ترجمة وتحرير: نون بوست
“إن الادعاءات الموجهة لنا لا أساس لها من الصحة، إنها سياسة بحتة”، بهذا التصريح عقّب المسؤول الإعلامي في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، عدنان أبو حسنة، على قرار تخفيض المساعدات الأمريكية. ونستشعر من كلمات أبو حسنة أنه لا يعبر عن موقف سياسي وإنما غلبته العاطفة أثناء حديثه عن هذه المسألة. واعتبر أبو حسنة أن قرار دونالد ترامب بتجميد نحو 65 مليون دولار من المساعدات الأمريكية كان بمثابة ضربة قاصمة بالنسبة للمنظمة.
في الواقع، تختلف غزة كليا عن الضفة الغربية والأردن، حيث تسودها أزمات حادة. وفي هذا الصدد، يتوقع أبو حسنة أن هذه الأزمات ستتفاقم بسبب تجميد المساعدات، وأضاف قائلا “إننا مصدومون، ونعيش في حالة من الذعر”.
احتجاجات بريئة
تتمثل وظيفة عدنان أبو حسنة في توصيف الأوضاع، وبالفعل دأب على تصوير دونالد ترامب على أنه الرجل الشرير ومنظمة الأونروا هي الضحية. في الحقيقة، يجيد أبو حسنة هذه الوظيفة، ولكن الادعاءات التي يسوقها أبو حسنة بأن ترامب و”إسرائيل” يعادون الأونروا محض كلام فارغ. ترتكز المناهج الدراسية في المدارس التي تشرف عليها الأونروا على مبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية. ويتعلم الأطفال فيها احترام بعضهم البعض. كما يوجد في هذه المدارس انتخابات وأحاديث سياسية وبرلمان مدرسي، في محاولة لترسيخ مبادئ السلام والتسامح في أذهان الأطفال.
حيال هذا الشأن، يؤكد أبو حسنة أن إسرائيل والولايات المتحدة على علم بهذه الأمور، لذلك قدمت كلا الدولتان خلال السنوات الماضية الدعم الكامل لمنظمة الإغاثة الفلسطينية. كما يعتقد أبو حسنة أن إيقاف المساعدات في الوقت الحالي لا يستند إلى حقائق وإنما له خلفية سياسية. وأردف أبو حسنة قائلا “إنها حزمة شاملة من الإجراءات التي تعبر عن نجاح الدعاية الإسرائيلية في واشنطن. ففي البداية، قرار ترامب بشأنأن القدس، وبعده مباشرة القرار الخاص بالأونروا”.
الضفة الغربية وغزة، تعتبران من أكثر المناطق تلقيا للمساعدات في العالم
في المقابل، تنظر إسرائيل للمنظمة بطريقة أخرى. فعلى مدى سنوات، كان الكثير من السياسيين، وليس اليمين الحاكم فسحب، يقفون بالمرصاد لأنشطة منظمة الإغاثة. وباستثناء القائمة العربية الموحدة، لا يوجد حزب آخر يساند المنظمة في مواقفها. لكن هناك بعض الجماعات اليسارية في إسرائيل التي ترحب بالعمل الإنساني في مخيمات اللاجئين والمستشفيات التابعة لهم، إلا أنهم ينتقدون طريقة التلقين والأيديولوجية التي تنتهجها المدارس هناك.
خلال السنوات الأخيرة، لم يكن الوطنيون المحافظون في إسرائيل أشد المعارضين لمنظمة الإغاثة فحسب، وإنما الشعبوي الوسطي، يائير لبيد، رئيس الحزب المعارض” هناك مستقبل”، الذي وصف الأونروا في إحدى حواراته في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي بأنها “مصنع اللاجئين”.
من هذا المنطلق، يوجد ثلاثة محاور أساسية حول المساعدات المقدمة للأونروا. أولها، أن هذه المساعدات غير المستدامة تعمل على معالجة أعراض الأزمة فقط دون القضاء على أسبابها، إذ أن ثقافة المساعدات المادية تقضي تماما على أي دافع لبناء الذات، وتزيد من تفاقم الوضع المتأزم. ويتضح ذلك أكثر بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور في الضفة الغربية وغزة، اللتان تعتبران من أكثر المناطق تلقيا للمساعدات في العالم. وغالبا ما يدور الحديث في مفاوضات السلام حول عدم قدرة هذه المناطق على الاعتماد على نفسها لسنوات طويلة.
مخيمات اللجوء الفلسطيني وتوزعها في المنطقة
في هذا الإطار، يجب تسليط الضوء على هذا المحور في حالة منظمة الأونروا، خاصة عند الحديث عن توارث صفة “لاجئ” بين الفلسطينيين بالإضافة إلى حق العودة. وحسب الأونروا، يتوارث أحفاد الفلسطينيين الذين نزحوا أول مرة من أراضيهم صفة لاجئ، ويستطيعون المطالبة بحق العودة.
