لم يكن قرار ترامب حول إلغاء جزء كبير من المساعدات الأمريكية لوكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” الشهر الماضي مجرد أداة للضغط على السلطة الفلسطينية فحسب للعودة للمفاوضات وتمرير قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال.
فالإدارة الأمريكية تريد وبشكل واضح إعادة بناء المناهج الفلسطينية من الصفر، حيث قالت مصادر في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، إن “الإدارة الأميركية اشترطت على الوكالة إحداث تغيير في المناهج الدراسية، وذلك لضمان استمرار الدعم الأميركي للأونروا، الذي سيتم حصره في إقليمي الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، بدون سورية ولبنان، من مناطق عملياتها الخمس“.
وأضافت المصادر التي نقلت عنها صحيفة الغد الأردنية اليومية أن الإدارة الأميركية تقدمت للأونروا بشرط تغيير المناهج، التي تُدرس في مدارسها، لجهة شطب كل ماله علاقة بحق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإسقاط هوية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، وإلغاء ما يخص النضال أو المقاومة ضد الاحتلال، أو حتى تعبير “الانتفاضة الفلسطينية“.
المصادر في الأونروا نوهّت إلى أن “شرط الحيادية، عبر إلغاء الأنشطة والفعاليات المتعلقة بمناسبات خاصة بالقضية الفلسطينية، مثل وعد بلفور و”النكبة” والعدوان الإسرائيلي العام 1967 وغيرها، وعدم التعاطي مع أي نشاط سياسي”، كأمر أساسي لإعادة الدعم للوكالة.
السياسة الأمريكية التي لطالما كانت تكيل بمكيالين وتغض الطرف عن دولة الاحتلال، دعت الفلسطينيين إلى مطالبة واشنطن بمراجعة المناهج الإسرائيلية في نفس الوقت إذا ما أرادت مراجعة المناهج الفلسطينية، وهو ما ترفضه حكومة الاحتلال بالطبع
الإدارة الأميركية صرحت بأن استمرار تبرعها للوكالة منوط بإصلاحات تتوقعها من الأونروا، كما حددت رغبتها بصرف تبرعاتها بدون إقليمي لبنان وسورية دون سبب واضح، في الوقت الذي ما تزال “الأونروا” تحاول استيعاب تقليص المساعدات الأميركية المقدمة إليها.
القرار الأمريكي حول الأونروا وحربه على المناهج الفلسطيني سبقه إعلان مراقب الدولة الأمريكي “لويس دودارون” الشهر الماضي اعتزامه فحص إمكانية ما أسماه “وجود تحريض في المناهج الدراسية التابعة للسلطة الفلسطينية”.
ونقلت الموقع الإسرائيلية عن دودارون قوله بأن لديه معلومات في مناهج وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، تحتوي على مواد “معادية للسامية” أو تشجيع “الإرهاب”.
إعلان دودارون جاء في إطار رده على السناتور الأمريكي “جيمس ريش” رئيس اللجنة الفرعية لشؤون ما يسمى بـ”مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وآسيا”، الذي كان توجه بطلب بهذا الخصوص لمراقب الدولة. حيث كان يدعي ريش في رسالته أن الولايات المتحدة تحول ملايين الدولارات للفلسطينيين، مضيفًا أن “السلطة الفلسطينية كانت قد تعهدت منذ عشر سنوات بفحص الكتب المدرسة وإزالة ما يمكن اعتباره (تحريضًا) ضمن المناهج التابعة لها”.
الفلسطينيون استفزهم هذا الإعلان، حيث استنكرت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية “محاولات المس بقطاع التعليم بشكل عام والمناهج التعليمية بوجه خاص”، معتبرة ما يحصل بـ”هالهجمة الشرسة التي تستهدف المس بالهوية الفلسطينية وبدور نظام التعليم في تعزيز هذه الهوية من خلال المناهج الوطنية”، مؤكدة أن “التحريض هو سمة من سمات الاحتلال ونظامه التربوي، وليس الفلسطينيين”.
طالبات إسرائيليات في إحدى مدارس القدس المحتلة
وهنا، لا بد لنا أن نلفت إلى أن مناهج الاحتلال تعزز النهج الاستعماري الاستيطاني، كما تشجع على التخلص من العرب، واعتبار أن فلسطين المحتلة هي دولة يهودية خالصة لـ”شعب الله المختار”، وهذا ما تربى عليه الأجيال الإسرائيلية في المدراس العبرانية المتدينة وغيرها منذ نشأة الكيان، وهو في النهاية ما أدى إلى قتل الأطفال والنساء وسلب حرية شعب بأسره ومصادرة حياته ومستقبل أبنائه.
