بعد دخول القوات الأجنبية المحتلة للعراق طال الخراب كل ساكن ومتحرك، طال الإنسان والمصانع والمعامل والبنى التحتية والفوقية، وكانت عمليات التخريب تتم وفق منهجية وترتيب مسبق.
المتابعون للخطابات أو الدعايات الانتخابية لحكومة بغداد والأحزاب والشخصيات في الساحة السياسية العراقية ربما يُخيل إليه أن العراق قبل مرحلة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على الموصل في يونيو/حزيران 2014 كان واحة من الأمان والسلام والإعمار، وأن كل هذه الصور التدميرية القاسية في المدن نتيجة للحرب ضد إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
لكن الحقيقة أن الصور المؤلمة انتشرت في ربوع العراق منذ اللحظة الأولى لانطلاق أول قذيفة لقوات التحالف الدولي واستمرت تلك الصور بالبروز أكثر وأكثر حتى وصلنا لهذه المرحلة التي برزت فيها تلك الصور بوضوح لا يمكن تغافله حتى من المتعاطفين أو المؤيدين للحكومات المتعاقبة أو لمجمل العملية السياسية، سواء كانوا من السنة أم الشيعة.
ورغم هذه الحقيقة، تحاول حكومة بغداد، وغالبية الأحزاب والشخصيات السياسية أو المستفيدة من العملية السياسية، اختزال الحالة التدميرية في مرحلة ما قبل معركة الموصل وما بعدها، وجعلوا من إعلان النصر على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” نهاية العام 2017، كأنها انطلاقة لعودة العراق للمرحلة (الوردية)، مرحلة ما قبل سيطرة التنظيم على المدن الأربعة.
لذلك صوروا النصر على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وكأنه نهاية المأساة كما يزعمون، ووجدنا أن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي – استغل القضية وشكل تحالف النصر – في إشارة للانتصار على التنظيم لدخول الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها في منتصف مارس/ أيار المقبل.
محاولة دراسة خريطة أو حجم الدمار معقد جدًا نتيجة التكتم الحكومي على حجم الخسائر في أكثر من أربع مدن عراقية كبرى، وأهمها (ديالى 45 كيلومترًا شرق بغداد وصلاح الدين 100 كيلومتر شمال بغداد والأنبار 60 كيلومترًا غرب بغداد والموصل 465 كيلومترًا شمال بغداد)، ولذلك سننقل بعض صور القتل والدمار في الموصل، ويمكن أن نقيس عليها حجم الدمار في بقية المدن.
أمام هذه الأرقام المذهلة في المدن المدمرة، هنالك اليوم محاولات لتزوير الماضي القريب، والسعي لتلميع صورة الحكومة، وكأنها المنقذ للعراقيين
معركة تحرير الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” خلفت أكثر من 13 ألف قتيل، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، في حين بلغ عدد الجرحى نحو 25 ألف جريح أيضًا.
أما بالنسبة للدمار المادي في المدينة فقد كان قاسيًا، وكأننا أمام حرب انتقام وليس تحرير، ولذلك سننقل الإحصاءات التي أكدها عضو الحكومة المحلية لمدينة الموصل أحمد الحمداني، ومنها أن نحو 66% من المدينة مدمر، وهناك حارات سكنية مسحت بشكل كامل بفعل سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها قوات التحالف والقوات العراقية.
وتم تدمير جسور الموصل الخمس الرئيسية التي تربط ساحلي المدينة الشرقي والغربي على نهر دجلة، والمحطة الرئيسية لتوليد الطاقة وخطوط النقل العالي للكهرباء، ومحطات ضخ المياه للأحياء السكنية، وجامعة الموصل، و10 مستشفيات ونحو 76 مركزًا صحيًا ومعمل أدوية نينوى والمخازن التابعة له، و241 مدرسة ابتدائية وثانوية، و81 دار عبادة بين مسجد وكنيسة، ونحو 1800 معمل وورشة ومصنع حكومي ومصفاة للنفط، وستة ملاعب ونوادي كرة قدم، و54 مبنى حكوميًا خدميًا، و29 فندقًا، وأكثر من 21 ألف وحدة سكنية بين دمار كامل أو شبه كامل، ومعامل الغزل والنسيج والكبريت والإسمنت والحديد الصلب.
كما دمرت مدينة النمرود والحضر الأثريتين وبوابة نركال وسور نينوى ومتحف نينوى التاريخي، مع 11 مصرفًا أبرزهم الرافدين والرشيد والشرق الأوسط والخليج والموصل وبغداد”.
هل هذه عمليات تحرير أم تدمير؟!
أمام هذه الأرقام المذهلة في المدن المدمرة، هنالك اليوم محاولات لتزوير الماضي القريب، والسعي لتلميع صورة الحكومة، وكأنها المنقذ للعراقيين، وهذا نوع من الخداع السياسي والإعلامي لأن غالبية من شاركوا في العملية السياسية ساهموا في تدمير الدولة وضياع الإنسان، وحتى يكون كلامنا موضوعيًا سنعيد تسليط الضوء على بعض الصور الكارثية من الماضي العراقي القريب، التي لا يمكن أن تُمحى بسهولة من الذاكرة الإنسانية؛ لنؤكد للعالم حقيقة ما جرى ويجري في بلاد الرافدين.
الصور التي سنسلط الضوء عليها تكمن أهميتها أنها من إصدارات لجنة حقوق الإنسان البرلمانية العراقية التي أصدرت في العام 2013، كراسًا بعنوان (حقوق الإنسان في العراق عشر سنوات وننتظر)، وهي وثيقة نادرة ومهمة، وما زلت – حتى اليوم – احتفظ بالنسخة الأصلية منها، ومما جاء في هذا الملف:
هناك في العراق اليوم ستة ملايين مواطن يعانون من أمراض نفسية؛ بسبب الأزمات التي تمر بها البلاد
– وصل عدد الأرامل العراقيات إلى مليون أرملة.
– عدد الأيتام خمسة ملايين و700 ألف يتيم.
– هناك سجون سرية لا تخضع للإشراف القضائي، ومرتبطة مباشرة بقوات أمنية عراقية.
– الإعدامات وصلت لأعلى معدلاتها، وأخذت منحى طائفي، والعراق من الدول المتقدمة في معدلات الإعدام بعد الصين وإيران.
– المداهمات تمارس بشكل مهين للمجتمع؛ حيث تضرب النساء، ويضرب الرجال أمام عوائلهم، ويؤخذ الشباب بشكل عشوائي من دون أدلة ملموسة.
– أكثر من 70% من النزلاء في السجون من السُنة، وأكثر من 90% منهم متهمون بالإرهاب.
– هناك في العراق اليوم ستة ملايين مواطن يعانون من أمراض نفسية؛ بسبب الأزمات التي تمر بها البلاد.
– 35% من النازحين يعيشون في مأوى دون المستوى المطلوب، و37% من العوائل النازحة داخليًا، لا تستطيع الوصول إلى ممتلكاتها، أو أن ممتلكاتها قد دمرت أصلًا.
– مقتل أكثر من 368 صحفيًا خلال السنوات التسعة الماضية.
– العراق ثاني أسوأ مكان بالنسبة للمرأة في العالم العربي.
– طفل واحد بين كل تسعة أطفال بعمر 5 إلى 14 عامًا يعمل، وأن هؤلاء يشكلون نسبة 11% من أطفال العراق.
– نسبة البطالة بلغت 33%.
هذه الصور المؤلمة وغيرها الكثير من صور الدم والدمار والخراب ما زالت تنخر جسد الدولة العراقية
– 26% من العراقيين لا يعرفون القراءة والكتابة.
– اعتقال 12 امرأة من عائلة واحدة في منطقة التاجي، حيث تم إلقاء القبض عليهن بسبب عدم وجود أزواجهن أو أقاربهن من الرجال.
– وزارة الداخلية دأبت على عرض اعترافات لمتهمين؛ بحجة قيامهم بأعمال إرهابية، ومن المثير أن هؤلاء اعترفوا بالكثير من الجرائم، التي لم تقع أصلًا.
– جثث عثر عليها تحمل آثار تعذيب واضحة وإطلاقات نار في الرأس وثقوب نتجت عن غرس المثقاب الكهربائي في أبدان الضحايا.
– وجود قوانين جائرة تطبق بصورة انتقائية على فئات من الشعب.
– نوري المالكي – رئيس الحكومة – ذكر امتلاكه لملفات تخص مسؤولين، لم يكشف هويتهم، قال إنهم على صلة بعمليات إجرامية بحق الشعب العراقي، ولا يريد الكشف عنهم لأجل الحفاظ على مكتسبات العملية السياسية)، انتهى تقرير لجنة حقوق الإنسان البرلمانية.
هذه الصور المؤلمة وغيرها الكثير من صور الدم والدمار والخراب ما زالت تنخر جسد الدولة العراقية، وتدمر عقلية وصحة الأبرياء، فبأي منجز يمكن أن يفاخر هؤلاء الساسة الذين دمروا العراق، وكيف يمكن تصور أن إعمار الدولة العراقية يمكن أن يكون على يد من شاركوا – وتسببوا – بهذه الكارثة التي خلفتها القوات الأجنبية المحتلة، والقوات الموالية لها في الشارع العراقي من أتباع الأحزاب الحاكمة، التي تنشر الخراب في أرجاء الوطن، والآن تشارك علانية في العملية السياسية؟!
هذا هو العراق الذي دمرته الولايات المتحدة، وساهمت العملية السياسية في زرع الطائفية المقيتة بين أبنائه ونشر الخراب في ربوعه، فهل التطبيل الإعلامي يمكن أن يُنسي الشعب التاريخ القريب؟