بعد تمكن هيئة تحرير الشام من القضاء على خصومها من فصائل المعارضة وتفردها بالسيطرة العسكرية والإدارية في مناطق سيطرتها التي تضم إدلب وأجزاء من محافظتي حلب وحماة، شرعت في بناء إمبراطورية استثمارية عبر أذرعها، تتبنى سياسة الاحتكار والخصخصة وفرض الإتاوات والضرائب.
هذه السياسة شملت كافة القطاعات، التجارية والاقتصادية والخدمية، بحيث باتت الحياة اليومية للسكان المحليين تحت سيطرة مباشرة للهيئة، ما أسهم في تفجر الشارع مؤخرًا ضدها، بعدما ذاق أهالي المنطقة ويلات ارتفاع الأسعار.
ويعكس الواقع المعيشي في إدلب اليوم صورتين متناقضتين بوضوح، وبينما تروج الدعاية الإعلامية للهيئة صورة مشرقة تتحدث عن تطور خدمي واستثماري بما في ذلك افتتاح المولات الفاخرة والمشاريع العمرانية الحديثة، يواجه الطيف الأكبر من سكان المنطقة المنهكة ظروفًا معيشية قاسية، تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
قطاعات احتكرتها الهيئة
بعد جفاف موارد “تحرير الشام” وفقدان العديد من مصادر تمويلها عقب سيطرة نظام الأسد على مساحات من ريف حماة وإدلب، وإغلاق المعابر الداخلية التي كانت تدر على الهيئة أموالًا طائلة نتيجة عمليات التهريب، توجهت إلى السيطرة على اقتصاد المنطقة عبر شبكة اقتصادية ضيقة يقوم عليها شخصيات على صلة مباشرة مع زعيمها أبو محمد الجولاني.
وظهرت أول بوادر الاحتكار في قطاع المشتقات النفطية، عبر شركة “وتد للبترول” التي كانت مسؤولة عن استيراد المحروقات إلى إدلب من منطقتين، الأولى من تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي، والثانية من مناطق “قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مرورًا بمناطق سيطرة “الجيش الوطني” عبر معبر الغزاوية.

ورغم أن “وتد” تعرّف عن نفسها بأنها شركة خاصة، إلا أن سيطرتها على معظم الحصة السوقية للمحروقات، ودفاع “تحرير الشام” المستميت عنها، يؤكد تبعيتها المباشرة لها دون أي مجال للشك.
بعد أربع سنوات من تأسيسها، ونتيجة تعالي الأصوات ضدها لتسببها في أزمات عدة، أعلنت “وتد” توقفها عن العمل وحلّ نفسها، ومنح مسؤولية توريد المحروقات إلى المديرية العامة للمشتقات النفطية، التي منحت بدورها ترخيص الاستيراد لشركات مملوكة من قبل مسؤول ملف الاقتصاد في “تحرير الشام”، مصطفى قديد المعروف باسم أبو عبد الرحمن زربة، والمقرب من زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني.
أما قطاع الكهرباء في إدلب، فتديره شركة “Green Energy” الخاصة، والمرخصة من قبل المؤسسة العامة للكهرباء، التي عملت على استجرار التيار الكهربائي من الأراضي التركية.
ورغم نفي “حكومة الإنقاذ” التابعة للهيئة علاقتها بالشركة، إلا أنها قامت على أنقاض شركة الكهرباء في إدلب، واستخدمت المحولات والأكبال الكهربائية التي نقلتها الهيئة من جنوبي وشرق إدلب، قبل سيطرة نظام الأسد عليها، حسب ما أكدت مصادر محلية لـ”نون بوست”.
