نشرت مجلة “نيتشر أيكولوجي آند أيفوليوشن” الأمريكية ورقة بحثية عن اكتشاف فريق لديناصور في الصحراء الغربية في مصر، تعود بقاياه إلى حقبة تاريخية مهمة ما بين 66 إلى 100 مليون سنة من تاريخ القارة الإفريقية، وهي الفترة المسماة بالعصر الطباشيري المتأخر الذي يعد من أهم العصور في تاريخ علم الحفريات الفقارية لوجود بعض الألغاز التي لم يستطع العلماء فك شيفرتها، مثل التطورات الجيولوجية التي طرأت على طبيعة الأرض وحركة الديناصورات في إفريقيا.
في نهاية عام 2013، وجد الفريق الباحث الحفرية الأولى من الديناصور، والمثير للاهتمام في الحكاية أن الاكتشاف حدث بأيدٍ مصرية، وهذا على العكس من الديناصورات الخمس المكتشفة سابقًا في مصر، فلقد توصل عالم الأحافير الألماني أرنست سترومر إلى أربع ديناصورات، بالإضافة إلى الديناصور الخامس الذي اكتشفه فريق أمريكي من جامعة بنسلفانيا عام 2001، كما اعتاد العلماء الأجانب أخذ جميع هذه الحفريات إلى خارج مصر، إلا الديناصور الخامس والديناصور الحاليّ.
حكاية الديناصور “منصوراصورس”
سمي بـ”منصوراصورس” من قبل الفريق المكتشف له الذي يضم مدير مركز جامعة المنصورة للحفريات هشام سلام وعدد من طالبات الدراسات العليا وهن الدكتورة إيمان الداودي وسناء السيد من جامعة المنصورة وسارة صابر من جامعة أسيوط، وخلال أيام طويلة مليئة بدراسة خرائط العصور القديمة والأبحاث التاريخية التي تعود لملايين السنين التي توثق الطبيعة الجغرافية في صحراء مصر الغربية، وبعد هذه الرحلة من جمع المعلومات قرر الفريق السفر إلى المنطقة لبدء العمل الميداني لمدة 21 يومًا.
وأخيرًا، نجح الفريق المصري في إيجاد أجزاء من هيكل الديناصور بنسبة 60%، مثل الجمجمة والفك السفلي والرقبة والفقرة الخلفية ومعظم عظام الكتف وجزء من القدم الخلفية وبعض الأضلع التي نقلت إلى مركز المنصورة للحفريات عام 2014 لدراستها وفحصها بدقة بالتعاون مع فريق من جامعة أوهايو بالولايات المتحدة، وتم التواصل معهم عن بعد من خلال السكايب، كما تم توفير التمويل للدراسة من المنح المقدمة من جامعة المنصورة، ومن قبل الجمعية الوطنية الجغرافية والمؤسسة الأمريكية للعلوم (نسف) ومؤسسة ليكي للعلوم، لذلك يعتبر جهدًا مشتركًا بين مؤسسات متعددة.
كشفت هذه الأجزاء المعدودة طبيعة هذا الديناصور النباتي، فهو ينتمي إلى التيتانوصورات العملاقة – أكبر الحيوانات البرية على الأرض وأكثرها شيوعًا – لكنه أصغر نسبيًا بالنسبة لحجمها وأقل وزنًا، إذ يبلغ وزنه نحو 500 كيلوغرام وطوله نحو 10 أمتار أي ما يعادل طول حافلة مدرسية، وهي من أنواع الديناصورات التي اعتادت على العيش قبل 15 مليون سنة.
ما أهمية هذا الاكتشاف؟
أما بشأن أهميته، فبحسب قول سلام قائد البحث، فإن المشروع يهدف إلى سد الفجوة الزمنية التي تبلغ 30 مليون سنة في السجل الأحفوري في العصر الطباشيري التي لا يُعرف عنها الكثير، وهذا الديناصور سيكون الدليل الأهم على وجود جسور برية بين إفريقيا وأوروبا قبل تشكل البحر الأبيض المتوسط، وأضاف “المثير بالأمر أنه لدينا الآن مجموعة من علماء الحفريات الفقارية المدربين تدريبًا جيدًا في مصر، مع سهولة الوصول إلى المواقع الأحفورية المهمة، ونحن نتوقع الاستمرار على هذه الوتيرة في السنوات القادمة”.
أي أنه سوف يساعد العلماء على فهم الطبيعة القديمة بين القارات عندما كان العالم كله عبارة عن قارة واحدة كبيرة تسمى بانجيا، وعندما كانت الكائنات الحية تتنقل بحرية دون حواجز وهذا في فترتي العصر الترياسي والجوراسي قبل الدخول في العصر الطباشيري الذي شهد انفصال القارات تدريجيًا إلى جانبين شمالي وجنوبي، وانقطاع تواصل حيوانات إفريقيا عن النصف الجنوبي، وهذه التغيرات تعرف العلماء الإجابة عن السؤال الذي يسأل كيف كانت علاقة الحيوانات في إفريقيا بالعالم الخارجي، وتنفي المعلومات التي تقول إن الديناصورات في إفريقيا كانت معزولة عن باقي البقع الجغرافية الأخرى.
هذا دليل بالغ الأهمية في علم الحفريات والأرض لأنه ملأ الثغرات الموجودة في سجل إفريقيا الأحفوري ويساهم في إثراء الدراسات عن تاريخ معالم تلك الفترة
ودليلًا على ذلك الشبه الكبير بين منصوراصورس وبقايا الديناصورات الأخرى في آسيا وأوروبا، وهذه التشابهات ترجح النظرية القائلة إنه كان هناك اتصالات برية بين أوروبا وإفريقيا وهذا دليل بالغ الأهمية في علم الحفريات والأرض لأنه ملأ الثغرات الموجودة في سجل إفريقيا الأحفوري ويساهم في إثراء الدراسات عن تاريخ معالم تلك الفترة.
وفي هذا الخصوص تقول دينا سميث ممولة لبعض البحوث التي أقيمت في هذا الدراسة: “اكتشاف الحفريات النادرة مثل هذا الديناصور يساعدنا على فهم كيفية انتقال الكائنات عبر القارات ويعطينا فهمًا أكبر للتاريخ التطوري للكائنات في المنطقة”.
ويعتقد البعض أن هذا الاكتشاف فرصة ذهبية لمصر للازدهار في مجال البحث العلمي عامة وجذب التمويلات لمراكز الأبحاث المهتمة في تطوير الجوانب العلمية، كما يعتبر عاملاً محفزًا لبقية الطلاب والباحثين المصريين للاستمرار في الدراسة والبحث، وهذا بالفعل الهدف المباشر لعلم الآثار الذي يحاول أن يروى لنا ملامح الحياة في الحضارات القديمة ويساعدنا على فهم حياة الناس الذين عاشوا في الأزمنة القديمة، فمن خلال البقايا المادية والتي تتراوح بين بقايا المدن المدفونة أو بعض الحجارة والعظام، يمكننا أن نحصل على العديد من التفاصيل التي تخص الحضارات السابقة.