هي الأصغر حجمًا لكنها الأكثر خطورة، ويمكن القول إنها مسيرات قاتلة صغيرة، أبرزها “مافيك” بنموذجيها “مافيك 2” و”برو”، وتُستخدم للتصوير بدرجة أساسية، وتعتبر من أصغر الحوامات في العالم وأكثرها قوة، وتتضمن نظام استشعار متقدم ومساحة تخزين كبيرة ومكبر صوت يوفر اتصالًا فعالًا بين الفرق الأرضية في أثناء حالات الطوارئ، وتعزيز الرؤية في المناطق ذات الإضاءة المنخفضة للمساعدة في تحديد مكان الشخص المفقود.
أما طائرة “ماتريس 600″، فهي متعددة الاستخدامات، تشبه إلى حد كبير حوامة “كواد كابتر” حيث يمكنها تنفيذ عمليات انتحارية، وتحمل رشاشًا وأجهزة تجسس وقنابل وكاميرات، وتكمن خطورتها في صغر حجمها وقدرتها على الدخول إلى أماكن ضيقة من الصعب الوصول إليها من خلال الطائرات العادية، وبعضها تمكن من دخول منازل الفلسطينيين وتنفيذ مهامه القاتلة، ورُصدت فوق التجمعات السكنية بشكل يومي في أثناء الحرب على غزة.
هكذا كان هذا النوع من أخطر الطائرات الاستخباراتية في هذه الحرب، إذ إنها مزودة بتكنولوجيا متقدمة للغاية، على رأسها تتبع بصمة الصوت، ونفذت كثيرًا من عمليات الاغتيال لمقاتلين ومواطنين فلسطينيين في أثناء هذه الحرب.
والمسيَّرات التي تستخدمها “إسرائيل” في حربها على غزة ليست من الطراز مستقر القرار، أي لا تتم برمجتها لإطلاق النار ذاتيًا، وظيفتها الرصد وإرسال صور في الوقت الآني للقواعد العسكرية، ومن وراء شاشة مراقبة يتخذ ضابط القرار بالقتل.
كل هذه التكنولوجيا المحلية والمستوردة تتزاحم في سماء غزة، وتبحث عن انتصار على المقاومة الفلسطينية على مساحة لا تتجاوز 360 كليومترًا مربعًا حفرت فيه المقاومة الفلسطينية الأنفاق، وصنعت العبوات والقذائف المحلية لمواجهة دبابات وآليات عسكرية محصنة وقوات برية لا تتقدم دون مظلة تغطيها بها القوات الجوية.
ومع ذلك، تمكنت المقاومة الفلسطينية خلال هذه الحرب من إسقاط عدد كبير من هذه المسيرات القاتلة، أبرزها من طرازي “سكاي لارك 2″ و”إير كابتر” المقاتلتين، تمامًا كما تمكنت من تجاوز جدار ذكي مجهز بالرادار وأنظمة مراقبة وأجهزة استشعار تحت الأرض، بالإضافة إلى مدافع ذكية يتم التحكم بها عن بعد، وكانت تلك صدمة زعزعت اليقين في قدرات الذكاء الاصطناعي، وأثارت التساؤلات عما إذا كان يمكن الاعتماد الكلي على هذه التقنيات.
الجميع تحت المراقبة
بالنظر إلى ما يبدو عليه القتال في قطاع غزة، يحمل جنود الاحتلال في أيديهم أسلحة فتاكة، لكن فوق رؤوسهم كاميرات أكثر فتكًا للتعرف على الوجوه، ففي غضون دقائق قد يُستهدف أو يُقبض على أي فلسطيني يسير في غزة من شكل وجهه فقط، فسلطات الاحتلال تمسح وجوه أهالي القطاع دون عملهم أو موافقتهم.
في البداية كان استخدام هذه التكنولوجيا في غزة بهدف البحث عن المحتجزين لدى حماس فوق أرض غزة وتحتها، لكن بعد بدء العملية البرية في القطاع، بدأ جيش الاحتلال في استخدامه أيضًا لتحديد الأفراد الذين يدعى أنهم “مرتبطون بحماس والفصائل الفلسطينية”، وهذا يعني أن هذه التقنية قد تصنف بعض المدنيين على أنهم عناصر حماس بشكل خاطئ.
