سماسرة الجوازات المزورة.. هل يتواطؤون مع نظام الأسد لإفشال الحج في الشمال؟

تفاجأ عدد من الحجاج السوريين المقيمين في الشمال السوري وتركيا، والمسجلين لدى “الهيئة السورية للحج والعمرة” التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة” بمنعهم من دخول السعودية عبر مطار جدة الذي وصلوه يوم الثلاثاء 4 يونيو/حزيران الجاري، إذ تم إعادتهم إلى مطار غازي عينتاب في تركيا.

وقتها لم تصدر “هيئة الحج” بيانًا أو توضيحًا عن حقيقة ما جرى، ما فتح الباب واسعًا أمام سيل من التكهنات والاتهامات والشائعات بين السوريين، إلا أن مصدرًا مسؤولًا في “الهيئة” أوضح وقتها لموقع “نون بوست” أن السلطات السعودية أعادت 44 شخصًا كانوا يقصدون الحج هذا العام، منهم 31 شخصًا لأسباب تتعلق بجوازات سفرهم، حيث لم يتم قراءتها بالأجهزة الإلكترونية، بسبب سوء جودتها، إذ كانت الصفحة الأولى من جوازاتهم مشوهة، وفق المصدر، موضحًا أن هؤلاء الأشخاص يحق لهم العام المقبل التقدم للحج بشرط وجود وثائق صحيحة.

وأضاف المصدر أن 13 منهم ممنوعون أمنيًا من دخول البلاد لأسباب مختلفة، وأُخذت بصمات 4 أشخاص منهم بهدف منع دخولهم وإبعادهم عن السعودية لمدة 10 سنوات، وأكد المصدر أنه ستتم إعادة التكاليف المالية لكل الحجاج المعادين بعد انتهاء موسم الحج.

وبعد 11 عامًا من استلام المعارضة السورية لملف الحج في سوريا بشكل حصري، سلمت السلطات السعودية ملف الحج هذا العام إلى المعارضة والنظام السوري بشكل مشترك، بنسبة بلغت 23% لـ”الهيئة السورية للحج والعمرة” والتي ستقدم خدماتها للسوريين في الشمال وتركيا وقطر وأربيل، و77% لـ”وزارة الأوقاف” التابعة لحكومة النظام.

الناطق باسم اللجنة هشام خطيب شدد في تصريحات سابقة أن موسم الحج مرّ هذا العام بـ”مخاض صعب” وفي نهاية المطاف تم تخصيص حصة للجنة بلغت 5215 حاجًا تديرها بشكل مستقل ومعزول تمامًا عن النظام السوري.

من المسؤول عن “تزوير الجوازات”؟

أكثر الانتقادات التي وجهها السوريون عقب هذه الحادثة طالت الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، إذ تم تحميلهما مسؤولية “تزوير الجوازات”، التي يلجأ كثير من السوريين للحصول عليها عبر مكاتب تنتشر في الشمال السوري وتسمى بـ”جوازات الائتلاف”، وذلك في ظل عجز آلاف السوريين عن الحصول عليه من مناطق النظام أو من قنصلياته في باقي الدول لأسباب أمنية واقتصادية.

المستشار القانوني في الائتلاف الوطني المعارض، مصطفى قاسم، أكد أن الائتلاف الوطني وجميع المؤسسات التابعة له لا يصدر أي جواز سفر، وأن ما يسمى بـ “جوازات الائتلاف” هي من عمل السماسرة ومكاتب التزوير، ودعا القاسم أي شخص يتم عرض عليه ما يسمى بجوازات الائتلاف أن يراجع الجهات المختصة للإبلاغ عنه.

مستشار قانوني في الائتلاف يكشف حقيقة جوازات سفر الحجاج

وأشار قاسم في حديث صحفي مع تلفزيون سوريا، إلى أن هذا الإجراء طبيعي جدًا في مطارات الاستقبال بالسعودية أن يدققوا في وثائق القادمين من الحج، فهم أحيانًا ـ وهذه المسألة ليست وليدة هذا العام فقط وإنما في أعوام سابقة وفي وفود مختلفة – اضطروا أن يعيدوا بعض الأشخاص نتيجة بعض الإشكالات.

موقع “نون بوست” تواصل مع أحمد (طلب إخفاء هويته) أحد ضحايا هذه المكاتب، وهو من الأشخاص الذين أعادتهم السعودية بسبب “تزوير الأوراق الثبوتية”، أكد أنه استخرج جواز سفر عن طريق أحد المكاتب بمدينة أعزاز بتكلفة 700 دولار، وصاحب المكتب أكد له أن هذا الجواز صادر عن الائتلاف، وصالح للحج فقط، لكن المفاجأة كانت ـ يكمل أحمد ـ عند وصوله مطار جدة، حيث تم إيقافه مع عدد من الأشخاص وإعادتهم إلى مطار غازي عينتاب، بعدما تبين لسلطات المطار أن جوازه “مجهول المصدر”.

أحمد أكد لموقع “نون بوست” أن من يسيطر على استخراج الجوازات في كل منطقة من الشمال السوري هم شخص أو شخصين فقط، يتبعان بالنهاية لمصدر واحد يعمل خارج سوريا.

يشار إلى أن لجنة الحج تحذر الحجاج كل عام بضرورة توخي الحذر من هذه الجوازات، إضافة إلى ذلك فإن كل حاج عند تسليم أوراقه للجنة الحج يوقع على تعهد بأن الجواز الذي يحمله غير مزور، وبالتالي يترتب عليه أي أثر قانوني في حال كان هناك أي خلل في الجواز.

وكانت هيئة الحج السورية أصدرت بيانًا قي 6 يونيو/حزيران الجاري قالت فيه نذكّر حجاجنا الكرام أن صحة الوثائق الرسمية بما فيها وثائق السفر هي مسؤولية حاملها، وفق القواعد والإجراءات المتخذة في جميع المعابر الحدودية والمطارات.

