تكملة للمقال السابق دعونا نتعرف رؤية زعيم الصهاينة وأبو الكيان المحتل لجغرافية أرض الميعاد من نظرته الإثنية القومية.
1- رؤية هرتزل لأرض الميعاد
لم يكن هرتزل أب الصهيونية، بل إن اليهود تأخروا في اعتناق الصهيونية كحركة قومية سياسية لما كانوا يرونه من خطر هذه الحركة على الجانب الروحي لليهود واستبدالها بحركة سياسية قومية ولو كانت ملحدة لا دينية مثلما هو عليه الحال مع أغلب مستوطني الكيان الصهيوني، بل حتى كما كان زعيمهم ثيودور هرتزل.
لم يكن هرتزل أول من تكلم عن اليهود ودولتهم كمشكلة، بل سبقه لذلك موشي هر وبسنكر، مع ذلك دعونا نعرف هرتزل ورؤيته لأرض الميعاد.
يرجع اليهود النجاح لهرتز لقيام الكيان المحتل، نجاح تحركاته السياسية وتجميعه لليهود بهدف تأسيس دولة تجمع اليهود من خلال التمهيد لذلك الجهد عبر كتاب فكري تنظيري يصف أساسات مشروع الصهيونية اليهودية عبر كتابه “دولة اليهود (Der Judenstaat حدد هرتزل فكرة دولة خاصة باليهود أيًا كانت جغرافيتها، فلذلك سمى كتابه دولة اليهود وليس (الدولة اليهوديةDer Judischestaat) باللغة الألمانية.
الكتاب يحدد طبيعة الدولة غير الدينية، الدولة القومية، فلذلك لم يصف كتابه بالدولة اليهودية، فهناك فرق بين مصطلح دولة اليهود والدولة اليهودية، إذ إن دول اليهود تعني كما أراد لها هرتزل هي: “دولة يظل فيها اليهود أغلبية لهم حكم ذاتي فيها، يستطيعون الحياة كما يشاؤون آمنين من المذابح”.
تغيرت رؤية هرتزل تحت ضغط المتدينين البروتستانت أولاً واليهود بعدها على رأسهم الكات البريطاني وليام هلكر
لم يكن يؤمن هرتزل بأن فلسطين هي أرض الميعاد لأسباب عديدة:
أولاً: لأنه لم يكن متدينًا، بل حتى إنه لم يتزوج يهودية، حتى إن حاخام فيينا لم يقبل بترسيم الزواج لشكه في يهودية زوجة هرتزل وقد اعترف بذلك في يومياته.
ثانيًا: كان يؤمن هرتزل بأن مشروع الأرجنتين أفضل بكثير، حتى إنه في المؤتمر الأول طرح هذا المشروع بقوة واختتم المؤتمر بانقسام بين اليهود.
ثالثًا: أعلن هرتزل صراحة أن فلسطين غير صالحة كمشروع توطين بحكم:
أ- تضاريسها وصعوبة التوسع فيها؛ “هنالك بعض الأمور التي ليست في صالح اختيار فلسطين مثل طقسها الذي لم نعد معتادين عليه، وضيق مجال التوسع فيها”.
ب- قربها من أوروبا ومشاكلها العسكرية والسياسية، إذ يقول عن مشروع الأرجنتين: “إذا ذهبنا إلى أمريكا الجنوبية سيكون هذا أفضل، لأنها أبعد عن مشاكل أوروبا العسكرية والسياسة”.
لم تكن الأرجنتين المشروع الوحيد، فقد سبقتها مشاريع أوغندا التي طرحها بارون الاستعمار اليهودي البريطاني #موريس_دي_هيرش، وقبرص والعريش وسيناء وأخرى.
تغيرت رؤية هرتزل تحت ضغط المتدينين البروتستانت أولاً واليهود بعدها على رأسهم الكات البريطاني #وليام_هلكر، ولأسباب عدة يسوقها في أواخر حياته، التي تحدد لنا أسبابًا لا دينية بقدر ماهية توسعية استعمارية، أهمها:
– تلاقي هدفه مع مشروع القوة الاستعمارية الحاكمة، فيقول هرتزل في مذكراته “إذا أخذنا فلسطين سوف تُشكل جزءًا من استحكامات أوروبا في مواجهة آسيا كموقع أمامي للحضارة الغربية في مواجهه البربرية، وعلينا كدولة طبيعية أن نبقى على اتصال بكل أوروبا التي سيكون من واجبها أن تضمن وجودنا”.
قد يقترب هذا التصور من منظور الإسلام وطبيعة الوعد الرباني للإنسان بخلافته على الأرض وعمارته لها، لكن فيه إساءة الأدب مع الله بوصفهم هذه الوظيفة الحضارية التي كلفنا الله بها بمفهوم التحالف
رأينا كيف أن لا اليهود المتدينين يؤمنون بأن فلسطين أرض الميعاد ولا حتى إن الميعاد فكرة سياسية، بل وعد بالتحالف بين يهوه والشعب ورأينا الٱن كيف أن زعيم الصهاينة من اليهود غير المتدينين #هرتزل جعل دولة اليهود هدفًا قوميًا بحتًا لا علاقة له بالعقيدة إلا بعد ضغط البروتسانت واليهود المؤمنين بالأسطورة.
