ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبحت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك” قوة هائلة لجمع التبرعات في السنوات الأخيرة، حيث جمعت أموالًا للمرشحين أكثر من أي منظمة مماثلة في هذه الدورة كجزء من مهمتها لدعم المرشحين الذين يدعمون إسرائيل.
إنها المنظمة السياسية النادرة التي لا تزال تحظى بدعم المانحين الجمهوريين والديمقراطيين بينما تدعم المرشحين من كلا الحزبين. لكن تركيزها الأساسي كان ينصب على الاستفادة من ثقلها في التأثير على الانتخابات التمهيدية التنافسية للديمقراطيين؛ حيث أنفقت الملايين لدعم المعتدلين على حساب التقدميين الذين انتقدوا إسرائيل.
وقد جعل ذلك من أيباك أكبر مصدر لتدفق الأموال الجمهورية المؤثرة في الانتخابات التمهيدية التنافسية للديمقراطيين هذه السنة، ذلك وفقًا لتحليل صحيفة “بوليتيكو” لبيانات تمويل الحملات الانتخابية، وهو ما أثار غضب اليسار بشأن ما يعتبره تدخل الحزب الجمهوري في الانتخابات الديمقراطية.
إن حوالي نصف الجهات المانحة لأيباك الموجهة للمرشحين الديمقراطيين هذه السنة لديهم تاريخ حديث في التبرع للحملات أو اللجان الجمهورية.
وقد اشتدت الانتقادات من اليسار مع تحول السياسة الحزبية حول الدعم الأمريكي لإسرائيل في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وكان الغزو الإسرائيلي اللاحق لغزة، وما خلفه من خسائر متزايدة في صفوف المدنيين، سببًا في دفع حتى الديمقراطيين الذين فضلوا إسرائيل لفترة طويلة إلى التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الاستمرار في مستوى دعمها.
ولا تزال “أيباك” تنظر إلى دعم إسرائيل باعتباره قضية تتجاوز الحزبية، ويأتي تركيزها على الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الوقت الذي تحاول فيه ضمان انتخاب الناخبين في المناطق الزرقاء للديمقراطيين المتوافقين مع رؤيتها لدعم إسرائيل.
وقال دوغ فوراند، وهو محلل إستراتيجي يعمل مع حملة جورج لاتيمر، وهو ديمقراطي اجتذب تحديه للنائب التقدمي في نيويورك جمال بومان دعمًا من أيباك أكثر من أي حملة أخرى في هذه الدورة: “إن مانحي أيباك هم مانحون لقضية واحدة”.
وأشار فوراند إلى أن معظم مانحي أيباك للحملة هم من الديمقراطيين، وقال إنه “بالنسبة لأولئك الذين ليسوا كذلك، قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يقدمون فيها تبرعات لديمقراطي مؤيد لحق الاختيار، ومؤيد لمجتمع المثليين، ومؤيد للعمال، ومناهض للأسلحة. لكن هدفهم ببساطة هو حماية حق إسرائيل في الوجود وهم يتبرعون لضمان حدوث ذلك”.
لكن التقدميين يرون أن شكل دعم أيباك لإسرائيل لا يتماشى مع الناخبين الديمقراطيين، خاصة في المناطق الليبرالية حيث توجه المجموعة معظم الأموال. وقد اتسعت الفجوة الحزبية في دعم إسرائيل بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مع تزايد أعداد الديمقراطيين الذين يشككون في ما كان في السابق موقفًا مشتركًا بين الحزبين. ومن المرجح الآن أن يقال إن الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى انخفاض مستويات الدعم لإسرائيل بين الناخبين الشباب.
وقالت بيث ميلر، المديرة السياسية لمنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، وهي منظمة غير ربحية تدافع عن الحقوق الفلسطينية وكانت في طليعة الداعين لوقف إطلاق النار: “لا يمكن لأيباك أن تدعي في الواقع أنها تمثل الديمقراطيين والجمهوريين بنفس الطريقة. لقد اختفت قشرة الشراكة بين الحزبين”.
