تطورت الحملة التي استهدفت اللاجئين السوريين إلى لبنان مؤخرًا، وهذه المرة استهدفت الأطفال لحرمانهم من حق التعلم بذريعة أن وجود أهلهم في لبنان غير قانوني، وبالتالي فلا حق لهم بالتعلم أو الدخول إلى المدارس في العام الدراسي المقبل 2024-2025 وهو ما دعا إليه حزب القوات اللبنانية في بيان صدر عن الدائرة الإعلامية في الحزب، توجه فيه إلى أصحاب المدارس والمعاهد الرسمية والخاصة للتوقف فورًا عن تسجيل أي طالب سوري وجود أهله فوق الأراضي اللبنانية غير شرعي ولا قانوني.
واعتبر الحزب أن البطاقات الصادرة للاجئين عن مفوضية اللاجئين بطاقات مزورة ولا قيمة لها، لأنها بحسب وجهة نظر الحزب تتعارض مع القوانين اللبنانية.
بدوره، دعا التيار الوطني الحر الذي يرأسه النائب جبران باسيل، إلى التوقف عن تسجيل الطلاب السوريين غير المسجلين بصورة قانونية في لبنان، واعتبر ذلك نوعًا من الحفاظ على الوجود والهوية.
سجال
دعوة بعض القوى السياسية أصحاب المدارس الخاصة ومدراء المدارس الرسمية التوقف عن تسجيل الطلاب السوريين الذين لا يملكون أوارقًا قانونية للإقامة فوق الأراضي اللبنانية، أشعل سجالًا واستدعى ردًا من أكثر من جهة وطرف لبناني، رافضًا هذه الدعوة ومعتبرًا أنها مخالفة لأبسط القواعد والقوانين الإنسانية، إذ ما شأن الطلاب في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وحتى الثانوية؟ وما مسؤوليتهم عن الحالة التي فتحوا أعينهم في الدنيا عليها؟ فمن حقهم أن يتعلموا ويدخلوا المدارس ويحصلوا على التعليم بعيدًا عن أي حسابات سياسية أو موقف عنصري أو خلافه.
وهو ما شدد عليه الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان صدر عن مفوضية الإعلام في الحزب، وأوضح أن إبقاء الطلاب في الشارع يعني تركهم فريسة للجهل والفكر المتطرف، ليكونوا عامل تفجير إضافيًا داخل المجتمع اللبناني، بدلًا من تحصينهم وحمايتهم بالعلم إلى حين عودتهم الى بلدهم، كما اعتبر الحزب أن هذه الحملة تريد أن تستثمر في التحريض على اللاجئين.
من جهته، حذر النائب في المجلس النيابي اللبناني، بلال الحشيمي، من الدعوات لعدم السماح بتسجيل أطفال اللاجئين السوريين المخالفين في المدارس اللبنانية، معتبرًا أن هذا الأمر “سيؤدي إلى كارثة اجتماعية على المدى الطويل”، وتحويل الأطفال إلى “مجرمين وسارقين ومتعاطين ومروجين ومخربين وإرهابيين”، واعتبر النائب الحشيمي أن “الشرائع الدولية حفظت حق الأطفال في العلم والتعلم، نظرًا لأهمية هذا الأمر وانعكاسه على فئات المجتمع”، ودعا إلى عدم التصرف بانفعالية وعصبية في هذه المسألة، التي تتطلب روية وعقلانية لحلها بطريقة لا تجلب الكوارث والمصائب على لبنان.
وفيما يتعلق بأعداد الطلاب السوريين المسجلين في المدارس، تشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR) إلى أن مجموع التلاميذ السوريين المسجلين لدى المفوضية للعام الدراسي 2020-2021 بلغ 321 ألفًا و512 طالبًا، فيما لا يُعرف على وجه الدقة أعداد المسجلين للعام 2022-2023، و2023-2024.
ويتوزع التعليم بين فترتين صباحية مع الطلاب اللبنانيين، ومسائية مستقلة، وتتقاضى الدولة اللبنانية من الجهات المانحة مبالغ مالية تتفاوت بين 300 دولار أمريكي عن كل طالب في الفترة الصباحية، و600 دولار عن كل طالب في الفترة المسائية.
ابتزاز
وقد حذر وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عباس الحلبي، في وقت سابق من إعادة وزارته النظر بعدد المدارس التي تستقبل الطلاب اللاجئين السوريين في دوام بعد الظهر نتيجة عدم التزام الدول المانحة بالتمويل المتفق عليه، وهو ما يهدد مئات الآلاف من الأطفال السوريين بالحرمان من التعليم، فيما اعتبر البعض أن هذا الموقف يدخل في إطار “ابتزاز” الدول المانحة لدفعها إلى دفع المزيد من التمويل والتعجيل به.
تجدر الإشارة إلى أن المدارس الرسمية الحكومية خاضعة لقرار وزير التربية والتعليم العالي، وبالتالي فإن أي مدير لا يمكنه أن يقبل أو يرفض تسجيل أي طفل سوري إلا بموجب قانون صادر عن المجلس النيابي أو قرار صادر عن وزارة التربية، وهو أمر لم يحصل حتى الآن، أما بالنسبة للمدارس الخاصة فبإمكان أي مدير مدرسة أن يتخذ القرار الذي يراه مناسبًا سواء بالامتناع عن تسجيل الأطفال أم قبولهم، إلا إذا كانت المدرسة التي يديرها مرتبطة بمؤسسات أو جمعيات تربوية وخاضعة لتوجهاتها.
مستقبل أطفال اللاجئين السوريين في لبنان مهدد بشكل حقيقي، من ناحية تمنّع الدول المانحة عن دفع الأموال المتوجبة لهذا المشروع، ومن ناحية أخرى الدعوات التي أطلقت في لبنان للتوقف عن تسجيل الطلاب السوريين على اعتبار ذلك مخل بالتوازن ومهدد للصيغة اللبنانية، فيما هو في الحقيقة يدخل في إطار الاستغلال السياسي الرخيص والاستثمار في هذا الملف الإنساني والبريء.