ويدير الشركة تنفيذيًا المهندس أسامة أبو زيد، الذي عمل سابقًا مندوبًا لـ”جبهة النصرة” في مديرية المياه، التي كانت تتبع لمجلس إدلب المحلي، بعد سيطرة جيش الفتح على إدلب في 2015، قبل أن يصبح لاحقًا مديرًا للمؤسسة بعد السيطرة عليها بقوة السلاح وإتباعها لـ”حكومة الإنقاذ”، حسب موقع “تلفزيون سوريا”.
وفي قطاعي الاتصالات والانترنت حصلت شركة “سوريا فون” (Syria Phone) على ترخيص من المؤسسة العامة للاتصالات في أغسطس/ آب 2023، التي تعرّف عن نفسها بأنها شركة سورية محدودة المسؤولية ورائدة في أعمال الاتصالات والحلول المالية المبتكرة، ورغم نفي “حكومة الإنقاذ” تبعية الشركة لها، إلا أنها اتخذت من المصرف التجاري الحكومي في إدلب مقرًّا لإدارتها.
كما ظهرت شركة تدعى سيريا كونيكت كمخدّم رئيسي للانترنت في 2019، والتي احتكرت الكابل الضوئي القادم من الأراضي التركية، وأجبرت شركات الإنترنت الخاصة (متوسطة الحجم) على الاشتراك عبرها، كما ألغت الأجهزة المستقبلة للإنترنت من تركيا، قبل أن تظهر شركة أخرى 2020 تسمى Syriana LTE.
وأعلنت المؤسسة العامة للاتصالات، الشهر الماضي، عن فتح باب الترخيص لمزودي خدمة الإنترنت العاملة في إدلب، وفق شروط ومحددات لآليات العمل، ما تسبّب في احتجاج أصحاب مزودي الخدمة، كونه يهدف إلى رفع تسعيرة الإنترنت، ما يعني المزيد من الاحتكار بعدما أصبحت الشركة الرئيسية تحت رعاية المؤسسة العامة، حسب ما أكّده صاحب مزود خدمة إنترنت في إدلب (اشترط عدم الكشف عن هويته).
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: إن “شركات الإنترنت باب رزق لآلاف العاملين في المجال منذ سنوات طويلة، واحتكار القطاع بمزود رئيسي واحد يتسبّب في رفع أسعار الإنترنت على الأهالي”.
وأضاف “يتطلب الترخيص شروطًا ومؤهلات علمية، ما يتسبّب في إغلاق ورفض طلبات الترخيص لكل العاملين في المجال، ما يعني استبدال القائمين على تزويد خدمة الإنترنت”.
وفي سياق الخصخصة، أطلقت شركة “البيئة النظيفة” (E-Clean) عملها في أغسطس/ آب 2022، في تنظيف الطرق وجمع النفايات وإعادة تدويرها.
وتعرّف الشركة نفسها بأنها خاصة، وتجبي رسومًا شهرية وضرائب من جميع المنازل والمحال التجارية في مناطق عملها، ويتم الدفع عن طريق شركة الكهرباء “Green Energy” أثناء عملية شحن العدّادات، حيث تقسم قيمة الرسوم المالية وفقًا لعدد المحلات وسعة الشارع وواجهته الطرقية.
أما في قطاع النقل والمواصلات، تستحوذ شركة زاجل على النقل البري في محافظة إدلب منذ 2020، ورغم نفي صلتها بالهيئة، إلا أن العديد من المصادر أكدت تبعية الشركة لأحد القادة البارزين في “تحرير الشام”، كونها تتمدد بشكل واسع في إدلب دون وجود شركات نقل للمنافسة، ما تسبّب في تضرر العاملين المستقلين في مهنة المواصلات.
ولم يكن قطاع الإعلام والإعلان بأفضل حال من القطاعات السابقة، حيث تحتكره شركة “Creative Inception”، ورغم إصرار القائمين عليها بأنها شركة مستقلة، إلا أن منشقين عن “تحرير الشام” أكدوا تبعيتها للهيئة، وهي تستحوذ على قطاع الإعلانات الطرقية ولا تسمح لأي متجر باستخدام الإعلان الطرقي إلا عبرها.
