ترجمة وتحرير: نون بوست
تصر الحكومة الإسرائيلية على أن حماس قامت بالسماح بالاعتداء الجنسي بشكل رسمي في أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لكن المحققين يقولون إن الأدلة على ذلك لا تصمد أمام التدقيق. ويقدم إثرين فيليب وجابرييل وينغير تقريرًا عن ثمانية أشهر من الادعاءات والادعاءات المضادة.
في صباح يوم غائم في أوائل الربيع، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، جلست براميلا باتن لتقدم نتائجها حول العنف الجنسي خلال المجازر التي نفذتها حماس في إسرائيل.
كانت قد مضت خمسة أشهر على هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وكان الصراع الذي أعقبها في غزة محتدمًا، كما كانت حرب الروايات المتضاربة والتي ميزت الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على مدى العقود الثمانية الماضية.
ربما لم ينشأ عن ذلك اليوم شيء أكثر جدلًا من ادعاء إسرائيل أن حماس لم تكتفِ بحرق وذبح من في المستوطنات الإسرائيلية على طول حدود غزة وقتل 1200 شخص وأخذ أكثر من 200 رهينة فحسب، بل إنها خططت ونفذت حملة اغتصاب جماعي ومنهجي كسلاح حرب.
كانت باتن، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي، تعلم ما كانت مقبلة عليه، فقد جاءت مهمتها لتقصي الحقائق في إسرائيل وسط جدل محتدم حول ما إذا كان ينبغي قبول مثل هذه الادعاءات كحقيقة واتهام أي شخص لا يفعل ذلك بأنه مذنب بالتحيز ضد النساء اليهوديات ومعاداة السامية.
إن التقاضي بشأن العنف الجنسي في إطار نزاع ما هو أمر صعب بما فيه الكفاية في أفضل الأوقات، ليس أقلها عندما تكون في ساحة معركة بحجم وتعقيدات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ويصبح الأمر أكثر صعوبة في غياب شهادة أي ناجية، وهي الركيزة الأساسية المعتادة لمثل هذه التحقيقات.
وما سيزيد من صعوبة الجهد المبذول بشأن 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو الأمثلة على المعلومات الكاذبة والمضللة التي صدرت من كبار الشخصيات السياسية والنشطاء المدنيين المرتبطين بالحكومة إلى أولئك العاملين في الشرطة والأجهزة الأمنية المكلفة بالتحقيق الرسمي، وكل هذا في جو من الخوف والصدمة الوطنية الشديدة.
وسط كل هذا؛ ضاع الضحايا أنفسهم، الذين لم يُعرف بالتأكيد ما إذا كان قد نجا أي منهم. والمرأة الوحيدة التي أدلت بشهادتها حول الاعتداء الجنسي عليها هي الرهينة المحررة أميت سوسانا، التي تحدثت لوسائل الإعلام الأجنبية عن كيفية إجبارها على التعري وممارسة الجنس مع خاطفها تحت تهديد السلاح خلال ستة أسابيع من الأسر في غزة.
وقال أشخاص على علاقة بسوسانا إنها قررت التحدث علنًا بعد روايات من رهائن آخرين عن الانتهاكات. وأعربوا عن أملهم في أن يساعد ذلك أولئك الذين لا يزالون محتجزين في الأسر والذين ربما لا يزالون يعانون من الاعتداء الجنسي.
تقول الدكتورة ساراي أهاروني، الأكاديمية في جامعة بن غوريون التي تساعد في تجميع أرشيف تاريخي للأحداث الذي سيغلق لمدة 50 سنة: “إن الناجين تحديدًا هم من تحدثوا عن قصتهم لأنهم أرادوا نوعًا من الضغط السياسي على الحكومة الإسرائيلية للعمل بجدية أكبر للإفراج عن الرهائن. وهذا قرار فظيع يجب اتخاذه”.
لقد أصبح أقارب المحتجزين صوتًا سياسيًا قويًا في إسرائيل؛ حيث يقودون الاحتجاجات ضد ما يعتبرونه عهدًا فاشلًا للحكومة في حماية مواطنيها وإعادة الرهائن إلى ديارهم.
