في لقاء لها بمؤسسة لفقيه التطواني للآداب والعلوم بمدينة سلا غرب البلاد، قالت بسيمة الحقاوي وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية إن من يملك دولارين في المغرب “ليس فقيرًا”، مستندةً في ذلك إلى تقارير للمندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة أبحاث حكومية بالمغرب، الأمر الذي اعتبره العديد من المغاربة “مستفزًا” ومحاولة واهية لإيهام الناس بالقضاء على ظاهرة الفقر المنتشرة في المملكة.
جدل كبير
هذا التصريح كان كفيلاً بخلق موجة رفض كبيرة، وانتقادات لاذعة للحقاوي من طرف نشطاء ومدوِّنين مغاربة، اعتبروا تصريح الوزيرة بحكومة سعد الدين العثماني وقبلها بحكومة عبد الإله بنكيران، “منفصلاً عن الواقع الذي يعيشه عدد كبير من المغاربة”.
https://www.youtube.com/watch?v=6u_FfIpUPAM
ما زاد من حدة الرفض الشعبي لهذه التصريحات أنها ليست الأولى الصادرة عن هذه الوزيرة عن الفقر وحده الأدنى؛ حيث سبق أن قالت في كلمة لها في أبريل/نيسان 2016، حين كانت تجيب عن سؤال مستشار معارض بإحدى جلسات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، إن عتبة الفقر المطلق في المغرب انتقلت من 3.5% إلى 0.3%.
https://www.youtube.com/watch?v=HTrRccrYGfw
قالت الوزيرة، وفق شريط فيديو نشر في موقع اليوتيوب يوثق كلمتها: “أتحدث بلغة الأرقام لا الانطباعات، والمندوبية السامية للتخطيط لم تعُد تعتمد على مدخول دولار واحد كمرجعية، بل تقدر الفقر المطلق بـ2.4 دولار”، مؤكدةً بالقول: “مما يعني أنه لم يبق هناك من مغربي يعاني الفقر في حدود عتبة دولار واحد ولا حتى دولارين، وهذا تقدُّم كبير يجب ألا نُنكِره”، وفق تعبيرها.
تفاوت طبقي
في أحدث تقرير لها، وضعت منظمة “أوكسفام” البريطانية غير الحكومية، المملكة المغربية في صدارة دول شمال إفريقيا على مستوى “اللا مساواة بين الأغنياء والفقراء“، حيث أكّد التقرير وجود تفاوتات متفاقمة بين الأغنياء والفقراء في المغرب، مبرزًا، في هذا الصدد، أن مستوى عيش أغنياء المملكة يضاعف مستوى فقرائها بـ12 مرة، معتبرًا أن هذه الفجوة لم تنخفض منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي.
وكشف التقرير الذي صدر يوم الإثنين قبل الماضي بعنوان “تقاسُم الثروة مع الذين يخلقونها”، أن ثروة أغنى أغنياء المغرب الثلاث الأوائل، وهم عثمان بنجلون وعزيز أخنوش وأنس الصفريوي، المقدرة بـ4.5 مليار دولار في السنة الواحدة تعادل استهلاك 375 ألف من فقراء المغرب في الفترة نفسها.
يرجع هذا التفاوت الطبقي والاجتماعي والمجالي في المملكة المغربية، حسب عديد من الخبراء، إلى النموذج السياسي الذي اعتمدته المملكة منذ استقلالها
في وقت سابق، وضعت مجلة “فوربس” الأمريكية 3 مغاربة ضمن لائحة تضم 20 مليارديرًا في القارة السمراء لسنة 2017، وحل عثمان بنجلون وعزيز أخنوش وأنس الصفريوي ضمن 20 مليارديرًا، وقد حلوا تواليًا في الرتب 12 و16 و18 إفريقيًا حسب تصنيف المجلة الأمريكية، وتزّعم عثمان بنجلون مالك مجموعة “BMC”البنكية، أثرياء المغرب بثروة قدرت بـ1.94 مليار دولار، ويتبعه عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (وزير الفلاحة والصيد البحري) بـ1.45 مليار دولار، فيما احتل رجل الأعمال وإمبراطور العقارات في المملكة أنس الصفريوي الرتبة الثالثة ضمن أثرياء المغرب والـ18 إفريقيًا بثروة بلغت 1.05 مليار دولار حسب القائمة التي أعلنتها “فوربس”.
فيما أشارت العديد من التقارير الدولية الأخرى إلى وجود 4900 مليونير مغربي استنادًا إلى معيار امتلاك مليون دولار للشخص، مما جعل المغرب يتبوأ المرتبة الـ3 في المنطقة المغاربية والـ9 إفريقيا، ويتوقع تزايد عدد الأثرياء المغاربة من صنف المليونيرات إلى 7100 مليونير في أفق سنة 2020، بما يعني تزايد حجم ثروة هذه الفئة.
