جروح وأهات تُحكى خلف قضبان حديدية، قصص وروايات تكتب لهن بموسوعات تدرس للأجيال، ولكل قصة ورواية، حكاية هم كبير، تفاصيل مؤلمة ووجع عميق بحاجة لمن يحمل رسالة من الإنسانية لنزعها واقتلاعها من جذورها، جرحهن دموع بأعينهن، يزيد من شعلة القهر والألم على حالهن، مرض يتفشى في جسدهن كالرمل على البحر، يداس عليه دون أي تردد.
موت بطيء خلف تلك القضبان الحديدية يطل عليهن في كل ثانية، طعام سيء يقدم لهن كوجبة أساسية، يتقاسمن الأغطية لعلهن يخففن شيئاً من وجع البرد القارص، يتساومن على تبديل ملابسهن ونظافتهن الشخصية مقابل اعترافهن بتهم ملفقة لهن، أو لجعلهن عبرة لمن لا يعتبر من النساء الفلسطينيات كنوع من الردع بالقوة.
فجنود تلك القضبان الحديدية لا يعرفون الرحمة ولا يفرقون بين الرجال والنساء من الأسرى، فاعتقالهن مع ما يصاحب ذلك من الضرب والتعذيب والإيذاء الجسدي جزء كبير من حياتهن، دون مراعاة لطبيعة جسدهن، ودون احترام لأنوثتهن وخصوصيتهن الحساسة، ظروف قاهرة لا يكاد يقوى عليها أشد الرجال فما بالك بالمرأة ذلك المخلوق الضعيف العاطفي!
هل تستطيع أن تتحمل الظروف القاسية التي ترافق علمية الاعتقال منذ بدايتها وتمتد أثارها إلى ما بعد الاعتقال؟ وهي المرأة الفلسطينية التي تحوز على هالة من القداسة والاحترام بين أبناء الشعب الفلسطيني، فكيف تجد نفسها في الزنازين وتحت رهن الاعتقال، وفي غرف ضيقة معتمة وباردة، لا يدخلها بالكاد شعاع شمس أو نسمة هواء.
غرف يقبعن بها الأسيرات الفلسطينيات خلف تلك القضبان الحديدية الإسرائيلية، تفتيش ليلي مستمر من الجنود مفاجئ لهن دون أي إشعار مسبق، لا يتمكن من ستر أنفسهن وهن نيام مما يخدشن حيائهن، داخل هذه الزنازين يوجد الفتيات والزوجات والأمهات ومنهن الجريحات، يقهرن في الثانية ألف مرة، وبالرغم من أن المؤسسات الدولية تسن القوانين وتضع التشريعات التي تحرم من ممارسة العنف والتعذيب ضد النساء، لكن حقيقة الأمر أنها تغض النظر عن تجاوزات الاحتلال وجرائمه ضد الأسيرات الفلسطينيات، الأمر الذي يشجع الاحتلال على الاستمرار في جرائمه ويجعل المجتمع الدولي نفسه شريكاً فيها.
إسراء الجعابيص
الأسيرة إسراء جعابيص، والتي تعاني من حروقات شديدة في أنحاء جسدها ولم تتلق أي علاج في سجون الاحتلال، قد مضى عامين على إصابتها، بعد أن لفق لها الاحتلال تهمة الشروع بقتل جندي صهيوني، لكن حقيقة الأمر سببه انفجار انبوبة غاز ناتج عن خلل في سيارتها على بعد 500 متر من حاجز زعيم، فهو حادث عابر، ولكن بنظر الاحتلال جريمة لا بد أن يعاقب عليها قانون الاحتلال، فتمارس عليها سياسة الإهمال الطبي كغيرها من الأسيرات.
المجتمع الفلسطيني ينظر للأسيرات الفلسطينيات نظرة إجلال وإكبار وأسرهن ترافقهن أثناء المحاكمة وطوال فترة العقوبة ويحفظ هذا المجتمع للمرأة الأسيرة كافة حقوقها
تشتكي جعابيص الجروح بالوجه والصدر والظهر من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، ولكن دون جدوى من إدارة سجنها، ظروف وأوضاع قاسية تعاني منها جعابيص والأسيرات الفلسطينيات خلف تلك القضبان الحديدية تاركين خلفهن حياتهن وأولادهن وأزواجهن وأمهاتهن وأحلامهن المقيدة بالزنازين، فالصمت القاتل من المجتمع الدولي لا يعطي بصيص أمل من الإنسانية أو حتى من وصول صرخات ونداءات جعابيص وغيرها من الأسيرات لهم.
الأسرى الفلسطينيون هم أسرى حرية وليس مجرمين وينطبق عليهم نصوص اتفاقية جنيف الرابعة بشأن معاملة الاسرى والجرحى والتي تنص أيضًا على معاملة خاصة لهؤلاء الأسرى وعدم محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية كمجرمين ومخالفين للقوانيين العسكرية، بل الاحتفاظ بهم كأسرى حرية لحين الإفراج عنهم، فحق مقاومة الاحتلال من الحقوق التي تنص عليها كافة القوانين الدولية وقوانين حقوق الانسان، حيث يوجد في سجون الاحتلال ما يقارب من (58) أسيرة بينهن (13) أسيرة جريحا، و(15) أسيرة قاصرة، و(18) أسيرة أم لديهن أبناء، و(10) أسيرات مريضات يعانين من أمراض مختلفة ولا يتلقين علاج مناسب.
وبالرغم مما يكنه المجتمع الفلسطيني للمرأة بصفته مجتمعاً محافظاً فإنه ينظر للأسيرات الفلسطينيات نظرة إجلال وإكبار وأن أسرهن ترافقهن أثناء المحاكمة وطوال فترة العقوبة ويحفظ هذا المجتمع للمرأة الأسيرة كافة حقوقها مثلما وهي حقوق الأسير فتراها في صدر المؤتمرات والندوات والاحتفالات تكرم وتحترم ويحفظ لها الحقوق وتخلد تجاربها وتدرس من خلال اتحادات لجان المرأة وجمعياتها.