احتكار دون منافسة
وأوضح الصحفي فائز الدغيم لـ”نون بوست” أن تحرير الشام أسّست منظومة كاملة من الشركات الخاصة، للسيطرة على القطاع الخدمي والحيوي في مناطق سيطرتها في إدلب، بهدف رفد خزينتها بالأموال.
وقال إن “المنظومة قائمة على مقدرات الشركات الخدمية العامة، حيث تحتكر القطاعات الخدمية بأسعار محددة تفوق الأسعار الاعتيادية وسط غياب كلّي للمنافسة، ما يعني أن ارتفاع الأسعار هو جزء من الضريبة التي تحصّلها تحرير الشام قبيل وصولها إلى المستهلك”.
وتتمركز الأنشطة الاقتصادية في ثلاثة مراكز رئيسية: الدانا، سرمدا، وإدلب المدينة، حسب الدغيم، الذي أكد أن تحرير الشام قامت بتعبيد الطرقات الحيوية التي تربط سرمدا بمعبر باب الهوى الحدودي، وسرمدا بالدانا، وسرمدا بإدلب المدينة بهدف دعم نشاطها الاقتصادي.
أما القطاع الخدمي في مناطق أخرى، لا سيما في الجنوب فقد جرى إهماله بالكامل من قبل حكومة الإنقاذ، وخاصة الطريق الواصل بين سرمدا وحارم والذي يُعد طريقًا وعرًا للغاية، ويحتاج إلى إعادة تأهيل، لكنها لم تقم بتعبيده.
وإلى جانب الضرائب المقتطعة تلقائيًا بطريقة رفع الأسعار، تعمل الهيئة العامة للزكاة منذ تأسيسها عام 2019 على جمع الأموال وفرض ضرائب بنظام الجباية (الزكاة) على المزارعين وأصحاب البساتين والأشجار المثمرة، والتجار والصناعيين، والعاملين في مجال الصرافة، وهو ما يراه كثيرون “سرقة” تحت غطاء الزكاة.
وتقدّر الهيئة نسبة الزكاة وفقًا للمواسم الزراعية وكمّيتها وحجمها، وتحصّل من المزارعين النسبة قبل التصرّف في المحصول الزراعي، لا سيما محاصيل زيت الزيتون.
لكن في مايو/ أيار الماضي أصدر تجمع القضاة ورجال القانون في إدلب بيانًا بشأن الوضع القانوني للهيئة العامة للزكاة، مؤكدين أنها “غير قانونية وغير مستقلة”، ومرتبطة بشكل مباشر بزعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، حيث تحصّل الزكاة من الأهالي تحت الضغط والإكراه.
في المقابل، ينفي القائمون على الهيئة العامة للزكاة كل ما يشاع حول المؤسسة وصلتها بالفصائل العسكرية، بينما يؤكدون توسعها وتطور عملها بشكل كبير خلال الأعوام الماضية من خلال دعم الطلاب والأطفال والمرضى، لكن شرائح واسعة من المجتمع في إدلب لا يحصل على الخدمات والمساعدات التي تقدمها.
وإضافة إلى احتكار تحرير الشام كافة القطاعات، تعيق حركة المنظمات من خلال المعابر وتحصل على إتاوات خلال مرورها، حسب ما قاله مصدر من إحدى المنظمات العاملة في إدلب لـ”نون بوست”، الذي أكد أن الهيئة تفرض على بعض المنظمات تسليم نسبة محددة من المساعدات، والتي تتراوح بين 20% و30%، وتكون حرّة التصرف بها.
وأشار إلى أن المنظمات مضطرة لمتابعة أعمالها في تقديم المساعدة للنازحين والمخيمات، في ظل تحكُّم بعض الشخصيات بالمنظمات المقرّبة من قيادة تحرير الشام.
