تم إعلان ليلة أمس في أنقرة، إعادة انتخاب رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو لرئاسة الحزب لفترة جديدة، وقد جرت الانتخابات خلال المؤتمر الاعتيادي العام للحزب رقم 36 الذي شارك فيه 1253 مندوبًا من أصل 1266، وقد تنافس مع كليجدار أوغلو النائب عن حزب الشعب الجمهوري عن مدينة يالوفا، محرم أنجيه، وحصل كليجدار أوغلو على 790 صوتًا فيما حصل أنجيه على 447 صوتًا.
وفي الحقيقة كان هناك بالإضافة إلى محرم أنجيه أسماء أخرى مطروحة للمنافسة أمام كليجدار أوغلو الذي انتخب رئيسًا للحزب عام 2010، ومن الأسماء التي كانت مرشحة لمنافسة كليجدار أوغلو – وفقًا للباحثة التركية هزال دوران – أوميت كوجاسكال وعمرفاروق إمين أغا أوغلو وألب أرسلان تشابوك وغيرهم.
ولكن مع ضرورة حصول المرشح المعتمد على 120 توقيعًا من مندوبي المؤتمر العام للحزب، فقد كان هناك صعوبة أمام الجميع ما عدا محرم أنجيه، بل حتى محرم أنجيه عاش الليلة الماضية صعوبات من حيث جمع التواقيع المطلوبة، حيث تم الاحتجاج بأن بعض التوقيعات مكررة وكادت تحدث أزمة بسبب الخلاف عن هذا الموضوع.
وبالإشارة إلى الانتقادات التي كانت موجهة من داخل الحزب إلى رئيسه، فإن محرم أنجيه كان ممثلاً لقسم من هذا القطاع وألقى أمس خطابًا شديد اللهجة، وفي الحقيقة لو كان التنافس بين محرم أنجيه وكليجدار أوغلو بين مؤيدي حزب الشعب لربما اختلفت النتائج، ولكن القرار كان بيد 1200 من مندوبي المؤتمر العام للحزب الذين قيل إن هناك تأثيرًا على 60% على الأقل منهم لصالح كليجدارأوغلو ومقربين منه، وباختصار فإن تأثير محرم أنجيه على مؤيدي الحزب أكبر من تأثيره على صناعة القرار فيه.
فوز كليجدار أوغلو يؤمن استقرار توجهات الحزب السابقة
لقد كان متوقعًا أن يحدث انشقاقات داخل الحزب بعد الفشل في الاستفتاء في 16 من أبريل/نيسان 2016 وبعد 8 هزائم في استحقاقات انتخابية أمام حزب العدالة والتنمية، ولكل على خلاف المتوقع استطاع الحزب المحافظة على وحدته ونفذ كليجدار أوغلو مسيرة الديمقراطية من أنقرة إلى إسطنبول، ورغم كل المطالبات بتنفيذ مؤتمر استثنائي للحزب لتقديم موعد الانتخابات فإن المؤتمر أُجري في موعده الدوري وتمت إعادة انتخاب كمال كليجدار أوغلو.
بالتأكيد إعادة انتخاب كمال كليجدار أوغلو لرئاسة الحزب ستعطي قوة شخصية له وللخط الذي كان يقود به الحزب، وبالتالي فإننا نتوقع أن يسير كليجدار أوغلو بذات المنهجية التي كان يسير عليها ولكن بزخم أكبر، ففوز محرم أنجيه كان سيعطي للحزب أنيابًا أكبر خاصة مع قدرته على مخاطبة الجمهور وتحريكه أكثر من كليجدار أوغلو، وبالاطلاع على الخطاب الذي ألقاه محرم أنجيه، فقد كان خطابًا شديد الاستقطابية ضد حزب العدالة وضد الرئيس أردوغان، وقد اعتمد أنجيه في رسالته أمس أنه الأقدر على مواجهة أردوغان ملمحًا لضعف كليجدار أوغلو، وقد قال كلمة أكد عليها الصحفي التركي أحمد هاكان في صحيفة حرييت وهي “لكي تغير الشخص الذي ينجح ضدك لا بد أن تغير الخاسر”.
