ترجمة وتحرير: نون بوست
لا تُعد عملية الحد من التغير المناخي أمرا سهل المنال، وهو ما دفع بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى دعم المشككين في حقيقة الاحتباس الحراري. من جانبها، تعجز فرنسا عن احترام جميع التزاماتها المتعلقة بهذه المسألة على الرغم من وقوفها وراء توقيع اتفاقية باريس. وفي الأثناء، يبدو أن الأمل في الحد من الاحتباس الحراري كي لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الفترة الصناعية، يبدو غير واقعي، وحتى أن عدم تجاوزه لدرجتين مئويتين بات هدفا يصعب بلوغه.
هل يمكننا فعلا التخلص من فائض ثاني أكسيد الكربون؟
يتصور البعض أن التكنولوجيا سوف تهب بالفعل لإنقاذ كوكبنا، وأننا سنوفر طرقا للحد من تركيز ثاني أكسيد الكربون. وتتنوع هذه الطرق ما بين عمليات إعادة تشجير الغابات وبين الاستخراج المباشر لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ويمكننا أن نفكر في تجميع جل هذه الحلول ودمجها معا بهدف الوصول إلى إحداث تأثير عالمي. في المقابل، يمكن لمحاولات خفض مستويات ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي أن تصرف انتباهنا عن الخطر المناخي الذي يحوم فوق رؤوسنا.
في هذا الصدد، عرضت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، التي كشفت عن عدة سيناريوهات يمكن أن تنتج عن الاحتباس الحراري، سيناريوهات تبعث على التفاؤل مع اعترافها بحقيقة أن “توفر وانتشار هذه التقنيات والأساليب، بما في ذلك تلك التي تقضي على ثاني أكسيد الكربون، تعتبر عرضة للشك”. وتشمل السيناريوهات المحتملة، التي تم تصوّرها خلال توقيع اتفاقية المناخ في باريس، تقنيات ترتكز على احتجاز الكربون وتخزينه في الأرض.
في السياق ذاته، اهتمّ المجلس الاستشاري العلمي للأكاديميات الأوروبية، وهو عبارة عن هيئة تجمع بين أكاديميات العلوم التابعة لدول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى النرويج وسويسرا، بهذه المسألة. وقد قدم المجلس تقريرا كاملا يتحدث عن الدور الذي من الممكن أن تلعبه “تكنولوجيات الانبعاثات السلبية” (والتي تمتص كميات من ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تُطلقه).
محطة توليد الطاقة الحرارية في أوكرانيا
قدرة محدودة
مع ذلك، شكّك التقرير في قدرة هذه الأساليب على تلبية احتياجات الكوكب. كما أنه أشار إلى حقيقة أن بعض هذه الأساليب لا زالت في طور دراسة مصداقيتها وآثارها المحتملة على البيئة والتنوع البيولوجي، وسلامتها الاقتصادية، وحتى المنافسة فيما بينها في استخدام الأراضي.
علاوة على ذلك، ذكر معدّو التقرير أنه “وبعد استعراض الأدلة العلمية المتعلقة بمختلف الخيارات المحتملة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون باستخدام تكنولوجيات الانبعاثات السلبية، نستنتج أن هذه التكنولوجيات لا توفر سوى قدرة محدودة لإزالة الغاز الكربوني من الغلاف الجوي. وفي الحقيقة، يُعد ذلك بعيدا عن المستوى المتوقع الذي ذُكر في بعض السيناريوهات المناخية (الذي يبلغ حدود بضعة جيغاتونات من الكربون كل سنة بعد سنة 2050)”.
كما جاء في التقرير أن “تكنولوجيات الانبعاثات السلبية يمكن أن تلعب دورا مفيدا، ولكن استنادا إلى المعلومات المتوفرة حاليا، وليس على المستويات اللازمة لإصلاح فشل التدابير غير الملائمة والرامية لخفض الانبعاثات”.