وتخبرنا أحد أقارب إحدى النساء اللواتي ما زلن محتجزات في غزة أن ممثلي الحكومة لم يعودوا يكلفون أنفسهم عناء حضور الاجتماعات مع العائلات.
وفي هذه الأثناء؛ فتحت المؤسسة السياسية معركة جديدة مع الأمم المتحدة حول ما لم يقله تقرير باتن: أن العنف الجنسي كان من دون شك ممنهجًا وواسع الانتشار وأن حماس هي من أمرت به وارتكبته. ويحذر المدافعون الإسرائيليون عن الناجيات الآن من أن رفض إسرائيل التعاون مع تحقيق كامل وقانوني – وهو ما لم يكن متوفرًا في التقرير المصاغ بعناية شديدة – يهدد احتمال معرفة الحقيقة الكاملة حول العنف الجنسي الذي وقع في 7 تشرين الأول/ أكتوبر وتحقيق العدالة لضحاياه.
بالنسبة للإسرائيليين اليهود، ارتبط شبح الاغتصاب تاريخيًا بشكل وثيق بمذابح أوروبا الشرقية التي قُتل فيها آلاف اليهود واغتصبت النساء اليهوديات على يد الجنود المسيحيين والغوغاء المعادين للسامية. وسيصبح هذا الاضطهاد أحد القوى الدافعة وراء الصهيونية الحديثة وإعادة توطين اليهود الأوروبيين في المقاطعة العثمانية التي أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني. وتشير أهاروني إلى أن هذه “الذكريات التاريخية” أصبحت موروثًا ثقافيًا للشعب اليهودي، خاصةً أولئك الذين لم يتلقوا تعليمًا علمانيًا، وهي حقيقة ستلعب دورًا في نقل ما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
لقد تطورت فكرة الذكر العربي كتهديد جنسي صريح للنساء اليهوديات بالتوازي مع حركة السياسة الإسرائيلية نحو اليمين.
قبل أشهر من السابع من تشرين الأول/ أكتوبر؛ استحوذت أخبار اغتصاب أم إسرائيلية شابة على يد رجل بدوي في جنوب إسرائيل على اهتمام البلاد، وما زاد من فظاعة الأمر أن الضحية تعرضت للاعتداء أمام أطفالها. وفي الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، تركز الاهتمام على الأصل العربي للمعتدي، على الرغم من أن الشرطة استبعدت أن يكون الدافع وراء الاعتداء هو الإرهاب.
وفي تموز/ يوليو 2023؛ أقر الكنيست تشريعًا اقترحه مشرعون من اليمين واليمين المتطرف، وسرعان ما أطلق عليه اسم “قانون الإرهاب الجنسي”، والذي ضاعف عقوبة الاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي المرتكب “بدافع قومي”.
تقول أهاروني: “من الواضح أن هذا يعني أن الرجال العرب أو الفلسطينيين المتهمين بالاغتصاب قد يحاكمون وفق إجراءات مختلفة تمامًا عن الرجال اليهود الذين يرتكبون جريمة الاغتصاب”. وتصف هذا الاحتمال بأنه “لا يمكن تصوره”، مشيرةً إلى أنه بالإضافة إلى الدلالات العنصرية؛ فإنه يسعى إلى خلق “تسلسل هرمي للضحية” بين الناجيات من الاغتصاب، وقد حاربت جمعية مراكز الأزمات ضد الاغتصاب في إسرائيل هذا القانون، دون جدوى، على نفس الأسس.
وفي الصباح الباكر من يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ تدفق الآلاف من مقاتلي حماس المدججين بالسلاح عبر الحدود بعد أن اخترقوا السياج الأمني الخاص، وقتلوا الجنود الإسرائيليين الذين كانوا في الغالب من النساء اللواتي كنّ يراقبن الحدود. وكان الاجتياح مخططًا بدقة وفوضى في آن واحد: فقد تدفق مئات المدنيين على الأقل إلى إسرائيل دون سابق إنذار، إلى جانب مقاتلين آخرين مسلحين وغير مسلحين وكذلك حلفاء حماس المسلحين مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وكانت أهدافهم المستوطنات على طول حدود غزة. كما أنهم وجدوا هدفًا سهلًا لم يكن معروفًا من قبل في شكل مهرجان نوفا الموسيقي، حيث كان حوالي 4000 شاب وشابة يرقصون في ضوء الصباح الباكر.