يرى الاحتلال في عدوانه مختبرًا لتجريب قدراته العسكرية على مرأى من العالم وتسويق أسلحته الفتاكة التي يزداد الطلب العالمي عليها مع نهاية كل عدوان
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلًا عن ضباط مخابرات إسرائيليين ومسؤولين عسكريين، عن إدخال نظام للتعرف على الوجوه يعتمد على الذكاء الاصطناعي لجمع وفهرسة وجوه الفلسطينيين منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، أي بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، دون أن تعلن عنه.
البرنامج طورته شركة “كورسايت” الإسرائيلية، وتديره وحدة الاستخبارات العسكرية ووحدة الاستخبارات الإلكترونية (8200)، ويعتمد على أرشيف هائل من صور التقطتها طائرات مسيرة وصور أخرى مصدرها جوجل.
وأكدت شركة “كورسايت” أن تقنيتها تتطلب أقل من 50% من الوجه ليكون مرئيًا للتعرف الدقيق عليه، لكن تسجيل أخطاء في التعرف على بعض الفلسطينيين طرح مخاوف لدى منظمة العفو الدولية التي اعتبرت أن “استخدام إسرائيل لبرنامج التعرف على الوجه يؤدي إلى تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم بشكل كامل”.
مثال ذلك، كان الشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة واحدًا من مئات الفلسطينيين الذين أوقفتهم قوات الاحتلال عند حاجز أمني لأكثر من 50 يومًا بشبهة الانتماء لحماس بينما هو كاتب متعاون مع صحيفة “ذا نيويوركر” الأمريكية.
لم تكن هناك تكنولوجيا للتعرف على الوجوه سابقًا في غزة، لكنها لم تعد الآن وحدها مسرحًا لبرنامج التعرف على الوجوه، ففي الضفة الغربية المحتلة، حيث الفضاء الذي يسهل فيه الذكاء الاصطناعي للاحتلال التحكم في أكثر من 3 ملايين شخص، يجري باستمرار اختبار أنظمة رصد وتتبع ومراقبة قائمة على الذكاء الاصطناعي.
واحد من هذه الأنظمة يُطلق عليه “الذئب الأحمر” للتعرف على وجوه الفلسطينيين دون علمهم هناك، مع آلية مرمزة بالألوان لتوجيه الجنود بشأن ما إذا كان ينبغي السماح لهم بالمضي قدمًا أو إخضاعهم لمزيد من الاستجواب أو احتجازهم، حسب ما جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية في مايو/أيار 2023.
هذا النظام المنشور عند الحواجز العسكرية في مدينة الخليل وشوارع رام الله، يعمل على مسح وجوه الفلسطينيين بالكاميرات الذكية والهواتف في كل نقطة تفتيش وإضافتها إلى قواعد بيانات ضخمة دون موافقتهم، واستنادًا إلى هذه البيانات، يمكن تعقب الأشخاص وتقييد حرية تنقلهم، ومنعهم من دخول أحيائهم.
تكنولوجيا التعرف على الوجه لا تقتصر على غزة والضفة الغربية فقط، بل هي جزء من الحياة اليومية في القدس المحتلة، خاصة في المناطق المحيطة بالمستوطنات، وتساهم شبكة المراقبة المتنامية هذه في الحفاظ على نظام الفصل العنصري الذي يفرضه الاحتلال على الفلسطينيين، وتسهم فيه شركات عملاقة على رأسها شركتا جوجل وأمازون اللتان التزمتا باتفاق مع “إسرائيل” لتوفير الخدمات السحابية لجيش الاحتلال، ما يسمح له بمزيد من المراقبة غير القانونية للفلسطينيين.
وقد تشهد الحروب المستقبلية هيمنة واضحة للذكاء الاصطناعي، فجميع أنواع الأسلحة، سواء كانت روبوتات أم طائرات مسيرة، يمكن أن تتحول إلى آلات قتل مستقلة بالكامل بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ويمكن للأسلحة ذاتية التحكم أن تكون أكثر كفاءة وأكثر خطورة أيضًا حيث تلغي المشاعر الإنسانية مثل الخوف والتردد.
