هل يتمكن المغرب من أن يكون لاعبًا إقليميًا مهمًا في مجال الهجرة؟

immigration_1

مع تغير مسار الهجرة غير النظامية نحوها، تسعى المملكة المغربية أن تكون لاعبًا إقليميًا مهمًا في هذا المجال، يحسب له ألف حساب، مستغلة كل الإمكانات والظروف التي تتوفر أمامها، حتى لو اعتبرها البعض “الدركي” الذي يحمي الحدود الأوروبية.

خطة عمل إفريقية

ضمن هذا المسار، قدم العاهل المغربي الملك محمد السادس، الإثنين، لقمة قادة دول الاتحاد الإفريقي الـ30 المقامة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وثيقة هي بمثابة “الأجندة الإفريقية عن الهجرة”، من شأنها أن تساهم في إغناء عملية إعداد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، حسب نصها.

وكان العاهل المغربي قد دعا خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في القمة الإفريقية الأوروبية الخامسة في العاصمة الإيفوارية أبيدجان، إلى صياغة خطة عمل إفريقية بشأن الهجرة، وفي الـ9 من يناير/كانون الثاني، انعقد في العاصمة المغربية الرباط، المؤتمر الوزاري للنظر في صياغة أجندة إفريقية عن الهجرة، بحضور 20 وزيرًا ومسؤولاً حكوميًا إفريقيًا، من ضمنهم وزراء خارجية، وكذا ممثلي منظمات إفريقية ودولية تهتم بشؤون الهجرة.

تسعى هذه الأجندة إلى جعل الهجرة رافعة للتنمية المشتركة وركيزة للتعاون جنوب – جنوب، وأداة للتضامن

ضمن هذه الوثيقة اقترح محمد السادس على قادة إفريقيا إنشاء مرصد إفريقي للهجرة، يكون المغرب مقرًا له، وإنشاء منصب المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي المكلف بالهجرة، من أجل تنسيق سياسات الاتحاد في هذا المجال.

هذا المرصد الذي تحدث عنه العاهل المغربي، يرتكز عمله على ثلاثة محاور هي: الفهم والاستباق والمبادرة، على أن يعهد إليه بتطوير عملية الرصد، وتبادل المعلومات بين البلدان الإفريقية، من أجل تشجيع التدبير المحكم لحركة المهاجرين.

وتقترح الأجندة الإفريقية عن الهجرة فيما يخص تدبير الهجرة، اعتماد نهج قائم على سياسات وطنية وتنسيق على مستوى الأقاليم الفرعية ومنظور قاري وشراكة دولية، وتستلزم هذه الأجندة، في نظر العاهل المغربي، تغيير النموذج السائد وتحديد مفهوم جديد للهجرة يقوم على مقاربة استشرافية وإيجابية وإرادة سياسية حقيقية للدول التي من مصلحتها أن تتم عملية الهجرة في ظروف سليمة وقانونية ونظامية تحترم حقوق الإنسان.

يسعى المغرب إلى تسوية وضعية آلاف المهاجرين غير النظاميين

تسعى هذه الأجندة إلى جعل الهجرة رافعة للتنمية المشتركة وركيزة للتعاون جنوب – جنوب، وأداة للتضامن، وانطلقت إعدادات المغرب لهذه الخطة خلال القمة الـ28 للاتحاد الإفريقي، في يناير/كانون الثاني 2017، عندما أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس موافقته، بطلب من رئيس جمهورية غينيا ألفا كوندي، لتنسيق عمل الاتحاد الإفريقي في مجال الهجرة.

وفي يوليو/تموز الماضي، وضع العاهل المغربي اللبنات الأولى للأجندة، بتقديم مذكرة أولية تحدد “رؤية لأجندة إفريقية عن الهجرة” أمام القمة الـ29 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي.

دركي أوروبا

عمل المغرب لا يقتصر على القارة الإفريقية فقط، بل يمتد أيضًا إلى أوروبا، فقضية الهجرة تمثل جوهر العلاقات المغربية الأوروبية، على اعتبار موقع المملكة الإستراتيجي الذي يطل مباشرة من شمال القارة الإفريقية الفقيرة على أوروبا الغنية، مما جعل هذه القضية محور الرهانات السياسية والأمنية والاقتصادية لضفتين، المغربية والإسبانية، وكثيرًا ما يستخدم المغرب ورقة الهجرة للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل مصالحه الاقتصادية والسياسية.

