بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم، زيارة لدولة تونس تستمر إلى يوم غدٍ، وفضلاً عن الملف السياسي ودعم الديمقراطية التونسية، من المنتظر أن يتصدر الملف الاقتصادي والأمني سلم أولويات هذه الزيارة الأولى لماكرون منذ توليه منصب الرئاسة الفرنسية سنة 2017 لهذه الدولة العربية.
انتظار الدعم الاقتصادي الفرنسي
هذه الزيارة من المنتظر أن تتوّج بمنتدى اقتصادي مشترك هو الأول من نوعه يقام غدًا، بحضور أكثر من ألف مشارك يمثلون أكبر المجموعات الاقتصادية الفرنسية من إيرباص وبيجو وأورانج والوكالة الفرنسية للتنمية، ورؤساء مؤسسات فرنسية وتونسية وخبراء من العالم الرقمي والمالي والاقتصاد والإعلام.
وتأمل تونس أن تسفر زيارة ماكرون وتنظيم هذا المنتدى عن مزيد من الدعم الفرنسي لها، خاصة أن الرئيس ماكرون يرافقه أكثر من 200 رجل أعمال بينهم رئيسي مجلس إدارة “أورانج” للاتصالات ستيفان ريشار وشركة “فري” كزافييه نيل.
تبلغ قيمة الدين التونسي لفرنسا 1.3 مليار يورو بالقيمة الإسمية
يرى خبراء أن زيارة ماكرون قد تسهم في معالجة ملف الديون الفرنسية المتراكمة لدى تونس، حيث تطالب تونس منذ سنوات بإعادة جدولتها وبتحويلها إلى استثمارات في البلاد، فضلاً عن تشجيع الاستثمارات الفرنسية في تونس ودعم قطاع السياحة الذي شهد انتعاشًا نسبيًا مؤخرًا.
يُشار أن حجم الدين الخارجي لتونس بلغ 28.7 مليار دولار في 2016، مرتفعًا من 13.4 مليار دولار في 2010، وفقًا للبيانات الرسمية، بينما تبلغ قيمة الدين التونسي لفرنسا 1.3 مليار يورو بالقيمة الإسمية، وتمثل فرنسا 50% من الديون الثنائية التونسية، وهي بهذا أكبر دائن لتونس.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف زار تونس في أبريل/نيسان الماضي ووقع معها عددًا من الاتفاقيات بلغت قيمتها نحو 165 مليون يورو هدفت إلى دعم تونس في مجالات عدة، كما تم تحويل 30 مليون يورو من ديون تونس المستحقة لفرنسا إلى استثمارات لتمويل مشروع مشفى في قفصة جنوب البلاد بقيمة 20 مليون يورو وتطوير قطاع التعليم والتدريب بـ10 ملايين يورو.
هذه الزيارة سبقتها زيارة رئيس الحكومة الفرنسية لتونس
قبل توليه سدّة الرئاسة، كان ماكرون قد صرّح قائلاً قبيل انعقاد مؤتمر الاستثمار الدولي بتونس العام قبل الماضي إنه لو كان رئيس فرنسا لاستدعى لهذا الملتقى كبار الصناعيين الفرنسيين لإثراء الانتقال الديمقراطي بتونس ولبذل كل ما في وسعه لإسقاط الكثير من ديون تونس لفرنسا”، كما وعد حينها في حوار لبرنامج الماتينال على أمواج إذاعة “إكسبريس إف إم” التونسية، بأنه في حالة فوزه في الانتخابات الرئاسية، سيعمل على إعادة جدولة الديون التونسية وتحفيز المؤسسات الفرنسية على الاستثمار في تونس، إلى جانب تنظيم مؤتمر دولي عن ليبيا.
والأسبوع الماضي، أعلن وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي قائلاً: “نتوقع الكثير من فرنسا كونها أول شريك اقتصادي وسياسي لنا خصوصًا زيادة الاستثمارات، لأن تونس قامت بإصلاحات لتكون بلدًا أكثر جاذبية”، ووقعت تونس إبان مؤتمر الاستثمار “تونس 2020” الذي أقيم في تونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، اتفاقيات في شكل قروض مع فرنسا بقيمة 1.25 مليار دولار، وذلك على امتداد 4 سنوات، إلى جانب 420 مليون دينار اتفاقيات تمويل بشروط ميسرة، ومنحة تقدر بحدود 25 مليون دينار.