وأظهر البث المباشر الذي بثته حماس من الكاميرات المثبتة على أجسادهم وهم يطلقون النار بلا رحمة على الرجال والنساء والأطفال، ويحرقون المنازل، ويطلقون النار على الكلاب ويقتادون المدنيين الذين يصرخون ويبكون كرهائن. وعندما اتضح حجم المذبحة؛ وُصف الهجوم بأنه الأسوأ على اليهود منذ الهولوكوست. لكن ما لم يتم التعليق عليه كثيرًا هو الضرر الذي ألحقه هذا الهجوم بالحلم الصهيوني بإقامة بلد آمن للشعب اليهودي والذي لا يمكن انتهاك حرمته، ومكان يمكن أن تصبح فيه عبارة “لن يحدث مرة أخرى أبدًا” حقيقة بعد قرون من الاضطهاد والطرد على أيدي المسيحيين الأوروبيين. لم يشهد تاريخ دولة إسرائيل الحديث حدثًا أكثر وحشيةً من هذا الحدث الذي أظهر منطق ضرورة وجودها.
بدأ الحديث عن الاغتصاب ينتشر قبل انتهاء المذابح نفسها تقريبًا، وجاء الكثير منها ممن وصفتهم باتن فيما بعد بـ “غير المحترفين” الذين قدموا “تفسيرات غير دقيقة وغير موثوقة من الطب الشرعي” لما وجدوه، مما خلق رواية فورية ولكن معيبة حول ما حدث.
وكان من بين أوائل الذين استجابوا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر مجموعة زاكا، وهي قوة متطوعين من اليهود الأرثوذكس المتشددين. ولم يكن أعضاء زاكا مدربين على فحص الأدلة الجنائية، ولم يتم توجيههم للقيام بأكثر من انتشال الرفات من منطقة كانت لا تزال منطقة معركة نشطة. وقد تعرض قرار إرسالهم لهجوم شديد في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما في ذلك من ضباط عسكريين يعتقدون أنه لو تم نشرهم لكان من الممكن الحفاظ على الأدلة الجنائية.
تلاحظ أوريت سوليتزيانو، المديرة التنفيذية لجمعية “أوريت سوليتزيانو”، عدم إلمام المتطوعين بفحص جثث النساء التي كانوا يعثرون عليها، وميلهم إلى التركيز على الإصابات التي يعتقدون أنها تشير إلى العنف الجنسي، مثل تهشم الحوض والجروح الناتجة عن طلقات نارية في الأعضاء الجنسية، متجاهلين الإصابات الأخرى التي شوشت الصورة.
تقول أوريت: “جميعهم رجال متدينون، ومعظمهم متدينون متشددون. ولم يسبق لهم أن رأوا امرأة باستثناء زوجاتهم. إذًا كيف تعاملوا مع رؤية كل هذه الأجساد؟”.
وتفاجأت أهاروني وآخرون بمدى تطابق روايات زاكا مع القصص الموروثة حول فظائع المذابح اليهودية؛ حيث تقول: “أول تفسير للاغتصاب والعنف الجنسي ارتبط تلقائيًا بالتاريخ الأوروبي، خصوصًا من قِبل أولئك الذين تلقوا تعليمًا دينيًا”، وتتابع قائلة: “هناك متطوع في زاكا تلقى تعليمًا دينيًا بشكل أساسي. لقد قرأ الكثير من النصوص اليهودية التي تصف اغتصاب النساء. وهذه النصوص تظهر مرارًا وتكرارًا في القصص اليهودية وتظهر في كل مرة يحدث فيها حدث كبير ضد المجتمعات اليهودية”.