لكن إشكالًا أخلاقيًا كبيرًا يطفو على السطح في حال استخدام الأسلحة الذكية المعززة بالذكاء الاصطناعي بالطريقة التي تنتهجها “إسرائيل” في غزة، فإنتاج مثل هذه الأسلحة منخفض التكلفة، وقد يزيد عدم تسببها في خسائر بشرية لمستخدميها من انتشارها، ما سيجعل الحروب أكثر دموية.
ورفضت “إسرائيل” التوقيع على معاهدة الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي عسكريًا، وتعارض سن قوانين تحدد استخدامات الأسلحة المستقلة، وقد تحفز الهجمات الأخيرة “إسرائيل” على العنصر البشري في المواجهات المستقبلية، وتحويل هذه الأسلحة إلى روبوتات أكثر فتكًا.
وفي حالة العدوان على غزة بعد “طوفان الأقصى”، وعلى اختلافه في مناحٍ عدة، يرى فيه الاحتلال مختبرًا لتجريب قدراته العسكرية على مرأى من العالم وتسويق أسلحته الفتاكة التي يزداد الطلب العالمي عليها مع نهاية كل عدوان بعد أن تكون قد اُختبرت على الفلسطينيين.
على سبيل المثال، دخل مؤخرًا سلاح جديد للخدمة في جيش الاحتلال، يُطلق عليه اسم “الساطور”، ويوفر للجنود الآلية لقنص الفلسطينيين عن بعد بضغطة زر واحدة من داخل مركباتهم، ودون أن يبرحوا أماكنهم.
وكان جيش الاحتلال نشر مقاطع تظهر تدريبات جنوده على استخدام السلاح الجديد المثبت فوق الآلية العسكرية، وسبق أن ثبَّت رشاشات آلية في بعض مناطق الضفة الغربية، ومنها حاجز شارع الشهداء في مجينة الخليل ومخيم عايدة في بيت لحم، بغرض إطلاق النار عن بعد وقنص أي فلسطيني يثير ريبة الجيش.
وبشكل عام، باتت جبهات الصراع في الشرق الأوسط ميادين الاختبار للذكاء الاصطناعي، حيث تحركت “إسرائيل” والولايات المتحدة لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في اصطياد أهدافهما في الشرق الأوسط.
ووفقًا لكبير مسؤولي التكنولوجيا في القيادة المركزية الأمريكية، شويلر مور، التي تدير العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة استخدمت الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد أكثر من 85 هدفًا للغارات الجوية الأمريكية ضد 7 منشآت في العراق وسوريا خلال شهر فبراير/شباط الماضي.
“إسرائيل” مرت من هنا
عن طريق استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي المحلية والمستوردة، وتحديدًا “غوسبيل”، وسَّع الاحتلال قصفه بشكل كبير ليشمل المخابز أو المراكز التجارية أو المنازل أو الأبراج السكنية، فقط لأن الخوارزميات وضعتها ضمن نطاق يوجد فيه شخص يُشتبه بانتمائه لحماس أو لفصيل مقاومة آخر.
قد يبدو الأمر كأنه متروك للصدفة، ولكن ليس تمامًا، ففي حين أن جزءًا مهمًا من العملية يكون آليًا لكن القرار النهائي يكون بشريًا، وفقًا لتصريحات المتحدث باسم جيش الاحتلال جوناثان كونريكوس الذي قال إنه على الرغم من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي فإن هناك أشخاصًا تتحكم بالأداة لإعطاء التعليمات النهائية والتنفيذية بشأن ما يتم إنشاؤه بواسطتها.
الوحدة التي اخترعت هذا النظام وتستخدمه، استهدفت أكثر من 15 ألف هدف خلال الأيام الـ35 الأولى من العدوان الذي تلا عملية “طوفان الأقصى”، ما يفسر الأعداد الهائلة للشهداء والجرحى من المدنيين وحجم الدمار الذي لم يسبق رؤيته في حروب الاحتلال السابقة على القطاع، وتحديدًا الدمار الذي لحق بالمجمعات والمباني السكنية التي سويت بالأرض في القطاع بعد أشهر قليلة من العملية البرية التي يشنها جيش الاحتلال.