وقعت تونس إبان مؤتمر الاستثمار “تونس 2020” الذي أقيم في تونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، اتفاقيات في شكل قروض مع فرنسا بقيمة 1.25 مليار دولار
تعد فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس، حيث بلغت المبادلات التجارية السنوية بين البلدين سنة 2015، 8.5 مليار دولار، وتعتبر فرنسا أول مورد لتونس بنسبة 16.3% من إجمالي الواردات وأول مستورد بنسبة 28.7% من إجمالي الصاردات، كما تعد فرنسا المستثمر الأجنبي الأول في تونس، إذ تجاوزت قيمة الاستثمارات الفرنسية المباشرة في تونس 90 مليون يورو، 90% منها تعد في المجال الصناعي موفرة نحو 4000 فرصة عمل.
وحسب بيانات الغرفة التجارية التونسية الفرنسية، يبلغ عدد المؤسسات الفرنسية أو ذات المساهمة الفرنسية العاملة في تونس 1349 مؤسسة، بنسبة 40% من إجمالي الشركات الأجنبية بحجم استثمارات 3 مليارات دينار (1.25 مليار دولار)، وتتركز الاستثمارات الفرنسية في قطاع الصناعة والخدمات بنحو 711 مؤسسة، وتوفر نحو 135 ألف فرصة عمل.
الملف الليبي
فضلاً عن الملف الاقتصادي ودعم الاستثمار في البلاد، ستكون المسائل الأمنية ومكافحة الإرهاب في صدارة مباحثات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تونس، خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي الذي يهم باريس وتونس كثيرًا.
وتتجه الدبلوماسية الفرنسية بعد انتخاب ماكرون رئيسًا إلى رسم نهج جديد في التعاطي مع الصراع في هذا البلد الذي كان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي المهندس الأساسي في شن حملة عسكرية غربية عليه، من خلال لعب دور مباشر في البحث عن حل للأزمة هناك، وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أكد في مقابلة مع صحيفة “لوموند” في مطلع يونيو/حزيران الماضي أن ليبيا أولوية بالنسبة للرئيس الفرنسي.
ويسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعادة الدور الفرنسي في المنطقة وتسجيل نقاط على حساب باقي الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي، وذلك لضمان موطئ قدم واضح وثابت على مستوى الملف الليبي، كما أن باريس تسعى من خلال هذا الملف إلى العودة لشمال إفريقيا والإمساك بزمام الأمور هناك بعد أن غابت سنوات عنها واستعادة دور فقدته في المنطقة.
يسعى ماكرون لدعم نفوذه في ليبيا انطلاقًا من تونس
يذكر أن الدور الفرنسي كان حاضرًا وبقوة في الشأن الليبي في عهد ساركوزي، فكان لفرنسا دور كبير في حصول أغلبية في مجلس الأمن للقرار 1970، الذي كانت هي أيضًا وراءه، كما أن الدور الفرنسي كان حاضرًا منذ بدء الأحداث في بنغازي ومصراتة، وكذلك قيام فرنسا بالضربات الأولى على ليبيا واعترافها الرسمي كأول دولة بالمجلس الانتقالي.
وتعتبر تونس مركز انطلاق نحو ليبيا التي تعاني من أزمات حادة شملت جميع مناحي الحياة هناك وأثرت عليها سلبًا، مما أدى إلى انتشار ظاهرتي الإرهاب والهجرة السرية اللتين من الممكن أن تهددا الأمن القومي الفرنسي.
وسبق أن عبر عدد من السياسيين التونسيين عن تفاؤلهم بانتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا جديدًا لفرنسا، ودعوا إلى فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين خاصة فيما يتعلق بالمواضيع الاقتصادية ومكافحة الإرهاب واستقرار الوضع في ليبيا.