ورصد الصحفيون الذين وصلوا لأول مرة إلى موقع المجازر على الفور أصداء الصدمة التاريخية الجماعية للشعب اليهودي؛ حيث قال ريتشارد هيخت، المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، لأحد هؤلاء المراسلين في 10 تشرين الأول/ أكتوبر بينما كان يفتح الطريق لأول مجموعة تدخل مستوطنة كفار عزة: “أنتم على وشك دخول بيرغن-بيلسن”، وهو معسكر الاعتقال النازي حيث وجدت القوات البريطانية آلاف الجثث مكشوفة وغير مدفونة عندما وصلت إليه في سنة 1945.
قال يوسي، وهو متطوع من مجموعة دينية أخرى تدعى “يونايتد هاتزالاه”، للصحفيين إنه رأى “هرمًا من الجثث”، على الرغم من عدم العثور على شيء من هذا القبيل، وبدا أن وصفه يحاكي صورة فوتوغرافية لجبل من الجثث في المحرقة في معسكر اعتقال داخاو، كما القصة التي تم فضح كذبها الآن عن المرأة الحامل وجنينها المذبوح معروفة جيدًا من المذابح التاريخية، وهناك العديد من الحكايات الخاطئة الأخرى تتعلق بالأطفال؛ حيث زعم أحد رجال زاكا أنه عثر على طفل مخبوزًا حيًّا داخل فرن.
لكن النساء أيضًا قمن بإجراء تقييمات جنائية لم يكنّ مؤهلات للقيام بها، بينما كررت أخريات الروايات بعد أن ثبت كذبها؛ إحداهن كانت الخبيرة القانونية كوشاف إلكيام ليفي، التي شكلت ما أسمته “لجنة مدنية” عقب الهجمات لجمع الأدلة على العنف الجنسي. وانضمت إليها البروفيسورة روث هالبرين-كداري، وهي حقوقية مرموقة ومتخصصة في حقوق المرأة الدولية، والتي حشدت مساعدة قانونية قوية.
لكن مع مرور الوقت؛ أصبحت هالبرين-كاداري قلقة بشكل متزايد بشأن سلوك ونوايا زميلتها – وهي إحدى المقربات من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو – التي شملت أعمالها إعداد دليل قانوني عن التغذية القسرية للسجناء، وقالت هالبرين-كاداري: “أدركتُ أنني لا أستطيع قبول الطريقة التي تتعامل بها مع الأمور، مثل التحدث في بعض الأحيان بشكل غير مسؤول دون التحقق من مصداقية المعلومات وتكرار روايات مشكوك فيها”. ومن بين هذه الأمور كانت القصة المفبركة عن المرأة الحامل وجنينها، والتي تم تكرارها أيضًا من قبل ميشال هرتسوغ، زوجة الرئيس، في مقال لم يصحَّح بعد في مجلة نيوزويك. كما وزعت إلكيام-ليفي صورًا لجنديات مقتولات تبين في النهاية أنها لنساء مقاتلات كرديات في سوريا. لقد استقالت هالبرين-كاداري وفريقها القانوني من اللجنة ولجأوا إلى الأمم المتحدة للحصول على المساعدة. ومع ذلك، ظلت إلكيام-ليفي الصوت العام الأكثر بروزًا حول العنف الجنسي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وفازت بأعلى وسام مدني في البلاد، وهو جائزة إسرائيل، في نيسان/ إبريل 2024.
وعندما طُلب منها الرد على المزاعم بأنها نشرت معلومات كاذبة عن علم، أخبرتنا المتحدثة باسم إلكيام-ليفي أنها “تعمل بدقة لجمع المعلومات والشهادات التي ستخدم الأجيال القادمة من أجل تحقيق العدالة والذكرى”.
وأضافت: “إن المعلومات المشكوك فيها التي وردت على لسان خبراء بارزين في هذا المجال بشأن امرأة حامل قُتلت بشكل مأساوي كانت، في ذلك الوقت، مدعومة بشهادة وعدة مصادر أخرى موثوقة. لقد شعرنا جميعًا بالارتياح عندما علمنا أنها لم تكن من إسرائيل وتوقفنا على الفور عن الإشارة إليها. وفوق كل ذلك، فإن هذه الحادثة تجسد قبل كل شيء الصدمة والصعوبات التي نواجهها في إيصال صوت ضحايا الفظائع”.
