حوّل نظام الأسد، على مدى السنوات الماضية، مفاصل الدولة إلى منصة لمكافأة قادة الميليشيات الذين قاتلوا إلى جانبه، عبر منحهم مناصب حزبية وسياسية رفيعة المستوى، وبعد أن كانوا يتصدرون الصفوف الأولى في المعارك لقتل السوريين، بدأوا يبحثون عن إعادة شرعنة دورهم في المجتمع.
وانطلاقًا من مبدأ أن كل من يمتلك المال يسعى للحصول على السلطة من أجل تأمين نفوذه ومصالحه، بدأ هؤلاء القادة، الذين جمعوا المال من عمليات غير مشروعة؛ التحول من قيادة الميليشيات إلى زعماء محليين وتحصيل مكانة اجتماعية أعلى، مستغلين نفوذهم وعلاقاتهم مع شخصيات داخل نظام الأسد.
هذا التحول ليس مجرد صدفة أو خطوات ارتجالية من أصحابها، بل هو جزء من استراتيجية مدروسة تهدف إلى ضمان استدامة دور زعماء الميليشيات هؤلاء وتثبيته، وحماية مكتسباتهم وتطويرها، في سياق نظام يسعى إلى تعزيز قبضته على السلطة عبر مكافأة الولاء بالعطاء.
ورغم أن غالبية السوريين، يدركون أن أي انتخابات تجري في سوريا، حزبية أو تشريعية أو رئاسية، تكون وفق إرادة النظام ومشيئته وتفتقر إلى المصداقية والشفافية، فإن وصول هؤلاء القادة، المتورطين بدماء السوريين، إلى هذه المناصب يفتح باب التحليلات والتساؤلات عن الأسباب والدوافع.
جذب الولاءات
مع بداية الثورة السورية، برزت حاجة نظام الأسد إلى تشكيل قوى محلية قادرة على فرض السيطرة وحماية مصالحه في المناطق المختلفة، خاصة مع تزايد الانشقاقات داخل قواته، ولمواجهة هذا النقص العددي الحاصل، بدأ في تشكيل مجموعات عسكرية محلية تحت إشراف ضباط من الصف الثاني، أو شخصيات محلية نافذة تمتلك علاقات أمنية وعسكرية قوية.
واستخدم قادة هذه الميليشيات وسيلتين رئيسيتين لجذب ولاءات الشباب العاطلين عن العمل، فقدموا لهم رواتب مالية ومزايا أمنية، مما وفر لهم ولعائلاتهم حماية في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة.
علي محمد البش، عضو مجلس الشعب السابق والمنحدر من مدينة السفيرة بريف حلب، كان أحد الشخصيات التي طلب منها النظام في عام 2012 تأسيس ميليشيا تابعة للأفرع الأمنية وتجنيد الشباب فيها.
فبعد اجتماع مع رئيس النظام بشار الأسد في دمشق والمسؤول العسكري في القصر الجمهوري، بدأ وزير الداخلية في حكومة الأسد آنذاك، محمد الشعار، ورؤساء الأفرع الأمنية بتكثيف اجتماعاتهم مع شيوخ العشائر ووجهاء ريف حلب والمدينة، وطلبوا منهم دعم النظام وتجنيد الشباب ضمن مجموعات عسكرية محلية، حسب ما رواه البش لـ”نون بوست”، الذي أعلن انشقاقه عقب هذه الاجتماعات.
ووافق بعض وجهاء المنطقة على الوقوف إلى جانب النظام وتأسيس ميليشيات، وكانوا هؤلاء ينقسمون إلى قسمين، حسب البش، الأول كانوا بالأصل أعضاء مجلس الشعب وحصلوا على كميات كبيرة من الأسلحة والأموال.
أما القسم الآخر فكانوا يطمحون للحصول على مناصب سياسية وحزبية، لكنهم لم يحصلوا على الفرصة سابقًا، ما دفعهم إلى إثبات وجودهم، من خلال توسيع نطاق العنف وزيادة الولاء للنظام، فكانوا أكثر التزامًا وإجرامًا في تنفيذ أوامره وخططه، خاصة بعد تعهد وزير الداخلية لهم بأن “النظام لن ينسى من يقف بجانبه”.
أدت هذه الاستراتيجية، التي طبقها نظام الأسد في مختلف المحافظات، إلى بروز قادة ميليشيات محليين، منحهم النظام صلاحيات أمنية في مناطق نفوذهم، إضافة إلى دعمهم لقوات الأسد في العمليات العسكرية.