لقاء المصالح
لم يقتصر احتكار هيئة تحرير الشام على القطاعات الخدمية فحسب، بل امتد ليشمل القطاع التجاري عبر ذراعها “حكومة الإنقاذ”، وخاصة استيراد مجموعة واسعة من المنتجات تشمل المواد الغذائية، والأدوات المنزلية، والقطع الكهربائية، والطحين، والأدوية، وغيرها.
وتعمل حكومة الإنقاذ ضمن سلسلة منظَّمة تغطي كافة البضائع المستوردة والمصدَّرة من وإلى إدلب، مما يعزز من قبضتها على النشاط الاقتصادي في المنطقة ويدعم نفوذ هيئة تحرير الشام بشكل عام.
وقال مصدر محلي من مدينة سرمدا (رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية) لـ “نون بوست” إن “تحرير الشام تخصص لكل مادة شخصية أو شركة واحدة تعمل على استيرادها وفق تسعيرة محددة، وتجبر التجار الصغار على شراء بضائعهم منها فقط، بينما تمنع مرور أي مادة إلا عبر موردين معتمدين لديها”.
وأوضح المصدر أن أحد الأشخاص، الذي يلقب بـ”النسر”، يحتكر استيراد مادة الموز من معبر باب الهوى، بينما تحتكر شركة “زاجل للشحن” استيراد السيارات الأوروبية وقطع التبديل والمعدات الكهربائية والأدوات المنزلية ومواد البناء.
ورغم تخصص شركة “زاجل” في النقل والمواصلات منذ تأسيسها، إلا أنها تمارس أيضاً وظيفة التخليص الجمركي للسيارات المستعملة الأوروبية التي تدخل إلى إدلب عبر معبر باب الهوى، كما تنشط في مجال تجارة المواد الغذائية ومواد البناء، وتعمل على شحن البضائع من إدلب إلى تركيا والعكس.
وبزر اسم الشركة منتصف عام 2022، عندما استطاعت توريد السكّر للأسواق من تركيا مقابل تعرفة جمركية تسبّبت في فارق كبير بالأسعار، حيث وصل سعر الكيلوغرام في إدلب إلى 40 ليرة تركية، بينما كان في مناطق سيطرة الجيش الوطني بريف حلب نحو 14 ليرة تركية.
ويرأس الشركة مدير الملف الاقتصادي في الهيئة مصطفى قديد، الذي يسيطر على المعابر الداخلية والخارجية في إدلب، الأمر الذي حقق له إمكانية السيطرة على مختلف الملفات التجارية، بما فيها المواد الغذائية والأدوات الكهربائية والمنزلية ومواد البناء، والمحروقات.
ونتيجة احتكار الهيئة، توجه عدد من التجار لإدخال المواد عبر طرق التهريب من مناطق ريف حلب، حسب ما قاله صاحب شركة تجارية متوسطة تعمل في تجارة المواد الغذائية في إدلب لـ”نون بوست”، الذي أكد أن أحد التجار في منطقة عفرين اشترى أطنان من السكر، قبل أن يبيعها لعدد من التجار الذين أدخلوها بدورهم إلى إدلب.
وفي ظل عدم إمكانية شراء أو إدخال أي مادة إلا عبر حكومة الإنقاذ، يتجه بعض التجار إلى استيراد المواد من شمال حلب عبر معبر الغزاوية إلا أن الحكومة تفرض ضرائب مرتفعة، حسب صاحب الشركة، ما يؤدي إلى صعوبة تصريفها في الأسواق نتيجة ارتفاع سعرها، ما يضطر التجار إلى شراء المواد من مصدرها الأساسي (حكومة الإنقاذ) للحفاظ على نسبة الأرباح.
وأشار إلى أن “أسعار المواد الغذائية تكون مرتفعة من المصدر، ويتم إضافة إليها نسبة من الربح لتغطية نفقات النقل والعمل” مؤكدًا أن “ارتفاع الأسعار أو هبوطها ليس بيدنا”.
