ترجمة وتحرير نون بوست
نور يوسف ساهمت في إنجاز هذا المقال من القاهرة، وإيليزابيث مالكين من مكسيكو سيتي
عندما حان الوقت لضمان فترة رئاسية ثانية، لم يترك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أي مجال للصدفة. فقد تعرض كل المنافسين المحتملين في انتخابات آذار/ مارس للتحييد، أو السجن أو التهديد بالملاحقة. كما يسيطر السيسي بشكل شبه تام على المؤسسات الإعلامية في مصر. وفي يوم الاقتراع، سيكون أمام الناخبين المصريين خياران، إما الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، أو أحد أبرز مسانديه، وهو سياسي غير معروف قام بإيداع ترشحه في اللحظات الأخيرة لتجنيب النظام الإحراج الناجم عن عدم وجود منافسين.
بينما يتجه نحو الانتصار، لا يحتاج السيسي لأن يقلق من الانتقادات الخارجية، حيث أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره المصري، واصفا إياه بأنه “شخص رائع”، فيما اكتفى أغلب قادة بقية الدول الغربية بالتزام الصمت.
في كافة أنحاء العالم، يلجأ الزعماء الدكتاتوريون إلى تسليط المزيد من الممارسات القمعية، مثل تزييف الانتخابات، وتضييق الخناق على الإعلام وملاحقة المعارضين، ولم يعودوا في حاجة حتى لورقة التوت أو ادعاء الديمقراطية، من أجل استرضاء الولايات المتحدة والحصول على الشرعية الدولية.
في الواقع، لقد تفاقمت هذه الموجة العالمية من الدكتاتورية في ظل جملة من العوامل، من بينها صعود الحركات الشعبوية في أوروبا، وتزايد موجات الهجرة، وتعمق التفاوت الاقتصادي. وبناء على ذلك، فإن حكام بلدان مثل مصر، التي لطالما كانت تتعامل بحساسية تجاه تدخل واشنطن، هم الآن على يقين من أنهم لن يواجهوا احتمال التعرض لأي ضغوط من طرف الرئيس الأمريكي، الذي تخلى بشكل عام عن دعم حقوق الإنسان والديمقراطية، وبدلا من ذلك فضل التركيز على برنامج “أمريكا أولا”.
في كمبوديا، قاد الوزير هون سين، الذي حكم البلاد لمدة 33 سنة، حملة شرسة على المعارضين قبل تنظيم الانتخابات في الصيف. وخلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رفع ترامب إبهامه منتشيا بالتقاط صورة مع هون سين، الذي أثنى لاحقا على الرئيس الأمريكي ومدحه معتبرا إياه “شخصا غير مهتم بحقوق الإنسان”.
أما في الهندوراس، حاز الرئيس خوان أورلاندو هيرنانديز على فترة رئاسية ثانية يوم السبت، وسط غضب كبير من زعماء المعارضة، الذين اتهموه بتزوير نتائج الانتخابات، وعلى الرغم أيضا من دعوات منظمة الدول الأمريكية لإعادة الانتخابات في هذا البلد. وفي حين تجاهلت واشنطن التقارير الصادرة عن هذه المنظمة، اكتفى القائم بأعمال الولايات المتحدة في هندوراس بإصدار بيان محتشم يدعو فيه كافة الأطراف لتبني ردة فعل سلمية.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اضطر في وقت سابق لترك السلطة لمدة أربع سنوات فقط احتراما للدستور، يعمل الآن على إقصاء أبرز الوجوه المنافسة له في الانتخابات المزمع عقدها خلال شهر آذار/ مارس المقبل، ليضمن بذلك نظريا الفوز بعهدة رئاسية رابعة. وفي الأثناء، عبر ترامب في عدة مناسبات عن رغبته في توطيد العلاقات مع بوتين.
على الرغم من عقود طويلة من الكلام الأمريكي المعسول حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذي تشدق به كل رئيس حل بالبيت الأبيض منذ جيمي كارتر، ظلت السياسات الخارجية الأمريكية على أرض الواقع تغلّب المصالح الأمنية والحسابات الاستراتيجية على المبادئ والقيم. وقد مثل برنامج التعذيب الذي أقامته وكالة الاستخبارات المركزية، إثر هجمات 11 أيلول/ سبتمبر من سنة 2001، نموذجا من السياسات التي أدت لإضعاف مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية.
عبر الرئيس ترامب في العديد من المناسبات عن رغبته في توطيد العلاقات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي أقصى أبرز منافس له من انتخابات آذار/ مارس المقبل.