بالفعل، من بين خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في المخيمات الموجودة في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، يوجد عدد قليل جدا من الذين فروا من مناطقهم سنة 1948، بينما تتكون الغالبية العظمى منهم من أبنائهم وأحفادهم. وهذا ما أشار إليه يائير لبيد حين قال “إن الأونروا “اخترعت” 5.5 مليون لاجئ، ولهذا سيتم استبدالها في أقرب وقت ممكن بمؤسسة أخرى أكثر كفاءة”.
في الوقت الحالي، تدافع الأونروا عن حق توارث صفة لاجئ وحق العودة للفلسطينيين. ومؤخرا، قال المتحدث باسم الأونروا، كريس غونيس، “من السخرية أن نفكر في أنه من الممكن توزيع اللاجئين على كافة أنحاء العالم أو غلق المنظمة الوحيدة التي تهدف لمساعدتهم، حتى نجد حلا عادلا ودائما لأزمتهم”. كما يعتقد غونيس أن منظمته تعمل على أسس واضحة، وتؤمن بأن حق اللاجئين الفلسطينيين في الحصول على مساعدات مادية لا جدال فيه.
من المفارقات التاريخية أن تظل إسرائيل محتفظة بطابعها اليهودي في ظل عالم تآكلت فيه الهويات، أو تحولت لنمط من العنصرية، أو الهوية الثقافية
على الرغم من أن الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين في جنيف سنة 1951 لم تنص على حق العودة، إلا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يكفل هذا الحق للفلسطينيين. فضلا عن ذكره في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد 194 لسنة 1948 في الفقرة 11. وبناء على ذلك، يستند المؤيدون لحق العودة إلى هذه الاتفاقيات للمطالبة بحقوقهم، بينما ترفض إسرائيل هذا التفسير لبنود الاتفاقيات.
الاتهام بالتلقين
من الواضح أنه مع استمرار توريث صفة “لاجئ” أو رفض التفاوض حول “حق العودة”، لن يكون هناك حل لمشكلة الشرق الأوسط. في هذا الإطار يندرج المحور الثاني المتعلق بمسألة تأكيد الهوية. ففي إسرائيل، يعارض الجميع حق العودة إلى فلسطين، بما في ذلك اليساريين وبالأخص حزب ميرتس الاجتماعي الديمقراطي.
من المفارقات التاريخية أن تظل إسرائيل محتفظة بطابعها اليهودي في ظل عالم تآكلت فيه الهويات، أو تحولت لنمط من العنصرية، أو الهوية الثقافية. وفي الوقت الحالي، تعتبر إسرائيل ملاذا لليهود ومن الواضح أن ذلك لن يتغير. في هذا الصدد، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن حق العودة لا يهدف سوى للقضاء على إسرائيل. وقد أصبحت هذه المسألة مزعجة للغاية لدرجة أن دول العالم تتجنب الخوض فيها.
أكبر الدول الداعمة للأونروا
أما المحور الثالث، فيتعلق بسياسة التعليم التي تنتهجها مدارس الأونروا؛ إذ يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن المدارس التي تشرف عليها الأونروا تزرع في الأطفال معاداة إسرائيل أو بمعنى أدق معاداة السامية. وقد تناولت عدة منظمات هذه المسألة وعلى رأسها وكالة الأنباء الإسرائيلية “إسرائيل ريسورس نيوز” التابعة لديفيد بداين.
يتوجه أغلب النقد لهذه المدارس حول الكتب المستخدمة في التعليم، نظرا لأن هذه الكتب لا تتضمن مصطلح “إسرائيل” مطلقا ولم تُذكر إسرائيل في الخرائط الواردة فيها. علاوة على ذلك، تزعم هذه الكتب أنه ليس لليهود الحق في أرض فلسطين، فضلا عن أنه لا توجد مواقع دينية يهودية تاريخية في المنطقة. وحسب بداين، تُثني الكتب الدراسية على الكفاح المسلح ضد إسرائيل وتصفه بأنه الطريق الوحيد للتحرر. بالإضافة إلى أن هذه الكتب تعتبر توثيقا لتلك الأفعال الشنيعة.
في الحقيقة، لا يمكن الجزم ما إذا كان هذا الأسلوب في التعليم من قبيل الصدفة الساذجة أم أنه نوع من التحريض الممنهج، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تعتبره في الوقت الحالي تحريضا. ومن جانبها، تنفي الأونروا هذه الادعاءات وتدحض كافة الحجج التي تسوقها إسرائيل.
30 ألف شخص يعملون في الأونروا، الغالبية العظمى منهم لاجئون فلسطينيون، ومن المؤكد أنهم لن يشعروا في يوم ما بالتعاطف مع الدولة الصهيونية
مع ذلك، تبدو جميع حجج الأونروا حول شبهة عدائها لإسرائيل غير قادرة على دحض الادعاءات الاسرائيلية. وفي هذا السياق، تؤكد الأونروا أن مدارسها تعتمد على المنهج الذي تقدمه لها السلطة الفلسطينية، وأنه ليس لها علاقة بما يحتويه المنهج من إظهار العداء لإسرائيل. وتدعي الأونروا ذلك من أجل أن تتمكن من التعاون مرة أخرى مع إسرائيل في اليوم التالي.
