انطلقت اليوم الثلاثاء 30 من يناير/كانون الأول فعاليات مؤتمر الحوار الوطني السوري بمنتجع “سوتشي” جنوب غرب روسيا، برعاية روسية إيرانية تركية، وبمشاركة المبعوث الأممي إلى سوريا ستفان دي ميستورا، في محاولة لتحريك المياه الراكدة في مستنقع الأزمة السورية بعد جولة من المفاوضات طيلة السنوات الماضية لم تسفر عن شيء.
إصرار روسيا على إقامة المؤتمر في موعده المقرر والمحدد سلفًا 30-31 من يناير/كانون الثاني 2018 رغم العراقيل والتحفظات التي أبدتها بعض فصائل المعارضة من جانب وعدد من القوى الدولية من جانب آخر، انعكس بشكل أو بآخر على حجم ونسب الحضور والمشاركة.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أعرب عن ثقته في أن “مؤتمر الحوار سيمثل مساهمة مهمة في إحياء عملية المحادثات السورية التي تجري تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف، على أساس التطبيق الكامل لإعلان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 (بشأن مسائل الحكومة والدستور والانتخابات)”، فيما أشار ألكسندر لافرنتييف الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا، أن مهمة المؤتمر “تتمثل بإطلاق عملية إعداد دستور سوري جديد يتم عرضه على الجميع، الحكومة والمعارضة الداخلية والخارجية والمسلحة”.
15 جولة مفاوضات والمحصلة صفر
دخلت الأزمة السورية منذ اندلاعها في 2011 في موجات متتالية من المباحثات بين طرفيها، النظام والمعارضة، حين تم اعتماد المسار التفاوضي كخيار لحلحلة الأوضاع، وكان الثلاثين من يونيو/حزيران 2012 نقطة البداية في هذا المسار حين استضاف مكتب الأمم المتحدة بمدينة جنيف اجتماعًا لـ”مجموعة العمل من أجل سوريا” بناءً على دعوة كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا في ذلك الوقت.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم عقد أطراف الأزمة السورية ما يقرب من 15 جولة مفاوضات، 8 منها احتضنتها العاصمة السويسرية “جنيف”، و7 في العاصمة الكازاخستانية “أستانة” هذا بخلاف بعض اللقاءات الأحادية الأخرى التي عقدت على هامش هذا المسار سواء في الرياض أو موسكو أو أنقرة.
ورغم التقدم النسبي الذي حققته هذه الجولات في بعض مراحلها غير أنها سرعان ما كان تسقط في فخ آخر يعيدها إلى المربع رقم “صفر” مرة أخرى، ولعل فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات “جنيف” تجسد حالة الإحباط التي أصابت الكثيرين بشأن إمكانية الخروج ببصيص أمل في النفق المظلم للمفاوضات المستمرة قرابة الأعوام الثلاث تحت رعاية أممية.
لا توجد إحصائية رسمية لأعداد المشاركين في المؤتمر، غير أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، رجح في وقت سابق أن يكون هناك ما بين 1500 و1700 مشارك
فشل مباحثات “جنيف” بفروعها وتبعاتها في “أستانة” وغيرها أعطى الضوء الأخضر لروسيا لتوجيه مسار التفاوض بعيدًا عن هذه النقطة، وبالشكل الذي ربما يتواءم مع أهدافها وتوجهاتها داخل سوريا، خاصة بعد النجاح التي حققته ولا تزال ميدانيًا فوق التراب السوري، ومن ثم كان الدفع بمسار التفاوض إلى منتجع “سوتشي”.
روسيا وتركيا وإيران بصفتها الدول الضامنة لمسار “أستانة” اتفقت فيما بينهما على “عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في نهاية يناير/كانون الثاني 2018، في سوتشي، بمشاركة الطوائف السورية كافة، والحكومة والمعارضة، ومن يهمه وحدة واستقلال أراضي سوريا” حسبما أشار بيان أستانة الختامي الثامن الذي جاء متزامنًا مع إعلان الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان أملا، في اتصال هاتفي بينهما “أن تمهد محادثات أستانة الطريق لعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في منتجع سوتشي”.
أكثر من 15 جولة مفاوضات فاشلة بين طرفي الأزمة السورية
1511 مشاركًا
لا توجد إحصائية رسمية لأعداد المشاركين في المؤتمر، غير أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، رجح في وقت سابق أن يكون هناك ما بين 1500 و1700 مشارك، فيما أشار مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، رئيس الوفد الروسي إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري ألكسندر لافرينتييف، أنه تم إرسال أكثر من 1600 دعوة إلى المشاركين في المؤتمر متوقعًا أن يكون المجموع من 1500 إلى 1600 مشارك، بينما تشير اللجنة المنظمة للمؤتمر إلى حضور 1511 مشاركًا.
وعن طبيعة الوفود المشاركة، قال لافرينتييف: “كل فئات المجتمع السوري، جميع من هو مبالٍ بمصير سوريا ومستقبل هذه الدولة يحضرون المؤتمر”، مشيرًا إلى أن الدعوات أرسلت ليس فقط إلى المجموعات بل وبشكل فردي، وأضاف: “وهذا يخص الممثلية الكردية، لأنها مسألة تهم الكثيرين إن كان هناك تمثيل كردي في المؤتمر” متابعًا: “وأقول بكل ثقة سيكون هناك أكراد، لكن الدعوات أرسلت لهم على أساس فردي”.
عقد أطراف الأزمة السورية ما يقرب من 15 جولة مفاوضات، 8 منها احتضنتها العاصمة السويسرية “جنيف”، و7 في العاصمة الكازاخستانية “أستانة”
انقسام في المعارضة
حالة من الانقسام تشهدها فصائل المعارضة السورية حيال عملية المشاركة في هذا المؤتمر، حيث أعلنت عشرات الفصائل المقاتلة المعارضة رفضها الحضور، على رأسها هيئة التفاوض السورية التي تعرضت للعديد من الضغوط الروسية من أجل المشاركة.
