ترجمة وتحرير: نون بوست
لا يزال الجدل قائما حول حقيقة التأثير الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية للمراهقين. ويرجع هذا الأمر إلى قلة الأبحاث التي تعنى بهذا الشأن. وفي حين أظهرت بعض الدراسات أن إحداث روابط عبر الإنترنت مع مجموعات صغيرة من الأشخاص يعتبر أمرا مفيدا للمراهقين، أكدت دراسة أخرى أن مثل هذه العلاقات تتسبب في تواتر أعراض القلق والاكتئاب، فضلا عن اضطرابات الأكل.
ما فتئت وسائل التواصل الاجتماعي تتغير وتتطور بصفة مستمرة، مما يجعل تكوين فكرة واضحة حول آثار هذه الوسائل أمرا مستعصيا. بالإضافة إلى ذلك، لم تكتمل أي دراسة طويلة الأمد في هذا الشأن حتى الآن. وبموجب ذلك، لا يتبقى لنا سوى خيار الخروج باستنتاجات علمية في الصدد ترتكز على الأبحاث الحالية، علما وأنه لا يوجد كم كاف من البيانات من أجل دعم الإيجابيات والسلبيات المحتملة طويلة الأمد لظاهرة العيش على عدد الأشخاص الذين ضغطوا على زر “الإعجاب” ضمن مواقع التواصل الاجتماعي.
ينساق المراهقون للإعجاب بالصور بناء على عدد الأشخاص الذين أبدوا اعجابهم بها، بعض النظر عن محتواها
دراسات سطحية ونتائج مقلقة
أبرزت دراسة قامت بها جامعة بيتسبرغ أن هناك ارتباط وثيق بين الوقت الذي نقضيه في التنقل بين تطبيقات التواصل الاجتماعي وبين الانطباع السيئ بشأن شكلنا الخارجي. ففي الواقع، يعد الأشخاص الذين يقضون وقتا أطول في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أكثر عرضة لخطر التعبير عن مخاوف بشأن طبيعة أكلهم ومظهرهم الجسدي بنحو 2.2 مرة مقارنة بأقرانهم الذين يقضون وقتا أقل في تصفح هذه المواقع. في الأثناء، ترتفع حدة هذه المخاوف لتبلغ 2.6 في صفوف الأفراد الذين قضوا أطول مدة في العالم الافتراضي.
في المقابل، أظهرت دراسة منفصلة قامت بها مدرسة الطب في جامعة بيتسبرغ، أنه كلما قضى المراهقون وقتا أطول في عالمهم الاجتماعي الافتراضي، ارتفعت لديهم مخاطر التعرض لاضطرابات النوم ومعاناتهم من أعراض الاكتئاب. في الوقت ذاته، بينت دراسة محدودة شملت مراهقين تراوحت أعمارهم بين 13 و18 سنة من مركز رسم الخرائط الدماغية في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس الأمريكية أن الحصول على عدد كبير من الإعجابات على المنشورات تتسبب في ارتفاع نشاط مركز المكافأة في الدماغ.
علاوة على ذلك، ينساق المراهقون للإعجاب بالصور بناء على عدد الأشخاص الذين أبدوا اعجابهم بها، بعض النظر عن محتواها. وعموما، يشعر المراهقون بالرضا عن أنفسهم إذا ما قام الآخرون بالإعجاب بصورهم، في الوقت الذي تفشت فيه “عقلية القطيع” في الشبكات الاجتماعية، أي الانخراط في كل نشاط يحبذه الجميع.
عندما يتصل الفرد بمجموعة صغيرة من المراهقين الداعمين له في شبكة التواصل الاجتماعي، تمثل هذه الروابط الحد الفاصل بين العيش في عزلة وبين إيجاد رفقة مساندة
الجانب الإيجابي لمواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للمراهقين
توجد بعض الجوانب الإيجابية لمواقع التواصل الاجتماعي. في المقام الأول، لا بد أن ندرك أن المراهقين يميلون بطبعهم إلى الاختلاط الاجتماعي، في حين تتيح مواقع التواصل الاجتماعي إمكانية القيام بذلك بصفة سريعة وفورية. في هذا السياق، قد يستفيد المراهقون الذين لا يتمتعون بمهارات اجتماعية، أو الذين يعانون من القلق الاجتماعي، فضلا عن الذين لا يتوفر لهم خيار إقامة علاقات اجتماعية مباشرة مع المراهقين الآخرين، من التواصل مع أقرانهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
في الوقت ذاته، تتاح للأطفال الذين ينتمون للفئات المهمشة، مثل “الإل جي بي تي” والمراهقين الذين يعانون من مشاكل على مستوى صحتهم العقلية، فرصة إقامة صداقات وإيجاد الدعم الكافي من خلال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. فعندما يتصل الفرد بمجموعة صغيرة من المراهقين الداعمين له في شبكة التواصل الاجتماعي، تمثل هذه الروابط الحد الفاصل بين العيش في عزلة وبين إيجاد رفقة مساندة.