2- نقد النظرة اليهودية
سأركز في قراءتي للنظرتين اليهودية الرافضة لفكرة قيام “إسرائيل” التي يقودها يهود كثر كجماعات ناتوري كارتا أو كشخصيات غربية كانت مثل ألمر برجر أو عربية مثل اليهودي المصري اليساري هارون شحاتة.
أو تلك الشخصيات الصهيونية التي كانت سببًا في قيام الكيان بعدما انطلقت من مشاريع غير مشروع فلسطين لتطبيق آراء قومية بحتة لاعلاقة للدين فيه إلا بما يخدم توجهاتهم.
تعريف الوعد وشروط تحققه ومن هو صاحب الحق: وجدنا تضاربًا حقيقيًا في تفسير مفهوم الوعد، هل يعني الوعد تحالف يهوه مع الشعب (على حسب عقيدة برجر والرابطة اليهودية في أمريكا وملتقى تورنتو)، أم أنه وعد لإبراهيم ونسله كما أكده سفر التكوين في الإصحاح 15 .
أ- نقد رؤية المدعين بأن الوعد تحالف يهوه مع الشعب
-1قد يقترب هذا التصور من منظور الإسلام وطبيعة الوعد الرباني للإنسان بخلافته على الأرض وعمارته لها، لكن فيه إساءة الأدب مع الله بوصفهم هذه الوظيفة الحضارية التي كلفنا الله بها بمفهوم التحالف، فالله عز وجل لا يحتاج تحالفًا مع جنس خلقه بيده، كما أن مفهوم التحالف مفهوم بشري قاصر يعتريه القصور والحاجة للإمداد لاكتمال القوة وحاشاه عز وجل أن يحتاج منا مددًا ونحن لا شيء أمام قدرته وعظمته وجلاله.
يحدد لنا الإصحاح الـ15، وصفًا دقيقًا للوعد وطبيعته وأصحاب الوعد الحقيقيين
2- لقد كان وعد الله لسيدنا إبراهيم تمكينًا من أرض ستكون عاصمة الانطلاق لإمامة الحق على البشرية، لا وعد سياسي عرقي قومي لجنس مفسد قاطع للوصل مع الله.
3- إن اليهود كانوا سببًا في الفساد والعلو، تحقق ذلك عبر التاريخ وصفًا وحدثًا بسبب الأنانية الجمعية التي تعتبر حجر الزاوية في سيكولوجية هذا الشعب، وتظهر هذه النفسية في صورة حقدية أنانية شركية في تحديد إله خاص بـ”إسرائيل” وفقط، بل له الحق فقط في تقديم وعد لشعب وحيد هو اليهود، فيكون بذلك وجود اليهود قائمًا على أنانية الوجود على تلك الأرض وفردانيته.
وهذا يكشف بمفهوم المعاكسة أن الأرض ارتبطت بشعوب غير اليهود قبل ذلك وأن هذا الوعد التوراتي الرعوي يهدف لتبرير إحلال من لا يستحق الأرض في مكان أصحاب الأرض، والله عز وجل من ذلك براء، فهو العادل فوق عباده.
4- الأرض خلق رباني يعطيه لمن يشاء من خلقه ممن يحقق غاية وجوده في الأرض، ويسير على عهده، فالوعد مشروط بطاعة الله وتطبيق أوامره، ولا يكون للوعد أي قيمة بمجرد بطلان شرط امتلاكه.
5- يؤمن اليهود المتدينين وحتى غيرهم أن انقطاعهم كل هذه المدة كان بسبب عدم تطبيقهم لشرع الله على هذه الأرض وفسادهم المتتالي وتسهيلهم لوصول الوثنية لقدس كما أكده ميشا الإصحاح.1/1-13
6- إذا قلنا أن حسب سوازيت ودراستها للحقيقة التاريخية لمانح الوعد أنه إله الكنعانيين وليس يهوه إله “إسرائيل”، فيكون بذلك اليهود خارج نطاق الوعد أو أن اليهود اعترفوا بإله غير إلههم.
علمًا أن الكنعانيين كانوا موحدين وذلك ما تؤكده النقوش خاصة في عهد ملكهم ملكي صادق.
7- تكون بذلك القراءة التاريخية صحيحة وتؤكد يقيننا الذي لا يكابده شك أن الله الواحد الأحد هو صاحب الوعد وبتأكيد حتى من كتبهم المنحرفة، ولا وجود لآلهتهم التي أشركوا بوجوده.
يرى عدة كتاب يهود أن يهود اليوم لا يعتبرون الاستمرار البيولوجي لقبائل أبناء سيدنا يعقوب الـ12
ب- نقد فكرة الوعد كما يراها الصهاينة واليهود المعاصرين
يحدد لنا الإصحاح الـ15، وصفًا دقيقًا للوعد وطبيعته وأصحاب الوعد الحقيقيين، تثبت الفقرات 18-21 من هذا الإصحاح أن الوعد موجه لسيدنا أدم ونسله.
