أثارت فتوى للمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر تحرم الهجرة غير الشرعية، جدلاً في البلاد بالنظر إلى إنها ركزت على إدانة فاعلها، ولم تتطرق إلى حكم من يكون سببًا في لجوء الشباب للهجرة غير القانونية في بلاد تعرف في الفترة الأخيرة نسبًا عالية من السفر عبر قوارب الموت نحو أوروبا.
وإن كان هذا التحريم ليس بجديد عند فقهاء الدين، بالنظر إلى أن الإسلام دين يدعو إلى عدم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، لأن الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط تكون في كثير من الأحيان نهايتها مأساوية، إلا أن استعانة الحكومة بالحل الديني لمواجهة هذه الظاهرة بدل البحث عن حلول ميدانية لها أثار الاستهجان عند بعض الأطراف الذين يرون “الحراقة” ضحايا وليسوا مجرمين.
ويطلق الجزائريون على الهجرة غير الشرعية اسم “الحرقة” لأن المهاجرين عبر زوارق الموت يحرقون جميع وثائقهم حتى لا يتم التعرف على البلد الذي جاؤوا منه عندما يصلون إلى أوروبا ولا يعاد ترحيلهم.
جدل
أثارت فتوى المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر التي تحرّم الهجرة غير الشرعية وأيدتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، جدلاً في البلاد، وأكد وزير الشؤون الدينية محمد عيسى أن مصالحه تؤيد فتوى المجلس الإسلامي الأعلى التي اعتبرت أن الهجرة غير الشرعية حرام شرعًا، وقال عيسى: “المجلس الإسلامي الأعلى، وهو أعلى سلطة إفتاء في الجزائر، أفتى بتحريم هذه الظاهرة”.
أثارت هذه الفتوى حفيظة الجزائريين، ودعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، المجلس الإسلامي الأعلى ووزارة الشؤون الدينية إلى إصدار فتوى أخرى تبين حكم من يتسبب في دفع شباب الجزائر إلى عبور البحر عبر قوارب غير آمنة
وأوضح نور الدين محمدي مدير التوجيه الديني والخطاب المسجدي بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن الوزارة تؤيد فتوى المجلس الإسلامي الأعلى بتحريم “الحرقة”، بالنظر إلى أن العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية جاءت بتحريم الإلقاء بالأنفس إلى التهلكة وإذلال نفس المسلم، وهو ما يتجلى حسبه في العشرات من الشباب الغرقى في حوض المتوسط.
وتأسف محمدي لما يتعرض له الناجحون في الوصول إلى الضفة الأخرى من الإهانة والإذلال بمراكز احتجاز المهاجرين غير الشرعيين في أوروبا، ودعا محمدي أئمة المساجد وخطباء الجمعة للتحذير من عواقب الهجرة غير الشرعية وأثرها على المجتمع الجزائري والأسر الجزائرية.
ما حكم المتسبب في الهجرة؟
أثارت هذه الفتوى حفيظة الجزائريين، ودعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي المجلس الإسلامي الأعلى ووزارة الشؤون الدينية إلى إصدار فتوى أخرى تبين حكم من يتسبب في دفع شباب الجزائر إلى عبور البحر عبر قوارب غير آمنة للوصول إلى أوروبا.
ويختار بعض الجزائريين كغيرهم من الشباب العربي والإفريقي العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط، هربًا من الأوضاع الاجتماعية التي يعيشونها، خاصة غياب مناصب العمل، فقد وصلت نسبة البطالة في البلاد إلى 11% وترتفع وسط الشباب حتى أكثر من 20%، حسب إحصاءات رسمية، في حين يرى متابعون لسوق الشغل في الجزائر أن النسبة الحقيقية تفوق تلك الأرقام المقدمة من طرف السلطات الرسمية.
تشير إحصاءات لقيادة حرس السواحل التابعة للقوات البحرية التي تنشرها في موقعها الرسمي يوميًا إلى إحباط محاولات هجرة غير شرعية لـ3109 أشخاص في2017، من بينهم 168 امرأةً و840 قاصرًا
كما تساهم عوامل ضبابية الأفق السياسي وتدني مستوى التعليم والخدمات الصحية والنشاط الاقتصادي في اختيار الجزائريين السفر للخارج حتى ولو كان على متن قارب قد لا يوصل صاحبه إلى القارة العجوز.
ودعا الجزائريون الهيئات الدينية إلى دعوة المسؤولين المباشرين عن تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى العمل للقضاء على أسبابها، وليس الاكتفاء بتحريمها فقط.
وقال هواري قدور المكلف بالملفات الخاصة في الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان إن الظروف المتحكمة في الهجرة تزداد يومًا بعد يومٍ في الجزائر، والراغبون في الهجرة يبحثون عن ظروف حياة كريمة.
ودعا الحكومة الجزائرية إلى توفير فرص العمل للشباب مع ضمان العدالة في الأجور، وفتح مجالات لاستثمار المؤهلات الشبابية كالنوادي الثقافية والجمعيات، وتحفيز الشباب على المشاركة في الحياة السياسية وتبني الخطط اللازمة والفاعلة للنهوض بالتعليم.
الإحصاءات تتحدث
تشير الأرقام التي بحوزة الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان التي استقتها من إحصاءات لقيادة حرس السواحل التابعة للقوات البحرية التي تنشرها في موقعها الرسمي يوميًا إلى إحباط محاولات هجرة غير شرعية لـ3109 أشخاص في2017، من بينهم 168 امرأةً و840 قاصرًا.
ويعتقد محمود جنان الأمين الوطني المكلف بالجالية والعلاقات الخارجية للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن إحصاءات حرس السواحل التابعة للقوات البحرية لا تعكس العدد الحقيقي للمهاجرين عبر زوارق الموت.
هذه الأرقام مرشحة للارتفاع، في ظل عدم تقديم الحكومة حلول ناجعة لمعالجة الظاهرة
وقال جنان إن العدد الحقيقي للمهاجرين غير الشرعيين يفوق سنويًا أكثر من 17500 شخص نجحوا في الوصول إلى الشواطئ الإسبانية والإيطالية، ثم توزعوا عبرها نحو مختلف الدول الأوروبية، ويضاف إليهم عشرات المفقودين الذين غرقوا في البحر.
وتعترف الرابطة أنها لا تملك إحصاءات دقيقة بشأن الجزائريين الموجودين في مراكز تجميع اللاجئين في أوروبا، لكنها تشير إلى أن تقارير المنظمات غير الحكومية تقول إن عددهم قد يصل إلى قرابة 17700 شخص، وبحسب الرابطة، ترحل الدول الأوروبية سنويًا أكثر من 5000 جزائري من المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم.
وتقول الرابطة إن مهربي المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر الأبيض المتوسط يجنون نحو 6.8 مليار دولار سنويًا ونحو 60 ألف دولار أسبوعيًا، حيث يقدر سعر “تذكرة” الهجرة غير الشرعية للشخص الواحد بين ألف إلى 10 آلاف دولار، وتختلف الأرقام حسب الدولة المصدرة للمهاجرين.
وبرأي مراقبين، فإن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع، في ظل عدم تقديم الحكومة حلول ناجعة لمعالجة الظاهرة التي لن توقفها فتوى حتى لو كانت موجهة لمجتمع أكثر من 99% من سكانه مسلمون.