لقد كان هناك ذبذبة وضعف في أداء حزب الشعب الجمهوري بقيادة كليجدار أوغلو، فعلى سبيل المثال ولعل ذلك من خوف الحزب من الانجرار إلى مربعات وتوجهات حزب العدالة، حيث لم يستمر دعمه للموقف الشعبي والرسمي تجاه المحاولة الانقلابية سوى أسبوع، ثم ادعى أن المحاولة الانقلابية كانت مدبرة من الدولة والحزب.
من غير المتوقع في ظل قيادة كليجدار أوغلو أن يكون هناك طفرة في قوة وتأييد الحزب في العمليات الانتخابية القادمة
وكذلك الحال خلال توجه الجيش التركي إلى عفرين دعم الحزب تحرك الجيش ثم بدأ يوجه الانتقادات للدولة تارة بخصوص الجيش الحر وتارة بخصوص العلاقة مع نظام الأسد، ولهذا من غير المتوقع في ظل قيادة كليجدار أوغلو أن يكون هناك طفرة في قوة وتأييد الحزب في العمليات الانتخابية القادمة.
وفي الفترة الأخيرة ظهرت كثير من ملفات الفساد والانتقادات لعدد من قادة حزب الشعب في المدن ودار جدل عن رئيسة شعبة الحزب في إسطنبول التي انتخبت مؤخرًا بشأن نشرها لأفكار تتعلق بنقاش عن أن كوادر حزب الشعب هل هم تابعون لمصطفى كمال أم هم رفاق دربه وكذلك لنشرها على مواقع التواصل صورة لمائدة طعام تحتوي على لحم الخنزير.
الواثقون من فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة يرون أن حزب الشعب الجمهوري الذي يتجه نحو مزيد من الرديكالية والابتعاد عن نبض الشعب سواء فيما يخص عملية عفرين أو تجاه جماعة غولن
ولعل من المهم الإشارة هنا إلى أن فوز كليجدار أوغلو يؤمن استقرارًا لتوجهات الحزب السابقة، فمجيء شخص جديد كان ربما سيعني توجهات جديدة وهذه ستأخذ وقتًا حتى يتم إرساؤها، ولهذا فإن الحزب سيكون أكثر جاهزية ما لم تحدث به أزمات داخلية للبدء من اللحظة الأولى باستئناف الأفكار نحو التحالفات في الانتخابات القادمة أمام تحالف حزب العدالة وحزب الحركة القومية.
ويجادل بعض الصحفيين في تركيا بأن توجهات كليجدار أوغلو لا تختلف عن توجهات محرم أنجيه، فبالنهاية سوف يبقى الحزب أقرب إلى توجهات الغرب وسيعمل على إرضاء النخب الغربية، كما أن الواثقين من فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة يرون أن حزب الشعب الجمهوري الذي يتجه نحو مزيد من الرديكالية والابتعاد عن نبض الشعب سواء فيما يخص عملية عفرين أو تجاه جماعة غولن، سيجري مؤتمرًا استثنائيًا جديدًا بعد الفوز المحتمل للرئيس أردوغان في السباق الرئاسي وبهذا سيتم تغيير رئيس الحزب مرة أخرى.
ويمكن القول في الختام إن إعادة انتخاب كليجدار أوغلو تعني استمرار وضع المعارضة التي استطاع الرئيس أردوغان استقطاب الحركة القومية لصالحه، ومع ضعف حزب الشعوب الديمقراطية والمزاج الشعبي العام تجاه التطورات الداخلية وتحديدًا مع موقف الرئيس أردوغان من قضية القدس ثم عملية عفرين، فإن تحقيق المعارضة لإنجاز أمام الرئيس أردوغان في 2019 يبدو صعبًا.