بالكاد كلف ترامب نفسه عناء التظاهر بدعم حقوق الإنسان الكونية، حيث يقول الخبراء إن استقباله الحار لحكام متشددين، مثل الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، الذي أدت حملته على المخدرات لقتل الآلاف من المواطنين دون محاكمة، قد شجع هؤلاء الحكام على التمادي في تجاوزاتهم.
حيال هذا الشأن، بين الباحث العضو في مجلس العلاقات الخارجية، ستيوارت باتريك، أن “هذه المسألة مثيرة للقلق، خاصة أن احتفاء ترامب بصفات التشدد التي تتسم بها شخصيات دكتاتورية، مثل بوتين، وأردوغان، ودوتيرتي والسيسي، إلى جانب ازدرائه لحرية التعبير في الداخل، لا يمكن إلا أن يؤدي لتشجيع هؤلاء الحكام على الانقضاض على المجتمع المدني وسحق المعارضين في بلدانهم.
في المقابل، يشكك المسؤولون في إدارة ترامب في جدوى إصدار انتقادات علنية للأنظمة الدكتاتورية الصديقة للولايات المتحدة حول سجلها في مجال الديمقراطية، معتبرين أن مثل هذه الانتقادات ستكون بناءة أكثر إذا تم إيصالها في الخفاء. وخلال السنة الماضية، قال وزير الخارجية، ريكس تيليرسون، إنه على الرغم من أن القيم الأمريكية؛ مثل الحرية والكرامة والإنسانية، لا تزال تمثل أسس سياسات واشنطن الخارجية، إلا أن الإصرار على دفع الآخرين لتبني هذه القيم، يمكن أن يخلق عقبات تحول دون تحقيق المصالح الأمنية والاقتصادية الأمريكية.
لكن، يبدو أن ترامب نفسه لم يتردد في استخدام ورقة حقوق الإنسان كسوط مسلط على الدول المناوئة لبلده، على غرار إيران، وكوريا الشمالية وفنزويلا، التي انتقد سجلها في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، خلال خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه يوم الثلاثاء الماضي. كما يرى النقاد أنه من خلال تجنبه مواجهة حلفائه، خسر ترامب الكثير من الأسبقية الثمينة التي يمتلكها على هؤلاء الحكام، الذين على الرغم من ممارساتهم القبيحة، بيد أنهم يبقون مهتمين بالحفاظ على صورتهم في المجتمع الدولي.
من جهته، صرح توم مالينوفسكي، الذي عمل كمساعد لوزير الخارجية لحقوق الإنسان في حكومة باراك أوباما أن “على الرغم من أن الحكومات السيئة تتصرف بشكل سيئ مهما كان الوضع، إلا أنها تأخذ بعين الاعتبار ردة الفعل المنتظرة من واشنطن أثناء اتخاذها لأي قرار”.
كما أشار مالينوفسكي إلى نموذج مصر قائلا: “إذا كنت سترسل أجهزتك الأمنية لقتل مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين، وأنت تعلم أن الولايات المتحدة ستقف في وجهك عندما ترتكب ذلك، وأن ذلك سيكون له تأثير على التعاون الأمني بينكما، فسيكون ذلك حتما بمثابة عامل مؤثر على قراراتك. وعموما، لا يعني ذلك أنك ستقوم بكل ما تطلبه منك واشنطن، ولكنه سيعني على الأرجح أن عددا أقل من الناس سيقتلون في هذه العملية”.
على العموم، بات الخطاب الأمريكي حول حقوق الإنسان يقابل بسخرية، في العديد من بلدان العالم التي يظهر تاريخ واشنطن فيها أنها تصرفت بشكل انتقائي، وساندت بعض الطغاة.
فخلال الحرب الباردة، تحالفت الولايات المتحدة مع موبوتو سيسي سيكو في زائير، التي باتت تعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، والجنرال أوغوستو بينوشيه في الشيلي. وخلال السنوات الأخيرة، عبر الرئيس باراك أوباما علنا عن اعتراضه على السياسات القمعية التي اعتمدها السيسي، إلا أنه لم يمسّ من مبلغ 1.3 مليار دولار، الذي خصصه للمساعدات العسكرية السنوية الممنوحة لمصر.
في هذا السياق، صرح ميخائيل وحيد حنا، من مركز دراسات “سانتري فاوندايشن” في نيويورك قائلا: “نعم، دائما ما تطغى السياسات الواقعية على قيمنا، وغالبا ما يبدو الأمر كشكل من النفاق. ولكن تبني هذه القيم من قبل المسؤولين الأمريكيين، ليس مجرد شعارات فارغة، ولا أمرا مناف للمنطق”.