دعم المرشح الأكثر محافظة “الذي يمكنه الفوز“
باعتبارها منظمة ضغط غير ربحية دافعت منذ فترة طويلة عن الدعم الأمريكي لإسرائيل؛ فإن دخول أيباك الصريح في السياسة الانتخابية يعد أمرًا جديدًا نسبيًا. على امتداد سنوات؛ تم استخدام تأييد المجموعة من قبل العديد من لجان العمل السياسي المتحالفة التي أرسلت الأموال إلى المرشحين أو أنفقتها بشكل مستقل. لكن أيباك أطلقت عدة مجموعات خاصة بها خلال الدورة الانتخابية لسنة 2022، بما في ذلك لجنة العمل السياسي الكبرى. كما بدأت أيضًا في تجميع الأموال للمرشحين المعتمدين من قبل أيباك، وجمع التبرعات التي ترسلها بعد ذلك إلى الحملات الانتخابية. وسرعان ما أصبحت أكبر جهة تجمع بين مجموعات الضغط؛ حيث أرسلت أموالًا تزيد على أربعة أضعاف ما ترسله أي لجنة عمل سياسية مماثلة.
وقال مارشال ويتمان، المتحدث باسم أيباك، في بيان: “نحن فخورون بالانخراط في العملية الديمقراطية بطريقة مشتركة بين الحزبين للمساعدة في انتخاب المرشحين الذين يدعمون العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. يجب على المرشحين من كلا الحزبين أن يرحبوا بمشاركة النشطاء المؤيدين لإسرائيل لأن الأمريكيين يقفون بأغلبية ساحقة مع الدولة اليهودية. في الواقع، أولئك الذين يعترضون على مشاركتنا لا يمثلون سوى فئة صغيرة متطرفة”.
وبفضل قاعدة المانحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ تتميز أيباك بكمية الأموال الكبيرة التي ترسلها عبر الخطوط الحزبية، وهو أمر نادر في عصر الاستقطاب العميق.
ووجد تحليل بوليتيكو أن حوالي اثنين بالمئة فقط من المتبرعين لهذه الدورة للمرشحين الديمقراطيين أو من خلال منصة جمع التبرعات للديمقراطيين “أكت بلو”، قدموا أيضًا للجمهوريين خلال الدورات القليلة الماضية. لكن 46 بالمئة من المانحين الذين قدموا للمرشحين الديمقراطيين عبر أيباك في هذه الدورة قد قدموا للجمهوريين منذ دورة 2020.
بالنسبة للمانحين الجمهوريين؛ فإن تقديم منح للمرشحين الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية يساعد على ضمان فوز المرشحين الأكثر اعتدالًا والمؤيدين لإسرائيل في المقاعد الزرقاء العميقة، حيث من المؤكد أنه في الانتخابات العامة لن تعطي هذه المنح القدرة على المنافسة، وسيكون الدعم المالي لمرشحي الحزب الجمهوري مضيعة للوقت.
وقال إريك ليفين، عضو مجلس إدارة الائتلاف اليهودي الجمهوري الذي تبرع للنائب ريتشي توريس (ديمقراطي من نيويورك): “في ظل حكم ويليام إف باكلي السياسي، أريد دعم الشخص الأكثر محافظة الذي يمكنه الفوز. ويعتبر ريتشي توريس الشخص الأكثر محافظة الذي يمكنه الفوز في برونكس، وهو على حق فيما يتعلق بقضية إسرائيل ومعاداة السامية في الولايات المتحدة”.
وقدم عضو آخر في مجلس إدارة الائتلاف اليهودي الجمهوري غابرييل غروسمان، منحة مؤخرًا إلى النائب جاريد موسكوفيتش (ديمقراطي من فلوريدا). وقال إن هناك عددًا صغيرًا فقط من الديمقراطيين “الذين لا يدافعون عن دولة إسرائيل فحسب، بل ضد معاداة السامية بطريقة قوية هنا، بما في ذلك توريس وموسكوفيتش والنائب جوش جوتهايمر (ديمقراطي من نيوجيرسي)”.
وقال غروسمان، المحامي وعمدة بال هاربور السابق، إنه “من المهم لجميع اليهود الأمريكيين أن يدعموهم خاصة إذا كانوا في مقاعد معقل الديمقراطيين للتأكد من أن تلك المقاعد لن يشغلها ديمقراطيون من اليسار المتطرف”.
تركز أيباك بشكل خاص على الانتخابات التمهيدية الديمقراطية التنافسية
يندرج المرشحون الذين يتلقون الأموال من خلال أيباك ضمن إحدى الفئات القليلة. فهناك الديمقراطيون المؤيدون بشدة لإسرائيل مثل توريس وغوتهايمر، وهناك أعضاء من قيادات الكونغرس، بمن فيهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون وزعيم الأقلية حكيم جيفريز.