ويرتبط المغرب مع الاتحاد الأوروبي باتفاقية شراكة من أجل الهجرة والتنقل بين الطرفين، تم توقيعها سنة 2013 وتهدف إلى ضبط تيارات الهجرة والتنقل وتحقيق ملاءمة العرض والطلب على العمالة ومكافحة الهجرة السرية وتحسين الحماية الدولية للاجئين وتنظيم حركة الأدمغة وتنقلها كبديل عن حركة هروب الأدمغة.

يقدر عدد المهاجرين الأفارقة المقيمين فوق التراب المغربي بنحو أربعين ألفًا

ومنذ ذلك الوقت انخفض عدد المهاجرين وتمكن المغرب من تحجيم ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا انطلاقًا من أراضيه، وتحوله إلى مركز استقبال لهؤلاء المهاجرين، بفعل سياسته الجديدة في مجال الهجرة، حتى إنه يوصف عند البعض بـ”دركي أوروبا” الذي يحمي حدودها الجنوبية من الناحية الإسبانية.

ويقدر عدد المهاجرين الأفارقة المقيمين فوق التراب المغربي بنحو أربعين ألفًا، غالبيتهم ينحدرون من بلدان جنوب الصحراء، قرروا حط الرحال بالمغرب بعدما لقوا صعوبات في اجتياز الحدود نحو الضفة الشمالية، بسبب الإجراءات الصارمة التي دأبت السلطات المغربية على استخدامها في السنوات القليلة الماضية.

أنموذج وجب الاقتداء به

اقتراح هذه الخطة الإفريقية، وترؤس العاهل المغربي الملك محمد السادس خلية تنسيق عمل الاتحاد الإفريقي في مجال الهجرة، ودوره في حماية الحدود الأوروبية، يأتي في إطار خطة عمل متكاملة ترنو من خلالها المملكة المغربية إلى تصدر دول القارة في هذا المجال.

وتتوجه الأنظار هذه السنة إلى المغرب، بعد أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرارًا يقضي باختياره لاحتضان المؤتمر الدولي للهجرة لسنة 2018، المقرر إقامته يومي 10 و11 نت ديسمبر/كانون الأول من العام الحاليّ، وسيتم خلاله اعتماد “الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة”.

هذا المؤتمر المذكور، سيكون مكملاً لأشغال المنتدى العالمي عن الهجرة والتنمية الذي يتولى المغرب وألمانيا رئاسته المشتركة، وستنعقد قمته الـ11 في مراكش (وسط)، في الفترة من 5 إلى 7 من ديسمبر/كانون الأول 2018.

الحدود المغربية الإسبانية

المغرب، يرى نفسه نموذجًا يجب أن يحتذى به في تدبير مشكلة الهجرة، وعلى الجميع الاقتداء بتجربته في هذا المجال، وسبق أن أطلق المغرب السياسة الوطنية للهجرة واللجوء التي تقوم على تسهيل إدماج المهاجرين في النظام التعليمي للمملكة، وضمان حصولهم على العلاج في المستشفيات المغربية، ومنحهم الحق في السكن وفق قوانين البلاد، وتقديم مساعدات قانونية وإنسانية لهم وتسهيل حصولهم على عمل، وللمهاجر الحق في الحصول على بطاقة الإقامة وفق شروط محددة، منها أن يكون قد مضى على استقراره في البلاد 5 سنوات على أقل تقدير.

واستفاد من المرحلة الأولى من برنامج التسوية الذي يقضي بمنح الإقامة إلى مهاجرين غير نظاميين يقيمون على أرض المملكة التي أطلقت في يناير 2014، 23 ألف مهاجر إفريقي غير نظامي، قبل أن تُطلق المرحلة الثانية منه في نهاية عام 2016 قبل الماضي، فيما استقبلت المملكة نحو 26 ألف طلب لتسوية وضعية المهاجرين غير القانونيين خلال 2017، ويهدف هذا البرنامج إلى تسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة الراغبين في الاستقرار نهائيًا في المغرب.

لا يهم العاهل المغربي محمد السادس، حسب عديد من المتابعين للشأن العام في البلاد، ماذا يخسر وماذا يقدم لشركائه الأوروبيين والأفارقة، ولو على حساب شعبه، المهم عنده الظهور بمظهر قائد السفينة الذي يسهر على سلامتها ووصولها إلى بر الأمان.