لا يخفى على أحد بعد 7 سنوات من الثورة السورية التضحيات التي قدمها الشعب السوري جبرًا واختيارًا لأجل مناداته بالحرية والكرامة في وطنه، واللتان خاض في سبيلهما الشعب المعارك تلو المعارك إلى أن وصل لهذه النقطة الراهنة.
السيناريوهات التي خاضها السوريون وخاصة جانب المعارضة الحقيقية غير المصنعة هنا أو هناك كانت تزداد قتامة يومًا بعد يوم، إذ لا ينبغي دفن الرؤوس في التراب، لأن المشهد الحالي في سوتشي أو في غيرها لم يكن لولا تآكل الحالة الثورية من الداخل قبل العدوان عليها من الخارج لأنها كان المتوقع أن تُقابل الثورة بهذا الإجرام.
ولكن ما لم يكن في الحسبان هو أن تتحول تلك المعارضة بأدائها المتخبط إلى وسيلة مساعدة للنظام السوري وحلفائه من دون أن تدري، إذ أدت إلى هزائم سياسية أكثر فداحة ربما من الهزائم العسكرية التي ربما يكون لها حسابات مختلفة.
المشهد التفاوضي هذا يحدث فيه من الإجرام الكثير، بداية من نجاح الروس في الاستئثار مرحليًا بمصير المشهد السوري، في مقابل ضعف وتخبط الإدارة الأمريكية والفواعل الأوروبية التي اكتفت بمقاطعة سوتشي
هذا المشهد ربما هو الذي وصل بالمعارضة لحالتها مع سوتشي في هذه الآوانة الأخيرة، إذ تتعامل روسيا معها بمبدأ “عدم الوجود” وتتجاهل إعتراضاتها، وهنا لا أتكلم عن المعارضة التي تتحدث من مدخل ثوري فقط، بل حتى الوفود التي قررت الحضور إلى سوتشي لم يأبه الروس لتحفظاتها على شعار المؤتمر الذي يحوي علم النظام السوري، ولم تقبل روسيا باعتراضاتهم الشكلية، فما الذي يمكن أن يحدث عند الحديث عن قضايا أكثر أهمية سياسية أو عسكرية.
على الجميع في المعارضة السورية أن يفكروا كيف وصل بهم الحال في المعادلة إلى هذا الوضع، وعليهم أن يقيموا تحالفاتهم الخارجية التي حرقت ما تبقى من الثورة، وهل معادلاتهم الصفرية السابقة أتت أُكلها، وهل المسير في ركاب الرياض ومؤتمراتها كان الخيار الأصوب، أم إن لحظة سوتشي بدأت من الرياض وأخواتها.
بالطبع سيختلف وضع التعامل من مستوى القوة وامتلاك الأوراق والمساحات الجغرافية والسياسية عن منطق التعامل من مستوى الهزيمة ومحاولات الإخضاع، فقد كان لدى المعارضة في السابق ما تتفاوض به وما ترفض وتفرض به، لكنها لم تحسن إدارة حجمها في المعادلة شديدة التعقيد.
بينما الآن الوضع ليس فقط مجرد هزيمة أو محاولات تركيع من جانب النظام ومن خلفه روسيا وإيران بقدر ما هو اختبار جديد لهذه المعارضة بمختلف تياراتها، هل سيحسنوا إدارة المشهد بمعطياته الجديدة ونقاط القوة التي فقدوها يومًا بعد يومًا لصالح الجبهة الروسية الدموية التي تريد فرض مشهد واحد للتسوية دون السماح بالاعتراض أو التعديل.
على المعارضة السورية وأنصارها الخروج من التيه الحالي، ومحاولة وضع برنامج إنقاذ دون شعارات عنترية للتعامل بنفس مستوى هذه المرحلة الهشة، القابلة للانهيار،
كيف ستضغط المعارضة على الدول التي تظنها “حليفة” لرفض هذا المشهد العبثي، الذي يُريد من السوريين الإذعان وليس من معارضتهم فقط، ولكن المعضلة الأكبر التي تقابل السوريين الآن، أن هناك من فُرض عليهم للتفاوض باسمهم في ظل موقف الضعف هذا، بالرغم من فشله وقتما كان يملك من الأدوات والآليات الكثير.
المشهد التفاوضي هذا يحدث فيه من الإجرام الكثير، بداية من نجاح الروس في الاستئثار مرحليًا بمصير المشهد السوري، في مقابل ضعف وتخبط الإدارة الأمريكية والفواعل الأوروبية التي اكتفت بمقاطعة سوتشي، وكذلك الوضع الميداني السائل الذي تخوض فيه تركيا (أحد أطراف سوتشي) معركة خاصة في الشمال السوري، مما يجعل أصلا إقامة المؤتمر في ظل هذا الوضع الهش استخفاف من روسيا بالجميع، وانتصارًا فقط لقوتها على الأرض التي تسحق السوريين من السماء.
أمام هذا الوضع على المعارضة السورية وأنصارها الخروج من التيه الحالي، ومحاولة وضع برنامج إنقاذ دون شعارات عنترية للتعامل بنفس مستوى هذه المرحلة الهشة، القابلة للانهيار، ولكن حينها بدون استعداد سيكون الخروج من مأزق سوتشي لمأزق جديد سيكون في مدينة جديدة لا نعرف مكانها.