وهناك أيضًا جمهوريون مؤيدون لإسرائيل، وبعضهم يواجهون سباقات تنافسية، مثل النائب كين كالفيرت (جمهوري عن ولاية كاليفورنيا)، أو النائب توني غونزاليس (جمهوري عن ولاية تكساس)، الذي واجه مؤخرًا تحديًا رئيسيًا من براندون هيريرا، وهو مؤيد لإسرائيل على موقع يوتيوب وله تاريخ من التصريحات المعادية للسامية.
وبعض أبرز المستفيدين هم المعتدلون الذين يتحدون شاغلي المناصب التقدميين في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين. وبالإضافة إلى سباق بومان-لاتيمر، تدعم أيباك ويسلي بيل، الذي يواجه النائب كوري بوش (ديمقراطي من ولاية مويسوري) في الدائرة الأولى في ولاية ميسوري في آب/ أغسطس.
وفي حين أن الديمقراطيين المعتدلين الذين يتلقون الأموال من خلال أيباك يميلون إلى جذب بعض الدعم الجمهوري على أي حال؛ فإن الأموال التي يحصلون عليها من خلال أيباك من المرجح أن تأتي من متبرعين لهم تاريخ في التبرع للجمهوريين أكثر بكثير من التبرعات التي تتلقاها حملاتهم مباشرة.
وقد جمعت أيباك أموالًا لصالح لاتيمر أكثر من أي مرشح آخر – أكثر بقليل من 1.6 مليون دولار حتى نهاية نيسان/ أبريل من حوالي 1800 متبرع – وفقًا لإيداعات تمويل الحملة الانتخابية للمجموعة. وحوالي 40 بالمئة من هؤلاء المتبرعين كانوا قد تبرعوا سابقًا للجمهوريين عن طريق أيباك أو وين ريد، مقارنة بـ 10 بالمئة فقط من المتبرعين للاتيمر الذين لم يتبرعوا من خلال أيباك.
وقال بومان في بيان له: “تستهدفني أيباك ومانحوها الجمهوريون الكبار لأنني أدافع عن القيم الديمقراطية لمجتمعنا – من وقف إطلاق النار إلى حقوق الإجهاض ومنع العنف المسلح – ضد تطرف دونالد ترامب في الماغا”.
والانتخابات التمهيدية الديمقراطية التنافسية هي أيضًا الهدف الأكبر للجنة العليا للعمل السياسي التابعة لإيباك، من خلال مشروع الديمقراطية المتحدة، التي أنفقت أيباك فيه بالفعل 19.8 مليون دولار هذه السنة، بما في ذلك 9.3 ملايين دولار في سباق بومان-لاتيمر. وهذا يجعلها إلى حد بعيد أكبر مجموعة خارجية في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين؛ حيث تتدفق المزيد من الأموال من الحزب الديمقراطي المتحد مقارنة مع أكبر 10 منفقين مجتمعين. (اللجنة العليا قد أنفقت أيضًا في عدد قليل من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري؛ حيث أنفقت 3 ملايين دولار إجمالًا).
وقد أثار ذلك غضب التقدميين، الذين يرون في مشاركة أيباك والحزب الديمقراطي المتحد في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي شكلاً من أشكال التدخل الجمهوري، وسعوا إلى وضع ذلك في سياق حرب أوسع على التقدميين. ويمثل بومان وبوش كلاهما مقاطعات ديمقراطية آمنة فاز بها الرئيس جو بايدن بأكثر من 40 نقطة، وهما من التقدميين البارزين في “الفرقة”، وكانا في طليعة الداعين لوقف إطلاق النار في غزة.
وقال ميلر، من منظمة “الصوت اليهودي من أجل العمل من أجل السلام”: “تستخدم أيباك هذه القضية كوسيلة لجذب أموال الجمهوريين، ثم تحاول الإطاحة بأجندة تقدمية أوسع نطاقًا أيضًا. إن أقوى الأصوات المؤيدة للحقوق الفلسطينية في الكونغرس في الوقت الحالي تتماشى مع مجموعة واسعة من القضايا التقدمية”.
التحول الحزبي حول دعم إسرائيل
ويجادل التقدميون بأن المتبرعين الجمهوريين المؤيدين لإسرائيل مخطئون بشكل خاص في محاولة التأثير على الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية الزرقاء وسط استياء الديمقراطيين المتزايد من حرب إسرائيل على غزة. حتى أن العديد من الديمقراطيين المؤسسيين يقولون الآن إن على الولايات المتحدة أن تضع بعض الشروط على دعمها لإسرائيل وسط تزايد الخسائر في صفوف المدنيين.