ومع مرور الوقت بدأ هؤلاء الترويج لأنفسهم كرموز محلية في مناطقهم، عبر حضور المناسبات الاجتماعية وإلقاء الخطب والكلمات، ومع ازدياد قوتهم ونفوذهم توجهوا للبحث عن مناصب سياسية وحزبية داخل مفاصل الدولة.
مناصب مزدوجة
بعد انشقاق عدد من أعضاء البرلمان السوري عقب الانتخابات التي أجراها النظام في عام 2012، بالإضافة إلى انشقاقات في صفوف حزب البعث، عمد نظام الأسد إلى استراتيجية جديدة بإدخال شخصيات أكثر ولاءً له ضمن صفوف الحزب والبرلمان، كما حصل في انتخابات اللجنة المركزية الجديدة لحزب البعث، سواء في 2017 أم الانتخابات الجديدة التي أجراها النظام الشهر الماضي (مايو/أيار 2024)، إضافة إلى انتخابات مجلس الشعب في الدورتين السابقتين 2016 و 2020، كما رشح بعض قادة الميليشيات أنفسهم لانتخابات المجلس التي سيجريها النظام في يوليو/تموز المقبل.
وبالنظر إلى أسماء قادة الميليشيات الذين برزوا خلال السنوات الماضية وحصلوا على مناصب رفيعة المستوى، يمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات رئيسية:
الفئة الأولى: الأشخاص الذين حصلوا على مناصب مزدوجة من خلال منحهم مناصب حزبية وسياسية في وقت واحد، مما زاد من نفوذهم وتأثيرهم داخل النظام، من خلال دمج سلطاتهم.
ومن أبرز هؤلاء فاضل وردة الذي أسهم في تأسيس ميليشيا الدفاع الوطني في مدينة السلمية بريف حماة التي ينحدر منها، حيث عمل في البداية على تسليح مجموعات من الشباب ارتكبت عمليات الخطف والقتل والابتزاز ضد أبناء المنطقة، إلى جانب ملاحقة المتظاهرين وتسليمهم للأفرع الأمنية التابعة للنظام.
وبدأت مسيرة “وردة” مع المناصب السياسية في 2016 عندما تمكن من الدخول إلى البرلمان قبل أن يجدد مقعده في دورة 2020، كما حاز منصبًا حزبيًا في 2017 من خلال اختياره في اللجنة المركزية لحزب البعث، إلى جانب نجاحه في الانتخابات التي أجراها الحزب الشهر الماضي.
وإلى جانب وردة، برز اسم باسم سودان، الذي ينحدر من مدينة القرداحة في اللاذقية. تسلّم سودان قيادة ميليشيا “كتائب البعث” في اللاذقية بعد تأسيسها عام 2012 من القيادة القطرية لحزب “البعث” وأمينها هلال هلال آنذاك.
لاحقًا، أصبح سودان القائد العام لـ”كتائب البعث” في سوريا، حيث ساهم في الضغط على طلاب الجامعات للانتساب للميليشيا عبر تقديم مغريات مالية وأمنية، وارتكب جرائم قتل ونهب وخطف واعتقال تعسفي بحق السوريين.
طريقة سودان لم تختلف كثيرًا عن سابقه، إذ وصل إلى مجلس الشعب في دورتي 2016 و2020، وأعلن ترشحه للانتخابات المقبلة، كما أصبح عضوًا في اللجنة المركزية لحزب البعث في عامي 2017 و2024.
كما برز في السنوات الأخيرة، اسم أيهم نجدت جريكوس المولود عام 1975 والذي ينحدر من مدينة صلنفة في اللاذقية. عُين جريكوس مسؤولًا أمنيًا عن منطقة الحفة ورئيسًا لميليشيا الدفاع الوطني فيها، مستفيدًا من صلاته الوثيقة بأجهزة مخابرات النظام في تسليح أقاربه الذين واجهوا المتظاهرين السلميين.
تدرّج جريكوس في المناصب، إذ أصبح عضوًا في مجلس محافظة اللاذقية في عامي 2011 و2012، ثم دخل إلى مجلس الشعب في ثلاث دورات متتالية في 2012 و2016 و2020، قبل أن يصبح عضوًا جديدًا في اللجنة المركزية لحزب البعث الشهر الماضي.