ارتفاع عدد أغنياء المغرب
يرجع هذا التفاوت الطبقي والاجتماعي والمجالي في المملكة المغربية، حسب العديد من الخبراء، إلى النموذج السياسي الذي اعتمدته المملكة منذ استقلالها الذي كان بمثابة الحاجز أمام عمليات التنمية، الذي ما فتئ يولد الإقصاء والتفقير في حق عدد كبير من مواطني المملكة، خاصة أنه يهدف إلى تكوين مجموعات مالية مرتبطة بالسلطة السياسية وتلبية احتياجات هذه المجموعات.
1.6 مليون فقير لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء في المملكة
التقرير الجديد لمنظمة “أوكسفام” البريطانية الذي سلّط الضوء، على واقع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب، أكّد وجود 1.6 مليون مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر المدقع في البلاد، حيث لا ينالون كفايتهم من الغذاء، وغير قادرين على الحصول على الضروريات الأساسية، رغم انخفاض معدلات الفقر في البلاد من 15.3% سنة 2001 إلى 4.8 % عام 2014.
فيما أكّد التقرير أيضًا وجود 4.2 مليون شخص مهددون بالفقر معظمهم في المناطق القروية، معتبرًا أن غياب المساواة بين المواطنين المغاربة يتجسد في فوارق الأجور، وعدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم وغياب المساواة بين المرأة والرجل.
حذّرت العديد من التقارير المحلية والدولية من تنامي موجة الاحتجاجات الشعبية في المغرب بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
وكشف التقرير أيضًا، أن واحدًا من اثنين من المغاربة لا يتجاوز دخله الشهري 966 درهمًا (نحو 100 دولار)، بمعدل سنوي لا يتجاوز 11 ألف و589 درهم (1200 دولار)، وأفاد التقرير أن “نصف سكان المناطق القروية في المغرب يعيشون بدخل سنوي لا يتجاوز 8678 درهمًا (نحو 870 دولارًا)، وأوضح أن معدلات البطالة في هذه المناطق تصل إلى 55%.
قبل ذلك أظهر مؤشر الجوع العالمي لسنة 2016 الذي يصدره المعهد الدولي للبحوث السياسية التابع للأمم المتحدة، أن 4.4% من مجموع سكان المغرب يعانون نقصًا في التغذية، و2.3% من الأطفال دون سن الـ5 سنوات يعانون من الهزال الناتج عن ضعف التغذية، بينما 14.9% من الأطفال دون الـ5 يعانون من التقزم، و2.8% من الأطفال الرضع تحت معدل الوفيات.
أبرز نتائجه.. انتشار الاحتجاجات في البلاد
ارتفاع حدة الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء وارتفاع نسب الفقر في المملكة، كان أبرز الأسباب التي أدّت إلى اندلاع احتجاجات شعبية في العديد من مناطق المملكة، تطالب بالتنمية الاقتصادية وبتحقيق مطالب “العدالة الاجتماعية”.
وعرف المغرب السنة الماضية وبداية السنة الحاليّة موجة احتجاجات وتحركات، بداية من حراك الريف، حيث تشهد مدن الشمال احتجاجات متواصلة للمطالبة بالتنمية ورفع التهميش ومحاربة الفساد، وصولاً إلى احتجاجات منطقة “جرادة”، مرورًا بـ”حراك العطش”، في مدينة زاكورة، للمطالبة بتوفير الماء الصالح للشرب في المنطقة التي تعاني منذ فصل الصيف نقصًا شديدًا في المياه، فضًلا عن الانقطاعات المتكررة.
احتجاجات متكررة في مناطق مختلفة من المغرب
في هذا الإطار، حذّرت العديد من التقارير المحلية والدولية من تنامي موجة الاحتجاجات الشعبية في المغرب بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ صنفت المملكة من الدول العربية المرشحة لأن تشهد اضطرابات محتملة، وأشار تقرير صادر عن منظمة العدل والتنمية لدراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى أن عامل الاقتصاد سيكون المحور الأساسي للحركية الاجتماعية المحتملة، خاصة مع ارتقاء وعي المواطنين الجمعي، وإعلان رغبتهم في القطيعة المطلقة مع مشاكل الفساد والبطالة والتهميش التي تعانيها فئات شعبية عريضة.
هذه الأرقام الخاصة بنسب الفقر والتفاوت الطبقي والاجتماعي، فضلاً عن الاحتجاجات المتواصلة في مدن وقرى المغرب، من شأنها أن تعمّق أجواء الاحتقان الاجتماعي الذي تعيش على وقعه المملكة المغربية، وأن تفضح زيف الادعاءات التي تروّج لها السلطات وإعلامها في خصوص “الاستثناء المغربي”.