المؤشرات العامة تشير إلى مشاركة 120 شخصية في المعارضة من أعضاء الائتلاف السوري لقوى المعارضة ومن قادة فصائل “الجيش السوري الحر” بعد وصولهم مساء أمس قادمين من أنقرة، في المقابل أعلنت 50 شخصية من المعارضة مقاطعته، وذلك بحسب مراسل “الجزيرة“.
وفي المقابل أعلن الأكراد عدم مشاركتهم بسبب الهجوم التركي على مناطقهم بشمال سوريا، كما رفض أكثر من 30 من فصائل المعارضة السورية الدعوة الروسية للمشاركة، أما وفد النظام فقد أفادت المصادر أنه سيشارك بأكثر من 600 شخصية.
وفد المعارضة السورية القادم من أنقرة رفض الخروج من مطار سوتشي بسبب شعارات المؤتمر الملصقة في أرجاء المطار، التي تحمل علم النظام السوري
مقاطعة القوى الدولية
مقاطعة “سوتشي” لم تكن من جانب المعارضة السورية فحسب، بل أعلنت عدد من القوى الدولية عدم مشاركتها أيضًا على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لأسباب أرجعوها إلى ترجيح عدم إحراز أي تقدم من خلاله خاصة في ظل غياب المكونات الرئيسية للمعارضة السورية.
السفارة الأمريكية في موسكو قالت إن واشنطن لن تشارك بصفة مراقب في مؤتمر الحوار السوري، معربة عن احترامها لقرار هيئة التفاوض السورية برفض المشاركة في المؤتمر، وهو نفس ما ذهب إليه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي أعرب عن شكوكه في احتمال إحراز تقدم في هذا المؤتمر، فيما كتب السفير البريطاني في سوريا مارتن لونجدين، على تويتر “بريطانيا لن تشارك في مؤتمر سوتشي”، وقال “نحث روسيا على استخدام نفوذها لإقناع النظام بالتوقف عن سلوكه المدمر”.
وفي مواجهة ذلك أكد الكرملين على لسان الناطق باسمه ديمتري بسكوف أن رفض بعض الأطراف المشاركة في المؤتمر لن يؤدي إلى إفشاله، مشيرًا أنه يشكل خطوة مهمة لإتاحة الفرصة لمباشرة العمل لتحقيق تسوية حقيقية للأزمة السورية.
انقسام داخل صفوف المعارضة بشأن المشاركة في المؤتمر
تعثر انطلاق المؤتمر
تعثر انطلاق أعمال المؤتمر الذي كان مقررًا له صباح الثلاثاء، حيث أكدت الخارجية الروسية أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أجرى اتصالين هاتفيين مع نظيره التركي مولوود جاويش أوغلو لحل الإشكاليات التي أعاقت انطلاق المؤتمر في موعده المحدد.
وفد المعارضة السورية القادم من أنقرة رفض الخروج من مطار سوتشي بسبب شعارات المؤتمر الملصقة في أرجاء المطار التي تحمل علم النظام السوري، كما رفض الوفد تسلم بطاقات المشاركة في المؤتمر من الجانب الروسي لأنها تحمل علم النظام أيضًا، فيما تشير بعض الأنباء إلى تلويح الوفد بمغادرة روسيا في اتجاه العودة إلى أنقرة مرة أخرى، بحسب ما ذكره مراسل الجزيرة في سوتشي.
وكان وفد المعارضة قد اشترط تغيير شعار المؤتمر ورفع اللافتات التي تحمل علم النظام من المطار ومكان انعقاد المؤتمر كشرط لمشاركته، وهو ما رفضه الجانب الروسي، بينما يقود رئيس الوفد التركي التفاوض مع وفد المعارضة السورية المشارك للتوصل إلى قرار مشترك وصيغ مقبولة ترضي الجميع.
مشاركة 120 شخصية في المعارضة من أعضاء الائتلاف السوري لقوى المعارضة ومن قادة فصائل “الجيش السوري الحر” بعد وصولهم مساء أمس قادمين من أنقرة، في المقابل أعلنت 50 شخصية من المعارضة مقاطعته
استنساخ مبادئ “جنيف 8”
مسودة البيان الختامي للمؤتمر التي تتضمن 12 بندًا، تتطابق وبشكل أقرب للاستنساخ مع تلك التي قدمها دي ميستورا إلى الجولة الثامنة من المفاوضات السورية بجنيف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
البنود نصت على تشكيل لجنة دستورية بمشاركة وفد النظام السوري ووفد آخر يمثل طيفًا واسعًا من المعارضة من أجل التحضير لتعديل الدستور برعاية الأمم المتحدة، ووفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كذلك الالتزام الكامل بسيادة واستقلال سوريا، وأن الشعب السوري وحده من يقرر مستقبل البلاد، ويختار نظامه السياسي بالوسائل الديمقراطية ودون أي ضغوط.
علاوة على ذلك الالتزام الكامل بسيادة سوريا ووحدتها أرضًا وشعبًا، وأن تلتزم الدولة السورية بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية العادلة، هذا بخلاف التأكيد على أن سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية تقوم على المواطنة المتساوية، وأكدت على حماية حقوق الإنسان والحريات في أوقات الأزمات وعدم التمييز في الحقوق، والرفض القاطع لكل أشكال الإرهاب والتطرف والطائفية والالتزام بمكافحتها، فضلاً عن ضمان سلامة النازحين واللاجئين والمهجرين وحقهم في العودة إلى ديارهم.