ما علاقة نظام الأسد بـ”التزوير”؟

متابعة الأشخاص الذين تم إعادتهم من مطار جدة كشفت أن الأمر لا يقتصر على الجوازات التي حصلوا عليها عن طريق السماسرة في المناطق المحررة فقط، إذ تم إعادة البعض رغم حصولهم على جوازات سفر صادرة من مناطق النظام، وهذا ما حصل – كما يقول أحمد – مع أحد الحجاج ووالدته، فتم إعادتهما إلى مطار غازي عينتاب بسبب “مشكلة في جواز السفر”، وأكد هذا الشخص لأحمد أنه استخرج الجوازات من مدينة حلب عن طريق أحد السماسرة.

من ناحيته قال رئيس “الهيئة السورية للحج والعمرة” التابعة للمعارضة، سامر بيرقدار، إن السلطات التركية بمطار غازي عينتاب أعادت شخصين كانا يحملان جوازات سفر حديثة (شريحة) صادرة من مناطق النظام، بعد أن أكد لهما الضابط المسؤول أنهما “مزوران”.

وفي حديثه لموقع “نون بوست” أكد بيرقدار أن النظام هو من زور عددًا من هذه الجوازات الصادرة من عنده عن طريق بعض السماسرة المتعاونين معه، إذ يعمل الطرفان (النظام وسماسرته) على تحقيق هدفين: الأول إفشال المعارضة بإدارة ملف الحج لهذا العام، وثانيًا تحصيل عائدات بالدولار من خلال إصدار هذه الجوازات.

وأشار بيرقدار إلى أن النظام الفاشل تنظيميًا وإداريًا، سيسعى بكل الطرق لتدمير الجهة التي نجحت في إدارة هذا الملف خلال أكثر من 10 سنوات، وتعليقًا على سؤال: لماذا لا يتم فحص الجوازات من هيئة الحج قبل السفر وقبل دفع المبلغ؟ أجاب بيرقدار: هذا الأمر ليس من اختصاصنا، لأننا لسنا إدارة جوازات حتى نفحصها، إضافة إلى أن ذلك يتطلب أجهزة حديثة وخبراء وهذا غير متوافر عندنا.

وفي سياق الحديث عن علاقة النظام بموضوع “التزوير” أكدت مصادر خاصة لموقع “نون بوست” أن النظام السوري عمَّم عددًا من أرقام الجوازات التي سُرقت من قنصليته في السودان جراء الاشتباكات الدائرة هناك، وأضاف المصدر أن السلطات السعودية وجدت إحدى هذه الوثائق مع أحد الحجاج، ما دفعها للتدقيق بشكل كبير على الحجاج السوريين هذا العام.

وكانت صحيفة الوطن التابعة للنظام ادعت، يوم الثلاثاء 4 يونيو/حزيران الجاري، أن السلطات السعودية رفضت استقبال الحجاج الذين يحملون جوازات سفر صادرة عن الائتلاف، حيث اشترطت المملكة على الحجاج أن يكونوا من حاملي جوازات السفر الصادرة عن وزارة الداخلية السورية حصرًا.

سمسرة تابعة للنظام

مع بداية تلويح السعودية بإعادة ملف الحج إلى النظام، إثر تحسن العلاقات بين الطرفين منذ قمة “الرياض 2023″، سعى كثير من السوريين في المناطق المحررة وباقي دول اللجوء الذين يرغبون في أداء مناسك الحج إلى استصدار جوازات من مناطق النظام عن طريق بعض السماسرة الذين يعملون تحت جناح النظام، كما تؤكد مصادر في مدينة حلب.

وعن طريقة استصدار هذه الجوازات أوضح (علي) لاجئ سوري يعيش في تركيا أنه استخرج جواز سفر من مناطق النظام عن طريق أحد السماسرة، الذين طلبوا منه تفويضًا لأحد أقاربه من الدرجة الأولى في مدينة حلب، إضافة إلى مكالمة فيديو مع الضابط في إدارة الجوازات التابعة للنظام، شرط أن تتضمن هذه المكالمة صورة لأحد المعالم التي تؤكد وجود هذا الشخص بتركيا، وبعد ذلك يصل الجواز عبر شركات الشحن الدولي إلى تركيا.

وأضاف (ش) أن الأجور تتراوح بين 1200دولار فما فوق، لأن السماسرة ـ وبعلم من النظام ـ قد يتغاضون عن موضوع القرابة والتوكيل مقابل دفع مبالغ أكثر.

وكذلك الحال بالنسبة للأشخاص المقيمين في الشمال السوري، إذ أكد (حسين) مقيم بريف حلب الشمالي، أن هناك مكاتب وسماسرة يتكفلون باستصدار جوازات سفر من مناطق النظام (بشرط وجود أقارب من الدرجة الأولى)، إلا أن المقابل المادي يكون مرتفعًا، قد يصل إلى أكثر من 1500 دولار على حد قول حسين.

عمليات البيع والتزوير هذه لا تجري ـ كما تؤكد مصادر محلية ـ إلا بعلم النظام وبتواطؤ منه، إذ يدفع تدني مستوى الدخل الشهري (20 دولارًا شهريًا) مسؤولي إدارة الهجرة والجوازات للتغاضي عن الكثير من الشروط والأوراق المطلوبة مقابل الحصول على الدولار.

يشار إلى أن عمليات استخراج الأوراق الثبوتية من دوائر النظام للسوريين بمختلف دول اللجوء تحولت إلى مصدر دخل وتجارة مربحة تشرف عليها شبكات من المسؤولين والضباط في ظل انتشار الفساد، وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية.