ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ عدة أسابيع، ملأت الملصقات الدعائية الانتخابية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شوارع العاصمة، والتي كتب عليها شعار “معك من أجل مصر”. وفي واقع الأمر، لم يصبح السيسي مرشحا رسميا بعد، بينما يحاول النظام مرة أخرى إنقاذ ما بقي من مظاهر الانتخابات الرئاسية حرصا على الظهور بمظهر لائق دوليا.
لكن قبل عشرة أيام، وهي المدة القانونية لتقديم ملفات المترشحين وفق مرسوم اللجنة الانتخابية (من 20 إلى 29 كانون الثاني/ يناير)، تسارعت الأحداث مما لا يدع مجالا للشك بأن طبيعة الانتخابات التي ستجرى خلال شهر آذار/ مارس ستكون تصويتا من دون معارضة أو مناظرات.
استبعاد المرشحين المحتملين
منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر، تم استبعاد المرشحين المحتملين من السباق الرئاسي، وهما العقيد بالقوات المسلحة، أحمد قنصوة، الذي خضع للاستجواب بعد أيام قليلة من إعلانه ترشحه، ورئيس الوزراء السابق، أحمد شفيق، الذي رمى المنديل في اليوم الموالي من عودته الإجبارية إلى مصر. ثم أعقبه في كانون الثاني/ يناير استبعاد محمد أنور السادات، ابن شقيق الرئيس المصري الأسبق.
في المقابل، أدى اعتقال الجنرال المتقاعد، سامي عنان، يوم 23 كانون الثاني/ يناير، أي قبل أقل من أسبوع من انتهاء المهلة المحددة لتقديم الترشحات، إلى وضع النظام في حالة حرجة. وإلى جانب ذلك، رمى المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، خالد علي، المنديل أمام السيسي تاركا إياه وحيدا للادعاء مستقبلا بأنه قد أعيد انتخابه مرة أخرى. وبشكل عاجل، بحث المحيطون بالنظام عن دعم للسلطة من خلال توفير مرشح يسهل التحكم فيه وتحريكه بالخيوط مثل الدمية. وقد رفض حزب الوفد ارتداء هذه العباءة، فلبسها موسى مصطفى موسى القيادي في حزب الغد.
فاز عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية بنتيجة سوفيتية تعادل 96.9 بالمائة من الأصوات، وبنسبة مشاركة مرتفعة جدا بلغت 47.4 بالمائة، أي بمشاركة 25.5 مليون ناخب
“تغير معنى التصويت”
أكد الصحفي والمحلل السياسي، هشام قاسم، أن “المصريين يسخرون من هذه الانتخابات، ولم يأخذوها على محمل الجد”. وفي ظل عجزهم عن خداع أبسط الأشخاص، مازالت صفحة فيسبوك التابعة للمتظاهر بالترشح للرئاسية، موسى مصطفى موسى، تظهر صورا للرئيس حتى بعد إعلانه الترشح.
حيال هذا الشأن، أورد هشام قاسم “لا أرى داعيا يحث المصريين على الوقوف في طوابير من أجل التصويت لمرشح وحيد وهو السيسي. فعندما صوت الناس له سنة 2014، كان ذلك يمثل نوعا ما عقدا اجتماعيا؛ نعم لقد أردنا السير للأمام ورغبنا في جعل عبد الفتاح السيسي رئيسا لنا. ولكن بعد أربع سنوات، لم يترك لنا الخيار لأنه خرق العقد الذي كان بيننا سابقا”.
سنة 2014، فاز عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية بنتيجة سوفيتية تعادل 96.9 بالمائة من الأصوات، وبنسبة مشاركة مرتفعة جدا بلغت 47.4 بالمائة، أي بمشاركة 25.5 مليون ناخب. وبشكل متناقض، خرج المصريون أفواجا للإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع على الرغم من أن المشاركة كانت ضئيلة عندما أنهى الانقلاب العسكري الذي وقع في الثالث من تموز/ يوليو سنة 2013، لينهي بذلك ولاية أول رئيس منتخب ديمقراطيا والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي.
تعليقا على الانتخابات المصرية، شرحت باحثة مصرية مختصة في السياسة، خيرت عدم الكشف عن هويتها، “بعد الانقلاب العسكري سنة 2013 تغير معنى التصويت. لم نعد نذهب لصناديق الاقتراع من أجل اختيار برنامج سياسي، بل أصبحنا نذهب من أجل إبراز الامتثال من عدمه، أصبح الأمر أشبه بالاستفتاء. لم يعد التصويت يحمل معنى الاختيار السياسي كما عرفناه في الفترة الوجيزة التي أعقبت الثورة”.
قرر عدد من المصريين غير المبالين العزوف عن التصويت الذي يبدو أنهم لا يسيطرون عليه
بالنسبة لهشام قاسم، إن الانتخابات الرئاسية التي ستقام خلال شهر آذار/ مارس القادم، تعيد لذهن الناخب المصري “اللامبالاة الانتخابية” التي كانت تميز عصر مبارك، إذ لم تتجاوز أعداد المشاركين في رئاسة المخلوع سبعة ملايين ناخب فعلي. لكن، بالنسبة للأخصائية في السياسة المصرية، برز هذا “القطع” بسبب الانتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2015، التي شهدت تراجعا كبيرا في عدد الناخبين. ثم شرحت ذلك قائلة “لقد كانت تلك عملية تؤكد أن الانتخابات القادمة انتخابات تكريسية. تكرس الموت السياسي، وموت الفضاء العام، وموت المناظرات. كما تكرس قلة الكفاءة السياسية للمسؤولين الجدد”.
من خلال انشغاله بالترشحات المتعاقبة لثلاث شخصيات من صفوف الجيش المصري، أعطى النظام دليلا على عدم استعداده للانتخابات في الوقت الذي تظهر فيه في الصدارة الانقسامات في صلب المؤسسة العسكرية.
خطر الامتناع
صرحت مديرة برنامج الحملات بمكتب منظمة العفو الدولية بشمال أفريقيا، ناجية بونعيم، في أعقاب إيقاف سامي عنان، أنه “من الواضح أن السلطات المصرية قد قررت بشكل سري إيقاف وهرسلة كل من تسول له نفسه الوقوف في طريق الرئيس عبد الفتاح السيسي”. ووصفت هذه الحادثة مؤكدة بأنها “انتهاك جديد لحق الشعب المصري في حرية التعبير والمشاركة في الحياة السياسية”.
في هذا السياق، قرر عدد من المصريين غير المبالين العزوف عن التصويت الذي يبدو أنهم لا يسيطرون عليه، وقد أكد شاب من شباب القاهرة، قرر عدم التصويت قائلا إن “الجميع يعرف بأنه تم التلاعب بالانتخابات، ولكن المصريين لم يعودوا يرغبون في ثورة ثانية”. ففي هذه الانتخابات التي تم التلاعب بها مسبقا، يمثل الامتناع عن التصويت الخطر الأخير على الرئيس السيسي، في وجه شعب منهك بسبب سياسة التقشف الشرسة وفشل الإستراتيجية الأمنية.
أطلق تحالف” الحركة المدنية الديمقراطية” نداء لمقاطعة الانتخابات التي وصفها “بالمهزلة”، وغياب “المنافسة النزيهة”، وبأنها تجرى في ظل “مناخ من الخوف”
في شأن ذي صلة، جادل أحد المتقاعدين قائلا “حتى إذا كان المصريون قد سئموا من هذا الوضع، خاصة إن رأوا الصعوبات التي يواجهونها من أجل المأكل أو ما يتعلق بمستوى معيشتهم، إلا أنه وُضع برنامج من أجل توفير حظوظ أفضل للشباب في العثور على عمل”. كما أكد هذا الشيخ، الذي يبلغ من العمر 70 عاما، والذي صوت للماريشال السيسي سنة 2014، بأنه سيعيد التصويت له في آذار/ مارس، “إنه ابن المؤسسة العسكرية، ومن دونه لحَكم الإخوان المسلمون البلاد”.
إن الفوضى الليبية والسورية واليمنية، والاضطرابات التي أعقبت الثورة، والاقتصاد المتهاوي، تمثل دافعا لجزء كبير من المصريين للقبول بالأمر الواقع، ودعم عبد الفتاح السيسي. وقد أكدت الباحثة المصرية المختصة في العلوم السياسية هذا التوجه قائلة “هناك طلب شعبي من أجل توفير النظام، ومن هنا يستمد نظام السيسي شرعيته”.
دعوة للمقاطعة
بسبب استبعادهم من انتخابات أخذت شكل التصويت لتأكيد الامتثال لصالح مرشح واحد، دعت أحزاب المعارضة لمقاطعة الانتخابات. وقد أطلق تحالف “الحركة المدنية الديمقراطية”، الذي أنشأ في كانون الأول/ ديسمبر، حملة “خليك بالبيت”، في نداء آخر بالمقاطعة أعلن عنه قبل يومين مرشحَان سابقان للانتخابات الرئاسية لسنة 2012. وتصف هذه الدعوات الانتخابات “بالمهزلة”، وغياب “المنافسة النزيهة”، وبأنها تجرى في ظل “مناخ من الخوف”.
من جهته، سارع الرئيس عبد الفتاح السيسي بإصدار تحذيرات قوية في وجه الموقعين على هذه الدعوات، مظهرا أنه لن يتسامح مع أي تشكيك في شرعية التصويت. ووفق تقارير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية، أعلن الرئيس المصري “إجراءات أخرى ضد أي شخص يعتقد أنه بإمكانه التلاعب بأمن البلاد”. وخلال هذا الخطاب، أشار السيسي بشكل نادر لثورة 2011، قائلا “كونوا حذرين، ما حصل قبل سبع أو ثماني سنوات لن يتكرر… أمنك واستقرارك يا مصر ثمنه حياتي أنا وحياة الجيش”. ثم واصل قائلا “لست رجل سياسة يقف عند الكلام فقط”.
على ضوء هذه المعطيات، صرح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمتحدث باسم المرشح المستبعد سامي عنان، حازم حسني، الذي وقع بدوره على الدعوة الأولى للمقاطعة، بأن “التغيير عبر الانتخابات أصبح مستحيلا، والتغيير عبر الثورة ليس واقعيا الآن”. ثم قال “دعوتنا إعلان موجه للنظام لنقول له نحن لن نستسلم ولن نتراجع. فقد مثلت هذه الانتخابات نقطة البداية لحقبة جديدة في مجابهة الدكتاتورية”.
المصدر: سلايت