تعرب أهاروني عن مخاوفها بشأن كيفية قيام القادة السياسيين وغيرهم من المرتبطين بحزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء “باستخدام الأجندة النسوية بطريقة انتهازية للغاية لسرد سياسي محدد للغاية مرتبط بحكومة نتنياهو”، مع القليل من الاهتمام بالضحايا الفعليين.
وتحذر قائلة من أن “تسييس الحكومة الإسرائيلية للاغتصاب كان جزءًا من الأجندة السياسية لهذه الحكومة، فلقد أصبحت مسألة تصديق الناجين بمثابة اختبار لولائك للأمة”. في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، أطلقت وزارة الخارجية حملة تحت وسم #صدقوا_المرأة_الإسرائيلية. وقالت سوليتزيانو: “لم أكن أعتقد أن هذا أمر معقول؛ لم يقصدوا “صدقوا النساء الإسرائيليات”. لقد كانوا يقصدون “صدقوا إسرائيل””.
وقال المنتقدون إن المسؤولين الإسرائيليين استخدموا بانتظام ادعاء الاغتصاب كهراوة لإسكات منتقدي هجومهم على غزة. ففي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ وهو نفس اليوم الذي تم فيه إطلاق حملة الوسم وخرج فيه أكثر من 300 ألف شخص في لندن لدعم وقف إطلاق النار، قام المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية حينها، إيلون ليفي، بإنشاء تغريدة بصورة، قائلاً مازحًا: “لا أعتقد أن لندن شهدت مثل هذا من قبل. مظاهرة كبيرة للمدافعين عن الاغتصاب من قبل”، وتم عزل ليفي عن منصبه في آذار/ مارس الماضي بعد أن دخل في مشاجرة عبر الإنترنت مع ديفيد كاميرون بشأن حصار المساعدات لغزة
في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ عقدت الشرطة أول مؤتمر صحفي لها لوسائل الإعلام الدولية حول تحقيقاتها في الاعتداء الجنسي، وعلى الرغم من وجود أدلة جديدة واعدة على طبيعتها المنهجية، لم يتم تقديم أي منها. وتم بث مقطع فيديو قصير مع شهادة “الشاهدة إس” التي وصفت بالتفصيل المروع مشاهدتها جريمة اغتصاب جماعي وقتل أثناء اختبائها في المهرجان. وحتى الآن؛ لم تقابل الشرطة أي ناجٍ. وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر؛ أصدرت الشرطة مرسوما للمستشفيات تأمرها بتسليم شهادات أي ناجية من الاغتصاب طلبت العلاج. وفي 4 يناير/كانون الثاني؛ وجهت الشرطة نداءً جديدًا للشهود، قائلة إنها نجحت في مقابلة ثلاثة فقط ولم تتمكن من مطابقة رواياتهم مع الجثث التي تم جمعها من موقع المذبحة.
في 4 آذار/ مارس؛ جلست براميلا باتن أمام الصحفيين لتسليم النتائج التي توصلت إليها، وقالت إن هناك “أسبابا معقولة” للاعتقاد بوقوع اغتصاب واعتداءات جنسية في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، لا سيما في ساحة مهرجان نوفا، و”معلومات واضحة ومقنعة” – وهو معيار أعلى للأدلة – عن اغتصاب وتعذيب جنسي للرهائن المحتجزين في غزة. وحذرت من أن العنف الجنسي ضد الرهائن يمكن أن يكون مستمرًّا، مما يؤكد مخاوف عائلاتهم في إسرائيل، التي تطورت بحلول ذلك الوقت إلى قوة سياسية قوية ضد نتنياهو، الذي اتهموه بإعطاء الأولوية للتدمير غير الواقعي لحماس – وبقائه السياسي – على حساب حياة أحبائهم.
