ترجمة وتحرير: نون بوست
يعتبر أبو عبيدة من أهم الشخصيات العامّة في حماس وقد كان المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة الفلسطينية، منذ حوالي عقدين من الزمن. انتشرت صورته بشكل كبير منذ الهجوم المفاجئ الذي قادته حماس على إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والحرب الإسرائيلية اللاحقة على قطاع غزة.
يشتهر أبو عبيدة بخُطَبه التي يقدم خلالها آخر المستجدات في ساحة المعركة ويتفاخر بإنجازات حماس العسكرية ويسخر من إسرائيل، التي قامت بعدة محاولات لقتله. لهذا السبب، لم يتم الكشف عن هوية أبو عبيدة الحقيقية مطلقًا. ورغم وجود صور مزعومة، فهو يرتدي دائمًا الزي العسكري، ووجهه مغطى بالكوفية.
لكنه أصبح بطلا بالنسبة للكثيرين في العالم العربي، حيث تردد اسمه في المسيرات المؤيدة لفلسطين وغُنيت الأغاني تكريما له. جعلته شهرته هدفاً للجيش الإسرائيلي: فقد تعرض منزله للقصف ثلاث مرات، في حين تعهدت إسرائيل بأن قناعه لن ينقذه من “مواجهة مصيره“. إن أقدميته في حماس – التي تصنفها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى على أنها جماعة إرهابية – أكسبته مكانًا على قائمة عقوبات واشنطن، إلى جانب قادة آخرين في الحركة الفلسطينية.
من هو أبو عبيدة وأين ولد؟
إن التفاصيل حول بداية حياة أبو عبيدة محدودة. في سنة 2005، أخبر أحد المراسلين أن الميليشيات الصهيونية طردت عائلته قسرا من فلسطين التاريخية في سنة 1948، ووصلت إلى قرية في قطاع غزة لم يذكر اسمها. وخلال المقابلة نفسها، أشار ضمنًا إلى أنه كان في أوائل العشرينات من عمره، مما يشير إلى أنه ولد في أوائل ومنتصف الثمانينات. ولم تكشف حماس قط عن اسم أبو عبيدة ووجهه وتفاصيله الشخصية.
وفي سنة 2014، قالت مصادر في الحركة إن عدداً قليلاً فقط من الأشخاص يعرفون هويته الحقيقية، وأبو عبيدة هو اسم مستعار استخدمه منذ ظهوره الأول خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي استمرت من سنة 2000 إلى سنة 2005. ومن المحتمل أن يكون اسمه إشارة إلى أبو عبيدة بن الجراح، أحد الصحابة المقربين للنبي محمد وقائد مسلم مشهور.
ما هو دور أبو عبيدة في حماس؟
كان أول ظهور معروف لأبي عبيدة بصفته المتحدث باسم كتائب القسام في سنة 2004. عقد مؤتمرا صحفيا في تشرين الأول/ أكتوبر من تلك السنة لتقديم آخر المستجدات في ساحة المعركة خلال الهجوم البري الإسرائيلي على شمال قطاع غزة. واستمر في العمل كمتحدث عسكري منذ ذلك الحين، حيث أجرى مقابلات إعلامية وأصدر خطابات مسجلة مسبقًا عبر موقع حماس الإلكتروني ومنصات أخرى على الإنترنت.
على هذا النحو، يعتبر أبو عبيدة الشخصية الأولى والوحيدة في حماس التي تتولى دور المتحدث العسكري، وهو جزء من المكتب الإعلامي للحركة، الذي تأسس رسميًا في سنة 2004. وغالبًا ما يرتبط ظهوره الإعلامي بالمواجهات العسكرية مع إسرائيل، فهو نادرًا ما يتحدث خارج نطاق الحرب.
ماذا قال أبو عبيدة؟
يتضمن أحد واجبات أبو عبيدة الرئيسية الإعلان عن الإنجازات العسكرية التي حققتها الحركة. وكان أول ظهور رئيسي له في سنة 2006، عندما أعلن عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. كما كان أول من أعلن عن أسر جندي آخر يدعى شاؤول آرون خلال الحرب الإسرائيلية على غزة سنة 2014، وكشف عن رقم بطاقة هويته في مقطع فيديو مسجل.
