بعد مرور ما يقارب الأربعة أشهر على توقيع آخر اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس في العاصمة المصرية القاهرة مطلع شهر أكتوبر الماضي، لا تزال الخلافات السياسية بين الحركتين مستمرة، فيما لم تشهد ملفات المصالحة أي تحرك على الأرض وبقيت مكانها سر.
ورغم أن حركة حماس تنازلت في الـ17 من شهر سبتمبر الماضي عن الهيئة الإدارية التي شكلتها في غزة، لضمان نجاح المصالحة وتخفيف وطأة الحصار الذي ألقى بكل ظلاله السلبية والقاسية على مليوني مواطن بغزة، فإن القاهرة فشلت في إحراز أي تقدم أو حتى رفع الحصار عن القطاع، ويبدو أنها رفعت يدها عن ملف المصالحة، لتجبر حركة حماس على اتخاذ الخيار الأصعب.
وبحسب مراقبين وسياسيين، فإن حركة حماس لن تقف مكتوفة الأيدي مما يجري في قطاع غزة، في ظل تجاهل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معاناة الغزيين واستمراره في فرض العقوبات على القطاع التي شلت الحياة تمامًا ودفعت نحو تأزم الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
الخيار الأصعب
مراسل “نون بوست”، علم من مصادر فلسطينية رفيعة المستوى، أن حركة حماس استأنفت اتصالاتها وتحركاتها مع الفصائل الفلسطينية، وكذلك النائب المفصول من حركة فتح محمد دحلان، لوضع آلية واضحة للتعامل مع الوضع الراهن والمتردي في قطاع غزة.
في شهر ديسمبر من العام الماضي، أصدرت حركة حماس بيانًا صحفيًا، خيّرت فيه حكومة الحمد الله بين تحمّل مسؤولياتها كاملة في قطاع غزة، أو الاستقالة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني جديدة
وكشفت المصادر الخاصة، أن حركة حماس أبلغت جهات معنية وبما فيها الوسيط المصري، أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه تجاهل الرئيس عباس لاتفاق المصالحة ورفضه رفع العقوبات التي فرضها على القطاع مطلع شهر أبريل الماضي، وعدم تنفيذه باقي بنود الاتفاق.
وذكرت أن حكومة التوافق الوطني التي يترأسها رامي الحمد الله، منذ أكثر من 125 يومًا، متسلمة الوزارات كافة في قطاع غزة بشكل رسمي، لكن حتى هذه اللحظة لم تتخذ أي قرار جاد يتعلق بحصار غزة ومعاناة سكانها التي وصلت لمرحلة الخطر الحقيقي، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وتحدثت المصادر لـ”نون بوست”، أن أحد الخيارات التي ستكون متاحة أمام حركة حماس، العودة للتهديد الذي أطلقته نهاية العام الماضي، بتشكيل حكومة “إنقاذ وطني” خلال الفترة القليلة المقبلة بالتشاور مع الفصائل بما فيهم النائب دحلان.
وفي شهر ديسمبر من العام الماضي، أصدرت حركة حماس بيانًا صحفيًا، خيّرت فيه حكومة الحمد الله بين تحمّل مسؤولياتها كاملة في قطاع غزة، أو الاستقالة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني جديدة.
في مسيرة حاشدة بغزة، طالبت نقابة الموظفين، حكومة التوافق الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله بالرحيل وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتحمل مسؤولياتها تجاه الموظفين
وقالت الحركة: “حكومة الحمد الله تسلّمت كل مسؤولياتها في الوزارات بشكل كامل في قطاع غزة، ولم تبذل أي جهد في التخفيف عن أبناء شعبنا وفق الصلاحيات، بل استمرت بفرض العقوبات الظالمة على أهلنا، وفشلت فشلًا ذريعًا في مسار إنهاء الانقسام وتطبيق الاتفاقات المعقودة في القاهرة”.
كما دعا المجلس التشريعي الفلسطيني وكتلة حركة حماس البرلمانية، في الـ17 من شهر يناير الحاليّ، لتشكيل حكومة إنقاذ وطني تضم كل الفصائل الفلسطينية وفق اتفاق المصالحة 2011، واعتبار حكومة الحمد الله حكومة “غير شرعية”، حيث لم يُصدَّق عليها من المجلس التشريعي ولم تتم الرقابة عليها.
