قبل عام من الآن، أعلنت منصة يوتيوب أولى صفقاتها في الشرق الأوسط في صفقة عقدتها الشركة لتأسيس أكبر الإستوديوهات الخاصة بها، كانت الصفقة هي شركة “يوتيوب سبيس دبي” في الإمارات التي تُعتبر الأولى من نوعها كمركز لمنصة يوتيوب في الشرق الأوسط، حيث تعتبر المنصة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي يكون محتوى يوتيوب الخاص به نابضًا بالحياة ومتغيرًا بشكل سريع ومتنوع المحتوى، إلا أن “يوتيوب سبيس دبي” قررت أن تستغل مركزها في الشرق الأوسط لتصدير صورة مختلفة تمامًا.
أعلنت منصة يوتيوب أنها تعمل على التعاون مع “مدينة دبي للإستديوهات” من أجل إطلاق منصتها الجديدة “يوتيوب سبيس YouTube Space” في بداية العام الماضي، للتصوير والإنتاج على مساحة 10 آلاف قدم مربع، وستكون أول مركز للتصوير والإنتاج في المدينة، وذلك لتشجيع زيادة المحتوى الإبداعي الناتج من الشرق الأوسط، وتمكين وجوده على منصة يوتيوب.
كانت مدينة دبي الوجهة الأولى لمنصة يوتيوب في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من توقع امتداد المنصة لإنشاء إستديوهات خاصة بها في مدن أخرى من الشرق الأوسط مثل القاهرة والدار البيضاء، فإن مدينة دبي للإستديوهات قررت استغلال المنصة في تصدير المحتوى الإبداعي العربي الذي كان من المفترض أن يعزز المحتوى العربي الرقمي عالميًا، فأصدرته “يوتيوب سبيس دبي” بصبغة “إماراتية” بحتة.
يقول لانس بوديل مدير “يوتيوب سبيس” في أحد لقاءاته عن “يوتيوب سبيس دبي” إن منطقة الشرق الأوسط تتمتع بأكثر المجتمعات حيوية على يوتيوب، ولديها العديد من مقدمي المحتوى الموهبين هناك، كما أن التعاون مع مدينة دبي للإستوديوهات سيساعد على تقديم الدعم القوي لمُقدمي المحتوى المبدعين، وأيضًا سيعمل على استمرار نمو المحتوى العربي على شبكة الإنترنت.
تصدر قناة “يوتيوب سبيس دبي” المحتوى العربي في يوتيوب بصبغة إماراتية
على الرغم من ذلك، قررت “يوتيوب سبيس دبي” أن تُعزز المحتوى العربي الرقمي بشكل متجاهل تمامًا للواقع العربي، من خلال صورة نمطية معينة تصدرها للمحتوى المرئي الرقمي من الدول العربية مخالفة تمامًا للواقع العربي الذي تحاول “يوتيوب سبيس دبي” أن تفرضه على المجتمع الذي يشاهد هذا المحتوى يوميًا من جميع الجنسيات المختلفة وليست العربية فقط.
من يبني تلك الحياة اليومية في دبي وأبوظبي؟
يشاهد مئات الآلاف من المستخدمين قناة “FND VLOGS” إحدى القنوات المختصة بـ”مدونات الفيديو (Vlog) الخاصة بالحياة اليومية في دولة الإمارات، في دبي وأبوظبي، من عيون حياة أصحاب الملايين اليومية، حيث تأخذك المدونة بجولة في السكن الذي يقطنه أصحاب الملايين، والسيارات التي يركبونها، والأماكن التي يتوجهون إليها ويقضون فيها سهراتهم.
يشير تقرير منظمة حقوق الإنسان إلى عمل المهاجرين العاملين في الإمارات من الهند والفلبين وإندونيسيا والنيبال وإثيوبيا أنهم يعملون تحت ظروف عمل قاسية، حيث لا تحميهم عقودهم من استغلال رب العمل الإماراتي لهم
لم تغفل مدونة الفيديو “FND VLOGS” حتى التفاصيل الدقيقة لحياة الأغنياء في دبي وأبوظبي، حيث تعرض لك حياة دبي التي تبدو شديدة الرفاهية لأي مشاهد عربي أو أجنبي، كما تبدو شديدة الانفتاح، فتعرض مدونة الفيديو الحياة في الملاهي الليلية والمحافل التي تضم جنسيات مختلفة غير عربية والحفلات الراقصة إلى آخره من المظاهر التي تصورها المدونة على أنها “انفتاح ثقافي” يختلف عما هو موجود في بقية الدول العربية.