يعلم كل العارفين ومن الأديان السموية الصحيحة وحتى المحرفة بأن نسل سيدنا إبراهيم يبتدأ بولدين، سيدنا إسماعيل الابن الأكبر (بتأكيد التوراة حتى التي تحدد 13 سنة بين ميلاد إسماعيل وإسحاق) والابن الأصغر سيدنا إسحاق.
بالتالي اعتمادا على التوراة المحرفة تؤكد لنا أن الوعد هو ملك لولدي إبراهيم بلا أي قرينة تحدد لنا أي الابنين أحق.
بالتالي:
1- إن إفترضنا أن النص صحيح وأن شرط الوعد الوحيد هو الجنس والأبوة الجينية، فإن التوراة تثبت لأبناء إسماعيل الحق أيضًا.
2- يحدد دارسي التوراة والعهد القديم بأن الوعد كان قبل ميلاد نسل إبراهيم، بالتالي فإن في مرحلة من مراحل التاريخ التي سبقت ميلاد سيدنا إسحاق فإن الوريث الوحيد سيدنا إسماعيل، فكيف للصهاينة الآن أن يحرموه الحق!
3- من الملاحظ عند اليهود توريث البركات، إذ إنه من العادة توريث البركة إلى الابن الأكبر واللعنة إلى الابن الأصغر (كما يظن اليهود زورًا أن إسحاق فعل بابنيه يعقوب وعيسى) وهذا النوع يتوارثه البنون والأحفاد عبر الأجيال، بالتالي حسب رؤيتهم القاصرة فإن الابن الأكبر إسماعيل ينال الميراث وينال سيدنا إسحاق ظلمًا اللعنة.
خرج عالم الجينات اليهودي إيران حايك” ليؤكد كذب أسطورة النقاء ويؤكد حقيقة أصل اليهود الخزري بعد دراسة نشرها في المجلة العلمية “جينوم بيولوجي” البريطانية
4- إن رد علينا اليهود بأن سيدنا إسماعيل ليس ابن سيدنا إبراهيم لأن أمه ليست حرة وهذا هو الباب الوحيد الذي يهربون منه للدلالة على أن سيدنا إسحاق (هو منهم براء)، فيكون الجواب بأن التوراة أقرت بالبنوة، بالإضافة إلى صفات الله العادل (التي هي نواة عقيد اليهود في الإله) لا يمكن أن يمنع ابنًا أقر بنوته (حسب توراتهم).
5- نؤمن نحن المسلمين أن الوعد هو تحميل مسؤولية لأبناء سيدنا إبراهيم ونسله المؤمنين الصالحين وهذا يخرج اليهود المغضوب عليهم من دائرة الوعد.
6- لنفترض أن الوعد صحيح وأنه وعد جنس وأبوة جينية بيولوجية، هل يهود اليوم هم نسل إبراهيم؟
3- هل يهود اليوم من نسل سيدنا إبراهيم؟
يرى عدة كتاب يهود أن يهود اليوم لا يعتبرون الاستمرار البيولوجي لقبائل أبناء سيدنا يعقوب الـ12، يذهب أستاذ التاريخ ن. بولياك في كتابه خزاريا أن أغلبية يهود اليوم من الأشكناز لا يرتبط أصلهم بسيدنا موسى وبالتالي بسيدنا إبراهيم.
كما أن أرثلر إستلر حدد أصل الأشكناز وفترة تهودهم في كتابه الثمين “يهود اليوم والقبيلة الثالثة عشر”، مؤكدًا على تهود قبائل الخزر مملكة لأسباب سياسية واقتصادية، برر بها ملك الخزر في أثناء مراسلته الحاخام الأكبر “حسداي بن شبروط” لتبرير تأسيس مملكة يهودية في القوقاز التي عرفت بعدها بـ”المراسلات الخزرية”.
لم تتوقف كتابات اليهود عن حياتهم الاجتماعية والتاريخية، فعلى عكس اليهود الذين يرون بنقاء جنس اليهود الجيني، خرج عالم الجينات اليهودي إيران حايك ليؤكد كذب أسطورة النقاء ويؤكد حقيقة أصل اليهود الخزري بعد دراسة نشرها في المجلة العلمية “جينوم بيولوجي” البريطانية التابعة لجامعة شيفلد التي درست جينات أكثر من ثلاثمئة وسبعة وستين يهوديًا ومن أبوان يهوديان.
بالتالي إن كان شرط الوعد الأبوة الإيمانية فإن أهل التوحيد من المسلمين هم ورثة هذا الوعد وترسم ذلك بإمامة رسول الله للأنبياء أجمع ومن بينهم خليل الرحمن سيدنا إبراهيم في المسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج، وإن كانت الأبوة الجينية فليس لليهود أي حق في الوعد لعدم ارتباطهم جينيًا بسيدنا إبراهيم.
جفت الأقلام ورفعت الصحف، فليعرف أهل الحق حقهم وليتحركوا لاستعادته.