ومن الشخصيات التي حازت مناصب حزبية وسياسية، عمر العاروب، المولود عام 1979 في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي. تسلم العاروب منصب نائب قائد “كتائب البعث” في حلب، وكان له دور بارز في قمع الاحتجاجات بالمدينة.
وعمد إلى تعيينن طلاب متطوعين لقمع الاحتجاجات، ووزع الأسلحة الفردية على الطلاب والهيئات الإدارية عند ذهابهم إلى المساجد، كما طلب من المسؤولين عن سكن الطلاب “رمي جميع الطالبات المعارضات للنظام من نوافذ الطابق الرابع”.
نجح العاروب في انتخابات مجلس الشعب دورة 2016، ورشح نفسه لانتخابات 2020 لكنه لم يتمكن من الوصول إلى المجلس، ومع ذلك، أصبح مؤخرًا أحد أعضاء اللجنة المركزية الجديدة لحزب البعث.
تضمنت قائمة اللجنة المركزية أيضًا اسم مجاهد فؤاد إسماعيل من مواليد 1977 في مدينة اللاذقية، الذي تمكن بسبب قربه من حافظ مخلوف ابن خال بشار الأسد من تشكيل جماعات مسلحة أسهمت في ارتكاب جرائم بحق المتظاهرين في دمشق، قبل أن يصبح قائدًا لمركز ريف دمشق في “كتائب البعث”، ثم نائبًا لرئيسها.
وبعد انتخابه كعضو في اللجنة المركزية لحزب البعث في الانتخابات الأخيرة، أعلن إسماعيل عن ترشحه لانتخابات مجلس الشعب التي ستجري الشهر المقبل، وسط توقعات بنجاحه بسبب نفوذه الأمني.
تغلغل في البرلمان
أما الفئة الثانية، فهم قادة الميليشيات الذين اختصوا بالترشح لمجلس الشعب فقط، بعيدًا عن المناصب الحزبية الأخرى، ويصرون على تواجدهم داخل المجلس منذ 2012 وحتى الترشح للانتخابات الحالية، مستغلين مناصبهم البرلمانية لتحقيق أهدافهم ومصالحهم، وأبرزهم:
عمار بديع الأسد: من مواليد اللاذقية 1970، وهو ابن عم بشار الأسد، وعمل على تأسيس ميليشيات الدفاع الوطني ودعمها طوال السنوات الماضية، والتي مارست جرائم بحق المدنيين، إلى جانب إدارته عمليات التهريب والفساد في ميناء اللاذقية، وهو عضو في مجلس الشعب من 2012، وأعلن ترشحه في الانتخابات المقبلة.
حسن شعبان بري: من مواليد 1972 في حلب، هو شيخ عشيرة الجيس وكبير شبيحة آل بري في المدينة، لعب دورًا رئيسيًا في تأسيس ميليشيا لقمع المظاهرات السلمية في حلب، واعتقال وتعذيب المتظاهرين ومساندة قوات الأسد في معارك أحياء حلب الشرقية، وهو عضو في مجلس الشعب منذ 2012 وحتى إعلان ترشحه حاليًا.
مجيب الرحمن الدندن: من مواليد قرية صندلية صغير التابعة لمنطقة منبج بريف حلب عام 1975، ويعتبر مؤسس فوج رعد المهدي المرتبط بإيران والتابع لقوات الدفاع الوطني في منبج في 2017، وهو عضو مجلس الشعب منذ 2012 كما أعلن ترشحه للانتخابات المقبلة.
يوسف حسن سلامة: من مواليد ريف حمص 1968، كان ضابطًا في قوات النظام قبل طرده بسبب سوء أخلاقه، وبعد اندلاع الثورة تسلم قيادة “كتائب البعث” في دمشق وشارك في حصار الغوطة الشرقية، كما يشرف على “لواء البعث” في الفيلق الخامس، ووصل إلى مجلس الشعب في 2020 وأعلن ترشحه حاليًا.
حسن محمد المسلط: من مواليد الحسكة 1973، وهو أحد مشايخ قبيلة الجبور في سوريا والعراق، وأسهم في تأسيس ميليشيات محلية في الحسكة تابعة للنظام، كما عرف بولائه لمخابرات النظام، وأصبح عضوًا في مجلس الشعب من 2016 حتى إعلان ترشحه للدورة المقبلة.