تأتي المفارقة هنا بين الحياة اليومية لأغنى الأغنياء في دبي وأبوظبي كما تصورهم مدونة الفيديو تلك، وطبقة العمالة الكاملة التي تبني تلك الحياة أساسًا، حيث نشرت تقارير تابعة لمنظمات حقوق الإنسان الدولية معلومات تشير إلى الاستغلال الجسدي والجنسي للطبقة العاملة في الإمارات، وبالأخص العاملات النساء وتعرضهن للضرب والاعتداء الجنسي.
يشير تقرير منظمة حقوق الإنسان إلى عمل المهاجرين العاملين في الإمارات من الهند والفلبين وإندونيسيا والنيبال وإثيوبيا، أنهم يعملون تحت ظروف عمل قاسية، حيث لا تحميهم عقودهم من استغلال رب العمل الإماراتي لهم، ليقوموا بأشغال إضافية زيادة عما ينص عليه عقدهم بعدد ساعات عمل مخالفة لقانون العمل من الأساس.
قال التقرير المنشور عام 2015 نصًا “سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة قيدت بشدة في عام 2014 الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وشنت حملة على المعارضين وعلى أي شخص يعتبر تهديدًا للأمن القومي حسب ادعاء السلطات، كما أخفقت السلطات في التحقيق في مزاعم ذات مصداقية بأن قوات الأمن اعتقلت المعارضين تعسفًا وعذبتهم”.
بحسب المديرة التنفيذية في المنظمة لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سارة لياواتسون، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تعلن نفسها كمنارة للتسامح في المنطقة، ولكن الحقائق تكشف وجود حقيقة أقبح من ذلك بكثير تنم عن ازدراء لمبادئ حقوق الإنسان، هذا في ظل ما تروج له قناة “يوتيوب سبيس دبي” من أن الإمارات قطعت شوطًا كبيرًا في الحريات والانفتاح والتسامح مقارنة ببقية الدول العربية.
أطفال الإمارات: هل هذه هي حياة الطفل العربي اليومية حقًا؟
الطفل الإماراتي “رشيد بالحصا” في برنامجه على يوتيوب
كانت البرامج الأكثر مشاهدة على القناة هي برامج يقدمها أطفال في الأساس، وأكثرها مشاهدة برنامج “Money Kicks” أو “المال يضرب”، وهو البرنامج الذي تخطت مشاهداته أكثر من 75 مليون مشاهدة، للطفل الذي صُنف بأغنى طفل في الإمارات، هو رشيد بالحصا، طفل إماراتي عمره 14 سنة، يستعرض حياته الباذخة على مواقع التواصل الاجتماعي أهمها منصته “Money Kicks” على “يوتيوب سبيس دبي”.
نشر رشيد صورًا لسيارته الفيراري الجديدة وقيمتها 260 ألف دولار أمريكي رغم أنه لا يستطيع القيادة بعد، فكان ذلك حديث الكثيرين، واشتهر أكثر حينما وصلت مشاهدات قناته لعشرات الملايين حول العالم لحياة الطفل الإماراتي اليومية، وهو يتسكع مع المشاهير أو يبرز صورًا من مقتنايته الشخصية من أغلى الملابس والأحذية أو صور الـ400 حيوان، من نمور وأسود، الذي ملّكها له والده الملياردير الإماراتي سيف بالحصا.
إذا كانت قناة “يوتيوب سبيس دبي” الإماراتية تحاول الترويج لصورة معينة للطفل العربي في أكثر المحتويات الرقمية المرئية العربية، فهذا ليس غريبًا عليها، فتاريخ الإمارات في التناقضات الخاصة بالتجاهل التام لواقع الطفل العربي طويل، حيث كانت مبادرة “صُناع الأمل”، وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى تشجيع المبادرات التي تخدم المجتمعات العربية، أيًّا كان اختصاصها سواء في العمل التطوعي أو في مجال التعليم أو الإعلام أو الصحة وغيرها من المجالات المختلفة، إحدى أكثر الأمثلة وضوحًا على تناقض الإمارات فيما يخص واقع الطفل العربي.