في البداية، نفى المسؤولون الإسرائيليون أن يكون آرون قد اختُطف، قبل أن يقولوا لاحقًا إنه قُتل على يد حماس وأن الحركة كانت تحتجز جثته. وتساءل أبو عبيدة “كيف يخفي العدو اختفاء الجندي شاؤول آرون ورقم هويته 6092065؟ هذا الجندي الآن أسير لدى حماس”.
خلال حرب 2014 أيضا، أعلن أبو عبيدة أن القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف نجا من محاولة اغتيال إسرائيلية، بعد تكهنات إعلامية كثيرة حول مصيره. وفي بعض الأحيان كان يدلي بتصريحات خارج زمن الحرب، كما حدث في سنة 2022 عندما علّق على إعادة اعتقال ستة سجناء فلسطينيين فروا من سجن إسرائيلي. وتعهد بأن حماس ستطلق سراح جميع السجناء الستة خلال صفقة تبادل الأسرى المستقبلية مع إسرائيل. وقال “كتائب القسام تقول بوضوح إنه مثلما حرر أبطال نفق الحرية أنفسهم من تحت الأرض هذه المرة، فإننا نعدهم وأسرانا الأحرار بأنه سيتم تحريرهم قريبا إن شاء الله من فوق الأرض”.
ما هو الدور الذي لعبه أبو عبيدة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر؟
جاءت بعض أهم خطابات أبو عبيدة بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر والحرب الإسرائيلية اللاحقة على غزة. وبعد يومين من بدء الحرب، حذّر في خطاب ألقاه من إعدام أسير إسرائيلي عن كل قصف إسرائيلي لمبنى سكني يأوي مدنيين أبرياء. ولكن لم يتم تنفيذ هذا التهديد قط. وبعد أيام، قال في خطاب آخر إن التخطيط لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر بدأ في سنة 2021، بعد حرب تلك السنة التي استمرت 11 يومًا من شهر أيار/ مايو. وأضاف أن نحو 4500 عنصر من التنظيم شاركوا في تنفيذ العملية، بينهم 3000 شاركوا على الأرض.
كما تحدث أبو عبيدة بالتفصيل عن أهداف العملية التي أطلق عليها اسم “عملية طوفان الأقصى”. وقال إن الهدف الرئيسي هو تدمير “فرقة غزة” في الجيش الإسرائيلي، والتي تعد جزءًا من قيادته الجنوبية. وشملت الأهداف الأخرى مواقع عسكرية تابعة للفرقة وخارجها، بما في ذلك داخل 22 كيبوتسًا يحيط بقطاع غزة، وذلك حسب أبو عبيدة.
وقال خلال كلمته إن “الخداع الاستراتيجي والتخطيط العسكري والتنفيذ المبهر للعملية صدم هذا العدو”. وأضاف: “العدو يعلم أنه تعرض لفشل استراتيجي خطير. وبعد هذا الفشل المدوي وغير المسبوق، يرتكب الآن أفظع الجرائم ضد المدنيين الأبرياء”.
وألقى أحد خطاباته الأكثر شهرة في 28 تشرين الأول/ أكتوبر عندما انتقد الزعماء العرب لعدم قدرتهم على جلب المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقال، لا سمح الله، أن يطلب الفلسطينيون من الحكام العرب التدخل عسكرياً في غزة – لكن عدم قدرتهم على جلب حتى إمدادات الإغاثة فاجأ حماس. وأصبحت عبارة “لا سمح الله” فيما بعد شعارًا يستخدمه العرب على نطاق واسع للإشارة إلى عدم رغبة دولهم في التدخل ضد الهجمات الإسرائيلية.
لماذا يغطي أبو عبيدة وجهه بالكوفية الحمراء؟
في كل المرات التي ظهر فيها، يرتدي أبو عبيدة دائمًا الزي العسكري مع تغطية وجهه، مما أكسبه لقب “الملثم” في العالم العربي. ومنذ صعوده إلى الشهرة، كان وجههه مغطى دائمًا بالكوفية.
