تستمر الإمارات بدورها التخريبي بالمنطقة العربية والإسلامية، ولا تكاد تسلم من مؤامراتها دولة عربية واحدة ناهيك عن الدول الإسلامية، ورغم فشلها في الوصول إلى ما تخطط له في كثير من الحالات، فإن هذا لا يعني أنها لم تؤثر سلبًا على شعوب تلك الدول وحالت دون نيلهم لحريتهم وتقرير مصيرهم، حتى وصل الأمر أنك لا تجد خلافًا في منطقةٍ ما إلا وكانت أصابع الإماراتيين فيه.
لكن الغريب بالأمر أن المراقب للسياسة الإماراتية لا يجد تفسيرًا لها يفشل في العثور على الدافع الحقيقي الذي يجعل أمراء ابن زايد بهذه الهمة العالية وهم يحاربون كل شعوب المنطقة، كما يجد صعوبة بالغة في معرفة أي مصلحة لهم يبغون من سياساتهم تلك، وإذا كانت جهودهم تلك تصب بخدمة دولة معينة، فما تلك الدولة؟ ويا ترى هل هم بالحجم السياسي والاقتصادي الكافي لكي يتحكموا بشعوب المنطقة ومصائرها؟ ويا ترى هل بالمال السياسي والجنود المرتزقة قادرون على إسقاط حكومات وتنصيب حكومات؟ كلها أسئلة تجول بالخاطر ونحن نتابع ما يحدث بعدن العاصمة المؤقتة لليمن.
الإمارات تدعم اللاشرعية في اليمن عبر تحالف يدعم الشرعية
كان مستغربًا جدًا مشاركة الإمارات عسكريًا في تحالف عسكري سميَّ “بتحالف دعم الشرعية” الذي شكلته السعودية لإنقاذ اليمن بعد أن سقطت بقبضة إيران من خلال ميليشياتها الحوثية، وكانت التفسيرات حينئذ أن السعودية قامت بالضغط على الإمارات وفرضت عليها تلك المشاركة، لكن تداعيات المعارك في اليمن والسياسة التي اتبعتها الإمارات هناك، أوضحت وبشكل لا يقبل الشك، أن الإمارات كان لديها مآربٌ أخرى من شراكتها بهذا التحالف لا تمت بصلة لموضوع دعم الشرعية، إنما كانت تريد من هذا التحالف توفير غطاء لسياستها غير الشرعية في هذا البلد.
لو تحررت تعز فإنها ستكون سندًا للدولة الشرعية في القضاء على أي تمرد في عدن والجنوب، ولو تحررت تعز لخسر الحوثي الكثير من قوته الحاليّة
كما تبين لنا أن السعودية أضعف من أن تفرض شيئًا على أبناء زايد، بل إن الحالة التي نشهدها الآن معكوسة، فالإمارات من تجر السعودية لمواقف لم نكن نتخيل أن تتخذها المملكة يومًا ما.
ما قامت به الإمارات أنها لعبت بالمملكة السعودية، وهي تعلم يقينًا أن الأخيرة هي المتضررة بشكل مباشر مما يحدث باليمن، وأخرت حسم المعارك هناك لحين تأسيس جيش لها من الموالين، لتنفذ بهم أغراضها هناك، وتحاول بكل جهدها القضاء على حركة الإصلاح اليمنية انتقامًا من الإخوان، فتحالفت مع الانفصالين في جنوب اليمن ومع السلفيين كذلك، وكذلك دعمت قوات غير شرعية مثل قوات “النخبة الشبوانية” في شبوة، وقوات “النخبة الحضرمية” في حضرموت، وأسست لها قوات الحزام الأمني التي تأتمر بأوامرها وتنفذ أجندتها.
وهذا يعلل لماذا الانقلاب حصل بالتزامن مع قرب تحرير تعز، ذلك لأن عدم تحرير تعز سيدعم استمرار التمرد في عدن بقيادة عيدروس الزبيدي ومجلسه الانتقالي، بالإضافة لكونه أحد أسباب بقاء الانقلابين في صنعاء، فلو تحررت تعز فإنها ستكون سندًا للدولة الشرعية في القضاء على أي تمرد في عدن والجنوب، ولو تحررت تعز لخسر الحوثي الكثير من قوته الحاليّة.
