ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب فيفيان نيريم وسارة القثامي
تنبعث الموسيقى الراقصة من أحد المقاهي في الرياض، بينما تصطف بعض الشابات اللاتي ترتدين جلابيب مزركشة لإضافة أسمائهن على قائمة الانتظار لدخول المقهى. في الحقيقة، من شأن هذا النوع من المشاهد أن يجعل من السهل الاعتقاد بأن رياح التغيير تهب على المملكة العربية السعودية بسرعة فائقة.
في المقابل، وعندما تبتعد بالسيارة لمدة نصف ساعة في اتجاه الجنوب، ستجد عالما مختلفا تماما. ومن وسط العاصمة التاريخي، حيث يتردد صدى الصلوات من مكبرات الصوت ويطارد المتسولون الأطفال الزوار، صرح أحد السعوديين، البالغ من العمر 23 سنة ويُدعى مُسعد، أن لا شيء جيدا يقوله عن موجة الانفتاح الاجتماعي التي تجتاح مسقط رأس الإسلام. وأوضح الشاب، وهو يمسك مسبحة الصلاة بين أصابعه داخل متجر المجوهرات الذي يعمل فيه، أنه “يعارض ما يحدث في السعودية، بالنظر إلى العادات والتقاليد والقيم التي نشأ عليها”.
تجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف سكان المملكة لا تتجاوز أعمارهم 30 سنة، فضلا عن أن حاكم السعودية، بحكم الأمر الواقع، يكبر هذا الجيل بسنتين فقط. من جانبه، يعلق ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الكثير من الآمال على أقرانه من جيل الألفية، علما وأنه استبعد مراكز السلطة التقليدية التي يتحكم فيها رجال الدين والأسرة المالكة، أثناء اندفاعه نحو إعادة تشكيل المملكة.
في واقع الأمر، يتذرع الأمير محمد بن سلمان بتطلعات هذا الجيل عندما يهمّ باتخاذ بعض الإجراءات من أجل التخفيف من صرامة الأحكام الدينية التي تطبقها المملكة منذ سنوات. وفي هذا السياق، أعلن الأمير في أحد الخطابات التي ألقاها بحضور المستثمرين الأجانب خلال السنة الماضية، عن نيته في جعل “الإسلام المعتدل” أيديولوجية للدولة، وأن “شباب السعودية يريدون أن يتمتعوا بحياة طبيعية فقط”. وفي الوقت الراهن، ترعى الحكومة الحفلات التي تضم الحشود المختلطة بين الجنسين، فضلا عن أنها ستسمح للمرأة قريبا بقيادة السيارة، في حين قلصت من حجم صلاحيات الشرطة الدينية التي تمتلك سمعة سيئة.
امرأة سعودية أثناء تجولها في معرض للسيارات في جدة.
“ما هو الأمر الطبيعي؟”
هناك الكثير من الشباب، على غرار مُسعد، الذين لا يعتقدون أن المشهد الاجتماعي الجديد في الرياض أمر طبيعي، ويشعرون بالقلق إزاء الاندفاع لتغيير واقع المجتمع والاقتصاد السعودي، وهو ما سيجعلهم يتخلفون عن ركب هذا التطور.
علاوة على ذلك، هناك الكثير من السعوديين الذين لا يريدون التخفيف من الطابع الديني الصارم الذي تتقيد به مجتمعاتهم، فضلا عن أنهم قد خاضوا الكثير من الحروب في المنطقة من أجل فرض ذات الطابع الديني على بلدان أخرى. وفي الفترة الأخيرة، سافر آلاف الشباب السعوديين إلى أفغانستان والعراق، وإلى سوريا مؤخرا، للانضمام إلى الحروب المتطرفة ضد الحكام الذين يسيرون أنظمة حكم لا تمتُ للإسلام بصلة.
في الإطار ذاته، أفادت المستشارة عن منطقة الشرق الأوسط في مركز “كونترول ريسكس” في لندن، أليسون وود، أن “هناك رفضا لخطط الأمير حتى بين فئات الشباب”. وأضافت وود أن “الانقسامات تظهر بين السعوديين الأكثر ثراء، الذين أُتيحت لهم الفرصة للسفر أو الدراسة في الخارج، وبين الذين لم يتمكنوا من القيام بذلك. وبالنسبة للمجموعة الأخيرة، تمثل الأحكام الدينية الصارمة البيئة الاجتماعية الوحيدة التي ترعرعوا فيها”.
امرأة سعودية أثناء تجولها في محلات اللباس التقليدي التي تقع في البلدة القديمة بجدة.
بالإضافة إلى ذلك، يطال جزء من التذمر أجندة الأمير الاقتصادية للخصخصة والتقشف. وفي حال توقفت المملكة العربية السعودية الجديدة عن مراقبة أنماط حياة شعبها، مثلما كانت تفعل من قبل، فلن تتمكن من ضمان الرفاه لهم من المهد إلى اللحد أيضا.
“الموت كل يوم”
يدعم مُسعد، الذي درس لفترة وجيزة في الولايات المتحدة واضطر للعودة إلى دياره عندما لم يتمكن من الحصول على منحة دراسية، تلك التغييرات، في حين أن عددا كبيرا من أبناء جيله يعارضها. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي ثلث السعوديين الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، عاطلون عن العمل ويشعرون بثقل الضرائب الجديدة التي ترهق كاهلهم، فضلا عن إجراءات تخفيض الدعم. وفي الأثناء، يتّسق السخط الناجم عن الضغوط الاقتصادية مع الاعتراضات على التغيير الاجتماعي.