وأوضحت باتن أنه لم يكن تحقيقًا قانونيًا، لأن إسرائيل لم تسمح بذلك: لا يمكن تنفيذ هذا التفويض إلا من خلال لجنة التحقيق الدولية المستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي رفضت إسرائيل العمل معها منذ إنشائها، وأعربت عن أملها في أن يتغير ذلك.
وأشادت هالبرين كداري بالتقرير ووصفته بأنه “عمل ممتاز وقوي وجاد” مع “تحليل دقيق للغاية للمعلومات”، وقالت: “أعتقد أنها ستغير قواعد اللعبة. أعتقد أنه بعد ذلك، لم يعد بإمكان أي شخص يتمتع بدرجة معينة من الأخلاق والأخلاق الأساسية أن يقول ببساطة إن ذلك لم يحدث. ولم يعد من الممكن إنكار ذلك بشكل قاطع. ما لم يذكره التقرير هو ما إذا كان العنف الجنسي جزءًا من خطة المعركة. كما أنها لم تذكر اسم حماس، بالنظر إلى المجموعة الفوضوية من الجهات الفاعلة في ذلك اليوم”.
وأضافت هالبرين كداري: “أعتقد أن هذا يعزز مصداقية التقرير”. وتشير الوثيقة إلى عدد من الادعاءات الملفقة والخاطئة، بما في ذلك تلك المتعلقة باكتشاف شابات مغتصبات في مستوطنة بئيري والقصة الكاذبة عن المرأة الحامل.
وأوضحت باتن أن هناك أدلة كافية على أعمال عنف جنسي تستحق إجراء تحقيق كامل وسليم، وأعربت عن صدمتها من وحشية العنف، وأكد التقرير أيضًا أن السلطات الإسرائيلية لم تتمكن من تقديم الكثير من الأدلة التي أصر القادة السياسيون على وجودها. وفي جميع مقاطع الفيديو التي بثتها حماس، والتي شاهدها فريق باتن، وفي جميع الصور التي شاهدوها، لم يكن هناك أي تصوير للاغتصاب، كما كشفت عن أنه تم تعيين باحث إسرائيلي رائد في مجال الويب المظلم للبحث عن أدلة على تلك الصور، بما في ذلك اللقطات المحذوفة من مصادر عامة، ولم يتم العثور على أي شيء.
سيكون التقرير مربكًا للمؤسسة السياسية الإسرائيلية. فمن ناحية؛ فإنه يعطي مصداقية كبيرة ومثبتة لادعاءات الاعتداء الجنسي؛ ومن ناحية أخرى، فهو لا يظهر أنها منهجية، ويقول على وجه التحديد إن إسرائيل لم تتمكن من تقديم أدلة تزعم أنها تمتلك أوامر مكتوبة من حماس بالاغتصاب. كما طلبت باتن من إسرائيل التحقيق في “الادعاءات الموثوقة” المتعلقة بالاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات الفلسطينيات، والتي جمعتها بعثة التفويض القانوني للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية. وسارعت إسرائيل إلى رفض طلب باتن، ووصفته بأنه “مناورة فلسطينية ساخرة ومتعمدة تهدف إلى خلق تكافؤ لا يطاق بين الجرائم المروعة التي ارتكبتها حماس، وما زالت ترتكبها، والادعاءات الخبيثة التي لا أساس لها ضد إسرائيل والإسرائيليين”.
وتضمنت توصيات باتن الأخرى الدعوة إلى وقف إطلاق النار لتسهيل إنقاذ الرهائن الذين تخشى تعرضهم لاعتداءات جنسية مستمرة، وطلبت من الحكومة الإسرائيلية التوقيع على إطار تعاون مع مكتبها حتى يمكن إجراء تحقيق قانوني كامل مع المنظمات الدولية.
ورفضت إسرائيل ذلك رفضًا قاطعًا، ووجهت غضبها بعيدًا عن باتن؛ نحو الأمين العام للأمم المتحدة، واتهمته بمحاولة قمع التقرير – وهو ما نفته باتن بشدة – ومنع تسمية حماس كمنفذة منهجية للعنف الجنسي على الرغم من أن باتن نفسها قالت إن مثل هذه الخطوة تتطلب إجراء تحقيق قانوني كامل. واستدعت إسرائيل سفيرها لدى الأمم المتحدة وسافر وزير خارجيتها يسرائيل كاتس إلى نيويورك لحضور اجتماع طارئ لمجلس الأمن لمناقشة التقرير.
