ارتفعت وتيرة الاحتجاجات العمالية في الجزائر بداية العام الجديد بشكل لافت في عدة قطاعات للمطالبة بتلبية انشغالات الطبقة العاملة التي تظل عالقة منذ سنوات، وكذا بسبب ارتفاع الشرائية التي أصبحت تفوق إمكانات الطبقة الوسطى التي لم ترتفع رواتبها منذ 2012، وسط رفض من الحكومة بمراجعة الأجور في الظرف الحاليّ بسبب الأزمة المالية التي تضرب البلاد منذ تهاوي أسعار النفط في 2014.
احتجاجات العمال في الجزائر ليست بالظاهرة الجديدة، لكن الحكومة كانت في السنوات الماضية تستطيع احتواءها تحت ما تسميه الصحافة الجزائرية والمعارضة “شراء السلم الاجتماعي”، وذلك بزيادة أجور العمال وعدم معالجة المشاكل من جذورها.
قطاع الصحة يغلي
لم يعش قطاع الصحة في الجزائر أزمة كتلك التي يعيشها هذا العام، بعد أن فشلت حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى في امتصاص غضب الأطباء المقيمين الذين يواصلون إضرابهم المفتوح لأزيد من شهرين، مما ينذر بسنة بيضاء لهؤلاء الأطباء الذين لا يزالون طلبة في الطب.
ويطالب الأطباء المقيمون بتحسين ظروف العمل وإلغاء الخدمة المدنية وتسهيل ظروف استفادتهم من الإعفاء من الخدمة العسكرية مثلما يتم مع جميع خريجي التخصصات الأخرى.
يُعرف قطاع التربية في الجزائر على أنه أكثر القطاعات حركية للحركة النقابية، بالنظر إلى قوة تأثير التنظيمات العمالية النشطة به
وفشلت المشاورات التي قام بها وزير الصحة وإصلاح المستشفيات مختار حسبلاوي مع نقابة الأطباء المقيمين في جعلهم يعدلون عن مواصلة الإضراب، بعد أن اعتبر الشريك الاجتماعي ما قدمته الوزارة بعيدًا عن تطلعاته وتهربًا من التزاماتها السابقة.
ولقي إضراب الأطباء المقيمين تضامنًا كبيرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تعنيف بعض المتظاهرين ومنعهم من القيام بمسيرة في الجزائر العاصمة.
وعرف قطاع الصحة أيضًا تنظيم نقابة شبه الطبي إضرابًا خلال الشهر الحاليّ، إلا أن الحكومة لجأت إلى العدالة التي قضت بعدم شرعية الإضراب ودعت إلى العودة للعمل، وهو الإجراء ذاته الذي انتهجته لوقف إضراب الأطباء المقيمين، غير أن ذلك لم ينجح في ردع المضربين الذين يواصلون احتجاجهم رغم قرار العدالة.
الأساتذة يعودون إلى الاحتجاج
يُعرف قطاع التربية في الجزائر على أنه أكثر القطاعات حركية للحركة النقابية، بالنظر إلى قوة تأثير التنظيمات العمالية النشطة به، حيث يشهد كل عام جملة من الاحتجاجات المطالبة بتحسين أجور المعلمين وظروف التدريس ومراجعة الإصلاحات التي تنتهجها الوزارة خاصة ما اصطلح على تسميته “إصلاحات الجيل الثاني”.
وتوجه انتقادات لاذعة لوزيرة التربية نورية بن غبريت المتهمة من المعارضة خاصة الأحزاب الإسلامية ونقابات القطاع على أنها تحمل برنامجًا تربويًا تغريبيًا يهدف إلى سلخ الهوية الوطنية للجزائريين ويبعدها عن عمقها العربي والإسلامي.
وأعلنت نقابة “كنابست” الدخول في إضراب مفتوح بداية من تاريخ 30 من يناير الحاليّ يستمر إلى غاية تحقيق الوزارة لمطالبها المتمثلة في تجسيد الالتزامات والتعهدات المتضمنة في محاضر الاتفاق الممضاة بين النقابة والوصاية وطنيًا وولائيًا، وإلغاء إجراءات الخصم “التعسفية غير القانونية” لأيام الإضراب المتخذة من طرف وزارة التربية الوطنية عن طريق مديرياتها الولائية، التي لم تحترم فيها قوانين الجمهورية، على حد تعبير بيان للنقابة.