ولم يقتصر احتكار الملفات التجارية على السلع والبضائع، إنما وصل إلى القطاع الزراعي حيث تنشط عدد من الشركات العاملة في المجال، من بينها شركة “غراس وفنن الزراعية” التي تنشط في زراعة آلاف الهكتارات في إدلب.
بينما تشتهر في التربية الحيوانية شركة “اليمامة للدواجن والأعلاف”، التي تربّي الدواجن وتصدّر اللحوم البيضاء والبيض إلى مناطق مختلفة من سوريا.
أما في مجال الخدمات والبناء والعمران، تبرز شركة “الراقي للمقاولات والتعهدات” التي تأسست عام 2022، ويديرها بشكل مباشر أمير “جبهة النصرة” في حلب سابقًا أبو إبراهيم سلامة، حيث ظهر إلى جانب الجولاني في افتتاح طريق سرمدا- باب الهوى (محلق).
واختصت الشركة إلى جانب شركة “نماء للاستثمار” في مجال التعهدات الخدمية العامة الخاصة، فضلًا عن سيطرتها على سوق العقارات.
وفي السياق، سيطرت الهيئة على سوق الصرافة والحوالات المالية عبر شخصية معروفة في إدلب تدعى علي أيوب، الذي دخل وسيطًا لاستجرار المحروقات من معبر الحمران الذي كان خاضعًا لسيطرة الفيلق الثالث في الجيش الوطني، كمساهم بمبلغ مالي قُدِّر بـ 3 ملايين دولار أمريكي، إلا أن الفيلق الثالث رفض الطلب آنذاك وصادر الأموال لتتجدد الخلافات منتصف عام 2022.
وتحت ذريعة مكافحة تمويل الإرهاب، قيّدت “تحرير الشام” حركة الأموال الداخلة إلى إدلب، فضلًا عن زيادة الغرامات المالية والضرائب والزكاة عبر المؤسسة العامة للنقد، التي ظهرت لأول مرة في 11 مايو/ أيار 2017، بعد إعلان هيئة تحرير الشام تأسيس المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك، بهدف تنظيم عمليات الصرافة ومنع الاحتكار والتلاعب بأسعار العملات.
ورغم الهالة التي كسبها علي أيوب، إلا أن “تحرير الشام” تخلت عنه وأتاحت الفرصة لشخصيات أخرى للسيطرة على سوق الحوالات المالية، حسبما أكدت مصادر خاصة لـ”نون بوست”، وهذا يوضح أن الهيئة لا تعتمد على شخصيات محددة، بل تبحث عن شخصيات ديناميكية قادرة على زيادة نسبة أرباحها وإدارة الملفات التجارية بكفاءة.
كما أنشأت الهيئة علاقات مع التجار البارزين في مختلف الملفات الاستثمارية الحيوية، بهدف الاعتماد عليهم كواجهات تجارية تحقق لها نسبة من العائدات المالية، وليس بالضرورة أن يكونوا تابعين لها بشكل مباشر، كونها تفرض استيراد أنواع محددة مقابل رفع الأسعار بنسبة تكون من حصتها، حسب ما أوضح الصحفي فائز الدغيم.
وقال الدغيم لـ”نون بوست” إن “الهيئة تسمح باستيراد أي نوع من المنتجات مقابل فرض زيادة على السعر بنسبة 25% تعود إلى خزائنها، ولا تقتصر على نوع واحد، إنما تشمل مختلف المواد والبضائع المستوردة، ما يتسبّب في رفع أسعارها على المستهلك بشكل مضاعف”.
وأضاف أن الهيئة تعرض على أحد الموردّين الأساسيين استيراد مواد تجارية وفي حال عدم موافقته على النسبة، تتجه للتفاوض مع موردّ آخر، ما يضطره إلى شراء البضائع من السوق المحلية بأسعار عالية ما يدفعه إلى القبول بالعرض، سواء كانت الشخصية مرتبطة بتحرير الشام أو لا، حسب الدغيم، الذي أكد أن العلاقة بين الهيئة والتاجر هي “لقاء مصالح”.