في الشأن ذاته، أفادت رهف، إحدى المواطنات السعوديات البالغة من العمر 25 سنة، التي تبحث عن عمل، أن “الأموال التي تُنفق على الحفلات الموسيقية التي تنظمها الهيئة العامة للترفيه، ينبغي أن تُنفق على المواطنين، سواء عن طريق الترفيع في الأجور المدفوعة أو توفير السكن والوظائف لهم”.
تعد حرية التعبير إحدى الحريات المقيدة في المملكة العربية السعودية، حيث تم القبض على العشرات من منتقدي الحكومة البارزين خلال السنة الماضية
من جانبها، أشارت منال، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 32 سنة، إلى أنها “تأمل في أن يتخلى الأمير عن تنفيذ الكثير من مخططاته”. كما أضافت أنها “تشعر بالسعادة لسماحه للمرأة بالقيادة، إلا أنها منزعجة من حجم المال العام الذي يُنفق على تنظيم الحفلات الموسيقية، خاصة وأن المملكة تخوض حربا دموية ومكلفة على نحو متزايد في اليمن المجاور”. كما أكدت منال أن “ما يحصل في السعودية يعد استفزازا لمشاعر جنودنا في الجنوب الذين يموتون كل يوم، فضلا عن أنه مضيعة للمال”.
والجدير بالذكر أن منال طلبت عدم الكشف عن اسمها كاملا حتى تتمكن من الحديث بكل حرية، تماما مثلما فعل سائر السعوديون، الذين وجّهوا انتقادات لسياسات الحكومة، خلال المقابلات التي أجراها معهم الموقع.
“ليس هناك رأي عام”
تعد حرية التعبير إحدى الحريات المقيدة في المملكة العربية السعودية، حيث تم القبض على العشرات من منتقدي الحكومة البارزين خلال السنة الماضية، فضلا عن حظر القيام باستطلاعات للرأي، وهو ما يجعل من الصعب معرفة وجهات نظر الشعب السعودي حول الكثير من المواضيع. وقد كشفت دراسة استقصائية أجرتها شركة “إيبسوس” عن أن “63 بالمائة من السعوديين رحبوا بقرار الحكومة الذي صدر خلال شهر أيلول/سبتمبر، الذي يقضي برفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات. كما أن هناك أدلة تثبت حماسة السعوديين تجاه خيارات الترفيه الجديدة المتاحة لهم، على غرار الحفلات الموسيقية، ومهرجانات الشوارع المزدحمة”.
سعودية أثناء مساعدتها رواد حفل الموسيقي اليوناني، ياني، لإيجاد مقاعدهم قبل بدء العرض.
مع ذلك، أفادت كريستين ديوان، وهي باحثة مقيمة أولى في “معهد دول الخليج العربي” في واشنطن أنه “من المستحيل معرفة الرأي السعودي، نظرا لأن الرأي العام السعودي غير موجود بالفعل”. وأضافت ديوان أنه “لا يزال هناك انقسامات بين فئات السكان، فضلا عن تفاوت معدلات التنمية بين المدن”.
على الجانب المتقدم من المجتمع السعودي، نجد سعوديين من قبيل فهد البليحي، البالغ من العمر 21 سنة، وهو طالب جامعي يتاجر بالأسهم في وقت فراغه ويدير أعماله التجارية في مجال تكنولوجيا المعلومات. وخلال المقابلة التي جمعته بالموقع أثناء جلوسه في بهو فندق “فور سيزونز” بالرياض، وهو منكب على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، أكد البليحي أنه منحاز لخطط ولي العهد ويشعر بالازدراء تجاه أولئك الذين يعارضون خطط بن سلمان الحداثية، حيث وصفهم بالخاسرين الذين “كانوا يستفيدون من النظام القديم”.
أفاد باحث سعودي في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، هشام الغنام إن :” عملية إقناع الشباب السعودي بأن الدولة ينبغي ألا تظل المشغل الرئيسي لهم “ستكون أكثر صعوبة بكثير من إقناعهم بالسماح بإحياء الحفلات الموسيقية”
الاقتصاد يعد القطاع الأكثر صعوبة
أرسل النظام السعودي القديم مئات الآلاف من الشباب السعوديين للدراسة في الخارج، ما ساعدهم على الاندماج في سوق العمل في القطاع الخاص، الذي يريد الأمير البدء في تطويره، والذي سيضطر إلى استيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب السعودي. تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد السعودي شهد نسبة انكماش بلغت 0.5 بالمائة في السنة الفارطة.
علاوة على ذلك، تم تشغيل ثلثي السعوديين من قبل الحكومة، في حين تُقدّم لحوالي 10.6 مليون شخص، أي ما يقرب من نصف السكان الأصليين، مبالغ شهرية تأتي في إطار برنامج المملكة لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وقد اضطر الأمير، في أكثر من مناسبة، إلى التراجع عن تنفيذ بعض القرارات والتخلي عن التخفيضات التي سيجريها على الأجور العامة بسبب الاحتجاجات الغاضبة.
في هذا الصدد، أفاد باحث سعودي في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، هشام الغنام، أنه سيكون من الصعب، في نهاية المطاف، كسب دعم الألفية للأجندة الاقتصادية والاجتماعية لبن سلمان. وأردف الغنام أن الحكومة تستطيع “بسهولة” إجراء إصلاحات اجتماعية دون تلقي ردود فعل عنيفة. مع ذلك، يبدو أن عملية إقناع الشباب السعودي بأن الدولة ينبغي ألا تظل المشغل الرئيسي لهم “ستكون أكثر صعوبة بكثير من إقناعهم بالسماح بإحياء الحفلات الموسيقية”.
المصدر: بلومبيرغ