موسى مصطفى موسى، المنافس الوحيد للسيسي، إثر إيداعه وثائق ترشحه للانتخابات الرئاسية يوم الإثنين.
من أبرز الأمثلة على ذلك، ما يحدث الآن في مصر، التي لطالما كانت السياسة الخارجية الأمريكية فيها مدفوعة بالمخاوف الأمنية. ولكن على الرغم من ذلك، يصرح الناشطون أنها كانت تحمل في جانب منها هامشا من الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان.
في هذا الصدد، قالت هبة مريف، من منظمة العفو الدولية: “ربما كانت الإدارة الأمريكية في 85 بالمائة من الوقت، داعمة للنظام الحاكم وللاستقرار. ولكن كان هناك الكثير مما يمكننا فعله ضمن هامش 15 بالمائة المتبقية”.
في المقابل، يبدو أن ذلك الهامش قد تقلص خلال فترة ولاية دونالد ترامب، بشكل خطير، والآن يتوجه عبد الفتاح السيسي نحو ضمان إعادة انتخابه، في ظل ما وصفته مؤسسة الديمقراطية للشرق الأوسط هذا الأسبوع بأنه “المناخ السياسي الأكثر دكتاتورية في تاريخ مصر الحديث”.
خلال الشهر الماضي، تراجع أربعة منافسين للسيسي عن ترشحهم للسباق الانتخابي، لعل من أبرزهم أحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق، الذي انسحب بعد احتجازه لمدة شهر في فندق في القاهرة حيث هدده مسؤولون أمنيون بملاحقته بتهم تتعلق بالفساد.
أما خلال الأسبوع الماضي، فقد تم إقصاء سامي عنان، رئيس الأركان السابق في الجيش المصري، الذي يحظى بعلاقات قديمة مع الولايات المتحدة، بعد أن تعرض للاعتقال والسجن من قبل الجيش، بتهم تتعلق بالتزوير والتحريض. وبعد أيام قليلة، تعرض أحد مساعدي عنان للضرب خارج منزله، على يد بلطجية تابعين للسلطة. وفي رد فعل مقتضب، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن “متابعة اعتقال عنان بكل قلق”، وقالت إن “المسؤولين يتابعون هذه الحالة عن كثب”.
في الوقت الراهن، أصبح موسى مصطفى موسى المنافس الوحيد للسيسي، وهو مهندس معماري معروف بولائه القديم للأجهزة الأمنية المصرية. وقد اشتهر موسى خاصة بمساعدته للرئيس السابق حسني مبارك على حل حزب صغير معارض خلال سنة 2008، عبر قيادة عصابة من البلطجية قاموا بتحطيم مكاتب الحزب وأضرموا فيها النار.
خلال الصيف الماضي، وبخت إدارة ترامب عبد الفتاح السيسي حين ألغت أكثر من 290 مليون دولار من المساعدات العسكرية، بسبب الاشتباه في وجود علاقة سرية بين مصر وكوريا الشمالية، فضلا عن القانون الذي أصدره السيسي والذي يهدف إلى تضييق الخناق على العمل الإنساني في مصر، خاصة ذلك الذي تقوده منظمات غربية. في المقابل، أي رسالة نقد وجهت للسيسي، كان ترامب يغطي عليها بثنائه المتواصل على طريقة إدارته للحكم في مصر.
في الحقيقة، تظهر أولويات ترامب بشكل جلي، من خلال فشله في تعيين مساعد لوزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الموقف السلبي والغريب الذي اتخذه تيلرسون خلال السنة الفارطة إزاء نشر التقرير السنوي لوزارة الخارجية حول حقوق الإنسان في العالم.
في المقابل، لم يكن ترامب الشخص الوحيد الذي يلتزم الصمت حيال ما يحدث في دول على غرار مصر، إذ أن قادة بريطانيا، فرنسا وألمانيا، المتأثرين بصعود السياسات الشعبوية في بلدانهم، لم يتطرقوا كثيرا إلى القبضة الحديدية التي فرضها السيسي على الاستحقاق الانتخابي.
مؤخرا، كان أبرز مسؤول غربي رفيع المستوى يزور القاهرة هو مدير المخابرات الفرنسية، الذي عبر بحسب مصادر في الرئاسة المصرية، عن إعجابه بعبد الفتاح السيسي على خلفية جهوده الرامية لتحقيق السلام في المنطقة.
المصدر: نيويورك تايمز