وبحسب صور الأقمار الصناعية، كانت النتيجة بحلول فبراير/شباط الماضي، تدمير أكثر من 360 ألف وحدة سكنية منذ بدء الحرب، ونسف نحو 68% من المباني والمجمعات السكنية التي نسفتها قوات الاحتلال في شمال القطاع، ودمار هائل في مدينة غزة، مع نحو 72% من المجمعات والمباني السكنية دُمرت في المدينة منها مواقع أثرية يعود تاريخها إلى ما قبل وجود “إسرائيل” بآلاف السنين.
وتقترب هذه الأرقام من أعداد النازحين قسرًا أنفسهم المقدرة بنحو 90% من السكان، ليتحقق على الأقل حتى اللحظة ما تسعى “إسرائيل” إليه: أن تصبح غزة بلا سكانها ولا مباني سكنهم.
كما لحق الدمار الكلي بقرابة 39% من المباني في المنطقة الوسطى، وفي خان يونس دمرت قوات الاحتلال نحو 46% من المباني والمجمعات السكنية، أما رفح التي تحولت إلى ملجأ لأكثر من مليون ونصف نازح، فنسفت قوات الاحتلال قرابة 20% من مبانيها.
وتتم عملية نسف المجمعات من خلال قيام فرقة الهندسة المقاتلة في قوات الاحتلال بربط متفجرات في أعمدة المباني التي لم تُدمر بالكامل من القصف الإسرائيلي والتركيز على أساسات المبنى، وينتقلون من مبنى إلى آخر داخل المجمع، ثم تنفذ القوات البرية سلسلة من التفجيرات المتتالية.
تريدها “إسرائيل” إذًا أرضًا محروقة لا تصلح لأي شيء ضمن هدف أبعد وأكبر وهو التضييق على أهل القطاع وتهجيرهم وحصرهم في أماكن معينة
ولوضع هذه العملية في السياقات السياسية المرافقة، نعود إلى أحد أبرز أركان حكومة نتنياهو، وزير المالية وزعيم حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريش، و”نظرية الحسم” التي بناها وفق مفهومه الرافض لعملية إدارة الصراع مع الفلسطينيين بدلًا من إنهائه.
وإنهاء الصراع بحسب سموتريش يتمثل في الحسم بالعنف عبر استخدام القوة العسكرية لإنزال العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين وهدم منازلهم وتهجيرهم طوعًا أو كراهية وتكثيف الاستيطان، ويرى سموتريش ضرورة تخفيض سكان غزة إلى ما بين 100 و150 ألفًا.
ويتعارض قول سموتريش مع ما هو معلن على الأقل من جانب جيش الاحتلال بأنه ينشئ منطقة عازلة على طول الحدود بعمق كيلومتر واحد، ليبرر بهذا تدمير أكثر من 1100 مبنى على الأقل في تلك المناطق.
وبينما تتلاحق التصريحات العسكرية وتلك الصادرة عن وزراء بحكومة نتنياهو، التي تبدو غطاءً سياسيًا لأسلوب نسف المربعات السكنية، تعود الأمم المتحدة لتذكير العالم بأن الحق في السكن اللائق من الحقوق الإنسانية الأساسية، فالسكن حق وليس سلعة، وأساس لاستقرار العائلات والأفراد دون خشيتهم من الهدم التعسفي أو الإخلاء القسري.
ومع ذلك، إذا بحثت اليوم عن منازل في القطاع تجتمع فيها العائلات، فلن تجد إلا ما توثقه عدسات الكاميرا قبل الحرب الإسرائيلية التي حوَّلت المقابر إلى مكان تجتمع فيه العائلات بعد استشهادها.
تريدها “إسرائيل” إذًا أرضًا محروقة لا تصلح لأي شيء، ضمن هدف أبعد وأكبر وهو التضييق على أهل القطاع وتهجيرهم وحصرهم في أماكن معينة، بينما تكافح بعض مباني غزة القائمة على استحياء، وتصلب قامتها الخرسانية علَّها تنجو من محتل غاشم لم يعرف يومًا إلا لغة الدمار والهدم.