لا ينصح التقرير بالتخلي عن القيام بدراسات وتجارب، على افتراض أن مبدأ مكافحة الاحتباس الحراري يقتضي الأخذ بعين الاعتبار لأي مساهمة قد تكون مفيدة بغض النظر عن ضآلتها
“ليس هناك حل شبيه بالمعجزة”
تمثل محاولة الرفع من القدرة المشكوك فيها للطرق المعتمدة في استخراج الكربون خطرا سياسيا محدقا، حيث قد يستغلها بعض صناع القرار لتبرير عدم صرامتهم إزاء خفض انبعاث الغازات الدفيئة. وفي هذا السياق، نوه معدّو التقرير إلى أن “التفكير، بوعي أو من دون وعي، في أن التكنولوجيا سوف تهبّ لإنقاذنا إذا فشلنا في الحد من هذه الانبعاثات بما فيه الكفاية، قد يمثل رؤية مثيرة للاهتمام”.
وأضاف معدّو التقرير أنه “إذا ما اعتبرنا أن مثل هذه التكنولوجيات بمثابة آلية آمنة أو حلا احتياطيا، فقد يؤثر ذلك على الأولويات الواجب إتباعها ضمن إستراتيجيات الحد من الانبعاثات على المدى القصير. ويعود ذلك إلى أن الوعود التي تتحدث عن تركيز تكنولوجيات ربحية في المستقبل تعد أكثر جاذبية من الناحية السياسية مقارنة بالالتزام باتخاذ تدابير سريعة ومعمقة في الوقت الراهن. نتيجة لذلك، قد ينجر عن تعليق تطلعات غير واقعية على هذه التكنولوجيات، عواقب وخيمة ولا رجعة فيها بالنسبة للأجيال القادمة، في حال أخفقت هذه التكنولوجيات في الوفاء بوعودها. كما سيشكل ذلك أيضا خطرا أخلاقيا يمكن اعتباره نقيضا للتنمية المستدامة”.
أما بالنسبة للمجلس الاستشاري العلمي للأكاديميات الأوروبية، فإن “التكنولوجيات القادرة على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي لا تعتبر بالتأكيد حلا كالمعجزة، وإنما هي بمثابة دفع ينبغي أن يشجع صناع القرار السياسي على مضاعفة جهودهم للتسريع في عملية خفض الانبعاثات”.
ذوبان الجليد في القطب الشمالي
“لا زال يتعين علينا دراستها”
في المقابل، لا ينصح التقرير بالتخلي عن القيام بدراسات وتجارب، على افتراض أن مبدأ مكافحة الاحتباس الحراري يقتضي الأخذ بعين الاعتبار لأي مساهمة قد تكون مفيدة بغض النظر عن ضآلتها. وقد أوضح العلماء أنه “على الرغم من القيود المفروضة على تكنولوجيات الانبعاثات السلبية، يظل إيقاف زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي شبيها بسباق مع الزمن. خلافا لذلك، تبدو البشرية بحاجة إلى جميع الأساليب الممكنة للحد من الاحتباس الحراري، مثلما جاء في قائمة أهداف اتفاقية باريس.
وأضاف العلماء أنه “من المهم مواصلة العمل على تحديد أفضل التكنولوجيات والظروف التي يمكن أن تساهم في التخفيف من حدة آثار تغير المناخ، علما وأنه لا ينبغي أن ننتظر أن تؤدي هذه التكنولوجيات دورا رئيسيا في التحكم في تغير المناخ اليوم”.
لا زال من الضروري الحد من الانبعاثات بسرعة
لا يزال الوضع خطيرا، إذ أن تحقيق هدف الوصول إلى مستوى انبعاث حراري أقل من درجتين مئويتين بحسب ما جاء في اتفاقية باريس، يتطلب أن تبلغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 1000 جيغاتون بين سنة 2011 و2100، مع تحقيق توازن بين الانبعاثات وكميات الغاز الكربوني الممتص بحلول سنة 2050. مع ذلك، ومنذ سنة 2011، بلغت الانبعاثات 200 جيغاتون بالفعل، وهو ما يجبرنا على عدم تجاوز 800 جيغاتون المتبقية على أمل الحد من الاحتباس الحراري إلى ما دون الدرجتين المئويتين. وفي الوقت الحاضر، تقدر الانبعاثات السنوية بحوالي 36 جيغاتون، وهو ما يكفي لاستنفاد “الرصيد المتبقي” بحلول سنة 2040.