لطالما استخدم أعضاء حماس الكوفية الحمراء كغطاء للوجه، بما في ذلك القائدان الأولان للحركة، ياسر النمروتي وعماد عقل، اللذين قتلتهما القوات الإسرائيلية في سنة 1993. كما قام محمد ضيف، القائد العام الحالي، بتغطية وجهه بكوفية حمراء في آخر ظهور إعلامي معروف له، والذي نُشر سنة 2005.
ما هو رأي العالم العربي في أبو عبيدة؟
لقد اكتسب أبو عبيدة، الذي يُنظر إليه باعتباره رمزاً للمقاومة الفلسطينية، مكانة أشبه بالبطل في العالم العربي، حيث تتمتع حماس بدعم واسع النطاق. وقد ساهمت خطاباته النارية والبليغة، ولهجته الواثقة وهويته المتخفية، في زيادة شعبيته. وغالباً ما تكون كلماته مدعومة بأدلة فيديو لهجمات حماس على أهداف إسرائيلية، مما يعزز مصداقيته وثقة الجمهور في تصريحاته.
في جميع أنحاء المنطقة، كانت خطاباته متوقعة على نطاق واسع: حيث تتم مقاطعة حفلات الزفاف حتى يتمكن الضيوف من الاستماع إليها، في حين غالبًا ما يظل الأطفال ملتصقين بشاشاتهم طوال الوقت. حتى أن خطاب أبو عبيدة لفت انتباه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حاكم قطر السابق، خلال مباراة كرة قدم بين فلسطين وإيران. وهناك أيضا الأغاني التي تتضمن كلمات مثل “يا أبا عبيدة الإرادة قوية وكلامك رصاص”.
كيف تنظر إسرائيل إلى أبو عبيدة؟
يشاهد الجمهور الإسرائيلي بانتظام خطب أبو عبيدة وتصريحاته حيث تظل هويته موضع تكهنات. وخلال الحرب على غزة سنة 2014، نشر موقع “واينت” الإخباري الإسرائيلي اسم “حذيفة سمير عبد الله الكحلوت” وصورة زعم أنها لأبو عبيدة. ولكن حماس نفت هذا التقرير. وقال موقع “واينت” إن محاولة الكشف عن هويته تشير إلى الرغبة في “إزالة الهالة المحيطة به” باعتباره أحد أكثر الشخصيات نفوذا في حماس.
وتم نشر نفس الصورة والاسم مرة أخرى في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 من قبل أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الناطق باللغة العربية. وقال أدرعي في منشور على موقع إكس: “لقد حان الوقت للتوقف عن التستر. فالكمامة والكوفية لن تساعدكم ولا تنظيمكم على الاختباء من الضربات التي تتلقونها ومن المصير الذي سيواجهه من بقي منكم”. وأرفق أدرعي مقطع فيديو يبدو أنه تم تعديله، ويظهر فيه نفس الصورة التي تم نشرها لأول مرة سنة 2014
وحسب تقرير موقع “واينت”، تعرض منزل أبو عبيدة، الذي يُزعم أنه يقع في جباليا، للقصف ثلاث مرات في سنة 2008، 2012 و2014. وذكر أيضا أنه حصل على درجة الماجستير في الدراسات الدينية من الجامعة الإسلامية في غزة في سنة 2013 وكان يستعد للحصول على درجة الدكتوراه. ولم يتسن لموقع “ميدل إيست آي” التحقق من أي من التفاصيل المنشورة حول أبو عبيدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
لماذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أبو عبيدة؟
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أبو عبيدة في نيسان/ أبريل 2024، ووصفته بأنه “قائد حرب المعلومات” في حماس. ونسبت إليه وزارة الخزانة قيادة “قسم التأثير السيبراني لكتائب القسام”، وأضافت أنه شارك في “شراء خوادم ومجالات في إيران لاستضافة الموقع الرسمي لكتائب القسام بالتعاون مع مؤسسات إيرانية”. ومن جهتها، لم تعلّق حماس على العقوبات الأمريكية والتأكيدات بشأن أنشطة أبو عبيدة المزعومة.
المصدر: ميدل إيست آي