السياسة الأمريكية التي لطالما كانت تكيل بمكيالين وتغض الطرف عن دولة الاحتلال، دعت الفلسطينيين إلى مطالبة واشنطن بمراجعة المناهج الإسرائيلية في نفس الوقت إذا ما أرادت مراجعة المناهج الفلسطينية، وهو ما ترفضه حكومة الاحتلال بالطبع.
إذا، فالحرب الفكرية التي تحاول إدارة ترامب شنها على الأجيال الفلسطينية هي هدف أساسي في أزمة الأونروا، حيث يحاول الاحتلال مدعومًا بواشنطن -التي تبتز الفلسطينيين ودول الجوار العربية التي تستضيف جل اللاجئين الفلسطينيين بعيد النكبة والنكسة- إلى خلق جيل فلسطيني جديد مسلوب الوعي الوطني حول قضيته، يتقبل وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي، وليس لدي أدنى مشكلة مع وجود هذه الاحتلال الذي اغتصب الأرض والحقوق، فمن خلال شمّاعة “الإرهاب ومعادية السامية” تسير إدارة ترامب لتنفيذ سياساتها التي لا تستهدف الفلسطينيين فقط، بل جميع الدول العربية والإسلامية، التي وقع بعضها مؤخرًا في هذا الفخ، وأصبح يعتبر دول الاحتلال دولة صديقة ووجودها أصيل المنطقة ولا بد من التعامل معها والتطبيع المباشر دون أي قيود.
أزمة الأونروا واستهداف مناهج الطلبة الفلسطينيين في الضفة وغزة ودول الشتات، تعتبر الأخطر، إذ أن استهداف الأونروا هو استهداف لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وحق مقاومتهم للاحتلال
يعتقد الفلسطينيون أن معركة تغييب الوعي لدى الطفل الفلسطيني مستمرة، والابتزاز السياسي والمادي والفكري سيستمر، وذلك من أجل تغيير هوية المنهاج الفلسطيني، التي تستهدف الطلبة في الضفة وغزة بشكل عام، وفي القدس بشكل خاص ومركز، حيث أن القدس وأهلها هم مركز القضية والأزمة، فالحملات التي يتعرض لها الطالب المقدسي تهدف إلى تغييب عقله وتزييف الحقائق والتاريخ حول المدينة المقدسة، والتي تتعرض إلى أكبر حملات التهويد منذ نشأة الكيان.
المنهاج الصهيوني لصفوف الابتدائية، الذي اعتمدته هذا العام 5 مدارس في القدس المحتلة ونشر بعضاً منه مركز معلومات وادي حلوة في سلوان
فقرار ترامب الأخير حول نقل سفارة بلاده للقدس واعتبار المدينة المحتلة عاصمة لدول الاحتلال هو يعني ضم القدس بما فيها من عرب ومسلمين لدولة الاحتلال، وهنا لن يستطيع الطالب المقدسي إلا الاستقاء من المناهج الإسرائيلية التي تزيف الحقائق والتاريخ.
أزمة الأونروا واستهداف مناهج الطلبة الفلسطينيين في الضفة وغزة ودول الشتات، تعتبر الأخطر، إذ أن استهداف الأونروا هو استهداف لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وحق مقاومتهم للاحتلال، التي تكفلها كل القوانين والتشريعات الدولية، وتغييبها يعني فقدان هذه الحقوق، وضياع اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون الويلات منذ عشرات السنين.
في النهاية، يجب التذكير بأن دول عربية تضم ملايين اللاجئين الفلسطينيين مثل الأردن، قامت بتغيير الكثير من مناهجها في إطار “التجديد والتحديث”، ليتم حذف كثير من آيات الجهاد على سبيل المثال في الكتب الإسلامية، وحذف بعض المعلومات حول احتلال فلسطين والعداوة مع دول الاحتلال، مثل حذف كتاب “القضية الفلسطينية” من المناهج الأردنية، ومثل حذف عبارات كعبارة “احتل العدو الصهيوني فلسطين” من منهاج الصف الرابع الابتدائي خلال سنوات مفاوضات السلام بين الأردن ودولة الاحتلال، وما إلى ذلك من الأمثلة المشابهة في منتصف وأواخر التسعينيات.
وقبل نحو أربعة أعوام، تم توزيع كراسات بدعم من المنظمة الأمريكية (usaid) على المدارس في الأردن، ومنها مدارس الأونروا، يظهر عليها في الخارطة اسم “إسرائيل” ولا يوجد اسم الأردن أو فلسطين، وهو ما أثار حينها غضب شعبي واسع، استدعى الحكومة الأردنية لتهدئته واحتوائه ونفي أن تكون هذه الكتب ضمن المناهج الرسمية الإلزامية للطلبة.