في سكيكدة شرق الجزائر، لم تجد إدارة ميناء سطورة هي الأخرى حلاً لوقف إضراب الصيادين الذين أقدموا على غلق الميناء سوى اللجوء إلى العدالة
عدوى الإضرابات تصل وزارة النقل
إذا كانت احتجاجات التربية والصحة أمر تعوّد عليه الجزائريون، فإن الغضب العمالي الذي يعيشه قطاع النقل لم يتم تسجيله بالدرجة ذاتها من قبل، فقد شكلت إضرابات عمال الخطوط الجوية الجزائرية الذين دعوا الإدارة إلى تلبية مطالبهم على رأسها مراجعة الأجور، سابقة بهذه المؤسسة العمومية لم تشهدها من قبل.
وتقول إدارة الخطوط الجوية الجزائرية التي تكبدت خسائر بالملايين بسبب الإضراب الذي تلجأ إليه بين الفينة والأخرى مختلف الفروع النقابية للمؤسسة، إنها غير قادرة على رفع رواتب موظفيها بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها، خاصة أنها باشرت في السنتين الأخيرتين برنامجًا لإعادة الهيكلة، إلا أن متابعين لملف أكبر شركة للطيران في الجزائر يربطون الأزمات التي تتوالى عليها بسوء التسيير الذي يضرب المؤسسة وعملية التوظيف غير النزيهة التي يستأثر بها أبناء شخصيات مسؤولة في الدولة.
أما البعض فيقول إن إنهاك هذه المؤسسة العمومية عمل مقصود هدفه دفعها لإعلان الإفلاس وإحالتها إلى فتح رأسمالها للخواص الذين يريدون الانقضاض عليها حين ستباع بالدينار الرمزي، رغم تأكيدات وزير النقل في أكثر من مرة أن الخطوط الجوية الجزائرية غير قابلة للبيع حتى وإن واجهت صعوبات مالية، ولجأت الإدارة إلى العدالة لإجهاض احتجاجات العمال، فقد قضت المحكمة بعدم شرعية الإضراب.
وفي سكيكدة شرق الجزائر، لم تجد إدارة ميناء سطورة هي الأخرى حلاً لوقف إضراب الصيادين الذين أقدموا على غلق الميناء سوى اللجوء إلى العدالة.
ويطالب الصيادون بحل المشاكل العالقة التي تعترضهم في مزاولة نشاطهم، وشددوا على ضرورة توفير الظروف الملائمة التي يتطلبها نشاط الصيد البحري من كهرباء وماء ونظافة وأمن.
رغم الارتفاع الطفيف المسجل في أسعار النفط في 2017 وبداية العام الجديد، فإن هذا الارتفاع يبقى دون المستوى المأمول من بلاد تظل عائدات النفط أهم مورد مالي لاقتصادها
الأزمة المالية تعقد الوضع
وتجد الحكومة الجزائرية نفسها اليوم في وضع لم تعتد عليه خلال السنوات الماضية بسبب تراجع أسعار البترول، فقد فقدت منذ بدء تطبيق خطط التقشف في 2014 أهم ورقة كانت تستعملها لامتصاص غضب الشعب وهي الزيادة في الأجور ورفع المنح، إلا أن تراجع مداخيل البلاد من العملة الصعبة أثر بشكل سلبي على التوازنات المالية للبلاد التي اضطرت إلى إدخال تعديلات على قانون القرض والنقد بهدف الاقتراض من الخزينة العمومية عبر طبع النقود لدفع الديون المترتبة على بعض الشركات العمومية، وكذا لمواصلة إنجاز المشاريع التي لم تكتمل.
ويحرص الوزير الأول احمد أويحيى في مختلف لقاءاته الصحفية على التأكيد أن البلاد تمر بوضع مالي صعب، خاصة بعد أن انخفض احتياط البلاد من العملة الصعبة إلى أقل من 100 مليار دولار.
ورغم الارتفاع الطفيف المسجل في أسعار النفط في 2017 وبداية العام الجديد، فإن هذا الارتفاع يبقى دون المستوى المأمول من بلاد تظل عائدات النفط أهم مورد مالي لاقتصادها.