الجانب السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للمراهقين
من خلال قراءة ثلة من الأبحاث الحالية، سيتبين لك أن التأثيرات السلبية تطغى على الجوانب الإيجابية المتعلقة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي. ففي الوقت الذي يستخدم فيه المراهقون هذه المواقع بهدف التواصل مع الآخرين وإقامة الصداقات، يواجه هؤلاء أيضا خطر التعرض للتنمر عبر الإنترنت، والسخرية والمقارنات السلبية التي قد تدمر كيانه وشخصيته.
تعتبر الفتيات المراهقات، على وجه التحديد، عرضة للتنمر عبر الإنترنت، لكن ذلك لا يعني أن الفتيان المراهقين يقعون بمنأى عن ذلك
بالإضافة إلى ذلك، تتسبب مواقع التواصل الاجتماعي في اضطرابات النوم وتقليل حدوث اللقاءات وجها لوجه مع الآخرين. في السياق ذاته، يؤدي قضاء الكثير من الوقت في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي إلى التسبب في ظهور أعراض القلق والاكتئاب. ومن أجل تبين هذه المخاطر، إليك العلامات التي تدل على أن هذا المجتمع الافتراضي يكتسي طابعا مدمرا:
التركيز على الحصول على الإعجابات: تمثل الحاجة الملحة للظفر بالإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعي سببا رئيسيا يقود المراهقين إلى اعتماد خيارات قد لا يتخذونها في ظروف مختلفة. في الواقع، قد يدفع هوس الحصول على الإعجابات المراهقين إلى إجراء تعديلات على مظهرهم أو تبني سلوك سلبي، فضلا عن قبول تحديات مواقع التواصل الاجتماعي الصعبة.
التنمر عبر الإنترنت: تعتبر الفتيات المراهقات، على وجه التحديد، عرضة للتنمر عبر الإنترنت، لكن ذلك لا يعني أن الفتيان المراهقين يقعون بمنأى عن ذلك. والجدير بالذكر أن التنمر على شبكة الإنترنت ينجر عنه إصابة ضحاياه بالاكتئاب والقلق، فضلا عن ارتفاع خطر الأفكار الانتحارية.
القيام بالمقارنات: على الرغم من وعي العديد من المراهقين بأن أقرانهم لا ينشرون سوى الجانب المشرق من حياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن تجنب القيام بالمقارنات يعد أمرا صعبا للغاية. وتشمل هذه المقارنات كل شيء، بدءا من المظهر الخارجي والظروف المعيشية، وانتهاء بالنجاحات والإخفاقات الملحوظة. علاوة على ذلك، تقع كل هذه الأمور تحت المجهر في الأوساط الاجتماعية الافتراضية.
يكمن السر في مساعدة المراهقين على تعلم أن التوازن بين مواقع التواصل الاجتماعي وبين صداقاتهم في العالم الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة والحديث مع الآخرين
امتلاك عدد كبير من الأصدقاء المزيفين: رغم اعتماد سياسات تتعلق بالخصوصية، يستطيع المراهقون جمع الآلاف من الأصدقاء من خلال أصدقاء أصدقائهم على مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك، يحيل ارتفاع عدد أصدقائك إلى وجود المزيد من الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على حفظ لقطات الشاشة لصورك الخاصة ومنشوراتك على سناب شات، فضلا عن مستجداتك، ثم استعمالها لأسباب مختلفة. وعموما، ليس هناك خصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
قضاء وقت أقل في اللقاءات وجها لوجه: تتطلب مهارات التفاعل الاجتماعي ممارسة يومية، وذلك حتى بالنسبة للمراهقين. نتيجة لذلك، سيكون من الصعب خلق شعور بالتعاطف والرحمة، وهي مشاعر تعد من بين أفضل أسلحتنا في الحرب ضد التنمر عبر الإنترنت، عندما يقضي المراهقون وقتا أكبر في التفاعل الاجتماعي في العالم الافتراضي مقارنة بالعالم الحقيقي. من هذا المنطلق، تعتبر الروابط البشرية أداة قوية تمكن من تعزيز المهارات التي تدوم مدى الحياة.
في الأثناء، لا يخلو الأمر من وجود حل وسط إيجابي هنا، حيث يكمن السر في مساعدة المراهقين على تعلم أن التوازن بين مواقع التواصل الاجتماعي وبين صداقاتهم في العالم الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة والحديث مع الآخرين. في السياق ذاته، يظهر تواصلك الصادق مع ابنتك المراهقة أنك ستكون بجانبها لتوفير الدعم لها، عوضا عن إطلاق الأحكام وتقديم المحاضرات.
بناء على ذلك، افصل نفسك عن العالم خلال العطلات وبيّن لطفلتك أن هناك عالما كاملا في الخارج لا يتطلب حمل شاشة بين يديها كي تتعرف على غياهبه، وبالتالي، قد تفتقد هاتفها بدرجة أقل من المتوقع، وهو ما يعتبر درسا جيدا لتتعلمه.
المصدر: سايكوم