في هذا الشأن، تشدد الدراسة التي أعدها المجلس الاستشاري العلمي للأكاديميات الأوروبية على هذه النقطة، التي تتمثل في ضرورة تركيز الأطراف المُوقعة على اتفاقية باريس على “التخفيض السريع لانبعاثات الغازات الدفيئة”. ويأمل معدّو التقرير في ألا يقتصر عملهم “على تقوية عزيمة الاتحاد الأوروبي على التصدي لظاهرة تغير المناخ فحسب، بل أيضا إتاحة إمكانية توظيف تكنولوجيات الانبعاثات السلبية في المستقبل من منظورها الصحيح”.
سبع طرق لامتصاص ثاني أكسيد الكربون
يمكن أن يؤدي تغيير الممارسات الزراعية إلى تحسين تخزين الكربون في التربة
درس المجلس الاستشاري العلمي للأكاديميات الأوروبية في تقريره عدة أساليب اصطناعية لالتقاط ثاني أكسيد الكربون. وقد تم بالفعل تطبيق بعض هذه التقنيات، في حين أن البعض الآخر لا يزال مجرد نظريات.
إعادة التحريج والتشجير: على الرغم من أن الأمر يتمثل في كلتا الحالتين في زرع الأشجار، إلا أن الفارق الوحيد بينهما يتجسد في أن إعادة التحريج ترتبط بإعادة زرع الأشجار في الأراضي التي قطعت منها الأشجار (جراء الظواهر الطبيعية أو بفعل الإنسان). أما التشجير فيتعلق بالأراضي التي لم تكن أراض غابية منذ فترة طويلة. وباعتبار أن المناطق المشجرة تمتص ثاني أكسيد الكربون، فمن شأن مضاعفتها أن تسمح بالتخلص من المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
إدارة الأرض: يمكن أن يؤدي تغيير الممارسات الزراعية إلى تحسين تخزين الكربون في التربة. وتهدف الزراعة المكثفة إلى استنفاد جزء من هذا الكربون المتراكم بصفة طبيعية. كما أن استخدام التقنيات التي تحد من العمل على التربة، واستخدام المخلفات النباتية والسماد العضوي لتغطية الحقول، تندرج ضمن بعض الطرق التي قد تساهم في إعادة تشكيل جزء من الكربون في التربة.
الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه: ينطوي ذلك على استبدال الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة المتجددة ذات المصدر النباتي، التي ستحتجز الكربون خلال دورتها الحياتية. ومن بين الأمثلة على ذلك؛ استخدام الفضلات العضوية لإنتاج الحرارة.
تخصيب المحيطات: يتلخص الهدف من هذه الطريقة في زيادة قدرة المحيطات بصفة اصطناعية على امتصاص ثاني أكسيد الكربون
تحسين التجوية: تتمثل التجوية في عملية التحول الطبيعي للمعادن، سواء كان ذلك بفعل المناخ أو النباتات. وكمثال على ذلك، يتم انحلال ثاني أكسيد الكربون في مياه المحيط وتحويله لاحقا إلى معادن. علاوة على ذلك، يمكن أن تحدث تفاعلات كيميائية بين بعض الصخور ومياه الأمطار، وهو ما من شأنه أن يحول المعادن عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
كما ينطوي تحسين التجوية على استخدام هذه العمليات عن طريق تسريعها بشكل اصطناعي. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تُنشر حبيبات “هلام السيليكا” على مساحات واسعة من الأرض بحيث تمتص التربة المزيد من الكربون.
احتجاز الكربون وتخزينه مباشرة من الهواء: تماما مثلما يوحي بذلك اسمها، ترتكز هذه التقنيات على فصل ثاني أكسيد الكربون عن الهواء واحتجازه قبل تحويله وتخزينه.
تخصيب المحيطات: يتلخص الهدف من هذه الطريقة في زيادة قدرة المحيطات بصفة اصطناعية على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، لا سيما عن طريق تسريع نشاط العوالق النباتية التي تستخدم الغاز الكربوني لإثراء المحيط بالمواد العضوية.
احتجاز الكربون وتخزينه: عند هذه المرحلة، يجب البحث عن غاز ثنائي أكسيد الكربون مباشرة من مصادر الانبعاثات الملوثة، على غرار محطات التوليد والمصانع التي تستعمل الوقود الأحفوري.
المصدر: نوفال أوبسرفاتور