بعيدًا عن تفاصيل معركة الانقلاب.. ماذا تريد الإمارات؟
على ما يبدو أن حكام الإمارات توهموا فصدقوا أنهم دولة عظمى لها القدرة على التحكم بشعوب المنطقة، والحقيقة أن غياب وتغيّب تأثير الدول العربية الكبيرة في المنطقة هو الذي جعل لدولة صغيرة الحجم والقدرات مثل الإمارات، أن تتصرف كما يتصرف الكبار، واعتقدوا أنهم بملياراتهم قادرون على شراء السلاح والرجال الذين يقاتلون بصفهم ليغزوا بلدان المنطقة، ونسوا أو تناسوا أنهم مجرد إمارات صغيرة محمية من الأمريكان، يمكن أن يكفوا أيديهم بالوقت الذي يشاؤون.
الإمارات التي يلهث خلفها ابن سلمان، تقود تحالفًا خفيًا يستهدف الشعوب العربية والإسلامية لصالح “إسرائيل”
لكن ما دامت سياسيات الإمارات تتوافق لحد هذه اللحظة مع طموحات الأمريكان والغرب بشكل عام، فلا ضير من إطلاق يدها في بلدان المنطقة، وتطمح الإمارات ومشيختها التي تقودها أن تتوسع لتكون دولة عظمى تتحكم ببلدان المنطقة ويكون لها القول الفصل في مصيرها، فتراها تتصدى لكل دولة تقف بوجه طموحاتها، وهذا ما نراه واضحًا في تصديها لدولة قطر.
هل سيبقى ابن سلمان أسير الإرادة الإماراتية؟
الجدير بالملاحظة هو موقف دولة كبيرة مثل المملكة العربية السعودية التي لم يكن أحد يتخيل أن تتقزم للدرجة التي تبدأ بالهرولة لكل ما يشير به أولاد زايد عليها، حتى جعلتها تدخل في عداوة مع كل شعوب المنطقة وتتقرب من أعدائها، هذا ما حدث في مصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن، ووصل الأمر حتى إلى الدولة التي كانت الأقرب لهم وهي الأردن، ففي تصريح جديد للملك عبد الله قالها صراحة بأن “رسائل وصلتنا مفادها امشوا معنا في موضوع القدس ونحن نخفف عنكم أعباءكم الاقتصادية” في عملية ابتزاز لهذه المملكة الفقيرة والضعيفة بمواردها، لتغير مواقفها من أهم قضية تمس وجدان الشعوب العربية والإسلامية.
ولم تكتف بذلك، فقامت القيادة السعودية باستعداء شعبها من خلال زجها للعلماء في السجون وابتزاز الأغنياء، ولم ينج حتى أمراء المملكة من أفراد عائلة، وبدأ حملة تغريب للشعب السعودي ليسلخه من جذوره وثقافته الموروثة واستبعاد أي شيء يمت بصلة للدين الإسلامي الحنيف ظانًا أنه بذلك يتقرب إلى الغرب ليرضى عنه.
الإمارات التي يلهث خلفها ابن سلمان، تقود تحالفًا خفيًا يستهدف الشعوب العربية والإسلامية لصالح “إسرائيل”، فالذي يحدث من اعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” وتصنيف قادة حركة حماس كإرهابيين، وما يحدث في مصر واليمن وانقلاب تركيا الفاشل، من المستحيل أن يكون مصادفة، وفي كل هذه الحوادث لا بد أن تجدًا ضلعًا للإمارات فيه.
السعودية لن تجني سوى يمنٍ شمالي مجاور لها بحدود طولها لا يقل عن 1450 كيلومترًا مليئًا بالحروب والأزمات الداخلية، وستكون أراضيها الجنوبية عرضة لاختراقات الحوثيين وغيرهم من الإرهابيين
والسؤال الذي لا نكاد نجد له إجابة: لماذا سلمت المملكة زمام أمورها بيد الإماراتيين ليقودوها في مغامرات عسكرية وسياسية لا تعود عليها بالنفع، إنما العكس هو الذي يحدث، في البدء احتضنت السعودية ديكتاتور تونس ثم دعمت انقلاب مصر ودعمت الإرهابي في ليبيا حفتر وجماعته، أما اليمن فقد غرقت فيه حتى أذقانها وخسرت سمعتها السياسية والمعنوية بين بلدان العالم.