وتحدثت باتن بشكل مؤثر عن لقاءاتها مع المجتمعات التي أصيبت بصدمات نفسية بسبب الهجمات الإرهابية. وقالت: “رأيت الألم في أعينهم. لقد كان بمثابة قائمة بأكثر أشكال القتل والتعذيب وغير ذلك من الفظائع تطرفًا وغير الإنسانية”. لكنها ردت أيضًا بقوة غير عادية على رفض إسرائيل النظر في ادعاءات النساء الفلسطينيات – “لتصديق النساء الفلسطينيات”، بإيقاعها الخاص – سواء في المناخ الحالي، حيث ارتفعت موجة الاعتقالات، أو في الماضي، على امتداد عقود، حيث أثيرت مثل هذه الادعاءات.
وقالت باتن: “في هذا الصدد، أود أن أعرب عن خيبة أملي لأن رد الفعل الفوري على تقريري من قبل بعض الجهات السياسية لم يكن فتح تحقيقات في تلك الحوادث المزعومة، بل رفضها بشكل قاطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
وطالب رياض منصور، الممثل الفلسطيني لدى الأمم المتحدة – حيث تتمتع فلسطين بوضع مراقب – الإسرائيليين بالموافقة على توصيات باتن والسماح بإجراء تحقيق مستقل كامل في العنف الجنسي الذي وقع في السابع من شهر تشرين الأول أكتوبر، وقال منصور: “دعوا الحقائق تتحدث. دعوا القانون يقرر”. وأشار إلى نفس التقارير الكاذبة التي رفضتها باتن في تقريرها، والتي غذت العديد من الإنكار الصريح من المعلقين المؤيدين للفلسطينيين واليسار المتطرف، وأضاف منصور “من المخزي أن الأمر لم يكن يتعلق بالضحايا الإسرائيليين. كان هذا من أجل تبرير الفظائع التي تنوي إسرائيل ارتكابها ضد الضحايا الفلسطينيين”.
هل سيتم معرفة الحقيقة بشأن العنف الجنسي الذي وقع في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر بشكل كامل؟ المدافعون عن حقوق المرأة في إسرائيل متشككون. على سبيل المثال، جاءت الأخطاء التي تم ارتكابها من القرار المتسرع بإرسال متطوعي زاكا لاستعادة القتلى بدلًا من قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي أو منظمة أخرى. وقالت سوليتزيانو: “هؤلاء الأشخاص يستحقون متطوعين أفضل”. وقالت باتن في تقريرها إن حجم ما حدث قد لا يتضح أبدًا، لكنها أضافت: “ليس لديَّ أرقام في التقرير لأن حالة واحدة أكثر من كافية بالنسبة لي. تحدثت الرسالة الأولى التي تلقيتها من حكومة إسرائيل عن مئات أو آلاف حالات العنف الجنسي الوحشي المرتكبة ضد الرجال والنساء والأطفال. لم أجد شيئًا من هذا القبيل”.
لكن باتن تحدثت أيضًا عن الصعوبات الجسيمة في التأكد من الحقيقة في قضية ربما يكون معظم ضحايا العنف الجنسي فيها قد ماتوا. وأتاحت رواية سوسانا، إلى جانب رواية الرهائن الآخرين، مزيدًا من اليقين بشأن إساءة معاملة الرهائن؛ لا تزال هناك 19 امرأة إما ميتات أو ما زلن أسيرات، وقد لا تُسمع قصصهن أبدًا ما لم يتم تحريرهن أحياء. وبعد أن تحدث عدد من الرهائن المفرج عنهم عن إساءة معاملة آخرين ما زالوا محتجزين، حثتهم بعض العائلات على التزام الصمت، خوفًا من أنه أصبح من السهل الآن التعرف على هؤلاء المحتجزين. نحن على علم بالعديد من القصص المتعلقة بإساءة معاملة النساء والأطفال والتي، إذا تم سردها، من شأنها أن تحرم الضحايا من خصوصيتهم. وقد قامت العائلات بالضغط على الحكومة من خلال مخاوفهم هذه، بما في ذلك ما إذا كان بإمكانهم إرسال حبوب الإجهاض إلى غزة في حالة حمل نسائهم على أيدي المعتدين عليهم.