وقد وجد استطلاع للرأي أجري بتكليف من حزب العائلات العاملة، الذي يدعم بومان، في آذار/ مارس أن غالبية الناخبين في الدائرة السادسة عشرة للكونغرس في نيويورك قالوا إنهم على الأرجح سيدعمون مرشحًا يؤيد وقف إطلاق النار في غزة.
وقال أسامة أندرابي، المتحدث باسم “ديمقراطيو العدالة”، وهي مجموعة تقدمية تدعم بومان وبوش، والتي كثيرًا ما تصادمت مع أيباك: “بينما تتحرك الحكومة الإسرائيلية أكثر فأكثر نحو اليمين، هذه هي السياسة التي تدفع بها أيباك في الكونغرس. وليس هذا هو المكان الذي يتواجد فيه الناخبون الديمقراطيون، بل هذا هو المكان الذي يتواجد فيه أعضاء الكونغرس الجمهوريون”.
وهناك دلائل على أن أيباك قلقة من أن يُنظر إليها ككيان حزبي؛ فقد أطلقت المجموعة حملة إعلانية رقمية الشهر الماضي تضمنت شهادات من المرشحين الديمقراطيين الذين دعمتهم، بما في ذلك جيفريز والنائب جلين آيفي (ديمقراطي من ولاية ميامي)، وسلطت الضوء على دعمها للديمقراطيين السود، والديمقراطيين الأمريكيين من أصل إسباني وآسيوي. وقد أشار باتريك دورتون، المتحدث باسم لجنة العمل السياسي الكبرى في أيباك، إلى مذكرة تروج لدعم أيباك للديمقراطيين.
وقالت المذكرة إن أيباك جمعت أموالاً للديمقراطيين أكثر من أي لجنة شؤون عامة أخرى وأضافت أن المجموعة جمعت أموالاً لأعضاء التجمع التقدمي أكثر بكثير من أعضاء مجموعة العدالة الديمقراطية أو جي ستريت (لم يُذكر في المذكرة: أن المجموعة جمعت أيضاً أموالاً للجمهوريين أكثر من أي منظمة أخرى مماثلة).
وقال دورتون في مقابلة: “نحن ملتزمون بنموذج الحزبين؛ حيث يدرك المتبرعون لدينا أن دعم إسرائيل مفيد للديمقراطيين ومفيد للجمهوريين ولكن الأهم من ذلك أنه مفيد لأمريكا. إنهم على استعداد لتجاوز الخطوط الحزبية لإظهار التزامهم بدعم إسرائيل من الحزبين”.
حول التحليل
ويستند التحليل على ملفات مفوضية الانتخابات الفيدرالية المقدمة من أيباك ومنصات التبرعات أكت بلو ووين ريد والحملات الفردية.
وتقوم أيباك بالإبلاغ عن جمعها للتبرعات للمرشحين كمساهمات “مخصصة”، وهذه الأرقام اعتبارًا من 30 نيسان/ أبريل، وهي أحدث البيانات المتاحة.
لقد تم تحديد تاريخ سلوك المتبرعين بناءً على المساهمات السابقة للديمقراطيين والجمهوريين من خلال أيباك أو أكت بلو أو وين ريد، وذلك منذ الدورة الانتخابية لسنة 2020. قد يوفر ذلك نقصًا طفيفًا في عدد المتبرعين من مختلف الأحزاب بسبب قلة عدد المتبرعين الذين ربما يكونون قد تبرعوا مباشرةً لحملة ما في الماضي. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن تبرعات أكت بلو ووين ريد والتبرعات المفصلة تمثل الغالبية العظمى من عمليات جمع التبرعات، إلا أن نسبة صغيرة من المتبرعين لا تظهر في بيانات لجنة الانتخابات الفؤذيدرالية لأنهم يقدمون تبرعات صغيرة مباشرة أو من خلال منصات أخرى.
وتم تحديد المتبرعين من خلال أسمائهم الكاملة ورموزءهم البريدية. وهذا يخلق قدرًا ضئيلًا من الخطأ في مطابقة سجلات المتبرعين والذي قد يكون بسبب – على سبيل المثال – نقل المتبرعين لعناوينهم أو تغيير أسمائهم أو وجود نفس الاسم مع آخرين في نفس الرمز البريدي.
المصدر: بوليتيكو