يواصل الجنود المتقاعدين والمشطوبين والمعطوبين في عمليات مكافحة الإرهاب في الجزائر وذوي الحقوق وأفراد التعبئة للجيش الشعبي الوطني، احتجاجاتهم في مناطق مختلفة من البلاد، رغم “تخوين” بعضهم من السلطات التي منعتهم من الوصول إلى العاصمة بحجة منع التظاهر هناك والخوف على الأمن العام.
منع من الاحتجاج
احتجاجات هذه الفئة التي خدمت خلال فترة الأزمة الأمنية العنيفة في التسعينيات، لم تكن وليدة اليوم، بل تأتي في سياق احتجاجات بدأت منذ سنوات، نتيجة ما يصفونه بتخلي الدولة عنهم، عقب تأديتهم واجبهم في استعادة الأمن والحفاظ على الدولة والنظام الجمهوري، وردع الجماعات الإرهابية في التسعينيات، وتحقيق المصالحة الوطنية في البلاد.
ويتوزع العسكريون المحتجون الذين يتجاوز عددهم 120 ألف، بين جنود الجيش الذين أحيلوا إلى التقاعد بعد عجزهم عن الخدمة العسكرية، والمشطوبين، وجنود الاحتياط الذين أعيد استدعاؤهم إلى الخدمة العسكرية للمشاركة في عمليات “مكافحة الإرهاب” في فترة التسعينيات التي تعرف بالعشرينية السوداء في الجزائر، وذلك بعد تدخل الجيش، في 12 من يناير/كانون الثاني 1992، وإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي كانت جرت في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 1991، وفاز بها الإسلاميون.
تخشى السلطات الجزائرية من وصول المحتجين إلى العاصمة والتظاهر هناك وتنفيذ وقفات احتجاجية أمام مقرات الدولة السيادية
وقد عاد ملف حقوق عناصر القوات النظامية المختلفة التي شاركت في عمليات مكافحة الإرهاب في بداية تسعينيات القرن الماضي، إلى الواجهة في الجزائر، بعد سلسلة تحركات واحتجاجات نفذها الآلاف من الجنود السابقين في الجيش وجنود الاحتياط، بالإضافة إلى عناصر سلك الحرس البلدي، وذلك للمطالبة بحقوقهم المادية والاعتراف بتضحياتهم التي قدموها من أجل الحفاظ على الدولة والنظام الجمهوري ومكافحة الجماعات المسلحة، بعد رفضهم المنح المالية التي وصفوها بـ”المتواضعة” التي حصلوا عليها من وزارة الدفاع الجزائرية.
وفي كثير من المرات منعت السلطات الجزائرية هؤلاء الجنود من ممارسة حقهم الدستوري في الاحتجاج، حتى إنها أقدمت في أكثر من مرة على تعنيف المتظاهرين في مناطق مختلفة من البلاد، على غرار ما حدث في مدينة سطيف مؤخرًا، حيث استدعت السلطات قوات الحرس الجهوري لفضّ مسيرتهم هناك.
وتخشى السلطات الجزائرية من وصول المحتجين إلى العاصمة والتظاهر هناك وتنفيذ وقفات احتجاجية أمام مقرات الدولة السيادية، لذلك لجأت نهاية الشهر الماضي إلى غلق الطرقات المؤدية إليها، ونشرت سيارات الدرك والأمن، وعناصر مكافحة الشغب المدججون بالعصي ووسائل تفريق وفضّ الاعتصامات والكلاب البوليسية، لتفتيش السيارات التي تحمل أكثر من رجلين والحافلات القادمة من المحافظات، والتدقيق في هوية الركاب وإنزال كل من يشتبه في انتمائه إليهم.
اتهامات تطال المحتجين
هذه الاحتجاجات التي ينفذها هؤلاء الجنود، اعتبرتها وزارة الدفاع الجزائرية “سلوكيات غير قانونية”، حيث قالت الوزارة في بيان لها: “بعض هؤلاء يقدمون أنفسهم كضحايا هُضمت حقوقهم الاجتماعية والمادية، ويستعملون الشارع كوسيلة ضغط لفرض منطقهم، وقد انتهجوا سلوكيات غير قانونية، محاولين بث مغالطات وزرع الشك وسط الرأي العام الوطني”.