أين هي مصلحة المملكة من جريها وراء أولاء زايد؟ هل من صالح السعودية أن تكون هناك إدارتان في اليمن أحدهما شمالية وأخرى جنوبية وبإدارة مركزية ضعيفة مثلما تروج لها الإمارات وتطلق أبواقها الإعلامية ومن الليبراليين السعوديين ليروجوا لتلك الأفكار؟ قبل أيام فقط خرج علينا الجنرال السعودي أنور عشقي، ليتحدث عن ضرورة قيام حكومة في الجنوب وأخرى في الشمال، في نظام فدرالي يبقى فيه عبد ربه منصور هادي رئيسًا شكليًا بلا صلاحيات فعلية.
وإذا ما حصل هذا السيناريو، فإن الإمارات ستفوز بمواني الجنوب وممراته البحرية وجزره وأسواقه ونفطه وبنفس الوقت بعيدًا عن حدودها، أما السعودية فلن تجني سوى يمنٍ شمالي مجاور لها بحدود طولها لا يقل عن 1450 كيلومترًا مليئًا بالحروب والأزمات الداخلية، وستكون أراضيها الجنوبية عرضة لاختراقات الحوثيين وغيرهم من الإرهابيين، بل ومن غير المستبعد أن تنتقل تلك القلاقل والمشاكل إلى الداخل السعودي لتعيش هي الأخرى هذه المرة حالة مأساوية لا تقل عن الحالة التي يعيشها اليمن حاليًّا.
فهل هذا ما يريده ابن سلمان لمملكته؟ وهل يعتقد ابن سلمان أن شعبه سيصبر عليه إلى أن تصل الأمور لتلك المرحلة؟ ربما يستفيق أميرنا الصغير قريبًا على انتفاضة من داخل شعبه لتكنس كل العفن الذي أصاب أرض الحرمين، ويعيدوا لهذه الأرض الطاهرة وجهها الأبيض مرة أخرى.
واجب الوقت الملقى على عاتق الشعب اليمني وقواته الشرعية المتمثلة بالجيش والمقاومة الوطنية، أن تكون لهم أجندتهم الوطنية البعيدة عن أجندات المملكة والإمارات
هل من بصيص أمل للشعب اليمني؟
كان تهديد مجموعة من قادة الجيش اليمني بالزحف إلى عدن إذا لم يتوقف الانقلاب على الشرعية في اليمن، كفيلًا بجعل ابن زايد وابن سلمان يعيدوا النظر بحساباتهم ويضطروا لوقف هذا الانقلاب، ذلك لأنهم يعرفون أن سحب القوات اليمنية من الجبهات مع الحوثي سيشكل خطورة كبيرة على أمن السعودية، وهذا يعني أن اليمنيين قادرين على فرض إرادتهم فيما يجري ببلدهم.
بعد ثلاث سنوات من الحرب العبثية التي تدور رحاها في اليمن بسبب الفوضى المتعمدة التي تقوم بها السعودية والإمارات فيه، لا بد أن يكون للشعب اليمني القول الفصل في مصير بلدهم، وأن يكفوا أيدي العابثين بأمن شعبهم ومقدرات بلدهم، وإن لم يفعل الشعب اليمني ونخبته السياسية والعسكرية ذلك، فاليمن سائر إلى التقسيم لا محالة، لا أقول إنه سينقسم لبلدين شمالي وجنوبي، إنما سينقسم إلى أجزاء عديدة وكل دولة مجاورة وغير مجاورة ستحاول أن تصنع لها كانتونًا باليمن يحمي مصالحها، وسيكون الخاسر الوحيد في هذه الحالة الشعب اليمني.
إن واجب الوقت الملقى على عاتق الشعب اليمني وقواته الشرعية المتمثلة بالجيش والمقاومة الوطنية، أن تكون لهم أجندتهم الوطنية البعيدة عن أجندات المملكة والإمارات، يجب أن يكون لهذا الشعب سياسته المستقلة، بدءًا من خروج كل القيادات السياسية من السعودية لتعود إلى الأراضي المحررة، والانفتاح بعلاقاتها على كل دول العالم لتحصل على دعمها بعيدًا عن تلكما الدولتين اللتان عاثتا باليمن فسادًا.
إن التحرك على الدول الكبرى واللعب على التناقضات التي بينهما ربما سيحمل فرصة مواتية جدًا للشعب اليمني، وهذا ما يذكرنا بزمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة والتوازن الدولي الذي كان بينهما، الذي جر فائدة كبرى على الدول الصغيرة والضعيفة لتنال استقلالها، ونحن الآن نعيش حالة مشابهة لتلك الحالة، أليس من الحكمة أن يستغل القادة اليمنيين هذه الفرصة؟!