عموما، تنتشر خطابات الكراهية التي يلقيها المعلمون التابعون للأونروا على شبكة الإنترنت، والتي عبروا فيها عن احترامهم لهتلر، كما أثنوا على حركة حماس، فضلا عن أمنيتهم في مشاهدة الصواريخ وهي تمطر تل أبيب. وقد شعرت الأونروا بالحرج لقاء هذه الخطابات وأبدت تحفظها عليها. وفي الوقت ذاته، تكشف هذه الخطابات الطريقة التي يتم بها إعداد الأطفال في مدارس الأونروا. لكن أي حديث للأشخاص المغتربين في غزة أو رام الله، الذين يعملون لدى الأونروا أو أي منظمة إغاثة أخرى، لا يخلو من الكلمات العدائية لإسرائيل والتي تتحول فيما بعد لمعاداة السامية.
والجدير بالذكر أن كافة المسؤولين في الأونروا على دراية بهذا الأمر. إذن لماذا كل هذه الأحاديث العاطفية حول العدالة والموضوعية؟ خاصة أن هناك 30 ألف شخص يعملون في الأونروا، الغالبية العظمى منهم لاجئون فلسطينيون، ومن المؤكد أنهم لن يشعروا في يوم ما بالتعاطف مع الدولة الصهيونية.
من المستبعد أن يتسبب تجميد جزء من المساعدات الأمريكية في كارثة إنسانية، إلا أن ذلك لا ينفي أن الأونروا تواجه بالفعل أزمات مالية خانقة. ووفقا للمنظمة، تم تسريح عشرات المعلمين من وظائفهم في القدس الشرقية والضفة الغربية، فضلا عن تسريح 100 عامل من 13 مخيما في الأردن.
علاوة على ذلك، تم إلغاء نصف الوظائف الموجودة في بعض المخيمات. وفي الحقيقة، تستطيع الكثير من الدول الغربية تقديم المساعدات اللازمة لتجاوز هذه الأزمة، وخاصة الدول الأوروبية. (كما هو موضح في الصورة) وتمتلك هذه الدول فرصة ذهبية من أجل التعبير عن مصداقيتها ورفضها القاطع لسياسة ترامب من خلال مضاعفة المعونات المقدمة للفلسطينيين.
في ظل الأوضاع الراهنة، بدأت حملة عالمية لجمع التبرعات للمنظمة. ومن جانبه، صرح عدنان أبو حسنة أن الحملة تستهدف بالأساس البنوك الإسلامية والبنك الدولي. كما ستحاول الحملة الحصول على تحويل مالي ضخم من الميزانية العامة للأمم المتحدة. وبطبيعة الحال، تستهدف الحملة الدول العربية الغنية، على غرار المملكة العربية السعودية وقطر؛ فالحديث عن عشرات الملايين بالنسبة لهذه الدول يعتبر أمرا بسيطا.
عدم توفر حياة كريمة للفلسطينيين في قطاع غزة قد يجعل المنطقة خارجة عن السيطرة، ما قد يمثل خطرا على إسرائيل أكثر من الخطر الذي يمثله على منظمة الأونروا
أرض خصبة للكراهية
من المهم أن تستمر المساعدات المقدمة لقطاع غزة لأن الوضع مزر للغاية، خلافا للضفة الغربية التي تستطيع الصمود بسبب المساعدات التي تتلقاها بصورة رسمية من كافة أنحاء العالم. فمن جانب، يعتبر قطاع غزة محاصرا من مصر وإسرائيل. ومن جانب آخر، ما زالت السلطة الفلسطينية تضع بعض القيود على القطاع، ما أدى إلى انهيار الوضع الاقتصادي.
في الوقت الحالي، جل ما تخشاه إسرائيل أن يصبح القطاع عرضة للتضليل والتحريض والتطرف. فكلما ازداد الوضع سوءا في غزة ازدادت الكراهية. ومن الملاحظ أن عدد الأطفال الذين يتسولون في الطرقات يزداد يوما بعد يوم، حتى أنهم أصبحوا أكثر عدائية في طلب المال ما قد يدفعهم فيما بعد للسرقة، بدلا من الجلوس على مقاعد الدراسة.
إلى جانب ذلك، أصبحت النساء تتحدثن عن التحرش العلني، على غرار ذلك الذي يحدث في القاهرة، فضلا عن زيادة حوادث العنف وارتفاع نسبة مدمني المخدرات. ومما لا شك فيه، إن عدم توفر حياة كريمة للفلسطينيين في قطاع غزة قد يجعل المنطقة خارجة عن السيطرة، ما قد يمثل خطرا على إسرائيل أكثر من الخطر الذي يمثله على منظمة الأونروا.
المصدر: نويه تسوريشر تسايتونغ