حسن حمزة سلومي: من مواليد القامشلي 1973، ويترأس قيادة مركز ميليشيا الدفاع الوطني في الحسكة، وأصبح عضوًا في مجلس الشعب في 2016 و2020، إضافة إلى إعلان ترشحه لدورة 2024.
حسين جمعة الحاج قاسم: من مواليد قرية العزيزية بريف حلب 1980، وهو مؤسس ميليشيا “لواء السفيرة” الذي قاتل إلى جانب قوات النظام بدعم إيراني، وهو عضو في المجلس منذ 2016، وأعلن عن ترشحه بالانتخابات الحالية.
عمر حسين الحسن: من مواليد السفيرة بريف حلب 1975، وشارك في تأسيس ميليشيا “لواء الباقر” المرتبط بشكل مباشر بالحرس الثوري الإيراني، وهو عضو في مجلس الشعب منذ 2016 قبل ترشحه لدورة جديدة.
والفئة الثالثة: هم قادة الميليشيات الذين اختصوا بالانخراط في عضوية حزب البعث فقط، دون الترشح لمجلس الشعب، ويتمتع هؤلاء بنفوذ أمني قوي وأبرزهم:
خالد وليد أباظة: من مواليد القنيطرة 1975، كان والده مقربًا من حافظ الأسد، وأسهم في تأسيس ميليشيا “جواد أنزور” لتجنيد الشراكس عام 2013، وأصبح عضو اللجنة المركزية لحزب البعث منذ 2017 وحتى الآن.
أحمد صالح إبراهيم: من مواليد محافظة حلب 1960، وهو رئيس الاتحاد العام للفلاحين، وأسهم في تأسيس ميليشيات محلية تابعة لقوات النظام، وهو عضو في اللجنة المركزية لحزب البعث منذ 2017 وحتى الآن.
فادي مالك أحمد: والذي غير اسمه لاحقًا إلى فادي صقر، من مواليد جبلة في اللاذقية 1974، وكان قائد الشبيحة في حي التضامن بدمشق والمسؤول الأول عن ارتكاب مجزرة التضامن، قبل أن يصبح قائد ميليشيا الدفاع الوطني في دمشق، وأصبح عضو اللجنة المركزية لحزب البعث لأول مرة خلال انتخابات الشهر الماضي.
وإلى جانب الفئات الثلاثة السابقة، أعلن قادة ميليشيات ترشحهم لأول مرة لانتخابات مجلس الشعب وأبرزهم:
جهاد بركات: من مواليد القرداحة 1964، وهو صهر عائلة الأسد بزواجه من انتصار ابنة بديع الأسد، عين في 2015 قائدًا لكتائب “مغاوير البعث” التابعة لـ”قوات النمر”.
أثير العلي: المعروف أيضًا باسم سوار الحسن، متزعم ميليشيا محلية تعرف باسم “قوات الصاعقة الشرقية” مرتبطة بالمخابرات العسكرية، وشاركت في معركة الغوطة الشرقية، ومتزوج من آلاء بديع الأسد.
البحث عن السلطة
مع تزايد نفوذ الميليشيات خلال السنوات الأخيرة، تمكن قادتها من الجمع بين الثروة والنفوذ من خلال الأنشطة غير المشروعة مثل التهريب، بالإضافة إلى نفوذهم الأمني والعسكري، كما تمكنوا من بناء علاقات مع الإيرانيين أو ضباط الفرقة الرابعة أو ضباط القصر الجمهوري والأفرع الأمنية، حسب ما أوضحه عضو المجلس السابق علي البش، الذي أكد على ضرورة توافر شبكة علاقات قوية لتزكيتهم للمناصب.
ويساهم وصول قادة الميليشيات إلى المناصب السياسية والحزبية في تحقيق فوائد استراتيجية لنظام الأسد، فتعيين قسم من هؤلاء القادة في مناصب رسمية يحفز بقية زعماء الميليشيات على البقاء موالين للنظام، والذين يطمحون بدورهم للوصول إلى هذه المناصب، ما يدفعهم للالتزام بتعليمات النظام ودعمه بشكل مستمر، حسب البش.
كما أن قادة الميليشيات الذين يحصلون على مناصب يصبحون أكثر نفوذًا ويكتسبون حظوة، ما يجعلهم أدوات فعالة يمكن للنظام استخدامها في تنفيذ مهام إضافية، حيث إن وجودهم في مجلس الشعب يعزز من قدرتهم على التأثير في مجتمعاتهم ويزيد من ولائهم للنظام.