كانت البرامج الأكثر مشاهدة على القناة هي برامج يقدمها أطفال في الأساس، فكان أكثرها مشاهدة برنامج “Money Kicks” أو “المال يضرب”، وهو البرنامج الذي تخطت مشاهداته أكثر من 75 مليون مشاهدة، للطفل الذي صُنف بأغنى طفل في الإمارات
بينما وُزعت مبادرة “صناع الأمل” على المتسابقين الذين كانت مشروعاتهم الخيرية خاصة باللاجئين وإنقاذ حياة المدنيين في الحرب في سوريا والأطفال المشردين، وهو ما يؤكد غموض وتناقض الموقف الإماراتي الذي يحارب الثورة السورية ويدعم التدخل الروسي العسكري ضمنيًا، فيقتل الأمل في البلاد ويُحييها من خلال دعم المشروعات الخيرية التي تحاول صنع الأمل في المناطق التي كانت الإمارات جزءًا من نكبتها.
المرأة العربية: هل التجميل كل ما يهمها؟
https://www.youtube.com/watch?v=WyZaaACyGvM&t=22s
لم تجد قناة “يوتيوب سبيس دبي” مجالًا تعرض فيه صورة المرأة العربية في المحتوى العربي على منصة يوتيوب سوى مجال التجميل، حيث كانت قناة “هدى بيوتي” التي وصلت إلى أكثر من 125 مليون مشاهدة، قناة لمُختصة في التجميل والمكياج لا تتحدث أصلًا العربية في فيديوهاتها وتُترجمها فقط للعربية، تتحدث فيها عن التجميل والأزياء وأنواع أدوات المكياج وكيفيه استخدامها.
المرأة العربية في كثير من الدول الأخرى لا تتمتع أساسًا بالقدرة الشرائية لأقل المنتجات التي تعرضها وتستخدمها “هدى” للتجميل في برنامجها
تصف هدى الرئيسة التنفيذية لشركة “هدى بيوتي“، التابع لها البرنامج، على صفحة البرنامج على يوتيوب، أن المكياج أو التجميل وسيلتها لجعل الفتيات يثقن بأنفسهن ويحببنها أكثر، ليكون البرنامج محاكيًا للتجارب الغربية في مدونات الفيديو الخاصة بتعليم التجميل للفتيات، وعلى الرغم من أن أنها الصورة العربية المخصصة أساسًا لتعزيز المحتوى العربي على يوتيوب، إلا أنها لا تتحدث العربية أساسًا في فيديوهاتها.
https://www.youtube.com/watch?v=Hu-sg4nOiYg
“Mo Vlogs” مدونة تتحدث عن أغلى سيارات العالم
على الرغم من أن المرأة العربية في كثير من الدول الأخرى لا تتمتع أساسًا بالقدرة الشرائية لأقل المنتجات التي تعرضها وتستخدمها هدى للتجميل في برنامجها على يوتيوب، فإن القناة لم تجد التعبير عن مشاركة المرأة العربية في محتوى يوتيوب العربي إلا من خلال فتاة لا تتحدث العربية عن منتجات لا تستطيع النساء العربيات شراءها بسبب ظروف الفقر المسيطرة على كثير من شرائح المجتمع العربي مثل مصر والسودان على سبيل المثال.
تنوعت موضوعات المنصة بين شباب يتحدثون عن أغلى السيارات في العالم مثل “Mo Vlogs” التي تعددت مشاهداتها المليار مشاهدة، وعن أغلى المنتجعات السياحية في دبي وأبوظبي، والحياة اليومية المرفهة شديدة البذخ، في إطار مغاير تمامًا لما هو عليه الحال في كثير من الدول العربية الأخرى، بل ما عليه الحال داخل الإمارات التي تصور نفسها من خلال يوتيوب على أنها أكثر الدول المتسامحة والمُرفهة، بينما الواقع أكثر قبحًا.