منع المحتجين من الوصول إلى العاصمة الجزائر
أدان البيان “انخراط بعض الأقلام التي تدّعي اهتمامها بانشغالات أفراد الجيش الوطني الشعبي، مُحاوِلة استغلال هذا الملف لأغراض شخصية”، وحذرت القيادة العسكرية العليا “من وجود عناصر لا علاقة لها بهذا الملف، كونها تحاول إدراج مطالبها ضمن مطالب الفئات المعنية، في حين أنها تدخل ضمن فئة المشطوبين من صفوف الجيش الوطني الشعبي لأسباب انضباطية وقضائية صدرت في حقّهم أحكام نهائية”.
وتلزم وزارة الدفاع الجزائرية ضباط الجيش وضباط الاحتياط والمستخدمين العسكريين المتقاعدين، بواجب التحفظ، وذلك وفقًا لقانون صادر في يونيو 2016، حيث يلزم القانون العسكريين بعد التوقف النهائي عن الخدمة، بأن “يظلوا ملتزمين بواجب التحفظ، وأي إخلال بهذا الواجب الذي من شأنه المساس بشرف واحترام مؤسسات الدولة، أن يكون محل عدد من الإجراءات”.
مطالبهم
مطالب المحتجين التي تتجاوز الثلاثين، تنقسم إلى ثلاثة أصناف، صنف أول يتعلق بالجانب المالي، وصنف ثاني يتعلق بالجانب الاجتماعي وثالث معنوي، وتنحصر المطالب المالية حسب عريضة مطلبية، في رفع قيمة الحد الأدنى للأجور مرتين عن الحد الأدنى المعمول به، بدلاً من مرة ونصف، أي 36 ألف دينار جزائري (254 يورو) بدلاً من 27 ألف دينار جزائري (190 يورو)، كما يطالبون ضمن المحور نفسه بـ”رفع معاش التقاعد الخام من 85% إلى 90%” بالنسبة لصف الجنود وصف الضباط، و”توحيد منحة الجريح على جميع الأفراد”، مع “صرف الإجازات منذ سنة 1962”.
هذه التعهدات لم تنه هذا الملف ولم ترق بحسب ممثلي هذه الفئات العسكرية والأمنية إلى سقف مطالبهم
ويطالب المحتجون في الشق الاجتماعي، بتسوية وضعية المشطوبين خلال العشرية السوداء وتعويضهم، مثلما حصل مع الإرهابيين الذين سفكوا الدماء واستفادوا من قانون المصالحة الوطنية، حيث قدّمت الدولة منحًا بقيمة سبعة آلاف دولار أمريكي لعائلات الإرهابيين المقتولين في الجبال والمفقودين، وفقًا لتدابير قانون المصالحة الوطنية الذي صدر عام 2005.
فضلاً عن ذلك يطالبون في الجانب الاجتماعي بإعادة النظر في تسوية ملفات غير المنسوب وترقية الشهداء الذين لم تتم ترقيتهم إلى رتب أعلى، إلى جانب فتح مكاتب تمثيلية لصندوق الضمان الاجتماعي العسكري، على مستوى القطاعات العسكرية، وإبرام اتفاقيات مع العيادات الخاصة لجميع الولايات، وتسليم الوثائق وشهادات الأجور مفصلة ولو مرة في السنة.
ويرفع المحتجون في الشق المعنوي، مطالب تتعلق بمنح وسام الجريح لكل جرحى مكافحة الإرهاب، ومنح وسام لشهداء الواجب وتسمية الدفعات المتخرجة باسمهم، مع المطالبة بالتكفل الأمثل بالجرحى والمعطوبين، وإيجاد صيغة للإعانة في السكن بجميع صيغه.
يتهم الجنود القدمى الدولة بعدم الاستجابة لمطالبهم
سبق أن أصدرت وزارة الدفاع الجزائرية قانون المستخدمين العسكريين المتضمن آليات تعويض الجنود الجرحى في عمليات مكافحة الإرهاب وجنود الاحتياط المعاد استدعاؤهم وعائلات الجنود القتلى، فيما تعهد وزارة الداخلية بتسوية حقوق 7 آلاف من عناصر الحرس البلدي، إلا أن هذه التعهدات لم تنه هذا الملف ولم ترق بحسب ممثلي هذه الفئات العسكرية والأمنية إلى سقف مطالبهم.
عدم استجابة السلطات الجزائرية لمطالب هؤلاء العسكريين القدامى الذين خدموا الدولة والجمهورية في عز محنتها، له أن يرسل حسب عديد من المتابعين للشأن الجزائري، رسالة سلبية مستقبلاً لأجيال مقبلة فيما لو حدثت ظروف مشابهة، يُستهدف فيها أمن البلاد.