وكذلك طالب النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، بتشكيل حكومة إنقاذ وطني فلسطينية؛ باعتبارها ضرورة لمواجهة تحديات استهداف القدس واللاجئين، ومواجهة المخاطر التي تتهدد القضية الفلسطينية، وآثار الانقسام ومخاطر استمراره.
وفي مسيرة حاشدة بغزة، طالبت نقابة الموظفين، حكومة التوافق الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله، بالرحيل وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتحمل مسؤولياتها تجاه الموظفين.
كما دعت النقابة، خلال كلمة ألقاها رئيسها يعقوب الغندور أمام مقر مجلس الوزراء في مدينة غزة، الفصائل الفلسطينية والراعي المصري لاتفاق المصالحة إلى تحمل مسؤولياتهم وإنقاذ المصالحة الفلسطينية قبل فوات الأوان.
حكومة الإنقاذ
من جانبه، أكد عبد الحميد المصري القيادي فيما يعرف بـ”التيار الإصلاحي الديمقراطي” في حركة فتح الذي يتزعمه محمد دحلان النائب المفصول من حركة فتح، أن الرئيس محمود عباس وفريقه لا يريدون مصالحة مع حركة حماس أو غيرها.
وقال المصري: “عباس يتعامل بانتقام مع القطاع، ويريد تركيعه وسحب سلاحه، ويسعى لإخضاعه لفريقه”، موضحًا أن “الفصائل الفلسطينية لا تغير شيئًا من قناعات عباس وسلوكه على الأرض، ولا يأبه بأي شيء مقابل تمرير سياساته الانتقامية”.
ورفض المصري ادعاءات الرئيس عباس بعدم امتلاكه أموال لصرف رواتب لموظفي غزة، متسائلاً: “كيف كان يدفع الرواتب من قبل وكيف كانت تصرف الميزانيات على القطاع قبل أحداث 2007؟”.
ورأى أن عباس يتعامل مع سكان القطاع على أنهم درجة ثانية، مشددًا على ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطني لاستدراك أوضاع الناس في غزة وعدم إرهانهم لمزاج عباس وسلوكه، بعدما ثبت للجميع أنه يعادي أطياف الشعب كافة.
من جانبه، أكد المحلل السياسي حسام الدجني، أن المصالحة الفلسطينية دخلت النفق المظلم، وباتت كل الخطوات التي تم قطعها خلال الشهور الأخيرة لا تعني شيئًا في ظل الوضع القائم وتبادل الاتهامات بين الحركتين.
ولفت الدجني إلى أن حركة حماس قد تلجأ لخيارات أخرى في قطاع غزة، وقد يكون تشكيل حكومة إنقاذ وطني لنشل القطاع من أزماته مطروح بقوة للنقاش، ويمكن أن تسلك الفصائل بغزة بقيادة حماس ذلك، رغم صعوبة تطبيقه.
واعتبر المحلل السياسي، أن استمرار الحكومة في تجاهل مهامها في قطاع غزة، ورفض رفع العقوبات على الغزيين، سيكون دافعًا لتصعيد قادم، في حال لم تتدخل مصر في الوقت المناسب.
الجدير ذكره أن حكومة الحمد الله مر على تسلمها قطاع غزة ما يقارب الـ125 يومًا، وحتى اللحظة لم تُرفع العقوبات التي فرضها الرئيس عباس على غزة، مطلع شهر أبريل من العام الماضي، وشملت “تقليص رواتب موظفي السلطة في القطاع وتخفيض الكهرباء (تمت إعادتها قبل أسابيع) ووقف كل أشكال التحويلات المَرضية والبنكية من غزة وإليها وإبقاء الحصار وعدم فتح المعابر”.
وفي 12 أكتوبر الماضي، وقعت حركتا فتح وحماس اتفاق مصالحة برعاية مصرية، اتفقتا بموجبه على “تمكين” حكومة الوفاق الوطني بغزة بالتوازي مع الضفة المحتلة.
وجاء توقيع الاتفاق بعد أن شهد ملفّ المصالحة تطوّرات مهمة في الفترة الأخيرة، فعقب قرار حماس حل اللجنة الإدارية الحكومية بغزة في 17 من سبتمبر الماضي، قرر عباس إرسال حكومته إلى القطاع لعقد اجتماعها الأسبوعي، وهو ما تم فعليًا في الثاني من شهر أكتوبر الماضي.