شرعنة الاحتكار
وتسببت سياسات الاحتكار من قبل الهيئة لمختلف القطاعات بأزمات متكررة واتهامات متواصلة من قبل سكان المنطقة، ما دفعها إلى البدء بشرعنة احتكارها عبر “حكومة الإنقاذ” التي بدأت بتأسيس هيئات ومديريات ومؤسسات تشرف على نفوذ الهيئة في الاقتصاد.
وأبرز هذه المؤسسات هي “المؤسسة العامة للاتصالات، والمؤسسة العامة للنقل، والهيئة العامة للرقابة والتفتيش، والمديرية العامة للمشتقات النفطية، والمؤسسة العامة للنقد، والمديرية العامة للمصالح العقارية، والمديرية العامة للموارد البشرية، والهيئة العامة للزكاة، وعدد من الوزارات.
ووصف المحلل الاقتصادي يونس الكريم، قطاع الخدمات بالنسبة للهيئة بـ”البقرة الحلوب الذي يمد الهيئة بالأموال”، إضافة إلى أنه جسر لبناء العلاقات العامة الداخلية والخارجية.
وحدد “الكريم” ثلاثة أسباب لاهتمام تحرير الشام بهذا القطاع:
- توافُر الخدمات يُعلي شأن الحكومة أو يخفضها، وهذا يعني تنافسًا مع باقي سلطات الأمر الواقع في الجغرافيا السورية.
- يزيد أسهم القبول المجتمعي للحكومة، وتشغيل عدد كبير من الأيدي العاملة، ما يدفع إلى بسط سيطرتها وضمان رضا شريحة واسعة من السكان.
- تعتبر الخدمات مموَّلة من الاتحاد الأوروبي، وتعدّ مصدر دخل حقيقيًا ومستمرًّا، ولا يحتاج إلى رأس مال كبير لجني ثماره، ويساهم في بناء علاقات وتشبيك مع القوى المحلية والدولية.
وقال الكريم في حديثه لـ”نون بوست” إن “تحرير الشام استخدمت شركات خاصة وهمية لإدارة القطاع الخدمي حتى لا تظهر كسلطة مستبدّة، إلا أن معظم الشركات تدين بالولاء للهيئة، بينما هي محاولة لإظهار أن المشاريع لا تشارك فيها السلطة العسكرية، إنما تقدَّم بطابع مدني للتعامل مع المنظمات وتسهيل إدارة الملف وتجاوز العقبات الدولية، ما يعني تحقيق الهدف المرجوّ من القطاع”.
وأضاف أن “وجود حكومة الإنقاذ نتاج شرعنة السيطرة على قطاع الخدمات والاحتكار والحصول على فوائد، بينما دورها ينخفض في إدارة المنطقة مدنيًا وسياسيًا، إذ نلاحظ في العديد من المواقف أن القوانين والعسكرة واضح وجودها، لا سيما في المكون الداخلي للحكومة”.
وأشار إلى أن حكومة الإنقاذ تعتبر أن أي تحسن في الأداء يحتاج إلى زيادة في الأرباح، والتي تستوجب تكثيف الضرائب والاحتكار والإتاوات.
ختامًا، أسست تحرير الشام منظومة متكاملة تسيطر من خلالها على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية في إدلب، تحت مظلة حكومة الإنقاذ التي اضطلعت بدور تسيير الملفات بشكل إداري وشرعي كما يظهر للعلن، إلا أن هذه السياسة وسّعت الفجوات بين سكان المنطقة وزادت التفاوت بين طبقات المجتمع، وهو ما يُترجم كل حين إلى احتجاجات في الشارع ضد تلك السياسيات الاحتكارية.