من جانبه، اعتبر الباحث السوري أيمن الدسوقي أن عضوية مجلس الشعب تمثل جزءًا من المزايا التي يمنحها النظام للقادة، ومن خلالها يعمل على إلحاقهم بمنظومته للاستفادة من مواردهم وشبكة علاقاتهم لدعم النظام من جهة، والسيطرة عليهم من جهة أخرى.
كما يمكن اعتبارها مكافأة لهم على خدماتهم لصالح النظام، فيرسل من خلالهم رسالة مفادها أن “العطاء لمن بذل الولاء”.
ويرى الباحث في مركز عمران للدراسات، محسن المصطفى، خلال حديثه لـ”نون بوست”، أنها “مصلحة مشتركة ورابط إضافي يربط بين النظام وهؤلاء الأشخاص، وهو فتح باب جديد للفساد”، مؤكدًا أن حصول هؤلاء القادة على حصانة لمدة أربع سنوات، يوفر لهم حماية من عمليات الكسب غير المشروع، التي سيكون لقادة الأجهزة الأمنية نصيب منها.
أهداف شخصية
أما قادة الميليشيات فيسعون إلى تحقيق عدة أهداف شخصية من هذه المناصب، أولها اكتساب الشهرة والحصول على المكانة الرسمية بعد أن كانت شهرتهم محلية في المنطقة المتواجدين فيها فقط.
وثانيها؛ معنوي فقط، حسب علي البش، لأن قائد الميليشيا لا يحظى بنفس المستوى من الاعتراف والتقدير الذي يمنحه إياه منصب عضو مجلس الشعب في لقاءاته مع ضباط ورؤساء فروع الأمن، إذ يتمتع العضو في المجلس بمكانة اجتماعية مرموقة، ويحضر المناسبات الاجتماعية والمهرجانات ويتصدر المشهد، مما يحوله إلى زعيم محلي ذي صفة اعتبارية.
كما أن عضو مجلس الشعب يمكنه لقاء الوزراء ورؤساء الفروع الأمنية والتعامل معهم بصفة رسمية، ما يمنحه نفوذًا واحترامًا أكبر وعلاقات واسعة مقارنةً بقادة الميليشيات.
وفي سياق ذلك، اعتبر المصطفى أن قادة الميليشيات يبحثون عن توسيع أدوارهم وزيادة نفوذهم لمستويات أخرى في المؤسسات المدنية، بعد أن كانت أدوارهم على المستوى العسكري والأمني أكثر عمقًا، مؤكدًا أن هذه المناصب “فرصة لتوسعة شبكاتهم ومعارفهم، وبالتالي قدرتهم على الاستمرار إما بقوة السلاح سابقًا، وإما بالمنصب حاليًا”.
كما أن هؤلاء الأشخاص، بعد جني أموال طائلة من التشبيح وعمليات “الترفيق” (مرافقة عناصر الميليشيات للشاحنات التجارية لفرض إتاوات بحجة حمايتها من الإرهابيين) والابتزاز وغيرها، يرغبون بالحصول على مكانة اجتماعية أعلى، نابعة من المنصب الرسمي الذي سيحصلون عليه، بالإضافة إلى ذلك فإن النظام لن يجد أفضل من هؤلاء لتمثيله، خاصة أن أغلبهم من أعضاء حزب البعث، حسب المصطفى.
ويتمحور الهدف الثالث لقادة الميليشيات حول العمل على إعادة شرعنة دورهم وتطويره في المنظومة الاقتصادية الاجتماعية لمرحلة ما بعد الحرب، وفق ما تقتضيه هذه المرحلة وبأدوات تشمل العمل السياسي والمجتمعي والانخراط في أعمال اقتصادية، وهذا جزء أساسي من عملية التحول التي تطرأ على هؤلاء لضمان استدامة دورهم وتثبيته وحماية مكتسباتهم وتطويرها، لضمان عدم إقصائهم، حسب الباحث الدسوقي.
ومع أهمية عضوية مجلس الشعب في تمثيل مصالح المواطنين والتأثير على صنع القرار، إلا أن نظام الأسد حولها إلى جزء من المزايا التي يمنحها النظام لقادة ساندوه في قتل السوريين، ورغم غياب أي برامج انتخابية لهؤلاء القادة واكتفائهم بنشر صورهم الشخصية دون تقديم وعود أو خطط محددة حول ما سيفعلونه، فإن أسمائهم تكون في قائمة الناجحين دائمًا.