وروى حوالي 10 من أصل 900 ناجٍ عالجتهم منظمة “سيف هارت” غير الحكومية أنهم سمعوا أو شاهدوا أعمال عنف جنسي، وكلها انتهت بالقتل، ولم يبلغ أي منهم عن تعرضه للاعتداء على نفسه. وتعتقد الدكتورة ريوت بلونسكر، كبيرة علماء النفس في منظمة “سيف هارت”، أن التركيز على العنف الجنسي لم يكن مفيدًًا للناجين من مهرجان نوفا الذين يتصارعون مع صدماتهم. وقالت: “لا أعتقد أنه كان هناك الكثير من الاعتداءات الجنسية. لقد كان هناك الكثير من جرائم القتل. وهذا ما حدث هناك. كان الناس يختبئون ويشاهدون أشياء فظيعة للغاية”. وهي تشك في أن القادة السياسيين يأخذون مصالح الضحايا بعين الاعتبار؛ حيث قالت: “يهتم المعالجون بالضحايا والناجين. وأعتقد أن السياسيين مهتمون بصورة إسرائيل”.
ترأس هالبرين كداري الآن مشروع دينة 7-10، الذي يهدف إلى جمع الأدلة لدعم الملاحقات القضائية المتعلقة بالعنف الجنسي المرتكب في ذلك اليوم. وتعتبر دينة شخصية مأساوية من الكتاب المقدس، وهي ابنة يعقوب التي اغتصبها شكيم، وهو أمير من قبيلة منافسة، مما أدى إلى إطلاق سلسلة من الأحداث التي قام خلالها إخوة دينة بذبح رجال قبيلة شكيم واستعباد النساء والأطفال، ويطرد يعقوب بغضب الإخوة ويلعنهم، في حين لم يُسمع صوت دينة أبدًا.
وتأمل هالبرين كداري أن تعيد إظهار صوت أي ناجٍ قد يظهر في المستقبل، وقالت: “ربما تظل مسألة النطاق المقدر مجهولة إلى الأبد. وبالنظر إلى المدة التي يستغرقها عادة الناجون من العنف الجنسي للانفتاح، فإن احتمال أن يقرر الناجون التحدث علنًا وارد. ومن المهم حقًا أن تكون هناك آلية أكثر تأهيلًا للتعامل معهم. ويحدونا أمل كبير في أن تفهم السلطات الإسرائيلية أهمية مزيد من التعاون مع مكتب الممثلين الخاصين”.
ولكن باتن أقل تفاؤلًا؛ حيث تشرح قائلة: “عندما ناقشتُ الأمر في إسرائيل، لم أحصل على أي ردود فعل إيجابية. الكرة الآن في ملعب حكومة إسرائيل”. وبسبب غضبها من موقفها؛ تقدمت عائلات بعض الذين قتلوا واحتجزوا كرهائن في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من رفض إسرائيل التعامل مع تلك الهيئة على مستوى الدولة.
وفي هذه الأثناء؛ شهدت باتن النتائج التي توصلت إليها وهي تستخدم كأداة من قبل كلا الجانبين: المنكرين الذين يركزون على إخفاقات الأدلة في الرواية الإسرائيلية للأحداث، وأولئك الذين استخدموا هذه المزاعم لدعم الحملة الوحشية التي تستهدف غزة وسكانها المدنيين.
وقالت باتن للصحفيين: “من ناحية، لدينا ضباب الحرب، والذي غالبًا ما يُسكت جرائم العنف الجنسي. لكننا شهدنا أيضًا في التاريخ حالات يمكن فيها استخدام العنف الجنسي كسلاح. والحقيقة هي الطريق الوحيد للسلام”.
المصدر: التايمز